ما بين خبر قُرب انضمام ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة فالنتينو سابقا، إلى «ديور» كأول امرأة تدخل الدار الفرنسية العريقة منذ تأسيسها، وخبر إطلاق مجلة «فوغ» العربية في الخريف المقبل، برئاسة تحرير الأميرة دينا الجهيني عبد العزيز، كانت باريس تغلي بالترقب والجدل. لكن كان هناك أيضًا غليان آخر، سببه ازدحام الأسبوع بفعاليات دخيلة عليه. فالأغلبية اتفقت على أنه كان حريًا بأن نسمي أسبوع باريس للـ«هوت كوتير» لخريف وشتاء 2017، بأسبوع الـ«هوت جوليري»، أي الجواهر الرفيعة، بالنظر إلى عدد بيوت الجواهر التي دخلت على الخط، وباتت تقدم إغراءات لوسائل الإعلام والضيوف تارة وتضع ضغوطات تارة لضمان حضورهم. فبعد أن كانت هذه البيوت سابقًا تكتفي بيوم واحد في آخر الأسبوع، تفتح لهم فيه أبوابها، غيرت استراتيجياتها منذ موسمين تقريبًا حتى تستفيد من وجود صناع الموضة بالعاصمة الفرنسية إلى أقصى حد. فقد اكتشفت أن الغالبية كانت لا تكاد تصدق أن الأسبوع انتهى حتى تسارع بالعودة إلى ديارها، مما كان يضعهم في مأزق. هذه المرة، لم تكتف كثير من هذه البيوت، ونذكر منها «شانيل»، و«بياجيه»، و«بولغاري»، و«ميسيكا»، و«فان كليف أند آربلز» وغيرها، بإرسال دعوات آملة أن يشفع لها تاريخها ويجرهم بريقها، بل أصرت على تحديد موعد في أوقات معينة لوضعهم أمام الأمر الواقع، أحيانا من دون مراعاة أن هذه الأوقات قد تتزامن مع عرض أزياء مهم.
لا أحد يلومهم على هذه الاستراتيجية المُبتكرة التي تفرضها الأزمة والمصاريف التي تكبدوها للوجود في باريس، لكن المشكلة أنها غيرت إيقاع الأسبوع وجعلته مزدحما أكثر من اللازم. وتجدر الإشارة إلى أن دور الجواهر دخلت عالم الـ«هوت كوتير» منذ سنوات، وزاد ترحيب غرفة الموضة الفرنسية بها في المواسم الماضية، بسبب افتقادهم إلى فعاليات جانبية تثريه بعد أن تقلص عدد بيوت الأزياء والمصممين المشاركين فيه بعد أزمة 2008.
لكن لا يبدو أن الأزمة أثرت على الكل، فكثير من المصممين لا يزالون يحققون الأرباح، وشهدت مبيعاتهم من الـ«هوت كوتير» تحديدا انتعاشا في السنوات الأخيرة بفضل زبونات شابات من أسواق بعيدة مثل كازاخستان وأذربيجان، وطبعا الشرق الأوسط. وليس أدل على هذا من عرض «فيرساتشي». فقد كان فاتحة خير، من ناحية أنه افتتح الأسبوع يوم الأحد الماضي، وأعطى فكرة عما يمكننا أن نتوقعه من فخامة تُذكرنا بأن موسم الـ«هوت كوتير» ليس عن ثقافة الشارع، بقدر ما يهتم بالأحلام، حتى وإن كنا نعرف مسبقا أنها بعيدة المنال. دوناتيلا فرساتشي، قالت كلمة واضحة في هذه التشكيلة وهي أن الـ«هوت كوتير» للمساء، وبأن المرأة عموما قلما تفكر في صرف مبالغ كبيرة من أجل أزياء تستعملها حين تريد التسوق أو مرافقة أطفالها للمدرسة، بينما لا تتردد في صرف الآلاف على أزياء الحفلات والمناسبات الكبيرة. من هذا المنطلق، قدمت تشكيلة غلبت عليها فساتين الكوكتيل والسهرة، تتباين أطوالها بين القصير والـ«ميدي» والطويل، وتجمع الرقي بالجرأة والفخامة بإثارة من نوع عصري، من حيث إنها تخاطب به مثيلات الممثلة جينفر غارنر التي حضرت العرض، وأنجلينا جولي التي يمكن اعتبارها سفيرة من سفيرات «فرساتشي» بالنظر إلى عدد الفساتين التي ظهرت بها في السنوات الأخيرة وكانت من توقيع الدار. دوناتيلا شرحت أنها كانت تريد أن تحتفل بثلاثة عناصر هي «الأناقة والتميز والدراما» وهو ما ترجمته من خلال الفتحات العالية، ماركة الدار المسجلة، والياقات المفتوحة بشكل كبير، مع لفتة خفيفة إلى أناقة نجمات هوليوود في الخمسينات من القرن الماضي، خصوصا في بعض فساتين «الساتان» تميزت بذيول طويلة إما ببليسيهات أو تدلت منها شراشيب سخية. كان تأثيرها رائعًا على العين، وعلى العارضات وهن يتهادين على منصة العرض، لكن رغم الإعجاب، يخالجك شعور بأن توظيفها في أرض الواقع صعب ويحتاج إلى قوة تركيز طوال الوقت، لا سيما إذا تطلبت المناسبة الجلوس وكثرة الحركة. فبعضها ضيق للغاية إلى حد تبدو فيها وكأنها ملصق على الجسم بينما بعضها قصير جدا من الأمام مع ذيل طويل من الخلف. لكن دوناتيلا فيرساتشي تريد أن تبيع الحلم، وإذا كان ما يهم المرأة هو التألق بأي ثمن، فإن هذه التصاميم عز طلبها. نجم العرض كان معطفًا يعقد بحزام الموسط ومطرز عند الأكتاف، يجمع الأناقة الراقية بالراحة نظرا لاتساعه الذي يحدده حزام، إلى جانب بنطلونات محددة، وجاكيتات مفصلة بأكتاف تتدلى بعض الشيء لتظهر جزءا من البشرة. الفخامة، وما تعنيه من أسعار باهظة، كان لها ما يبررها في هذه التشكيلة. فقد كانت تضج بحرفية عالية ظهرت في كل التفاصيل، بدءا من الأحزمة المستوحاة من فن الأوريغامي إلى الشراشيب التي أخذت أشكال ورق مقطع بالطول، مرورًا بالأحذية التي تربط عند الكاحل، والتي ستكون الدجاجة التي تبيض ذهبا في حال لم تقدر المرأة على سعر فستان يقدر بآلاف الجنيهات.
هذه الحرفية كانت أيضًا من تحصيل حاصل بالنسبة لآخر تشكيلة قدمها الثنائي السويسري لوسي ماير وسيرج روفيو ل «ديور». لم تكن هناك ديكورات فخمة ولا آلاف الورود تغطي الجدران، بل قُدم العرض في مبنى الدار الرئيسي بـ«أفينيو مونتين» على شكل صالون حميم وفي أجواء بسيطة للغاية. هذه البساطة طالت الألوان أيضًا، أو بالأحرى انعدامها، حيث قرر الثنائي كتابة نهاية فصلهما كمصممين فنيين مؤقتين فيها بالأبيض والأسود على تنورات واسعة، يغطي أغلبها نصف الساق، وجاكيتات محددة عند الخصر، في إشارة واضحة إلى «ذي نيو لوك» الذي أرساه المؤسس، كريستيان ديور، وفساتين مطرزة بسخاء لكن بجرعة باريسية تراعي بأن كل شيء يزيد عن حده ينقلب إلى ضده. يمكن القول إن الذهبي الذي استعمل في هذه التطريزات كان اللون الوحيد الدخيل على الأبيض والأسود. وحسب ما جاء في أوراق وُضعت على كراسي الضيوف وتشرح التشكيلة، فإن تركيز المصممين على هذين اللونين كان من باب تحية المؤسس الذي قال في يوم ما: «إن الأبيض بسيط يتناغم مع كل الألوان»، وعن الأسود قال: «يمكنني أن أكتب كتابا كاملا عنه».
لكن بساطة الألوان ووضوح الأشكال والخطوط، لم تؤثر على الفنية التي تلتصق بالدار وبورشاتها المتخصصة. فقد ورث الثنائي لوسي ماير وسيرج روفيو بعد استقالة راف سيمونز في العام الماضي، تقاليد حافظا عليها، وترجماها هذه المرة في تشكيلة يمكن أن تدخل خانة السهل الممتنع بفنيتها التي ستروق لزبونة الـ«هوت كوتير» التي تريد أزياء تجمع الفخامة بالعملية البعيدة عن التعقيدات. فقد تضمنت هذه التشكيلة الكثير من القطع المنفصلة التي يمكن استعمالها على حدة واللعب بها بأساليب مختلفة. حتى القطع ذات الأحجام الكبيرة تتمتع بخفة بفضل الأقمشة المنسابة والأحذية ذات الكعوب المنخفضة تماما.
لم تكن هناك دراما أو تفاصيل مسرحية، ولم يكن هناك ما هو عادي، أو ما يصيب بالملل أو الإحباط، بل فقط أناقة راقية ستجد طريقها إلى قلب امرأة عصرية ومن ثم إلى جيبها وكل جوارحها تطير من السعادة. وهكذا عندما ستتسلم ماريا غراتزيا تشيوري المشعل منهما، فإنها ستتسلم إرثا مضمونا ونصا كتب بوضوح، بالأبيض والأسود، يمكنها أن تبنى عليه وتضيف إليه ما يكفي من الأنوثة التي تأسست عليها، ومن الدراما التي يتطلبها موسم الـ«هوت كوتير» لبيع الأحلام.
«ديور» تُنهي فصلاً آخر بالأبيض والأسود.. و«أتولييه فرساتشي» تلعب على الأنوثة
أسبوع باريس للأزياء الراقية يغلي بخبر إطلاق «فوغ» العربية وترف الجواهر
«ديور» تُنهي فصلاً آخر بالأبيض والأسود.. و«أتولييه فرساتشي» تلعب على الأنوثة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة