ماذا تغير بعد مرور عامين على حكم «نهضة الغنوشي» في تونس؟

بروز ظواهر جديدة في الشارع التونسي.. واختلاف بين الإسلاميين والعلمانيين في قراءة أسبابها وأبعادها

ماذا تغير بعد مرور عامين على حكم «نهضة الغنوشي» في تونس؟
TT

ماذا تغير بعد مرور عامين على حكم «نهضة الغنوشي» في تونس؟

ماذا تغير بعد مرور عامين على حكم «نهضة الغنوشي» في تونس؟

مرت يوم الأربعاء 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2013 سنتان على فوز حزب حركة النهضة الإسلامي بأول انتخابات جرت في تونس بعد سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي. وقد تسلمت الحركة رسميا مقاليد الحكم في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2011 باعتبارها الحزب الذي حصل على أغلبية المقاعد في المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان التونسي) بترؤس أمينها العام حمادي الجبالي للحكومة، بعد تحالفها مع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي) وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (حزب مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي).
ومنذ ذلك التاريخ ما انفكت تونس تعيش على وقع حراك سياسي كبير، وأزمات متعددة ذات طابع اقتصادي وسياسي واجتماعي بالدرجة الأولى.. ولكن ماذا عن نمط عيش التونسيين وطريقة حياتهم؟ هل طرأ تغيير على هذا النمط بعد أن أخذت «النهضة» بزمام الأمور وهي صاحبة مشروع مجتمعي بمرجعيات تختلف ولو نسبيا عن المرجعيات التي قام عليها النموذج المجتمعي التونسي حتى الآن؟

مخاوف
حتى قبل تسلم «النهضة» مقاليد الحكم، بادرت عدة جهات - تحسب غالبا على العلمانيين - بالتعبير عن مخاوفها من إمكانية سعي الحركة، في حالة فوزها بالانتخابات، إلى محاولة تغيير نمط المجتمع التونسي، والتراجع عما تعده هذه الجهات مكاسب تضعها تحت خانة «الحداثة والتحرر والانفتاح». وفي المقابل أكدت قيادات الحركة ومن بينهم راشد الغنوشي رئيسها أكثر من مرة أن الحكومة في حالة فوز النهضة بالانتخابات «لن تتدخل في لباس الناس وأكلهم وشربهم وطريقة عيشهم». كما شددت قيادات النهضة على أن «لا شيء يبرر هذه المخاوف»، معتبرة إياها مجرد «فزاعات» يحاول خصومها السياسيون استخدامها ضدها.

موقع المرأة
قبل نحو ستة أشهر أثيرت ضجة كبرى حين أقدم رجل أمن في مطار «تونس قرطاج الدولي» على سؤال امرأة تونسية كانت تتأهب للسفر إلى الخارج إن كان لديها ترخيص من زوجها يسمح لها بالسفر. وقد قامت هذه المرأة التي تترأس جمعية أهلية في الحين بنقل تفاصيل هذه الحادثة على صفحتها بالموقع الاجتماعي «فيس بوك» لتقوم الدنيا بعدها في أوساط المجتمع المدني التونسي، وخصوصا المهتمين بالدفاع عن حقوق المرأة، الذين اعتبروا هذا التصرف مقدمة للتراجع عن مكاسب المرأة. في حين أصدرت الجهات الرسمية بيانا أكدت فيه أنها لم تتخذ أي إجراء يفرض على المرأة التونسية الحصول على تصريح من زوجها أو من ولي أمرها للسفر خارج حدود البلاد.
البعض رأى في هذه الحادثة «بالون اختبار» ومقدمة لمحاولة التراجع عن بعض مكاسب المرأة التونسية قد تصل حسب رأيهم إلى حد التراجع عن قانون منع تعدد الزوجات المعمول به في تونس منذ سنة 1957. ولكن وعدا بعض التصريحات لدعاة لا علاقة مباشرة لهم بحركة النهضة، فإنه لم تتحدث أي جهة رسمية من قيادات الحركة الحاكمة عن هذا الموضوع.
من جانب آخر، وفي علاقة بمسألة الزواج والأسرة تناولت وسائل إعلام محلية منذ فترة بروز موضوع الزواج العرفي في أوساط الشباب التونسي، وخصوصا طلاب الجامعات، مؤكدة أن تونس تشهد تناميا في مثل هذه الزيجات. ولم تقم أي جهة رسمية بتأكيد وجود هذه الظاهرة أو نفيها، ولا بإنجاز دراسة حول هذا الموضوع، علما بأنه لا توجد إحصائيات رسمية أو غير رسمية حول هذه الظاهرة.

ظواهر جديدة
من يتجول في الشارع التونسي لا يلاحظ تغييرا كبيرا في سلوك التونسيين وطريقة عيشهم، سواء من حيث الاختلاط بين الجنسين في المؤسسات التربوية وأماكن الترفيه، أو من حيث تواصل إقبالهم، رجالا ونساء، على الشواطئ والمهرجانات الثقافية وارتياد المقاهي. التغيير الوحيد البارز للعيان هو ظاهرة النساء المنتقبات وتنامي عدد الرجال الذين أصبحوا يطلقون لحاهم، أو أولئك الذين يلبسون «القميص الأفغاني»، وهو ما لم يكن متاحا في زمن حكم بن علي، حيث كانت اللحية «شبهة»، وحيث وصل الأمر إلى حد ملاحقة النساء المحجبات فما بالك بالمنتقبات، مقابل ذلك تشتكي بعض التونسيات اليوم مما تعتبرنه «تلميحات جارحة وحتى سوء معاملة من البعض بسبب عدم ارتدائهن الحجاب»، حسب قول إحداهن.
كذلك أصبحت كتب الفقه والدين، وهي التي كان الكثير منها ممنوعا خلال حكم النظام السابق، حاضرة بشكل بارز سواء في المكتبات أو أمام المساجد أو في معرض تونس الدولي للكتاب الذي يقام سنويا.
كما بعثت الكثير من المدارس القرآنية للصغار وللكبار في كل أحياء تونس، الراقية منها والشعبية، هذا فضلا على أن المساجد لم تعد تغلق أبوابها خارج أوقات الصلاة، كما كان الشأن قبل سقوط نظام بن علي.
ولكن هذه المظاهر سبقت تسلم حركة النهضة للحكم، حيث بدأت في البروز في زمن حكومة محمد الغنوشي الذي شغل منصب الوزير الأول مع بن علي، وترأس أول حكومة بعد سقوط هذا الأخير، وكذا حكومة الباجي قائد السبسي من بعده. وهي مظاهر يعدها البعض في باب الحرية الفردية التي أصبح ينعم بها كل التونسيين دون استثناء بعد سقوط النظام السابق.
الظاهرة البارزة الأخرى التي عرفها المجتمع التونسي خلال السنتين الأخيرتين تتصل بالحضور الكبير للعمل الخيري وتوسعه. وهو ما يعكسه تزايد عدد الجمعيات الخيرية بشكل لافت حيث أصبحت تعد بالآلاف. ولا يخفى أن الكثير من هذه الجمعيات الخيرية ترتبط بالأحزاب السياسية. ويدور منذ مدة جدل واسع ومثير حول هذه الجمعيات وما إذا كانت أهدافها خيرية حقا أم سياسية. كما تطرح نقاط استفهام كثيرة عن مصادر تمويلها. وقد وصل الأمر إلى تبادل الاتهامات بين القوى السياسية التونسية بهذا الخصوص.
وتبقى ظاهرة «خروج عدد من المساجد عن السيطرة»، حسب التعبير الذي استخدمه مسؤولون في وزارة الشؤون الدينية التونسية في تصريحات إعلامية، من الظواهر الجديدة التي برزت في المجتمع التونسي وهو ما دفع ببعض المواطنين إلى تغيير المساجد التي اعتادوا أداء الصلاة فيها، بسبب خطاب يعتبره البعض «متطرفا»، خاصة حين وصل الأمر إلى «التكفير والتحريض المباشر وغير المباشر على العنف». وتؤكد وزارة الشؤون الدينية أنه «جرت استعادة الكثير هذه المساجد شيئا فشيئا»، وأن «المشكل لا يزال قائما في نحو مائة مسجد» في كامل تراب البلاد.

اعتداءات
خلال شهر رمضان المعظم الأخير، ورغم النداءات التي توجه بها بعض الدعاة، وكذلك إدلاء نور الدين الخادمي، وزير الشؤون الدينية التونسي، بتصريح فهم منه، أنه «دعوة لمنع فتح المقاهي في رمضان نهارا»، فإن عددا قليلا من المقاهي قد واصلت عملها خلال الشهر المعظم متخذة فقط بعض الاحتياطات حتى لا يبرز رواد هذه المقاهي للعيان وللمارة.
كما تواصل الحانات والنزل التي تبيع المشروبات الكحولية عملها بشكل عادي تقريبا، عدا تسجيل اعتداءات من بعض الجهات التي وصفت بالمتشددة دينيا، على محلات في مدينة سيدي بوزيد وسط غربي تونس، ومدينة جندوبة شمال غربي العاصمة، حيث قامت بعض المجموعات بتحطيم واجهات وتجهيزات هذه المحلات، وبإتلاف كميات من قوارير الجعة والخمر، علما وأن المشروبات الكحولية سجلت ارتفاعا لافتا في أسعارها خلال السنتين الأخيرتين، وهو ما رأى فيه البعض طريقة غير مباشرة لإثناء الناس عن تناولها، عوضا عن منع استهلاكها.
الواضح أن الجدل حول النموذج المجتمعي التونسي ونمط عيش التونسيين سيتواصل في المستقبل بين الجهات التي تتهم «النهضة» بـ«ازدواجية الخطاب» وبأنها «تضمر ما لا تظهر»، وأنها لن «تتأخر متى سنحت الفرصة عن محاولة تغيير نمط المجتمع التونسي»، وبين الإسلاميين الذين يؤكدون أنهم «لن يتعسفوا على التونسيين» ويرون فيما جد من أحداث أنها «تبقى أحداثا معزولة وقع تهويلها وربط الحركة بها لتشويهها ولتخويف الناس منها لغايات سياسية بحتة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».