لا يُنكر أحد أن 90 عامًا محطة مهمة في حياة أي أحد أو شيء، لهذا عندما بلغت دار «فندي» عامها التسعين أخيرًا، لم ترده أن يمر مرور الكرام، ورأت أنه يستحق احتفاليات كبيرة تُعرف العالم بالمحطات التي شكلت شخصيتها وأوصلتها إلى ما هي عليه، فهي حاليًا واحدة من أهم صناع الترف في العالم، سواء تعلق الأمر بالأزياء لا سيما تلك المصنوعة من الفرو أو حقائب اليد المصممة على المقاس. من بين الفعاليات التي نظمتها بهذه المناسبة، معرضًا تحت عنوان «فندي روما – صنّاع الأحلام» FENDI Roma – The Artisans of Dreams، افتتحته في بالازو ديلا سيفيلتا إيتاليانا في شهر يوليو (تموز) وسيمتد إلى نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. فيه تحتفل الدار بالمبادئ التي تأسست عليها منذ بدايتها ولا تزال تحترمها إلى اليوم من دون أي محاولات كبيرة لتغييرها خوفًا على مكانتها أو خنوعا لإملاءات الموضة الموسمية. فحملات المناهضين لاستعمال الفرو والجلود الطبيعية مثلا لم تهز لها طرفا حتى عندما كانت في أوج قوتها وكان الكل يتخوف منها ويحسب لها ألف حساب. الآن بعد أن خمدت قوة هذه الحملات بعض الشيء، وتبنت العديد من بيوت الأزياء الفرو كخامة تُعبر عن الرفاهية والفخامة لكي تُبرر أسعارها وتُلبي متطلبات السوق، فإن «فندي» تبقى الأساس لا سيما أن عدم تراجعها عن قناعتها وسنوات التحدي علمتها الكثير من التقنيات والخبرات في هذا المجال، إلى حد أن الفرو الذي يخرج من معاملها يبدو أحيانا في خفة الحرير ومرونته. وهذا تحديدًا ما يظهر واضحًا في المعرض، الذي يُسلط الضوء على براعة العمل اليدوي والقيمة الفنية لكل قطعة تُنفذها يد حرفي فيها. وتؤكد الدار أن الحرفية المحتفى بها هنا، تُعبر عن ثقافتها وجمعها بين التراث والمستقبل في الوقت ذاته. فالتقنيات التي توارثها العاملون فيها أبًا عن جد تحترم تقاليد الصنعة القديمة من دون أن تتجاهل ضرورة مواكبة التطورات الاجتماعية والاقتصادية، والأهم من هذا متطلبات الأسواق العالمية. فخلال الـ90 عاما، لم تعد الدار محلية تستكين لزبائنها من الطبقات الأرستقراطية الإيطالية أو الأوروبية، بل توسعت وكبُرت لتشمل آسيا وغيرها من الأسواق التي تبحث عن كل ما هو مميز، وطبعا إذا كان مطعما بلمسة شاعرية إيطالية فإن هذا عز المنى والطلب.
ورغم أن أي معرض هو مجرد أفكار ومحطات تاريخية تُعرفنا بتاريخها عبر الصور أو بعض المنتجات، فإن «فندي» أرادت من معرضها أن يكون مختلفا، لا يُظهرها واحدة من «صناع الأحلام» فحسب، بل يعكس قوتها التسويقية والتجارية أيضًا، بدليل أن تشكيلتها للخريف والشتاء المقبلين معروضة في جناح مهم. ليس هذا فقط، بل حرصت على أن يكون المعرض تفاعليا من خلال وجود حرفيين يستعرضون أمام الزوار خبراتهم والتقنيات التي يتبعونها لصنع معطف من الفرو مثلا، يبدو من بعيد وكأنه من الدانتيل نظرا لألوانه وتخريماته أحيانا أو لخفته أحيانا أخرى.
عندما تدخل باب المعرض، أول ما يطالعك عند المدخل سترة متعددة الألوان من فراء المنك والثعلب، مشغولة بحرفية عالية وبدرجات من لوني الأصفر والأسود، بعدها مباشرة تدخل إلى غرفة تأخذك إلى صُلب عالم «فندي» من خلال فيلم سينمائي يستحضر أيضًا علاقة الدار بالسينما في أوج ازدهارها بروما. فمن على مقعد «إنتارسياتو» الوثير من الفراء، يمكن متابعة شريط فيديو بعنوان: «فندي: الأيادي التي تصنع الجمال»، يعطي فكرة عن أهم اللحظات التي عاشتها الدار ومرت بها فضلا عن التطوّرات التي شهدتها عبر 90 عامًا.
طبعًا بعد متابعة الفيلم، ستغمرك رغبة بالتعرف على المزيد لتجد نفسك في قسم «لابيرينت» Labyrinth سينقلك هذا الجزء إلى ما يمكن وصفه بمختبر الأفكار والألوان، ويأخذك في رحلة ثلاثية الأبعاد تتفتح فيها هذه الألوان والأشكال وكأنها براعم ورود أو كأنها متاهة لا تنتهي عبر الفضاء، وعلى الجدران والأرضية والسقف من الإبداعات التي يركز فيها الفيديو على تغيرات منتجات الفراء الغرافيكية، مع تسليط الضوء على كيفية التعايش في دار «فندي» بين التقليد والابتكار والإبداعية والتقنيات المشغولة باليد.
هناك أيضًا قسم بعنوان «أوبسيشن» (Obsession)، يبدو فيه الفراء وكأنه غابة من الألوان والإكسسوارات الصغيرة مثل الحلي الخاصة بتزيين حقائب اليد، نحو ثلاثمائة حلية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإكسسوارات الصغيرة أكدت أنها منجم ذهب من الناحية التجارية، بدليل أنها تحقق للدار الكثير من الأرباح، إلى جانب أنها باتت تُستعمل لكي تعكس جانبا مرحا من الدار. جانبا كان خفيا أو نائما قبل أن توقظه سيلفيا فنتوريني فندي منذ بضع سنوات، على شكل وحوش وأشكال غريبة كان من الممكن أن تثير الرهبة وتجعل الزبائن يعزفون عنها لكن العكس حصل. لهذا لم يكن من المكن تجاهل هذا الجانب وعدم الإشارة إليه في معرض من المفترض تتبع أهم المراحل والمحطات التاريخية والفنية والإبداعية وعدم تجاهل أي منها، مهما كانت صغيرة أو بسيطة.
القسم الآخر الذي يقل أهمية، إن لم نقل الأهم، هو ذلك الذي يحتفل بالحرفية، التي تعتبرها الدار من أهم رموزها وجيناتها الوراثية.
في هذا القسم يمكن تتبع القدرات الإبداعية لكارل لاغرفيلد منذ التحاقه بدار فندي سنة 1965 إلى الآن. فقد مزج خياله الخصب بما توفره الدار من قدرات حرفية ومهارات تقليدية لتكون النتيجة علاقة زواج ناجحة لم يخفت وهجها حتى اليوم. في جو قائم على الغرافيكية والتحفيز البصري، ويجمع التكنولوجيا بالتراث، سيكتشف الزائر عمل الحرفيين بشكل مباشر. فمجموعة منهم موجودة طوال الوقت تحيطها مواد مذهلة ورسومات كارل لاغرفيلد، ما شابه من أدوات مهمة في عملية الإبداع. مثلا يمكن معاينة كل مراحل ابتكار وتنفيذ سترة قصيرة من مجموعة «الهوت فورير» لخريف وشتاء 2015 - 2016 باللون الوردي وفراء المنك والريش، بدءًا بالرسم مرورا بالكانفا والنموذج الورقي ووصولاً للبراعات الحرفية المختلفة للتنفيذ. أما النتيجة النهائية المعروضة فلا تحتاج إلى وصف أو كلام.
بعد هذا يتم توجيه الزائر إلى غرفة بعنوان «إكسبيرينس» (Experience) مصممة على شكل رواق طويل يقسم إلى أربع مسارات تجريبية يمكن فيها لمس الفراء بشكله الخالص قبل أن يخضع للتطوير والتنعيم الذي يجعله كأي قماش قابل للابتكار. بعدها تجد نفسك في غرفة «إسنشالز»Essentials وهي بمثابة نافذة على التاريخ الروماني، حيث تبدو وسط مشهد عتيق وعصري في آن واحد مخصص لاستعراض مجموعة منتقاة من منتجات الفراء والحقائب. بعضها خرج من الأرشيف ويعود تصميمه إلى حقبة السبعينات، مثل فراء استوتشيو وإسكيمو وبعضها الآخر أكثر حداثة مثل إنتارسي التي أبدعت ما بعد 2000. ولا ينسى المعرض استعراض الحقائب الأيقونية مثل «باغيت» و«بيكابو» وغيرها، لتنتهي هذه الرحلة في غرفة الأحلام، «دريم» (Dream)، التي تضم مجموعة من أزياء الـ«هوت فورير» لخريف وشتاء 2016 - 2017 فيما يمكنك متابعة أخرى من على شاشات ضخمة بتأثيرات ثلاثية الأبعاد تجعلك تشعر كما لو أنك تتابع عرضا حيا.
إذا انتهت رحلتك في المعرض وأنت لا تزال تشعر بالعطش للمزيد، فعليك بكتاب «فندي روما» FENDI ROMA، يبقى معك كذكرى لرحلة عبر تاريخ الجمال والأحلام. فهو يضم صورا فوتوغرافية تتبع تاريخ الدار وهويتها فضلا إلى تلك العلاقة الحميمة التي تربط بينها وبين عاصمة السينما الإيطالية، روما: علاقة كانت ولا تزال مصدر إلهام وحب.
معرض FENDI Roma – The Artisans of Dreams
يقام في Palazzo della Civiltà Italiana
Quadrato della Concordia، 3 – Rome
يستمر المعرض إلى 29 أكتوبر 2016.