تبدأ اليوم الزيارة الرسمية التي يقوم بها الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي إلى فرنسا، والتي ستنطلق بلقاء مع الرئيس فرنسوا هولاند في قصر الإليزيه، يتبعه لقاء مع رئيس الحكومة مانويل فالس في قصر ماتينيون، مقر رئاسة الحكومة الفرنسية.
كذلك يجتمع الأمير محمد بن سلمان في اليوم نفسه مع وزيري الخارجية والدفاع. وسيخصص اليوم الأول من لقاءات ولي ولي العهد للمسائل السياسية والعلاقات الثنائية، إذ من المنتظر أن تتناول المحادثات الأزمات الإقليمية، من الحرب في سوريا والعراق والإرهاب، والوضع في اليمن، والفراغ المؤسساتي في لبنان، والمبادرة الفرنسية لإعادة إطلاق مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أما اليوم التالي من الزيارة فسيخصص للمسائل الاقتصادية والتعاون، إذ سيكون وجود الأمير محمد بن سلمان في باريس فرصة لعقد الاجتماع الثالث للجنة المشتركة التي أناط بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس هولاند مهمة متابعة العلاقات الاقتصادية بين البلدين وتطويرها، في إطار «الشراكة الاستراتيجية المتجددة» التي تجمع البلدين.
وعلى هامش اجتماع اللجنة المشتركة سينعقد منتدى لرجال الأعمال الفرنسيين والسعوديين، الأمر الذي سيوفر فرصة لعرض الفرص الاستثمارية والشراكات الممكنة بين الجانبين. كما أن اجتماع اللجنة المشتركة سيكون فرصة للإعلان عن مجموعة من الاتفاقيات والعقود التي ستشمل القطاعين المدني والعسكري.
تقول باريس إنها «راغبة» في الاطلاع على «مقاربة» السعودية لأزمات الشرق الأوسط، والنظر في ما يمكن القيام به من مبادرات مشتركة. وتشير مصادرها إلى أن أحد الحقول التي يمكن أن يكون لباريس والرياض دور مشترك هو المبادرة الفرنسية للسلام في الشرق الأوسط، التي دعت فرنسا لاجتماع بشأنها بداية الشهر الماضي، حضره عشرون دولة ومنظمة إقليمية ودولية.
وتعول باريس كثيرا على مبادرة السلام العربية التي طرحتها الرياض وأقرتها قمة بيروت العربية في العام 2002 لتحريك المياه الآسنة. وحقيقة الأمر أن باريس جعلت المبادرة العربية في قلب تحركها الدبلوماسي، وقد كلفت السفير بيار فيمون أن «يتابع» توصيات اجتماع وزراء خارجية المجموعة التي التقت في باريس.
أما في الملف السوري، فإن مواقف باريس والرياض متقاربة جدا، حيث يدعم الطرفان المعارضة السورية المعتدلة، وكلاهما لا يرى دورًا لبشار الأسد في مستقبل سوريا.
وفيما يخص العراق، يبدي الجانبان اللذان ينتمي كلاهما إلى التحالف الدولي في الحرب على «داعش» بعض التخوف من التطورات السلبية، والتجاوزات الحاصلة في عدد من المناطق على أيدي الميليشيات بعد انتزاعها من تنظيم داعش، كما أنهما يحضان الحكومة العراقية على أن تفرض سلطتها على كل الكيانات المسلحة.
ووفقًا للمصادر الفرنسية، سيؤكد الطرفان التزامهما في محاربة تنظيم داعش بكل الوسائل، وعلى كل الأصعدة الفكرية والدعائية والعسكرية والاقتصادية والمالية.
أما بالنسبة للوضع في لبنان، فإن فرنسا والسعودية لا يكفان عن الدعوة لملء الفراغ الرئاسي وتحصين أمن واستقرار لبنان.
وكانت باريس استقبلت الأسبوع الماضي وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي أثارت معها كل هذه المسائل بالنظر للدور الإيراني فيها. وينتظر أن يطلع الجانب الفرنسي الطرف السعودي على مضمون محادثاته مع الوزير الإيراني، علما بأن السعودية لا تنفك عن التنديد بالتدخل الإيراني في الشؤون العربية، أكان ذلك في البحرين، أو اليمين، أو لبنان، أو سوريا، وفي كل مكان تزرع إيران فيه الفتنة وتزعزع استقراره.
وتقول أوساط هيئة أرباب العمل الفرنسية التي اتصلت بها «الشرق الأوسط» إن الشركات الفرنسية تتطلع للقاء للتعرف عن قرب على مشاريع المملكة وخططها التنموية والاقتصادية والاستثمارية، كما أنها «عازمة على مواكبة السعودية في خططها الإصلاحية وبرنامج التحول الوطني» الذي أقره مجلس الوزراء السعودي حديثا، والذي يعد ترجمة عملية ومرحلية لـ«الرؤية 2030» السعودية.
وأضافت المصادر أن قادة الشركات الفرنسية سينظرون مع الطرف السعودي الرسمي من جهة والقطاع الخاص من جهة أخرى في «الشراكات» التي يمكن أن تقوم بينهما، ترجمة لرغبة الحكومة السعودية في إطلاق مشاريع التحول الوطني، وعمليات التخصيص، والتسهيلات الجديدة التي منحت للشركات الأجنبية، فضلا عن الخطط الإنمائية المستقبلية. وفي السياق عينه ورغبة في علاقات متوازنة، فإن النظرة الجديدة للعلاقات بين فرنسا والسعودية على المستوى الاقتصادي تسعى لتوفير «التوازن»، خصوصا في ميدان الاستثمارات، حيث سينظر الطرفان في الفرص المتاحة لرأس المال السعودي للاستثمار في الشركات الفرنسية القائمة، أو لجهة إطلاق مشاريع جديدة مشتركة.
في آخر زيارة رسمية قام بها إلى فرنسا أوائل شهر سبتمبر (أيلول) من العام 2014، ألقى الملك سلمان بن عبد العزيز الذي كان وقتها وليا للعهد كلمة في منتدى رجال الأعمال الفرنسي السعودي، توجه فيها لرجال الأعمال وقادة كبريات الشركات الفرنسية ونظرائهم السعوديين، فدعا الأوائل إلى «الاستثمار في المملكة، لأنها من أكثر الدول استقرارا وجذبا للاستثمارات، بفضل ما تقدمه من حوافز وتسهيلات»، وحث بالمقابل نظراءهم السعوديين على «البحث عن الفرص الاستثمارية المشتركة والمختلفة لرفع مستوى التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري» بين الطرفين ولمصلحتهما. لكن الرسالة الأساسية لخصها بالعبارة التالية: «إن مكانة جمهورية فرنسا في الساحة الدولية وثِقَلها الاقتصادي، وكذلكَ قُدرَتها على الابتكارِ، وريادتها في الكثيرِ من الصناعاتِ المُتقدمة، تجعلُ منها شريكًا استراتيجيًا للمملكة».
منذ ذلك التاريخ، خطت العلاقات السعودية الفرنسية خطوات كبيرة، لكن الرسالة الأساسية، كما تقول المصادر الفرنسية، ما زالت هي نفسها، أي «وجود رغبة عميقة وجادة من قبل الطرفين اللذين يلتقيان في الرؤى السياسية والمصالح الاقتصادية لتعزيز وتعميق وتوسيع علاقاتهما على مختلف الصعد».
وما زالت باريس تنظر إلى الدعوة التي خص بها خادم الحرمين هولاند، الذي دعاه ضيفا للشرف في قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض الصيف الماضي، ووصفها بـ«علامة متميزة» على التقارب بين الجانبين سياسيا واستراتيجيا واقتصاديا وتجاريا، و«تعبيرا» عن السعي لشراكة استراتيجية شاملة.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي لـ«الشرق الأوسط» إن الاجتماع الثاني في الرياض في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي للجنة المشتركة التي يشرف عليها من الجانب السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومن الجانب الفرنسي وزير الخارجية، أظهر بوضوح «الرغبة المشتركة» لباريس والرياض للسير قدما في شراكتهما الاستراتيجية.
وكان رئيس الحكومة مانويل فالس قد ذهب إلى الرياض يرافقه أربعة وزراء رئيسيين بينهم وزيرا الخارجية والدفاع. أما اجتماع رجال الأعمال من البلدين الذي عقد بمناسبة الزيارة فقد حضره وفق وثائق السفارة الفرنسية في العاصمة السعودية ما لا يقل عن ألف شخص، الأمر الذي يبين بوضح الأهمية التي يوليها الطرفان لتعاونهما، والآفاق التي يفتحها في كل الصعد.
لكن بين اجتماع اللجنة المشتركة الأخير في الرياض الأخير واجتماعها في باريس غدا، حصل تطور أساسي هو إطلاق «رؤية 2030»، و«برنامج التحول الوطني»، بما يحمله من فرص، وعمليات تخصيص، ورغبة في تحديث الاقتصاد وتنويعهم، ووقف الاعتماد الكلي على النفط، ودعوة القطاع الخاص لكي يلعب دورًا رئيسيًا في الدورة الاقتصادية.
من جانبه، وصف مسؤول اقتصادي فرنسي السعودية بأنها «شريك أساسي» لفرنسا، مشيرا إلى أهميتها كعضو في مجموعة العشرين، وعضو في منظمة التجارة الدولية، وتلعب دورا رائدا في دعم الاستقرار، ومنه استقرار السوق النفطية.
وأشاد المسؤول بـ«مناخ الأعمال الجيد» في المملكة، وكونها تحتل المرتبة الـ22 في تصنيف البنك الدولي للبلدان الأكثر تشجيعا للاستثمارات، وبعدد من النجاحات التي حققتها الشركات الفرنسية في قطاعات النفط والنقل على أنواعه، والصحة والخدمات والإنشاءات والصناعات وإدارة المياه.
وشدد المسؤول لـ«الشرق الأوسط» على رسالتين: الأولى للمسؤولين السعوديين، من جهة، إذ أكد على أن شركات بلاده «جاهزة لمواكبتكم في استراتيجيتكم الاقتصادية وفي تنويع اقتصادكم». والثانية إلى رجال الأعمال السعوديين الذين دعاهم إلى الاستثمار في فرنسا. ولخص رؤيته بالقول: «لديكم احتياجات ولدينا عروض، لنعمل معا».
تفاؤل فرنسي بزيارة محمد بن سلمان.. وتقارب سياسي وشراكة اقتصادية أكثر فاعلية
لقاءات القيادات ستبحث العلاقات الثنائية وأزمات الشرق الأوسط والشراكة الاستراتيجية
تفاؤل فرنسي بزيارة محمد بن سلمان.. وتقارب سياسي وشراكة اقتصادية أكثر فاعلية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة