«الشرق الأوسط» ترصد تحدي البلجيكيين للإرهاب بالخروج إلى أماكن الاحتفالات بالعيد الوطني

لديهم ثقة في قدرات السلطات الأمنية وخططها.. ويفضلون تجنب المخاطر بدلاً من ردود الفعل

عناصر الشرطة البلجيكية بين المحتفلين بالعيد الوطني في العاصمة بروكسل أول من أمس (إ.ب.أ)
عناصر الشرطة البلجيكية بين المحتفلين بالعيد الوطني في العاصمة بروكسل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

«الشرق الأوسط» ترصد تحدي البلجيكيين للإرهاب بالخروج إلى أماكن الاحتفالات بالعيد الوطني

عناصر الشرطة البلجيكية بين المحتفلين بالعيد الوطني في العاصمة بروكسل أول من أمس (إ.ب.أ)
عناصر الشرطة البلجيكية بين المحتفلين بالعيد الوطني في العاصمة بروكسل أول من أمس (إ.ب.أ)

تحدى البلجيكيون مشاعر الخوف من التهديدات الإرهابية وخرجوا يحملون الأعلام لحضور الاحتفال بالعيد الوطني الذي أقيم، في ظل إجراءات أمنية مشددة، وبعد أسبوع من هجوم نيس أثناء الاحتفال بالعيد الوطني في الدولة الجارة فرنسا.
وأبدى البلجيكيون ثقتهم في الإجراءات والسلطات الأمنية ولكن أكدوا في الوقت نفسه أن الإرهاب يمكن أن يحدث في أي وقت وأي زمان، وقالوا إنه لا بد من تفادي الهجمات أفضل من الرد عليها.
وشهدت بلجيكا إجراءات أمنية خلال الساعات القليلة الماضية، لتأمين الاحتفال بالعيد الوطني وذلك تحسبًا لأي تهديدات إرهابية على غرار ما وقع في نيس بالدولة الجارة فرنسا، خلال الاحتفال بالعيد الوطني، هجوم أثار حالة من الفزع لدى البلجيكيين، مؤكدين ثقتهم في الإجراءات الأمنية المتخذة، ورصدت «الشرق الأوسط»، أول من أمس، أجواء الاحتفالات، والتقت بعدد من المواطنين بالقرب من القصر الملكي في منطقة تورون بقلب بروكسل، وقالت جانين، وهي سيدة بلجيكية في نهاية العقد الرابع من عمرها: «ما حدث في نيس يمكن أن يحدث هنا أو في أي مكان آخر، ولكن ليس بالضرورة اليوم، وإنما يمكن أن يحدث في أي مكان أو أي وقت آخر، ولكن لدي ثقة في الإجراءات والسلطات الأمنية».
وكانت الأعلام البلجيكية تزين الطريق إلى مكان الاحتفال، في تحدٍّ واضح للتهديدات الإرهابية، غير أن الإقبال بدا خافتا بالمقارنة مع احتفالات الأعوام الماضية، حسبما قال مايكل البلجيكي في الثلاثين من عمره. أما السلطات البلجيكية فقد نشرت المئات من العناصر الأمنية، إلى جانب السيارات المصفحة والحواجز الإسمنتية، والمروحيات، مما أسهم في طمأنة الجميع، وقال فردريك وهو في العقد السادس من عمره: «أنا غير خائف، فهنا يوجد عدد كبير من رجال الأمن والجيش، وهذا دليل على التأمين الجيد، وأنا من وجهة نظري تجنب الحدث أفضل من رد الفعل على الحدث، وبشكل عام الوضع مستقر وأشعر بالأمان. والدعوات لحضور الاحتفال العسكري والمدني لم تقتصر على السياسيين والعسكريين، بل شملت شخصيات من أصول عربية وإسلامية، ومنها عائلات لأشخاص يشاركون في عروض الاحتفال سواء من الشرطة أو الجيش أو عناصر الإنقاذ».
وقالت سيدة من أصول عربية وإسلامية في العقد الخامس من العمر تدعى أمينة، وتتحدث الفرنسية أفضل من العربية، إنها سعيدة جدا بحضورها العرض العسكري لأن ابنتها تشارك في العرض ضمن طلبة الشرطة الذين يستعدون للتخرج، وأضافت أن الجميع هنا لا بد أن يتحدوا في وجه الإرهاب منوهة بأن المسلمين والمسيحيين منذ سنوات طويلة وهم يعيشون في سلام، ولا بد من التعايش السلمي بين البلجيكيين وغيرهم.
وصفق الجمهور كثيرا عند مرور رجال الجيش والشرطة في مكان العرض العسكري، الأمر الذي اعتبره البعض رسالة تقدير للدور الذي يقوم به هؤلاء في تأمين الحياة اليومية للمواطنين منذ فترة، وخصوصًا في أعقاب هجمات بروكسل التي وقعت في مارس (آذار) الماضي وأدت إلى مقتل 32 شخصًا وإصابة 300 آخرين.
وفي كلمته السنوية بمناسبة الاحتفال حذر الملك فيليب، عاهل بلجيكا ممن وصفهم بـ«الأنبياء الكذبة» الذين «يتلاعبون بالمشاعر»، مستغلين مناخ انعدام الأمن والغموض وعدم الاستقرار الذي سببته الهجمات الإرهابية في الأشهر الأخيرة وأزمة الهجرة بالخصوص.
وفي رد فعل على كلمة العاهل البلجيكي، قال مواطن بلجيكي اصطحب معه زوجته وابنته وابنه، لحضور الاحتفال: «استمعت إلى ما قاله الملك، وهو كلام جيد، ولكن تنفيذه على أرض الواقع سيواجه صعوبات كبيرة فمطلوب من الجميع سواء من البلجيكيين أو الأجانب إظهار الاستعداد للعيش المشترك وبشكل سلمي».
وانتهى العرض العسكري، لكن المخاوف تظل قائمة من احتمال التعرض لهجمات، وأبقت السلطات على حالة الاستنفار الأمني المرتفعة، وحسب المحلل والخبير البلجيكي فردريك بلاتوه، فإن المرحلة الحالية تتطلب التعامل بجدية مع أي حالة اشتباه، وهو شعار رفعته الشرطة البلجيكية ليس فقط في أعقاب هجمات نيس الأسبوع الماضي، وإنما منذ تفجيرات بروكسل في مارس الماضي.
وقبل أيام قليلة ذكر عمدة مدينة غنت دانيل تيرمونت من الحزب الاشتراكي الفلاماني أن شرطة غنت قامت بمحاكاة هجوم إرهابي خلال حفل الألعاب النارية المقام بمناسبة احتفالات غنت، كإجراء تدريبي.
وأضاف العمدة: «في حدود العاشرة مساء، أبلغ اتصال دولي عن وجود تهديد ضد حفل ألعاب نارية بمدينة نايمغن في هولندا، ولم يكن الأمر كذلك في غنت. ومع الضابط الآمر، قررنا تنفيذ تدريب، كنا قد قمنا بالتخطيط له على الورق، مدعين أن الأمر يتعلق بهجوم حقيقي ضد غنت».
وخلال 45 دقيقة، تم جمع الموظفين والمعدات اللازمة. ووفقًا للعمدة فقد كان التقييم إيجابيًا. وصحيح أن نشر طائرة مروحية تابعة للشرطة ومركبات خاصة مضادة للرصاص قد تم التخطيط له مسبقًا. وقد اجتذبت الألعاب النارية بأعياد غنت نحو 23 ألف متفرج يوم الأحد الماضي، أي أقل بـ7 آلاف متفرج عن السنة الماضية.
يُذكر أنه بعد ساعات قليلة من وقوع الهجوم بشاحنة خلال احتفالات في نيس جنوب فرنسا، أعربت السلطات الحكومية في الدولة الجارة بلجيكا، عن استجابتها لطلبات إدارات الشرطة في الحصول على مركبات مصممة لإغلاق أماكن التجمعات خلال الاحتفالات.
ففي شمال البلاد، قال عمدة مدينة أنتويرب بارت دي ويفر على القناة التلفزيونية الإقليمية «إي تي في» إن شرطة أنتويرب طلبت أخيرًا مركبات جديدة إضافية مصممة لإغلاق أماكن التجمعات خلال الاحتفالات. وفي الوقت الراهن، يتم إدخال مثل هذه المركبات بشكل متقطع إلى أنتويرب، من جانب نماذج تابعة للشرطة الفيدرالية.
وقال بارت دي ويفر إنه في أعقاب هجوم نيس وبصفته عمدة «سيتخذ كل التدابير التي بوسعه اتخاذها». وهو يرى أنه «من غير المفهوم» أن تسير شاحنة بسرعة كبيرة في حشد خلال حفل كما حدث في نيس، في هذه الأوقات التي تشهد تهديدا إرهابيا عاليا. يقول: «خلال حفل الألعاب النارية الخاص بالسنة الجديدة مثلا، الذي جمع مجموعة كبيرة بأنتويرب، كان من المستحيل الوصول إلى هذه المجموعة بواسطة شاحنة».
وأضاف العمدة الذي ينتمي إلى التحالف اليميني الفلاماني: «في الوقت الحالي، نستخدم مركبات الشرطة الفيدرالية، ولكن أنتويرب بنفسها طلبت هذه المركبات العملاقة من الولايات المتحدة، لا سيما لتفادي وقوع مثل هذه الأشياء. وفي الواقع، رأينا بالفعل هذا الأمر: في فرنسا وفي إسرائيل عدة مرات. وقد دعا تنظيم داعش وتنظيم القاعدة سابقًا إلى مثل هذه الأفعال». وسيتم اتخاذ القرار بشأن الإجراءات الإضافية الواجب اتخاذها بمناسبة الأحداث المقبلة، في كل حالة على حدة.
من جانبه، قال وزير الداخلية البلجيكي جان جامبون: «بالنسبة للاحتفالات فقد جرى تقييم الأمور وهناك تدابير إضافية على المستوى الفيدرالي، كما أكد على الإبقاء على حالة الاستنفار الأمني الحالية في البلاد، التي تُستخدم في مواجهة أي هجوم إرهابي محتمل. أما الدرجة الرابعة فيمكن اللجوء إليها في حال تأكدنا من وجود معلومات تتعلق بمكان وموعد هجوم إرهابي محتمل».
وأضاف الوزير في تصريحات لمحطة «في تي إم» التلفزيونية الناطقة بالهولندية: «حتى الآن سوف تستمر خطط الاحتفالات كما كان مخططًا لها من قبل، وأضاف: «آخر شيء نفكر فيه أن نقوم بتغيير أسلوب حياتنا ليتوافق مع أجندة الإرهابيين، فهذا يعني الهزيمة والاستسلام»، واختتم يقول: «مسؤوليتنا كحكومة أن نعمل من أجل ضمان استمرار الاحتفالات بالعيد الوطني».



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».