من الصعب أن تجد بداية لأي حديث عن محمد علي، فهو جرافة قوية حطمت جدران الخوف أمام الأفارقة السود وارتفع بأمانيهم إلى القمة بعد أن كانت قمة أمانيهم هي مقعد في مطعم أو باص يرتاده الرجل الأبيض أو يتزوج الأفريقي من فتاة بيضاء. ولد محمد علي بقبضة يد قوية أعلنها يوم أن حاول مد يده وهو طفل رضيع فاصطدمت بفك والدته فحطم أسنانها ونقلت إلى المستشفى. بهذه القبضة القوية شق محمد علي طريقه في عالم الملاكمة ليحطم أسماء كبيرة وشهيرة أمثال ارشي مور، وهنري كوبر، وسوني ليستون، وفلويد باترسون، وغيرهم، فأهال عليهم غطاء النسيان بعد أن رفرف حولهم كالفراشة ولدغهم كالنحلة كما وصفوه.
لم تكن القبضة الفولاذية هي كل شيء في مشوار محمد علي أو هي سلاحه الوحيد، فهو جمع بين القوة والرشاقة والخلق القويم الذي تربى عليه منذ الصغر، فلقد كانت السيدة أودسا برادي والدته متدينة محافظة لا تسمح في بيتها للخمور أو التدخين أو القول الفاحش. حباه الله بسرعة البديهة والذكاء الحاد المدعم بالقوة، فالرد عنده جاهز وسريع ولا يحتاج للتفكير لحظة، ولم لا وعقله كالحاسوب يرد بسرعة قبضته القوية.
* لسانه الحاد وإيمانه بنفسه
لو كانت كل مقومات محمد علي هي يده الطويلة للمع لفترة وبرق في عالم النجومية الرياضية ثم أفل واختفى في الظلام كما اختفى الآخرون، إلا أن محمد علي ولد بلسان لا عقد فيه وعزيمة قوية أتعبت المحللين والكتاب الذين تابعوه وهو يتنبأ بفوزه بالجولة التي يحددها، لكن أن يقول إن الأميركي الأسود سيصبح في حياته رئيسًا للولايات المتحدة في الوقت الذي كان يكافح فيه الأميركي الأسود أن يمشي جنبًا إلى جنب مع الفتاة البيضاء فكان أمرًا غريبًا، ولقد سألته عن هذا الاعتقاد فرد بسخرية.. ومرت الأيام وجاء أوباما الأفريقي من أصل إسلامي ليعتلي مقعد الرئاسة في حياة محمد علي في أكبر بلد استعبد الناس، وقد ولدته أمه (أوديسا) حرًا في17 يناير (كانون الثاني) عام 1942 باسم كاسيوس كلاي بمستشفى لويسفيل بولاية كنتاكي بعد أن حصل والده على حريته، بعد أن كان عبدًا للمارشال السياسي الأميركي مارسيلو كاسيوس كلاي الذي أعتق عبيده، فدفع حياته ثمنًا لذلك.
* محمد علي ومالكم إكس
كان محمد علي يبحث عن شيء ولا يعرف ما هو إلى أن التقى بالداعية الإسلامي مالكم إكس إلى وضع علامة (إكس) أمام اسمه حتى يجد اسمه الحقيقي. أسلم كاسيوس كلاي وبحث عن اسم لا يذكره بسيده في العبودية فاختار له مالكم إكس اسم محمد علي. لم يجلس محمد علي في بيته يتعبد ويصلي فحسب، فقد علم أن المسلم الذي وصله القرآن أصبح رسولاً بالنيابة يبلغ الناس الرسالة.
تخلى محمد عن صرخاته الشهيرة أنا الأجمل أنا الأفضل أنا الأعظم، فقد علم أن العظمة لله وحده وأن الإيمان ثورة ضد الظلم والعبودية، فرفض الحرب في فيتنام وتحمل بكل صلابة وجلد عواقب موقفه. أسلم على يده عدد غفير من الرياضيين والفنانين وأفارقة وبنى المساجد ونشر الكتب الكثيرة وظل يدعو الناس للإيمان وهو في حلبة الصراع مع المرض لما يقرب من ثلاثين عامًا.
رحل محمد علي عن عالمنا وترك تراثًا قويًا لكل من يريد أن يتعلم دروسًا في الرياضة أو الدين أو السياسة، «دائمًا أحسب خطواتي قبل دخول المعركة لا أقلل من خصمي ولا أبلغ في قدرتي»، رحم الله محمد علي.
محمد علي كلاي.. شق طريقه بقبضة يده
داعية محنك وسياسي من الطراز الأول.. تنبأ بوصول أفريقي مسلم لمقعد الرئاسة
محمد علي كلاي.. شق طريقه بقبضة يده
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة