قصر باكنغهام مقر الملكة إليزابيث الثانية يتمتع بصيت عالمي وله أيضا سحر خاص، فهو قطعة من الحكايات الخيالية سواء بحجراته وقاعاته والأعمال الفنية الشهيرة المتناثرة في أرجائه، ولكنه أيضا قصر على أرض الواقع، يرحب بالزوار كل عام ويفتح لهم أبهى غرفه ليطلوا منها على جانب من حياة الملكة وعائلتها وتتاح لهم الفرصة أيضا لمعاينة ما يراه الزوار الرسميون.
الافتتاح الصيفي للقصر الذي يقع كل عام يمثل حدثا مهما في جدول السائحين الأجانب والعرب للندن، يُعد له باهتمام وحرص شديدين، ويقدم كل عام إلى جانب الجولة في جوانب الغرف التاريخية، معرضا خاصا يتغير موضوعه كل عام وإن اتحد في موضوعه، وهو إلقاء الضوء على جانب من جوانب حياة ملكة البلاد.
وهذا العام احتفلت بريطانيا بعيد ميلاد ملكتها الـ90 ومثلت المناسبة الفرصة الذهبية لإقامة معرض يحتفل بمحطات حياتها المختلفة منذ طفولتها حتى الآن، وهكذا نظم معرض «90 عاما من الأناقة من خزانة ملابس الملكة»، الذي ضم مجموعة ضخمة لملابس ارتدتها الملكة منذ أن كانت طفلة رضيعة حتى الوقت الحالي. فعلى امتداد ثلاث قاعات ضخمة أقيمت مساحات عرض اعتلتها صور أرشيفية ضخمة لمراحل من حياة الملكة الرسمية وعلى مد البصر عرض 150 فستانا شهدت لقاءات الملكة مع رؤساء وملوك وشخصيات رسمية وأيضا مع فنانين.
الجولة تثير الإعجاب والدهشة في آن واحد، فكل قطعة معروضة تم تصميمها وتنفيذها بدقة متناهية، فما صمم للمناسبات الملكية مثل التتويج واجتماعات دول الكومنولث جمعت إلى جانب فخامة التصميم والقماش والتطريز، أيضا تضمين رموز البلاد فيها عبر التطريز، فهناك في فستان التتويج الوردة رمز إنجلترا ورموز ويلز وكندا. هذا الأسلوب أيضا وجدناه في الفساتين التي صممت لترتديها الملكة في زياراتها الدولية. وفي عرض بانورامي يبدأ من الزي المصنوع من الحرير الإنجليزي والدانتيل الذي ارتدته الطفلة إليزابيث في مراسم تعميدها في 29 مايو (أيار) عام 1926 إلى الزي الذي ارتدته مؤخرا في استعراض الحرس الملكي. الزي صنع بناء على طلب الملكة فيكتوريا لتعميد ابنتها وتم تصميمه ليماثل فستان زفافها. الطريف أن فستان التعميد قد ارتداه بعدها 62 طفلا ملكيا من ضمنهم الأمير تشارلز ولي العهد وحفيدها دوق كمبريدج الأمير ويليام. ونعرف أيضا أن هناك رداء مماثلا طلبت الملكة من مصممتها الخاصة أنغيلا كيلي خياطته ليرتديه أحفاد الملكة ومن ضمنهم الأمير الصغير جورج ابن الأمير ويليام ودوقة كمبريدج كيت.
خلال فترة حكمها حرصت الملكة على تشجيع المصممين البريطانيين وظلت وفية لهم، وكان المصمم سير نورمان هارتنيل من أهمهم، وكانت تصميماته للملكة تتألق في المناسبات الرسمية والزيارات الدولية. تأثر هارتنيل في تصميماته بأسلوب المصمم الفرنسي كريستيان ديور الذي كان يطري قوام المرأة ويبرز أنوثته بتحديد الخصر واتساع التنورة، ومثال لذلك الأسلوب نرى فستانا أسود من المخمل والحرير ارتدته الملكة في عام 1948.
الأردية التي صممت خصيصا للرحلات الخارجية والزيارات الدولية روعي فيها مناسبتها لمناخ البلاد المستضيفة، وأيضا أن تكون ألوانها وتطريزاتها تحمل إيماءة تحية للدولة المستضيفة. بالطبع هناك أيضا مراعاة التقاليد الخاصة بالملبس في بعض البلدان مثل الفستان الأسود و«غلالة» سوداء مصاحبة ارتدتها الملكة لدى زيارتها للفاتيكان، وأيضا طقم طويل من اللون الأزرق مع قبعة خاصة ملائمة ارتدتها في زيارتها المملكة العربية السعودية.
* الأردية العسكرية
في جانب خاص عرضت مجموعة من الأردية العسكرية التي صممت خصيصا للملكة التي كانت أول فرد من العائلة الملكة يلتحق بالخدمة العسكرية في عام 1945 وكانت ترتدي الزي العسكري الموحد. ولكن باعتبارها ولية العهد كان لديها عدد من الأردية العسكرية الرسمية للمناسبات، وقد صممت لتلائم امرأة، ونعرف أن الملكة طلبت من طالبات كلية التصميم أن يقدمن تصورات لأردية عسكرية ورسمية لها واختارت تصميمات طالبة منهن قدمت للملكة فرصة لتأنيث البدل العسكرية الصارمة عبر إضافة العباءة الفضفاضة والـ«تنورة» المتوسطة الطول.
* مهمة سرية مع جيمس بوند
خلال عام 2012 احتفلت بريطانيا باليوبيل الماسي لحكم الملكة وأيضا بإقامة الألعاب الأولمبية، وفاجأت الملكة حضور حفل الافتتاح بمشاركتها في مقطع سينمائي قصير مع العميل السري 007 (جيمس بوند) وقام بدوره الممثل دانيال كريغ. المعرض يقدم الفستان وزينة الرأس التي صممتهما المصممة أنغيلا كيلي. وتعلق كيلي بأن خياطة الفستان كانت تتم في سرية تامة فلم يكن أحد يعرف بأن الملكة إليزابيث ستظهر للعالم في صورة مختلفة تماما، وأضافت بأنها قامت بصناعة فستانين متطابقين وسط تساؤلات وحيرة الطاقم المساعد لها، وذلك لأن الفقرة تطلبت أن يكون هناك دمية تهبط من الهليكوبتر مع جيمس بوند على أرض الملعب في اللحظة ذاتها التي تدخل فيها الملكة المقصورة الملكية أمام الجمهور.
* قبعات.. قبعات
في غرفة منفصلة ومن خلال خزانة بعرض الحائط عرضت قبعات متنوعة الأشكال والتصميمات والألوان كانت من مكملات أناقة الملكة. بعض تلك القبعات كان كلاسيكي التصميم وبعضها جنح لتصميمات جريئة. وخلال حياتها تعاملت الملكة مع أحد عشرا مصمما ومصممة للقبعات، وضمت خزانة العرض قطعا من دولاب الملكة من أربعينات القرن الماضي وحتى عام 2000.
* الغرف الرئيسية في القصر
الجولة في القصر تضم إلى جانب المعرض الخاص جولة على الغرف الرئيسية في القصر التي لا تفتح أبوابها إلا لزوار الملكة الذين يحلون ضيوفا عليها وتقيم لهم المآدب أو الحفلات الموسيقية، فالقاعات نموذج لمعمار وتراث فني بديع، تزخر جوانبها بالقطع الفنية النادرة ويحمل كل منها تاريخا عريقا يمتد لقرون.
الغرف فتحت أبوابها بالأمس للزوار من الجمهور، فجالوا على السجاد الوثير، وتنقلوا بأعينهم داخل القصر المنيف، ومنذ الخطوات الأولى وعبر قاعة الاستقبال الرئيسية يحييك العاملون في القصر بابتسامة ودودة، ويشير بعضهم بفخر لبعض الجوانب التي قد تخفى على الزائر، وفي نهاية الزيارة وقف عدد منهم على الطريق المؤدي لخارج القصر، وفي لفتة لطيفة من كل فرد منهم كان يسألني: «كيف كانت زيارتك؟» أو «ما الغرف المفضلة لك؟»، يتحدثون بألفة وصداقة جميلة، ويحكون لي انطباعاتهم عن المعرض الذي سنح لبعض منهم رؤيته، تظل ابتسامات العاملين مصاحبة لي حتى خروجي من القصر، ما يجعل الزيارة كلها مميزة.
ويزيد من متعة الجولة جهاز الدليل الصوتي الذي يمنح للزوار، فهو ينقلهم إلى جو القصر الملكي عبر موسيقى كلاسيكية تحمل الزائر إلى أجواء مختلفة تبعده عن صخب شوارع لندن وتدخله إلى قلب الملكية البريطانية.
القصر الملكي هو أحد القصور الملكية القليلة في العالم الذي يمكن اعتباره المكتب الرئيسي لرأس الملكية، فالملكة إليزابيث تمارس عملها من هذا المكان. وهي أيضا تقضي فيها أوقاتا مع عائلتها، وفي حدائقه تقيم المآدب وتستقبل ضيوفها. وربما يكون من الصعب على الزائر تخيل تلك المآدب أو ما يجري فيها، لكنه سيكتفي بالمرور في تلك القاعات الفخمة، ويطل من النوافذ على أرجاء حديقة القصر المترامية أو يرى غرفة العرش وقاعة الاستقبال الرئيسية.
وفي قاعة طويلة بسقف زجاجي يتسلل منه الضوء وتلقي أشعة الشمس بخيوطها على جوانبه، توجد مجموعة ضخمة من الأعمال الفنية لكبار الفنانين العالميين، مثل فيرميير وكاناليتو وروبنز وفان دايك ورمبرانت، كلها ضمن مجموعة الملكة الخاصة من الأعمال الفنية.
* فستان الزفاف والتتويج
نراهما دائما في الصور الأرشيفية، ولكنهما يعرضان الآن في قصر باكنغهام ويقدمان للزوار متعة بصرية وفرصة للتمعن في التطريز الدقيق والخياطة الراقية التي ميزت فستان الزفاف وفستان التتويج. الفستانان صممهما المصمم سير نورمان هارتنيل، الذي نقل عنه أنه قال عندما علم بأنه اختير لتصميم فستان الزفاف إنه سيكون «أجمل فستان صنعته في حياتي». وحتى مع اختلاف الأذواق الآن عن تلك الفترة، يبدو الفستان الذي عرض إلى جانبه الطرحة الطويلة المطرزة، جميلا راقيا وكأنه صنع لأميرة من أميرات القصص الخيالية. الفستان مصنوع من السلك العاجي اللون وزين بحبات الكريستال و10 آلاف لؤلؤة. ذيل الفستان يمتد لأكثر من أربعة أمتار، ويحمل إيماءة لأشهر لوحات عصر النهضة، وهي «الربيع» لبوتيتشيلي في إشارة إلى البعث بعد الموت وإشارة لتخطي بريطانيا تأثير الحرب العالمية الأولى وعودة الحياة لها. والمعروف أن الأميرة الصغيرة وقتها دفعت ثمن فستانها باستخدام كوبونات القماش التي كانت تصرف خلال فترة الحرب.
فستان التتويج أيضا يعرض أمامنا، وهو من تصميم هارتنيل أيضا وارتدته الملكة الشابة في حفل تتويجها الذي أقيم في ويستمنستر آبي عام 1953.
الفستان مصنوع من الساتان الأبيض المطرز برموز دول الكومنولث وأجزاء المملكة المتحدة باستخدام حبات الكريستال واللؤلؤ والترتر، وتتحد خيوط الذهب والفضة لتحول الفستان الذي يحمل تاريخا طويلا وراءه إلى عمل فني في حد ذاته.
جولة في خزانة ملابس الملكة إليزابيث الثانية
150 فستانًا تعرض للجمهور في الافتتاح الصيفي لقصر باكنغهام
جولة في خزانة ملابس الملكة إليزابيث الثانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة