لم تخرج وسائل الإعلام الروسية في تغطيتها لـ«وثائق بنما»، عن الخطاب الرسمي الروسي الذي رأى أن ما أطلق عليه اسم «وثائق بنما» حول نشاط مالي لقادة دول وحكومات ورياضيين في «الملاذات الضريبية الآمنة» ليس سوى حملة تستهدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إذ حرصت الصحف ووكالات الأنباء ومحطات التلفزة الروسية على نقل تصريحات المسؤولين الروس حول تلك الوثائق. وفي المقالات التحليلية أيضًا برز تبنٍ لوجهة النظر الرسمية حول اتهام جهات معينة بأنها تقف وراء نشر تلك التسريبات. وكانت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء قد نقلت عن دميتري بيسكوف السكرتير الصحافي للرئيس الروسي قوله إنه «على الرغم من عدم ظهور اسم بوتين في تلك الوثائق الاستقصائية، فإنه من الواضح أن الهدف الرئيسي لهذا الضخ الإعلامي هو الرئيس بوتين، لا سيما في سياق الانتخابات البرلمانية المقبلة قريبًا، وكذلك في سياق على المدى البعيد، أي الانتخابات الرئاسية الروسية بعد عامين».
وكان «الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين» قد نشر ملايين الوثائق التي تشير إلى أن عددًا من الزعماء في العالم ورؤساء الحكومات وغيرهم من مسؤولين حكوميين وشخصيات مقربة من مراكز القرار في عدد من دول العالم، بما في ذلك شخصيات مقربة من الرئيس بوتين وبعض أصدقائه المقربين جدًا، تزعم أنهم هربوا أموالاً من بلدانهم إلى ملاذات ضريبية آمنة، لتجنب المساءلة. وعلى الرغم من بروز أسماء زعماء كثر، فإن الكرملين أصر على اعتبار القضية برمتها جزءًا من حملة تستهدف الرئيس الروسي، فضلاً عن استهدافها الوضع الداخلي في روسيا. وكانت وكالة تاس الروسية للأنباء قد نقلت هي الأخرى عن دميتري بيسكوف وجهة نظر اعتبر فيها أن نشر تلك الوثائق «قد أسس لمنتج إعلامي يتم دفعه على المسرح السياسي الداخلي»، معربًا عن اعتقاده بأن تلك الوثائق «موجهة بالدرجة الأولى ضد روسيا وضد الرئيس بوتين شخصيًا».
أما التصريحات الأهم للسكرتير الصحافي للرئيس الروسي، والذي علق عشرات المرات خلال يومين على «وثائق بنما»، فهي تلك التي اتهم فيها الاستخبارات والخارجية الأميركية بالضلوع في نشر تلك الوثائق، ونقلت كل وسائل الإعلام الروسية حديثه بهذا الصدد، حين أشار إلى أن العدد الأكبر ممن شارك في نشر «وثائق بنما» هم من العاملين سابقًا لدى الاستخبارات المركزية الأميركية، ولدى أجهزة استخبارات أخرى، معربًا عن قناعته بأن الجزء الأكبر من الصحافيين في المجموعة التي أعدت «وثائق بنما» لم يكونوا صحافيين وأن عددًا كبيرًا منهم كانوا يعملون سابقًا في وزارة الخارجية الأميركية، وفي الـ«سي آي إيه» (وكالة الاستخبارات المركزية) وأجهزة استخبارات أخرى.
أما وكالة ريا نوفوستي الحكومية الروسية فقد نقلت عن بيسكوف تصريحاته التي استحدث فيها مصطلحًا سياسيًا جديدًا، حين اعتبر أن نشر «وثائق بنما» إنما يكشف عما وصفه بـ«درجة عالية من بوتينفوبيا» لدى الجهات التي حرصت على نشر تلك التسريبات، في إشارة منه إلى ما يرى أنه عداء لبوتين. صحيفة «إزفستيا» الروسية لم تخرج هي الأخرى عن الخط الإعلامي الرسمي في التعامل مع «وثائق بنما»، ورأت أن نشر تلك المعلومات ليس سوى حملة يُراد منها زعزعة الاستقرار الداخلي في روسيا وتشويه شخصية بوتين بأعين الناخبين، وبأعين الرأي العام العالمي، وأعادت إلى الأذهان أن موسكو كانت قد حذرت على لسان السكرتير الصحافي للكرملين من حملة إعلامية يجري الإعداد لها وتستهدف الرئيس بوتين عبر أصدقائه وشخصيات أخرى مقربة منه، وربما عبر أفراد عائلته. ونقلت ما صرح به بيسكوف نهاية شهر مارس (آذار) الماضي، حين قال إن «الحملة التي نتوقعها ستتناول بوتين شخصيًا، ومحاولات الوصول إلى أفراد أسرته، وأصدقاء طفولته، ورجال الأعمال المقربين منه، وستكون حول شركات مزعومة في ملاذات ضريبية آمنة، وعدد كبير من رجال الأعمال الذين لا يعرفهم بوتين أبدًا».
صحيفة «نيزافيسمايا غازيتا» رأت أن «غالبية المواطنين الروس لم يظهروا أي رد فعل على التحقيقات حول مناطق الملاذات الضريبية الآمنة التي طالت أصدقاء مقربين لبوتين»، لا سيما أنه لم يتم إثبات أي صلة مباشرة للرئيس الروسي بهذا الأمر. وتتهم الصحيفة جورج سورس بالوقوف وراء نشر تلك المعلومات، مشيرة إلى لقاء جمع سورس والرئيس أوباما، يُزعم أن الاتفاق على إطلاق الحملة الإعلامية ضد بوتين قد تم خلاله، وفق ما تقول «نيزافيسمايا غازيتا»، لتقول بعد ذلك إن «ما دار من حديث بين سورس وأوباما ومن ثم بين سورس ومعارضين روس يبقى مجهولاً، لكن فكرة وجود قوى غربية خلف القيام بتحقيقات تستهدف القيادة الروسية لتشويه سمعتها، تلقى رواجًا كبيرًا بين المواطنين الروس».
في السياق ذاته، سارعت وكالة تاس الروسية للأنباء إلى نشر تصريحات المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية التي نفى فيها أن تكون السلطات الأميركية قد لعبت دورًا في نشر تسريبات «وثائق بنما»، إلا أنه أقر بأن «الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين» يحصل على تمويل من وزارة الخارجية الأميركية، لذلك عنونت «تاس» تقريرها بعبارة: «الولايات المتحدة تعترف بتمويل مؤسسة ضالعة بنشر وثائق بنما»، ونقلت في سياقه نفي المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركية للاتهامات بأن واشنطن متواطئة في نشر تلك التسريبات، مشددًا على أن التمويل لا يفرض على الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين تنفيذ أعمال محددة وفق الطلب.
بشكل عام يمكن القول إن وسائل الإعلام الروسية لم تتفاعل من الناحية التحليلية والخبرية مع فضيحة «وثائق بنما» بالشكل المطلوب وحافظت على الالتزام بالخط الرسمي، مكتفية بنقل التصريحات الرسمية بهذا الصدد. هذا الأمر أثار حفيظة كثيرين بينهم البرلماني الروسي دميتري غودكوف، الذي قالت صحيفة «كوميرسانت» الروسية إنه وجه خطابًا إلى مديري وسائل الإعلام الحكومية الروسية مثل وكالة روسيا سيغودنيا للأنباء ووكالة تاس، يطالبهم فيها بتقديم توضيح حول أسباب ما اعتبره «تغطية إعلامية مختزلة جدًا» لموضوع «وثائق بنما». وانتقد البرلماني غودكوف في رسالته «غياب رد فعل مناسب من جانب وسائل الإعلام الرسمية على نشر وثائق بنما»، لافتًا إلى أن قضايا كهذه تحمل قيمة خاصة اجتماعيًا، ويتهم بعد ذلك وكالة تاس ووكالة روسيا سيغودنيا بأنهما لم تعرضا الموضوع بالشكل المطلوب، ولم تتناولا في التغطية الجزء الذي يشكل أهمية بالنسبة لروسيا من الوثائق. فرد عليه المدير العام لوكالة تاس مؤكدًا أن وكالته قامت بتغطية واسعة ومناسبة للقضية، بينما قال دميتري كيسيلوف، المقرب من الكرملين والذي يدير وكالة روسيا سيغودنيا، إنه لا ينوي مناقشة السياسة التحريرية لوكالته مع البرلماني غودكوف، وفق ما ذكرت صحيفة كوميرسانت.
وسائل الإعلام الروسية التزمت الموقف الرسمي من وثائق بنما
لم تعرها اهتمامًا كبيرًا واعتبرتها حملة تستهدف روسيا ورئيسها
وسائل الإعلام الروسية التزمت الموقف الرسمي من وثائق بنما
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة