تبدو فكرة الجهاز الذي يمكنه أن يصور ذكرياتك من لا شيء، من وحي الخيال العلمي. ولكن مجموعة من الباحثين تمكنوا، في دراسة حديثة، من تصوير أفكار المشاركين بدقة رائعة، عن طريق مسح أدمغتهم. وهي وسيلة تساعد العلماء في فهم كيفية عمل الذاكرة في المخ البشري، وقد تكون الخطوة الأولى نحو تعزيز القدرة المستقبلية لقراءة ما يجري في العقول.
رسم كومبيوتري للصور
عرض باحثون في جامعة «أوريغون» في تجربة لهم، أمام مجموعة من المشاركين، كلهم مرتبطون بأجهزة الرنين المغناطيسي، سلسلة ممتدة من الوجوه البشرية. ثم تابع الباحثون نشاط المخ لدى المشاركين عند اطلاعهم على كل صورة من الصور، وقاموا برسم خرائط للنشاط العصبي للمشاركين متوائمة مع رموز من الأرقام التي خصصت لسمات كل وجه من الوجوه. وتتجسد في هذا الجزء من التجربة وظيفة التعلم الآلي، من حيث قياس الكيفية التي يسجل بها المخ الأرقام المخصصة لكل وجه جديد.
ثم لاحقا، تم إطلاع كل مشارك من المرتبطين بجهاز الرنين المغناطيسي على صورة لوجه جديد. وباستخدام ما لاحظه المشاركون، تمكن الباحثون من برمجة أحد الكومبيوترات بهدف إعادة تركيب الوجه مجددا، انطلاقا من النشاط العصبي لكل مشارك. والنتيجة؟ حمل رسم الكومبيوتر شبها جديدا للصورة الجديدة التي اطلع عليها المشارك في البداية.
وحدد الباحثون دقة الكومبيوتر من خلال عرض الصورة الأصلية والرسم الكومبيوتري على مجموعة جديدة من المشاركين، وطلبوا منهم مقارنة الصور، والإجابة عن أسئلة مثل: «هل الوجه لرجل أم لامرأة؟» أو: «هل لون البشرة فاتح أم داكن؟». وكانت إجابات المشاركين، لدرجة كبيرة، متماثلة بالنسبة للصورتين. وعكس الرسم الكومبيوتري الجديد الوجه الذي تمت فعلا معالجة ملامحه في دماغ المشارك منذ البداية!
دقة الصور
ثم عُرضت على المشاركين صورتان من الوجوه في وقت واحد، وطُلب منهم اختيار واحدة، وتذكرها في عقولهم. ثم أزيلت الصورتان، وسجل برنامج الكومبيوتر نشاط المخ لديهم محاولا إعادة تكوين الوجهين في الذاكرة. وكانت الرسوم الناتجة أقل دقة من التجربة الأولى، ولكن الباحثين تمكنوا من قياس نسبة إعادة التكوين في مقابل الصورة الأصلية، وخلصوا إلى أنها دقيقة بنسبة 54 في المائة.
يقول برايس كوهل، وهو أحد الباحثين: «إنها وسيلة تعمل بطريقة أفضل من المصادفة، ولكن بدرجة طفيفة من الدقة فحسب. وتقدم الدراسة دليلا على مفهوم أن أنماط نشاط الدماغ يمكن ترجمتها إلى تصورات مرئية لوجوه محددة، ولكن دقة أسلوبنا البحثي ليست عالية بدرجة كافية حتى تكون لدينا الثقة الكاملة في أي تصور معين».
ويقول الباحثان كوهل وهونغمي لي إن الدراسة كشفت عن معلومات مقنعة حول الكيفية التي يعالج بها الكومبيوتر الصور. وأضاف كوهل: «نعرف أن هذه المنطقة من المخ تضيء عندما يتذكر الناس شيئا ما، ولكن هناك كثيرا من النقاش حول سبب إضاءة هذه المنطقة تحديدا. والنتيجة الرئيسية كانت أنماط النشاط داخل هذه المنطقة من المخ، التي تحمل معلومات حول ما يتذكره الناس».
والفهم العميق لعلاقة المخ بالذاكرة يمكن أن يساعد في دراسة اضطرابات مرض ألزهايمر، أو غير ذلك من اضطرابات الذاكرة المختلفة.
ولكن ماذا عن الجانب الخاص بقراءة الأفكار، وفكرة أن هذا الجهاز يستمد الصور من ذاكرة الناس؟ يتردد الباحثان كوهل ولي في تسمية تجربتهما بالقراءة الحقيقية للعقل.
ويقول الباحث كوهل: «بالتأكيد، نعتقد أنه من المثير للاهتمام رؤية الأشياء بعين العلم الآن، وهي التي لم تكن سوى قصة من قصص الخيال العلمي فيما سبق. ولكننا نترك الأمر للآخرين لكي يكملوا الطريق عبر هذه الأساليب والتجارب التي يمكن استخدامها في أغراض أخرى».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ }الشرق الأوسط}