يودع الصيف الأفلام الضخمة التي لم تكن تتطلع إلا لبضعة أطنان من الدولارات ويستقبل تلك التي تأمل في الحصول على غنائم موسم الجوائز. هذا هو الوقت من السنة التي يتكاثر فيه الحديث عن الأوسكار المقبل. بات الأمر كما لو أنه عقارب ساعة سويسرية.
أفلام تسافر بعيدًا، حتى مطلع الصيف المقبل، وأفلام تصل بحشودها المعتادة والغاية هي نيل «غولدن غلوب» أو «بافتا» أو جائزة من جمعية الممثلين أو من جمعية الكتاب أو المخرجين. وإذا ما سار كل شيء على ما يرام، سيتراءى لكثير منها التمثال المذهب المعروف بـ«الأوسكار» وهو يقف عند آخر الرحلة.
في الاعتبار، منذ الآن، ما لا يقل عن عشرة أفلام أميركية تشحذ سيوفها للمعركة الكبيرة، لكن من المبكر الحديث عنها الآن لأن ذلك لن يكون الحديث الأخير، فمن هنا وحتى نهاية هذا العام سيزداد عدد هذه الأفلام الناطقة بالإنجليزية والتي سيصل منها عشرة أو أقل قليلاً إلى عتبات الترشيحات الرسمية. كما أن الكثير مما ستتوالى عروضه خلال الأشهر الثلاثة المقبلة ما زال طي الكتمان بحيث لا يمكن استلهام مستواه فعليًا. كل ما يمكن التأكيد عليه هو أن غالبها تمت جدولته للعرض خلال هذه الفترة لكي يتاح له سبر غور الجوائز.
ما يوازي كل ذلك إثارة وحماسًا، هو ما يدور في أرجاء مسابقة الأفلام غير الناطقة بالإنجليزية التي تدخل مسابقة أوسكار الفيلم الأجنبي. عامًا بعد عام يرتفع عدد الدول المشاركة التي ترسل بأفلامها إلى تلك المسابقة، يحدو كل منها أن يُصار إلى فوز فيلمها بما يعنيه ذلك فوز الدولة ذاتها بنصيب مهم من هذا التميّز الفني.
والذي لا يخفى أن الثقافات المتعددة التي تنتمي إليها أفلام الدولة الآسيوية واللاتينية والأوروبية والأفريقية تؤدي إلى تعدد أساليب ومواضيع الأعمال المقدّمة. والبعض كتب ملاحظًا أن هناك تنويعات في المواضيع وغزارة في المراجع الثقافية بين الأفلام التي تدخل الترشيحات الأولى، تلك التي ستجتاز عتبة القبول الأولى وهي بمعدل 70 - 75 فيلمًا في العام، أكثر من تلك الأفلام الأميركية التي تصبو للتنافس على أوسكار أفضل فيلم في ميدانها.
* رشيد ويوسف
لكن ذلك طبيعي في الواقع بسبب التعدد الثقافي المشار إليه. ما هو لافت، أن الكثير مما يستحوذ أوسكار أفضل فيلم أجنبي ينتمي إلى الدول الأوروبية الغربية منها والشرقية. إيطاليا وفرنسا وإسبانيا تأتي في المقدّمة. في حين تتوزع نسب خفيفة على الدول الآسيوية (في المقدّمة اليابان بأربع جوائز حتى الآن) واللاتينية والأفريقية.
وضع السينما العربية في هذا السجال ينتمي إلى تلك الأقلية لو حسبنا هذه الدول منفصلة، لكن مع ترشيحات عبر السنين وردت من مصر والسعودية ولبنان وفلسطين والمغرب والجزائر والأردن، فإن النسبة ترتفع جيدًا إذا ما تم اعتبار كل هذه الدول صرحًا واحدًا.
والحقيقة أن تاريخ السينما العربية مع الأوسكار شاسع وإن كانت نتائجه الفعلية محدودة. فالأفلام الآتية من دولها اعتادت التوجه إلى تلك المنافسة الأجنبية منذ أواخر الخمسينات. لكن الفيلم الفائز الوحيد عنها ما زال «زد» للفرنسي كوستا .غافراس الذي موّلته الجزائر سنة 1968 ونال أوسكار أفضل فيلم أجنبي عنها في العام التالي.
بعد ذلك هناك 16 فيلمًا تم انتدابه من قِبل السينما الجزائرية أو باسمها لكن أربعة منها فقط وصلت إلى الترشيحات الرسمية قبل الأخيرة وهي «المرقص» (1983) الذي، مثل فيلم غافراس، كان فيلمًا أجنبي الصنعة (أخرجه إيتوري سكولا) وجزائري التمويل. الثلاثة الأخرى هي من إخراج رشيد بوشارب وبدأت سنة 1995 بفيلم «غبار الحياة»، ثم في 2006 عبر «أيام المجد» ولاحقًا في 2010 في «خارج القانون».
المخرج بوشارب لا يزال أكثر مخرج عربي تم ترشيحه رسميًا بهذا العدد من الأفلام. لكن إذا أخذنا عدد الأفلام التي تم إرسالها لكنها لم تدخل الترشيحات الرسمية، فإن أربعة منها كانت من نصيب المخرج يوسف شاهين بدءًا بفيلم «باب الحديد» سنة 1958 و«إسكندرية ليه» (1979) ثم «الإسكندرية كمان وكمان» (1990) و«المصير» (1997).
هذه الأفلام الأربعة هي من أصل 30 فيلم تم انتدابها من عام 1958 إلى عام 2014 عندما تم التقدم بفيلم محمد خان «فتاة المصنع» لكنه لم ينجح في دخول المسابقة ذاتها. وإذا ما راجعنا الأفلام المقدمة فإن عددًا منها كان يستحق السعي وربما الوصول إلى العتبة ما قبل الأخيرة وفي مقدّمتها فيلم «باب الحديد»، ثم منها «أريد حلاً» لسعيد مرزوق (1975) وهو فيلم سبق «الانفصال» الإيراني في طرح مشكلات الطلاق في مجتمعه، لكن الإيراني هو الذي نال أوسكار أفضل فيلم أجنبي سنة 2011) و«على من نطلق الرصاص» لكمال الشيخ (1976) و«أهل القمة» لعلي بدرخان (1981).
هذه الأفلام وسواها نال في أرضه الكثير من التقدير وسبح كثير منها في بحار من المهرجانات الأوروبية لكن كيف تستقبل في بلدها وفي بعض أنحاء أوروبا هو أمر مختلف عن كيف تستقبل في هوليوود. على أن ذلك لم يمنع من أن مصر هي صاحبة الرقم الأعلى في التقدم للأوسكار بأفلام إذ يبلغ العدد 30 مرّة (أو 30 فيلم).
* هيفاء وبركة
الدول العربية الأخرى التي تقدّمت بأفلامها هي السعودية ولبنان والعراق وفلسطين والمغرب وتونس. لكن فقط فلسطين والأردن تخطت مسألة التقديم إلى الترشيحات الرئيسة.
كان مفاجئًا لكثيرين أن فيلم هيفاء المنصور (الذي فاز بنحو 25 جائزة من مهرجانات وجمعيات نقدية) تعثر في الوصول إلى الترشيحات النهائية سنة 2013. لكن الحقيقة هي أن الأفلام الخمسة التي نجحت في الوصول وهي «كون - تيكي» (نروج) و«قضية ملكية» (دنمارك) و«لا» (تشيلي) و«ساحرة الحرب» (كندا) و«حب» (النمسا) تمتّعت بدعم إعلامي كبير تمثّل في الحملة الصحافية المصاحبة قبل أسابيع من إعلان الجوائز في ذلك الحين. والأرجح أن «وجدة» كان في تعداد تلك الأفلام التي كانت على بعد يسير من الدخول لولا بضعة أصوات مفقودة. أما الفيلم الرابح، وهو «حب» لميشيل هنيكه فكان من الصعب نزعه عن الفوز لكل الأسباب الفنية الممكنة.
هذا العام تم اختيار «بركة يقابل بركة» لمخرجه الشاب محمود صبّاغ لتمثيل السعودية. الفيلم جيد ومختلف جدًا عن أي فيلم آخر قد تتاح له فرصة دخول الترشيحات، لكن استكمال هذه المرحلة سيعود إلى قوّة أداء الأفلام الأجنبية الأخرى قبل أي شيء.
حظ لبنان لا يختلف عن حظ مصر من حيث انتداب أفلام بعينها للأوسكار ثم الانكفاء دون دخوله رغم أن بعض الأفلام كان جيدًا ومنها «بيروت الغربية» لزياد الدويري (1998) و«كارامل» لنادين لبكي (2007) و«تحت القصف» لفيليب عرقتنجي. هذا العام سيتم انتداب فيلم لبناني من بين ثلاثة يجري الحديث والتصويت بشأنها داخل وزارة الثقافة اللبنانية وهي «عودي» لجيهان شعيب و«بالحلال» لأسد فولدكار و«فيلم كتير كبير» لمير جان بوشعيا. إذا ما تم انتخاب فيلم أسد فولدكار فسيكون ذلك الفيلم الثاني له الذي يتوجه إلى هذه المسابقة إذ سبق وأن تم إرسال فيلمه الأول «لما حكيت مريم» لدخول المسابقة سنة 2002.
فلسطين هي أفضل حظًا بالنسبة للترشيحات الرسمية من سواها.
ثمانية أفلام هي التي تقدّمت لدخول الترشيحات حتى الآن بدءًا بفيلم إيليا سليمان «يد إلهية» (2003) وصولاً إلى فيلم آخر جيد في العام الماضي هو «المطلوبون الـ18» لعامر شومالي وبول كووَان. لكن فيلمين فقط اخترقا الحاجز وترشحا فعليًا هما «الجنة الآن» (2005) و«عمر» (2013) وكلاهما للمخرج هاني أبو أسعد.
في المقابل تم إرسال عشرة أفلام باسم المغرب وذلك من عام 1977 (بفيلم «عرس الدم» لسهيل بن بركة (الذي لا يزال فيلمه الطويل الأخير)، وانتهاء بفيلم «عايدة» لإدريس مريني في السنة الماضية.
* المطلوب
واحد من المشكلات التي تواجه الأفلام العربية التي تزمع الاشتراك هو التغطية الإعلامية المناسبة. هذه تنقسم إلى قسمين. واحدة تواكب عملية ترشيح الدولة لفيلمها والثانية (والأهم) تنطلق بعد إغلاق موعد التقديم. إذا ما نجح الفيلم وانتمى إلى الخمسة الموعودة، فإن مرحلة ثالثة تتأسس وتتطلب جهدًا مضاعفًا وهي المرحلة الفاصلة بين إعلان الترشيحات الرسمية (في شهر يناير «كانون الثاني») وبين إعلان النتائج الرسمية (الأسبوع الثاني من فبراير «شباط»).
لكن مثل هذه الحملات الإعلامية تتطلب رصيدًا في البنك ليس هناك من يؤمنه.. رصيدًا يُصرف على الاحتفاء بعرض الفيلم لأعضاء الأكاديمية (كما لأعضاء المؤسسات المهمّة الأخرى مثل جمعية مراسلي هوليوود الأجنبية موزعة الـ«غولدن غلوبس») وإقامة حفل ما بعد العرض. كذلك طبع وتوزيع أسطوانات الفيلم وإقامة مؤتمرات صحافية عبر ذراع إعلامية متخصصة.
لكن حقيقة الأفلام العربية دائمًا ما ركبت الحصان الأسود وانبرت منفردة تحاول جهدها بما تيسر من تمويل وأسباب لفت الانتباه، حصر اهتمام أعضاء الأكاديمية وسواهم بما هو لافت بالفعل لكونه يطرح (وبشروط جيدة) ما يستدعي الاعتبار الفعلي. من هنا استطاع فيلما هاني أبو أسعد الوصول مرّتين إلى الترشيحات الرسمية ونال الجزائري رشيد بوشارب هذه الحظوة ذاتها ثلاث مرّات. لكن حتى هذه الأفلام الخمسة التي تحدثنا عنها («الجنة الآن» و«عمر» الفلسطينيان و«غبار الحياة» و«أيام المجد» و«الخارجون عن القانون») لم تنجز شرط الوصول من دون آلة إعلامية تمتعت بها لأن التمويل جاء من مؤسسات أوروبية ولو أن الأفلام مثّلت فلسطين والجزائر.
في عالم متشابك ثقافيًا وسياسيًا وفي زمن من التداعيات الناتجة عن هذا التشابك والكثير من الاعتبارات غير الضرورية، علينا أن ننظر إلى التوقعات بحذر. فإن ثبت العكس ودخل فيلم عربي نطاق الترشيح الرسمي فإن المفاجأة تستحق الانتظار والتوقعات فاز الفيلم بالأوسكار فعلاً أو لم يفز.
أوسكار أفضل فيلم أجنبي في ميزان العرب
تاريخ من المحاولات منذ خمسينات القرن الماضي.. والأمل متجدد
أوسكار أفضل فيلم أجنبي في ميزان العرب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة