يتحول العمل الجاري على صياغة «استراتيجية التنمية الاقتصادية لروسيا» إلى مادة دسمة إعلاميًا، لا سيما في ظل استمرار التنافس بين مؤسستين كلفهما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بصياغة تلك الاستراتيجية، وهما «مركز البحوث الاستراتيجية» برئاسة وزير المالية الروسي الأسبق أليكسي كودرين، الذي تم تعينه مؤخرًا نائبًا لرئيس «المجلس الاقتصادي الرئاسي»، أي نائبًا لبوتين الذي يرأس المجلس، وعلى الطرف الآخر يقف «مركز ستوليبين» برئاسة بوريس تيتوف المفوض الرئاسي لشؤون قطاع الأعمال (البيزنس)، زعيم «حزب التنمية».
وكانت مواجهة اقتصادية قد انطلقت بين المركزين مطلع شهر أغسطس (آب) الجاري، حين قرر الرئيس الروسي تكليف «مركز ستوليبين» بالعمل على صياغة «استراتيجية التنمية»، وذلك بعد 3 أشهر تقريبًا على تكليف مماثل أصدره لمركز البحوث الاستراتيجية.
حينها، وبعد الإعلان عن قرار تكليف «مركز ستوليبين» أيضًا بصياغة استراتيجية التنمية، أطل أليكسي كودرين رئيس «مركز البحوث» عبر وسائل الإعلام الروسية ووصف الاستراتيجية التي يعدها «مركز ستوليبين» بأنها «مشروع سياسي»، موضحًا أن تيتوف مدير المركز وضع تلك الاستراتيجية ضمن البرنامج السياسي لحزبه، حيث ينوي المشاركة في الانتخابات النيابية الروسية خريف العام الجاري. وأعرب كودرين عن قناعته بأن الرئيس الروسي سيعتمد بصورة خاصة على الاستراتيجية التي يعدها مركزه، أي مركز البحوث. ولما كانت تصريحات كودرين قد جاءت خلال حوار أجرته معه وكالة «إنتر فاكس» الروسية، فيبدو أن خصمه، أي بوريس تيتوف، قرر الرد والدفاع عبر الوكالة ذاتها.
وفي معرض رده على تصريحات كودرين، أكد بوريس تيتوف في حديث يوم أمس لوكالة «إنتر فاكس» أن استراتيجية التنمية التي يعمل مركزه «مركز ستوليبين»، على صياغتها هي «مشروع سياسي»، موضحًا أن «السبب في ذلك لا يعود لكوني زعيما لحزب التنمية. وإنما لأن تلك الاستراتيجية أمر مهم للبلاد بأسرها، وبهذا المعنى فهي بالفعل سياسية». وتابع: «أما الاستراتيجية التي يضعها أليكسي كودرين، فلا يمكن أن نقول عنها أي شيء، وما إذا كانت سياسية أم لا، ومن غير الواضح ما الذي يريده كودرين»، حسب قول تيتوف، الذي استرسل في هجومه على استراتيجية خصمه، حين اعتبر أن كودرين يقترح أن «نقف في المكان لا التنمية؛ لأن المعيار الرئيسي بالنسبة له هو مستوى تضخم بقدر 4 في المائة، وعجز ميزانية لا يزيد عن 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي».
ويرى تيتوف أن الأهداف الرئيسية التي يركز كودرين على تحقيقها ضمن استراتيجيته للتنمية «تعني الضغط المالي، وهذا لا يعني المضي قدمًا، بل استمرار السياسة الاقتصادية القديمة»، مضيفًا أن تطبيق الأفكار التي يوليها كودرين اهتمامه تحتاج كثيرًا من الوقت، وهذا سيعني - وفق ما يرى تيتوف - أنه «ليس الركود فحسب؛ بل تدهور الوضع في البلاد»، واصفًا المرحلة الحالية التي يمر بها الاقتصاد الروسي بأنها «مرحلة ركود مستمرة منذ عام ونصف، فضلاً عن مؤشرات سلبية للتنمية»، وأن «الناتج الإجمالي المحلي للفرد بالدولار في البلاد حاليًا يتناسب مع ما كان عليه في الستينات والسبعينات، أي عند مستوى التنمية لدولة مثل الكونغو»، حسب قول تيتوف، محذرًا من أن «المستوى المعيشي في روسيا قد يعود إلى ما كان عليه منتصف التسعينات؛ إذا لم يتم اتخاذ قرارات اقتصادية جدية».
أما المخرج من هذا الوضع الخطير، فيرى تيتوف أنه ممكن من خلال «برنامج اقتصادي شامل» يقوم على الفكرة الرئيسية في استراتيجية التنمية التي يعمل على صياغتها ضمن «مركز ستوليبين»، والفكرة هي «التركيز على نمو الاقتصاد؛ وليس على استقراره»، موضحًا أن هذه الفكرة تعني «التركيز على السياسة الاقتصادية النشطة للدولة، بغية رفع مستوى الناتج الإجمالي المحلي»، داعيًا للاستفادة في هذا الشأن من تجربة الولايات المتحدة التي اعتمدت على برنامج «التسهيل الكمي» خلال أزمة 2008 - 2009. أما المسألة الثانية التي يركز عليها تيتوف في استراتيجيته للتنمية، فهي مرتبطة بالسياسة النقدية، وتحديدًا الإقراض، ويدعو في هذا المجال إلى «تخصيص 30 مليار دولار أميركي لمنح قروض طويلة الأجل، كي تواصل عجلة الاقتصاد حركتها، ونخرج من الأزمة»، معربًا عن يقينه بعدم إمكانية تحقيق أي اقتصاد للتنمية دون سياسة نقدية كهذه.
ويتوسع تيتوف في عرضه لجملة من الأفكار التي تتضمنها استراتيجيته للتنمية، ويشير بهذا الصدد إلى ضرورة تخفيف «العبء» الضريبي عن الشركات الإنتاجية حديثة العهد على أقل تقدير، وهذا سيؤدي حسب قوله إلى «تحفيز الاستثمارات، بينما ستنمو القاعدة الضريبية على حساب ظهور شركات جديدة»، ويدعو كذلك إلى «تحفيز قطاع الأعمال، وبحال اشترت شركة معدات حديثة يمكن إعادة 25 في المائة من ثمن تلك المعدات إلى الشركة من الضرائب التي تدفعها للدولة».
وبشكل عام، يشدد مفوض الرئيس لشؤون قطاع الأعمال على ضرورة الفصل بين «إدارة الوضع الحالي وإدارة التنمية» بوصفه شرطًا ضروريًا لتحقيق النجاح، ومعه مسألة أخرى يؤكد عليها وهي تخفيض سعر الفائدة.
ومن المقرر أن يتم عرض استراتيجية التنمية التي يعدها «مركز ستوليبين» على المجلس الاقتصادي الرئاسي في شهر ديسمبر (كانون الأول) نهاية العام الجاري، حسب تأكيدات تيتوف، الذي قال: «إن الرئيس كلفنا وكلف كودرين بصياغة استراتيجية التنمية»، وذلك في إجابته على سؤال حول إمكانية أن يعتمد بوتين استراتيجية «مركز ستوليبين» أساسًا لبرنامجه الاقتصادي في الانتخابات الرئاسية عام 2018.
«صراع المراكز» يشتعل في روسيا.. و«التنمية الاقتصادية» ضحية بالمنتصف
مواجهات «كودرين ـ تيتوف» تصل إلى الإعلام
«صراع المراكز» يشتعل في روسيا.. و«التنمية الاقتصادية» ضحية بالمنتصف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة