داخل ملعب «ستاد دو فرانس» وفي نهائي بطولة «يورو 2016»، واجه أنطوان غريزمان قسوة ومرارة الهزيمة في نهائي كبير للمرة الثانية في ظرف 6 أسابيع. أن تخسر نهائي دوري الأبطال مع ناديك، ثم البطولة الأوروبية مع بلادك - وكانت كلتا المواجهتين معركة حامية الوطيس - في صيف واحد فذلك صيف موجع بشكل غير عادي.
غادر غريزمان الملعب بعد الهزيمة من البرتغال وعاد إلى غرفة خلع الملابس مع زملائه بالفريق. يقول: «كنت في غاية الحزن لكنني لم أبك. قلت لنفسي إن علي أن أتماسك وأشجع الزملاء وأواجههم. أردت أن أظهر للجميع شخصيتي، وأنني قادر على أن أكون قائدا للمنتخب». وبهذا العمل، والارتقاء من حضيض الحالة المعنوية، أثبت غريزمان، هذا المهاجم النحيل أنه لا يمتلك موهبة كبيرة فحسب، وإنما قلبا عملاقا. وإذا كانت الحكمة المفترضة تضع كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي في مستوى أعلى من أي فئة أخرى من اللاعبين في كرة القدم الحديثة، فإن غريزمان واحد من هؤلاء اللاعبين الذين يقتربون جدًا من مستواهما. يقول: «أريد أن آكل على طاولتهما. أريد أن اقترب قدر الإمكان من مستواهما، وأن أفوز بالألقاب. هدفي هو أن أكون من بين الأفضل».
ومع وضع هذا نصب عينيه، فقد توجهت رغبته بعد فترة شديدة السخونة من مسيرته. يقر غريزمان بأنه أخذ وقتا ليتعافى من مثل هذا المستوى من الآمال والتوقعات التي وصل إليها بألوان أتليتكو مدريد وفرنسا بعد أن وصل لأعلى سقف ممكن في الموسم الماضي. يقول: «كانت هناك الكثير من المشاعر، والكثير من التوتر، ويمكن أن يصيبك هذا بإجهاد شديد. لعبنا نهائيين كنا فيهما قريبين جدا من بلوغ الهدف وقريبين جدا من حمل اللقب. لكن الوقت لم يكن مناسبا فحسب. غير أنني لن أتوقف عند هذا الحد. سأواصل العمل لكي ألعب في النهائي وأفوز، لقد صرت أكثر تصميما على الفوز». استغرق غريزمان وقتا ليتعافى ويستعيد حيويته، ويستمتع بإجازة استحقها بجدارة خلال الصيف. بدت كعملية لإنعاش الروح الكروية. عاد إلى «مايكون»، بلدته في بورغوندي، وقضى وقتا مع والديه. كما قضى إجازة بصحبة أصدقائه القدامى، وصديقته إريكا وابنته الصغيرة مايا. وما لبثت أن عادت الحيوية تدب بداخله من جديد. من اليوم الأول لفترة الاستعداد للموسم الجديد مع أتليتكو والتوقيع على عقد جديد مؤخرا، بات غريزمان تواقا للانطلاقة الجديدة.
وقاد غريزمان، فريقه أتليتكو مدريد لتحقيق فوزه الأول في الموسم الحالي من الدوري الإسباني لكرة القدم بعدما سجل هدفين خلال الفوز على ملعب سيلتا فيغو 4 / صفر السبت الماضي في المرحلة الثالثة من المسابقة. وتعادل أتليتكو في أول مباراتين بالدوري هذا الموسم أمام ألافيس وليغانيس الصاعدين حديثا لدوري الدرجة الأولى ويبتعد بفارق أربع نقاط عن ريال مدريد المتصدر وبرشلونة بنقطة واحدة بعد أن وجه ديبورتيفو ألافيس صدمة مدوية لبرشلونة وجماهيره وتغلب عليه في عقر داره 2 / 1 السبت أيضًا في نفس المرحلة.
يتوقع غريزمان أن ينافس فريقه بقوة على لقب الدوري من جديد. في أبريل (نيسان)، كان هناك سباق ثلاثي على اللقب. كانت نقطة واحدة تفصل بين برشلونة وأتليتكو وريال مدريد قبل 5 مباريات على النهاية. في ذلك الوقت كان فريق المدرب دييغو سيميوني الديناميكي يخوض كذلك مباريات صعبة في الأدوار الحاسمة في دوري الأبطال، وتخطاها ليقابل برشلونة ويطيح به في دور الثمانية، قبل أن يحقق انتصارا غير متوقع على بايرن ميونيخ في نصف النهائي. أحرز غريزمان - المتألق والخطير بانطلاقاته في الهجمات المرتدة - أهدافا حاسمة ضد كلا العملاقين. في نفس الشهر العامر بالأحداث، أصبح أبا للمرة الأولى.
ووصولا إلى مايو (أيار)، دفع الفريق ثمنا باهظا بسبب كبوة واحدة بخسارة أتليتكو من ليفانتي مباشرة بعد العودة من ميونيخ، حيث طار برشلونة بعيدا باللقب. بعد ذلك جاء نهائي دوري الأبطال ضد جاره في المدينة. الطريقة التي يتحدث بها غريزمان عن الخبرات الكثيرة التي اكتسبها من كرة القدم مؤخرا، توضح أن الضربة الأكثر إيلاما جاءت عندما هزمهم ريال مدريد وفاز بلقب جديد لدوري الأبطال. يقول: «كان أكثر الإحباطات صعوبة هو خسارة نهائي دوري الأبطال، كان أول نهائي مهم بالنسبة لي».
كان تأثير ذلك عميقا بما فيه الكفاية لدرجة أن السؤال البسيط عما إذا كان يفضل الفوز بالدوري المحلي أم دوري الأبطال، يدفعه للرد بإجابة مباشرة: «دوري الأبطال من دون تردد. لأنني أعشق هذه البطولة. أشاهد تقريبا كل المباريات متى استطعت - مباريات دور الثمانية ونصف النهائي والنهائي. وهي بطولة محببة إلى قلوب الجميع هنا، المدرب واللاعبين. أشاهدها منذ كنت صغيرا. وحلمت باللعب فيها. ولطالما كنت أشعر بقشعريرة عندما أسمع موسيقى دوري الأبطال. وأن ألعب في هذه البطولة وأحرز الأهداف فذلك شيء يكتسب أهمية خاصة بالنسبة لي».
عندما يسترجع ذكريات الطفولة، هناك لاعب ارتبط به عندما كان يشاهد المباريات على التلفزيون، وترك تأثيرا كبيرا عليه، ديفيد بيكام. يقول: «كنت أعجب به كثيرا، وكان دائما هو المثال بالنسبة لي. لهذا ارتدي القمصان ذات الأكمام الطويلة وأحمل الرقم 7».
تحول غريزمان إلى واحد من اللاعبين الأكثر إثارة للإعجاب في أوروبا. ويضعه سجله الممتاز من حيث إحراز الأهداف بجانب أسلوبه الإيجابي على المرمى والذي ينتقل لزملائه في الفريق بما يشبه تأثير العدوى، يضعه ضمن فئة المهاجمين الذين تتنافس الأندية على الحصول على خدماتهم. وبجانب رونالدو وغاريث بيل في ريال مدريد، فإن غريزمان دخل ضمن القائمة القصيرة التي تضم 3 لاعبين مرشحين لجائزة أفضل لاعب في أوروبا. وتوج رونالدو بالجائزة الشهر الماضي.
وقد عززت جهود غريزمان مع فرنسا في يورو 2016، حيث احتل صدارة هدافي البطولة بستة أهداف، هذه المكانة الآخذة في الصعود بالفعل مع إسهاماته المثيرة مع أتليتكو. كما وأن تركيزه على التأهل لكأس العالم في روسيا بعد أن خسر في النهاية مع المنتخب الفرنسي، هو أمر يشي بالكثير عن عقليته، خاصة وأن هذا الهدف يمتزج بطموحه على مستوى النادي باعتبارهما أهم أولياته.
السعي لتحسين مستواه يمثل قوة محركة بداخله. وهو يعتقد أن البقاء في أتليتكو، بالتأكيد في الوقت الحالي، يمنحه أفضل منصة للقيام بهذا. ما الذي يجعله سعيدا لهذا الحد هناك؟ يجيب: «زملائي في الفريق، ومدربي، وحياتي خارج النادي، وأسرتي الصغيرة سعيدة جدا بالوجود هناك». ويضيف: «نعيش معا. وعلى المستوى الشخصي هو ناد قادر على تحقيق الألقاب. ليس لدي فعلا أي رغبة في الذهاب لناد آخر. أريد أن أفوز بالألقاب مع أتليتكو. ليس الفوز بالدوري الإسباني مهمة شخصية، لكنني أريد تحقيق ذلك بشدة. لدينا رغبة قوية للفوز بالدوري ودوري الأبطال معا، وسأبذل كل ما بوسعي لمساعدة فريقي على النجاح. وأتمنى هذا الموسم أن نكون أفضل مما كنا».
تشكل جزء من تصميمه الشخصي بتحدي دخول عالم الكرة الاحترافية كناشئ موهوب تعرض للرفض في بعض الأحيان بسبب جسمه الهزيل، وأسلوبه الهادئ. جاءته الفرصة في الخارج، وتشبث بالفرصة التي منحها إياه ريال سوسيداد، فترك بلاده ولا يزال شابا صغير السن. وشأن صديقه المقرب بول بوغبا، الذي غادر فرنسا كذلك في سنوات مراهقته، لينضم إلى مانشستر يونايتد في المرة الأولى، فإنه يعرف أن هناك نوعًا مختلفًا من النشأة المطلوبة، ونوعًا مختلفًا من التصميم المطلوب، لكي يتمكن من النجاح في وسط هذه الظروف.
يقول: «في البداية يكون الأمر صعبا للغاية، لا تعود إلى منزل والديك، وكل ما تفعله هو أن تلعب كرة القدم. كما قلت لأبي، هكذا أتعلم أن أكون احترافيا. عندما ذهبت لإسبانيا كان لهذا السبب. عليك أن تكون متماسكا بحق من الناحية النفسية». وهذه صفة يشعر بأنها تتوفر فيه كما تتوفر في صديقه بوغبا. لم يكن غريزمان مندهشا لسماع سعر انتقال لاعب الوسط من يوفنتوس، ليعود من جديد إلى أولد ترافورد هذا الشهر. يقول: «بوغبا يعشق هذا الدوري، ومانشستر هو ناديه المفضل. وهو يقدم مع مورينهو شيئا جديدا. اعتقد أن المشجعين في إنجلترا لن يشعروا بخيبة أمل. يمكنهم أن يتوقعوا أداء لافتا من بوغبا. وهو يستحق هذا. يعمل بجد ويملك موهبة تؤهله لأن يكون لاعبا مهما كما هو».
هل يمكن أن يفكر غريزمان يوما باللعب في الدوري الإنجليزي (البريميرليغ)؟ بالتأكيد لن يكون هناك نقص في العروض إذا قرر الانتقال. يقول: «نعم، ولم لا؟ إذا انتهى تعاقدي مع أتليتكو سأطرح على نفسي هذا السؤال». أما في الوقت الراهن مع هذا، فهذا السؤال غير مطروح بسبب التزامه مع أتليتكو. يشعر كأنه في بيته، ونفس الشيء بالنسبة لأسرته. ورغم تعرضه لخيبة أمل مزدوجة الصيف الماضي، فإن غريزمان أمامه الكثير ليتطلع إليه. وهو يريد أن يستغل كل لحظة في كرة القدم وبعيدا عنها، بكل قوته، الصغيرة جسمانيا، لكن المؤثرة للغاية.
غريزمان: السقوط في نهائيي «يورو 2016» ودوري الأبطال صنع مني رجلا
مهاجم منتخب فرنسا وأتليتكو مدريد يتذكر مرارة خيبة الأمل المزدوجة الصيف الماضي
غريزمان: السقوط في نهائيي «يورو 2016» ودوري الأبطال صنع مني رجلا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة