طبيب من حلب يخاطر بحياته لإنقاذ الآخرين

اطباء بلا حدود: ثمة استراتيجية ممنهجة لاستهداف كل ما يدعم الحياة

د. محمد معاذ آخر طبيب أطفال في مناطق سيطرة المعارضة بحلب والذي قتل في استهداف مستشفى القدس بغارة من طيران الأسد الشهر الماضي (أ.ف.ب)
د. محمد معاذ آخر طبيب أطفال في مناطق سيطرة المعارضة بحلب والذي قتل في استهداف مستشفى القدس بغارة من طيران الأسد الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

طبيب من حلب يخاطر بحياته لإنقاذ الآخرين

د. محمد معاذ آخر طبيب أطفال في مناطق سيطرة المعارضة بحلب والذي قتل في استهداف مستشفى القدس بغارة من طيران الأسد الشهر الماضي (أ.ف.ب)
د. محمد معاذ آخر طبيب أطفال في مناطق سيطرة المعارضة بحلب والذي قتل في استهداف مستشفى القدس بغارة من طيران الأسد الشهر الماضي (أ.ف.ب)

يشعر رامي كلازي، وهو طبيب يعمل في مستشفيات مدينة حلب السورية التي عصفت بها الحرب، دومًا بالقلق حيال وظيفته، فقد قُتل كثير من زملائه إما في غارات جوية أو على أيدي قناصة أو خُطفوا على يد شبيحة النظام. ولكن بالنسبة له، لا تكمن الصعوبة في معالجة الجرحى وسط النقص الحاد في المستلزمات الطبية وتحت القصف العشوائي بالطائرات الحربية، بقدر ما تكمن في القلق الذي يتملكه حول مستقبل عائلته.
وعلى الرغم من أن كلازي قد قطع على نفسه عهدا بالاستمرار في عمله المحفوف بالمخاطر، فإن مخاوفه لا تزال في تزايد مستمر حيال ما ستفعله زوجته صبا وابنهما الصغير إذا ما لقي حتفه.
لقد ضاعف القصف، الذي شنه النظام على مستشفى القدس بحلب، من عذابه حين سقط صديقه محمد وسيم معاذ قتيلاً بين القتلى الذين تجاوز عددهم 50. وأغلب الظن أنه كان طبيب الأطفال الوحيد في مدينة حلب التي تسيطر عليها المعارضة. وهنا يقول كلازي، البالغ من العمر 30 سنة، شارحًا «عندما تعمل في مكان محفوف بكل هذا القدر من المخاطر لفترة طويلة، تصبح قاب قوسين أو أدنى من الموت. ويزداد الأمر صعوبة عندما تكون لديك عائلة وعندما يعتمد الناس عليك».
كلازي طبيب جراح ولد في حلب، وهو من بين عدد ضئيل للغاية لا يتجاوز بضع عشرات من الأطباء الذين آثروا البقاء بالمدينة لمعالجة السكان الذين يعيشون في الأحياء الخاضعة تحت سيطرة الثوار، البالغ عددهم نحو 250 ألف شخص. وراهنا يحاول كلازي جاهدًا من أجل توضيح الضغط الهائل الملقى على كاهل الأطباء العاملين في سوريا، في حلب على وجه الخصوص، التي كانت تُعَد أكبر مدن سوريا قبل أن تفتك بها الحرب الأهلية. وكغيره من كثير من الأطباء الذين يرفضون مغادرة البلاد، يرى كلازي أن عمله في مسقط رأسه مهم من أجل مساندة الثورة ضد بشار الأسد. لكن الصراع قد دخل الآن عامه السادس، مما أرهق كلازي كثيرًا وهو يرى الحصيلة المروعة التي تخلفها الحرب في بلاده.
قبل الحرب الأهلية، كانت سوريا تمتلك قطاعا صحيا لا بأس به، وفقًا للمعايير الإقليمية. أما الآن، فقد حل الدمار بمعظم المستشفيات، كما حصد الموت أرواح كثير من الأطباء والممرضات وباقي العاملين بالمجال الطبي ممن لم يتركوا البلاد هاربين من القتال الدائر الذي خلف ما يزيد على 250 ألف قتيل وشرد الملايين. وحسبما ترى جماعات حقوق الإنسان وعمال الإغاثة، فإن الأطراف المتناحرة كثيرًا ما استهدفت الأطباء بشكل متعمد. لكنهم يتهمون النظام السوري وحلفاءه - وروسيا خاصة، التي تشن غارات جوية ضد الثوار - بشن هجمات ممنهجة مستهدفة الأطباء والمستشفيات في الأحياء المعارضة. ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة «أطباء من أجل حقوق الإنسان» قُتل ما لا يقل عن 664 طبيبا على يد النظام السوري. كما اتهم التقرير أيضًا القوات الموالية للنظام بشن ما لا يقل عن 288 هجوما مستهدفًا المنشآت الطبية. ولقد زادت الهجمات حدة الأزمة الإنسانية الوخيمة التي تعصف بالبلاد.
من ناحية أخرى، يقول سام تايلور، منسق الاتصالات في الملف السوري بمنظمة «أطباء بلا حدود»، التي قدمت الدعم لمستشفى القدس المستهدف، «تقودنا تلك الهجمات إلى الإيمان بأن ثمة استراتيجية ممنهجة لا تستهدف الأطباء والمنشآت الطبية فحسب، بل أيضًا كل ما من شأنه دعم الحياة اليومية». وبدوره، يقول أحمد طرقجي، رئيس الجمعية الطبية الأميركية السورية، إنه في حلب الآن نحو طبيب واحد لكل عشرة آلاف ساكن. كما يقول إن عدد الأسرة المتاحة في المستشفيات يقدر بنحو 300 سرير، مع نقص حاد في الأدوية، مما يتسبب في حدوث وفيات كان من الممكن تفاديها، بينهم عشرات من الأطفال الذين لقوا حتفهم مؤخرًا متأثرين بمضاعفات التهابات الشعب الهوائية. وفي المقابل، لا تتوافر أي إحصاءات خاصة بالجزء الواقع تحت سيطرة النظام في حلب، على الرغم من استهداف الثوار للمنشآت الطبية به أيضًا، فبعد أيام من قصف النظام لمستشفى القدس، شنت المعارضة هجوما على مستشفى وعيادة نساء في الجزء الواقع تحت سيطرة النظام، متسببين في مقتل ما لا يقل عن ثلاث سيدات.
كلازي، الذي يعمل حتى اليوم في أحد مستشفيات حلب، على الرغم من مواجهته تلك المشكلات، بالإضافة إلى مشكلة انقطاع الكهرباء المزمنة بوصفها أكبر المشكلات التي تواجههم في المدينة، فإنه استطرد قائلا إن التهديد الأكثر شراسة يأتي من أعلى (القصف). ويقول كلازي إن المستشفى التي يعمل فيها قُصفت عدة مرات، ورغم ذلك تماسك المبنى بأعجوبة بشكل يسمح للعدد الضئيل من العاملين بها من أطباء وممرضات بمواصلة العمل هناك. ولكن، جل ما يخشاه كلازي هو قصف البراميل المتفجرة تحديدًا، إذ يقول إنه عندما تلقي الطائرات أو الهليكوبترات براميل النفط المليئة بالمتفجرات والشظايا المعدنية، تصدر صوتًا وكأنها تمزق الهواء إربًا أثناء سقوطها، مضيفًا أن التأثير يكون مزلزلا حرفيًا. ويستطرد «عندما تسمع ذلك الصوت المروع، تتجمد في مكانك لأنك تعرف أنه ما من مكان آمن تستطيع أن تأوي إليه. يهتز كل شيء فجأة وكأنه زلزال وتنطفئ الأنوار. ويكسو الغبار كل شيء. ثم تمضي باقي الوقت باحثًا تحت الأنقاض عما إذا كان أي من زملائك لا يزال على قيد الحياة».
ويصف كلازي حالات الضحايا - التي لا يبدو أنها ستنتهي - وهي تتوافد عبر حجرة العمليات عبر السنين، قائلا إن كثيرا منهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة فور وصولهم للمستشفى، كطفل في عُمر ابنه أحمد الذي لم يتجاوز السنة الأولى من عمره، والنساء الحوامل، وعائلات بأكملها. ويقول بأسى واضح: «لن أنسى ما حييت تلك العائلة التي حضرت إلى المستشفى بعد قصف النظام منزلهم. وكانت العائلة مكوّنة من سبعة أطفال، ووالداهم يكسوهما التراب. وما زلت حتى الآن أتذكر منظر ذلك الرضيع البالغ من العمر ثلاثة أشهر بملابسه الصغيرة المغطاة بالتراب. وقد حاولت ما في وسعي أن أعيدهم إلى الحياة دون جدوى، فقد توفوا جميعًا باستثناء فتاة صغيرة».
قبل سنة، دكت قنبلة منزل عائلة كلازي، على بعد مسافة قصيرة من المستشفى، وكانت زوجته صبا وابنهما أحمد في المطبخ عندما سقطت القنبلة على المنزل، لكنهما أفلتا من الموت على الرغم من تدمير المنزل، ويتذكر كلازي تلك الحادثة قائلا: «ما زلت حتى الآن لا أعرف كيف بقيا حيين، لقد تحطم الأثاث وانهار السقف». وبعد ذلك، انتقلت صبا وأحمد للعيش مع والديها في محافظة إدلب المجاورة.
تعرف كلازي على زوجته صبا في مظاهرة سلمية مناهضة للنظام سارت في حلب عام 2011. ومع تحول الثورة السلمية إلى حرب أهلية، ازداد العنف تجاه الأطباء سوءًا. ووفق كلازي، فقد قبض على كثير من أصدقائه الأطباء بالمدينة، وقتلوا في أماكن الحجز التابعة للنظام. وفي العام الماضي، قُتل صديق له طبيب جراء قصف أصابه أثناء ذهابه إلى العمل سيرًا. وعلى الرغم من تقليص الهدنة المؤقتة التي شملت جميع أراضي سوريا مؤخرًا، فإن القوات التابعة للنظام على وشك تطويق حلب بالكامل. وجدير بالذكر أن ثمة طريقا واحدة تربط القوات المعارضة داخل المدينة بالخارج، فإذا تمكن النظام من السيطرة على المدينة ستنقطع صلة كلازي بعائلته التي يزورها في إدلب لمدة أسبوع كل شهر. وبحسرة، يقر الدكتور كلازي: «عندما أعود إلى حلب، أشعر وكأنني أودع صبا لآخر مرة. وإن تمكن النظام من السيطرة على تلك الطريق وأنا هنا، فقد لا أتمكن من رؤيتها مجددًا».
* خدمة واشنطن بوست
خاص بالشرق الأوسط



الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.