بعد هزائم «داعش».. حروب جديدة تمور في العراق

أخطر بؤر الصراعات المقبلة خطوط التماس بين البيشمركة والميليشيات الشيعية

مقاتل كردي لدى مواجهة مسلحة جرت ضد ميليشيات شيعية في طوز خورماتو في ابريل الماضي (رويترز)
مقاتل كردي لدى مواجهة مسلحة جرت ضد ميليشيات شيعية في طوز خورماتو في ابريل الماضي (رويترز)
TT

بعد هزائم «داعش».. حروب جديدة تمور في العراق

مقاتل كردي لدى مواجهة مسلحة جرت ضد ميليشيات شيعية في طوز خورماتو في ابريل الماضي (رويترز)
مقاتل كردي لدى مواجهة مسلحة جرت ضد ميليشيات شيعية في طوز خورماتو في ابريل الماضي (رويترز)

يبدو خط الجبهة إلى الجنوب من هذه البلدة القاتمة الكئيبة على ما كان عليه قبل عامين ماضيين، عندما كان تنظيم داعش هو العدو وسيطر على قرية تبعد أقل من ميل واحد من البلدة. والآن، رغم ذلك، يتحصن مقاتلو البيشمركة الكردية خلف الأكياس الرملية والأسلاك الشائكة وينظرون عبرها نحو الميليشيات الشيعية، حلفاء الظاهر في الحرب ضد التنظيم الإرهابي.
وما إذا كان تحالف البيشمركة والميليشيات الشيعية سيستمر إلى ما بعد زوال «داعش» لا تزال مسألة محل نظر. فلقد انهارت دفاعات المتطرفين سريعا في مختلف أرجاء العراق. ومن المرجح أن يبدأ هجوم على الموصل، وهي آخر معاقل التنظيم المتطرف القوية في العراق، بحلول نهاية العام الحالي، على حد تصريحات المسؤولين الأميركيين والعراقيين. وإذا ما سارت المعركة بصورة جيدة، فإن هزيمة «خلافة داعش» المزعومة والمعلنة من جانب واحد في العراق، على الأقل من حيث الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، باتت تلوح في الأفق.
كذلك تلوح في الأفق مشاكل جديدة – وربما صراعات محتملة جديدة.
خلال العامين الماضيين، تمكنت قوات البيشمركة، وقوات الجيش العراقي، والميليشيات الشيعية، وبعض من قوات العشائر السنية، من أن تتجاوز وإلى حد كبير الخلافات طويلة الأمد فيما بينها، لمواجهة الخطر الذي يتهدد الجميع. لكن خلافاتهم ومظالمهم – التي تدور حول قضايا حيوية مثل توزيع السلطة، والأرض، والمال، والنفط – لم تتم تسويتها بعد.
والطريقة التي تُخاض بها هذه الحرب – بواسطة تشكيلات من المجموعات المحلية المسلحة ذات الأجندات الكثيرة والمتنافسة، قد سببت تفاقما في المشكلات القائمة مع نزاعات جديدة وربما تكون أكثر تعقيدا، مثل مسألة من سيحكم المناطق المحررة من المتطرفين، وبأي كيفية.
ويقول يزيد صايغ من مركز كارنيغي لـ«الشرق الأوسط»: «إن اللحظة هناك هي ما يمكن أن نسميها لحظة الانتصار على (داعش)، ثم سوف تواجهك كافة المشاكل الأخرى التي كانت سببا رئيسيا في هذه الأزمة بالمقام الأول».
وخلال عملية دحر تقدم تنظيم داعش، احتلت قوات البيشمركة الكردية المناطق التي كانت تحت سيطرة الحكومة العراقية، مما يعني توسيع المنطقة التي تحكمها الحكومة الكردية الإقليمية المتمتعة بما يشبه الحكم الذاتي بنحو 50 في المائة.
وكان المقاتلون الشيعة الذين يعملون تحت مظلة «الحشد الشعبي» الذي يضم الميليشيات القوية المدعومة مباشرة من إيران إلى جانب مجموعات من المتطوعين العاديين، قد تحركوا في اتجاه أقصى الشمال إلى داخل المناطق التي كانت ذات أغلبية سنية. ولقد عبرت القوات الكردية السورية، مع وحدات الحماية الشعبية، الحدود من سوريا للمساعدة في أعمال القتال وتمكنت من احتلال أجزاء متاخمة لما تحتله قوات البيشمركة الكردية، وهم منافسوهم الألداء في النزاع الكردي - الكردي الأكثر تعقيدا.
وإلى جانب ذلك، لم يتم التعامل مع المظالم السنية التي ساعدت في إذكاء صعود المتطرفين أو تسويتها، مما يزيد من مخاطر أن دورة الحرمان والتهميش التي يشكو منها المكون السني، والتي ساهمت في صعود تنظيم داعش، ستعود مجددا.
إنها معركة معقدة وفوضوية بشكل كبير ويمكنها بسهولة إطلاق العنان لصراعات جديدة حيث إن المنتصرين في الحرب الحالية سوف ينقلب كل منهم على الآخر في محاولة للسيطرة على الأراضي التي خلفوها وراءهم.
وتعتبر بلدة طوز خورماتو المختلطة دينيا وعرقيا من أحد الأماكن التي اندلعت فيها التوترات في الصراع المسلح خلال العام الماضي ومرة أخرى في أبريل (نيسان) عندما قتل 12 مواطنا في الاشتباكات بين القوات الكردية والشيعية.
ويمثل الشيعة التركمان نسبة كبيرة من سكان البلدة، لكنها تضم في ذات الوقت أعدادا كبيرة من الأكراد والعرب السنة. ومنذ أن طردت القوات الكردية والميليشيات الشيعية مقاتلي تنظيم داعش من القرى المجاورة قبل عامين، ظلت طوز خورماتو تحت السيطرة الكردية. لكن الميليشيات الشيعية تملك مكاتب لها هناك وتسيطر على أغلب القرى المحيطة بالمدينة. وتتقاطع الخطوط الأمامية مع تلك المنطقة، وهي لا تعتبر آمنة لعبورها في الوقت الراهن. وخلال الشهور الأخيرة، نفذت الكثير من الهجمات الانتحارية من قبل مسلحي تنظيم داعش وساعدت في زيادة حدة التوتر هناك.
لكن المتطرفين لا يعدون التهديد الأكثر خطورة في الوقت الحالي، كما يقول اللواء محمود فارس محمود، والذي يقود الموقع الكردي في ضواحي طوز خورماتو والتي شاركت قواته في بعض حوادث إطلاق النار مع الميليشيات الشيعية. وقال اللواء فارس: «بكل صراحة، التهديد الأكبر الآن مصدره قوات الحشد الشعبي الشيعية»، مشيرا إلى الميليشيات الشيعية والتي يمكن رؤية راياتها من على بعد ميل. وأضاف قائلا: «يصعب تماما التعامل معهم. إنهم همجيون للغاية. وهم لا يحترمون أي اتفاقيات أو معاهدات، وبالتالي لا يمكننا الوثوق بهم. نشعر بالندم الشديد لأننا دعوناهم إلى هنا وعقدنا تحالفات معهم».
ولا تثق الحكومة العراقية وحلفاؤها في الحشد الشعبي الشيعي كما أنها لا تثق في الأكراد، والذي أعلن رئيسهم، مسعود بارزاني، في أكثر من مناسبة علنية أن حدود كردستان الجديدة تجري إعادة رسمها بالدماء، وأنه لن يتخلى عن شبر واحد من الأراضي الكردية التي استولت عليها قوات البيشمركة في القتال ضد تنظيم داعش.
يقول كريم نوري، الناطق الرسمي باسم منظمة بدر، وهي إحدى الميليشيات الشيعية الموجودة حول طوزخورماتو: «إن هذا الكلام محض هراء. ليست لدى أي أحد النية لأن يسمح لأي قوات بإعادة ترسيم الحدود»
ووفقا للمتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية سعد الحديثي فإن الحكومة المركزية تأمل في إعادة سلطتها على المناطق الخاضعة حاليا لسيطرة الأكراد بعد هزيمة قوات تنظيم داعش هناك. وأضاف: «أي تغيير يحدث من قبل أي شخص نتيجة للظروف الراهنة هو تغيير مؤقت وليس دائما. وهو أمر يعارض الدستور العراقي ولن نقبل به أبدا».
ويمكن لمعركة الموصل، برغم ذلك، أن تزيد من تعقيد الأمور. فللمرة الأولى منذ بدء الحرب ضد تنظيم داعش قبل عامين فإن الطيف الكامل للقوات التي عملت ضده تستعد للمشاركة بما فيها قوات البيشمركة الكردية، والميليشيات الشيعية، وبعض من قوات العشائر السنية العراقية، ومجموعتان من القوات المسيحية إلى جانب القوات الأميركية، والتي كانت قد بدأت في الانتشار في جنوب شرقي الموصل للعمل كمستشارين للحملة العسكرية هناك.
وعلى الرغم من أن مدينة الموصل هي في معظمها للعرب السنة، فإن البلدات والقرى المحيطة بها في محافظة نينوى تقطنها مجموعات كاملة من القوميات العراقية الأخرى، بما في ذلك السنة، والشيعة التركمان، والأكراد، والمسيحيون، والعرب واليزيديون، وطائفة صغيرة تسمى طائفة الشبك والذين يقترب مذهبهم من مذهب الشيعة. ولدى كل منها رؤى متضاربة للطريقة التي تجب بها إدارة المحافظة بعد تحريرها تماما، وهناك الكثير من المقترحات لطرق تقسيم المحافظة إلى أقاليم أصغر.
ويأمل الجانب العراقي في تجنب الصراعات في المستقبل، كما يقول أسعد الأسعد الناطق الرسمي باسم ميليشيات الحشد الشعبي. وأضاف قائلا: «أمامنا الكثير من العمل لنقوم به بعد رحيل (داعش)، ولن يكون أسهل من القتال معهم. ولكن بالنسبة للمشكلة المقبلة، فإن الحرب هي آخر الخيارات المتاحة لدينا، ذلك لأننا سئمنا من الحرب والقتال».
وتتواصل الفصائل المختلفة هناك بالكاد، مما يثير المخاوف من الاندفاع لفرض السيطرة على المناطق المحررة، وفقا لمسؤول كردي كبير، فضل الحديث من دون ذكر هويته لمناقشة المسائل الحساسة. وقال المسؤول الكردي «لا يتحدث أحد مع أحد الآن. وكل ما يشغل بال الجميع الآن أن يكون هو الأول في رفع رايته الخاصة في وسط المدينة. سوف تكون هناك فوضى عارمة وكبيرة».
ويقر المسؤولون الأميركيون بتلك المخاوف ويقولون إنهم على دراية بالصراع المحتمل عقب تحرير الموصل.
وقال المتحدث باسم الجيش الأميركي العقيد كريس غارفير «ليست المسألة في سقوط الموصل، ولكن متى سوف تسقط الموصل، وعندما يحدث ذلك، نريد للخطط أن تكون جاهزة لملء الفراغ السياسي وعودة سكان المدينة إلى منازلهم. لا بد من وضع تلك الخطط في أقرب وقت ممكن».
* خدمة: «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.