سياسات المغالاة في الوطنية تعصف بالهند

جدال وطني بعد تشكيك أحزاب سياسية في ولاء المسلمين لبلدهم

طفلان يلهوان عند مدخل مدرسة مسلمة في نيودلهي في 31 مارس الماضي (أ.ف.ب)
طفلان يلهوان عند مدخل مدرسة مسلمة في نيودلهي في 31 مارس الماضي (أ.ف.ب)
TT

سياسات المغالاة في الوطنية تعصف بالهند

طفلان يلهوان عند مدخل مدرسة مسلمة في نيودلهي في 31 مارس الماضي (أ.ف.ب)
طفلان يلهوان عند مدخل مدرسة مسلمة في نيودلهي في 31 مارس الماضي (أ.ف.ب)

تسبب شعار «بهارات ماتا كي جاي»، الذي يعني «النصر للهند الأم»، في وضع المسلمين في موقف حرج. وقد بدأ الأمر عندما وطئ عضو مسلم في أحد المجالس الإقليمية عش الدبابير عن طريق الخطأ برفضه تلاوة هذا السطر. وعليه، تعرض النائب واريس باثان، عضو المجلس التشريعي في ماهارشترا، للإيقاف عن العمل، في خطوة وافقت عليها جميع الأحزاب السياسية لرفضه تكرار عبارة «بهارات ماتا كي جاي».
وقبل أن تفلح الجهود التي بذلتها بعض الأطراف في تسوية هذه الأزمة، أثار عضو البرلمان الهندي أسد الدين أواسي، عضو «المجلس الهندي لاتحاد المسلمين»، أحد الأحزاب السياسية بالبلاد، موجة غضب عارم وجدال كبير لإعلانه رفضه تكرار عبارة «بهارات ماتا كي جاي»، حتى «لو وضعوا سكين على رقبتي».
وجاءت تعليقات أواسي في أعقاب اقتراح رئيس «راشتريا سوايا مسيفاك سانغ» (الاتحاد الوطني للمتطوعين)، وهي جماعة هندوسية متشددة، موهان بهاغوات، بضرورة تعليم الجيل الجديد ترديد شعارات تحتفي بالهند الأم، على خلفية جدال ثار حول شعارات مناهضة للهند ظهرت بالحرم الجامعي لجامعة جواهر لال نهرو، في قلب العاصمة الهندية دلهي.
يذكر أن رئيس الوزراء ناريندرا مودي والكثير من الوزراء بحكومته كانوا أعضاء نشطين في شبابهم في جماعة «راشتريا سوايا مسيفاك سانغ.»
وقد أثار ذلك عاصفة من الانتقادات الحادة من جانب أحزاب سياسية مختلفة أبدت تشكيكها في وطنية المسلمين الهنود، وأطلقت جدالاً حول مفهوم الوطنية. وفي خضم حالة الجدال المحتدم التي أعقبت التصريحات سالفة الذكر طالب حزب «شيفا سينا» السياسي الهندوسي بإسقاط عضوية أواسي بالبرلمان.
وفي خضم كل هذا، أصدرت مدرستان مسلمتان في حيدر آباد، «المهاد العلي الإسلامي» و«الجمعية النظامية»، فتوى ضد ترديد هذه العبارة باعتبارها منافية للإسلام، بينما انقسمت منظمات مسلمة أخرى بارزة بمختلف أرجاء البلاد حول مدى صحة الفتوى.
من جهته، قال المفتي شاهد علي قاسمي، من مدرسة «المهاد العلي»: «لا يحق لمسلم ترديد هذه العبارة لأن أرض الهند ليست إلهًا. إن كل مسلم يعشق وطنه ومستعد للتضحية بحياته من أجلها، لكنه لا يسجد سوى لله. بالنسبة للمسلمين، الله فقط هو الجدير بعبادته».
اللافت أن غالبية المسلمين لا يجدون حرجًا في ترديد الشعار، بل واستقبلوا به رئيس الوزراء مودي لدى صعوده على خشبة المسرح لإلقاء كلمة افتتاحية في المؤتمر الصوفي العالمي.
من جهته، قال بارفيز لاكداوالا، رئيس الاتحاد الهندي للمسلمين إن «حزب «بهاراتيا جاناتا» بحاجة لحزب مسلم مثل «المجلس الهندي لاتحاد المسلمين» لإحداث استقطاب في الأصوات مع اقتراب الانتخابات. «إن الهند موطننا وليس هناك ما يعيب في الإشادة بوطننا أو تحيته، حتى لو كان الدستور لا يجعل هذا ملزمًا لجميع المواطنين».
وقد حاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع عدد من العلماء ورجال الدين المسلمين بالهند، لكنهم رفضوا التعليق خشية تأجيج الخلاف. إلا أن رجل الدين طارق البخاري وصف الجدال برمته بأنه «سياسي»، معربًا في الوقت ذاته عن موافقته على فحوى الفتوى. وقال: «كل هذا لا يعدو رد فعل لأواسي، فالأمر برمته سياسي. وقد فعل هذا فقط لإثارة جدال ولفت الانتباه. أما الفتاوى لا تصدر إلا لأغراض دينية، لكنني أتفهم السبب وراء صدور هذه الفتوى الأخيرة. إن أرض الوطن ليست خالقًا، وفي الإسلام لا ينحني المرء إلا للخالق».
والملاحظ أن هذا الجدال تحول لاختبار لمدى وطنية المسلمين. وقال البرلماني ماجود ميمون: «تتخذ الأحزاب مواقف متطرفة لرغبتها تحقيق مكاسب سياسية عبر التلاعب بقضايا تثير عاطفة المواطنين. وأود تذكير الجميع بأن «المجلس الهندي لاتحاد المسلمين» لا يمثل جميع مسلمي الهند. لذا، لا ينبغي أن نسمح بما يفعله أعضاؤه بتلويث المناخ العام. كما أعتقد أن هذه القضية تجري المبالغة فيها على نحو لا ضرورة له. الآن، أسمع أن رجل دين في حيدر آباد اعترض على الشعار، رغم أن أيًا من رجال الدين لم يبد اعتراضًا عليه طيلة 60 عامًا، بل ويقول البعض إنه لا مشكلة في قول بهارات، لكن المشكلة في قول ماتا أو الأم، فما المشكلة التي ظهرت الآن مع فكرة الأمومة؟ إن القضية الرئيسة هنا أن المسلمين سئموا من اضطرارهم باستمرار لمحاولة إثبات وطنيتهم مرة بعد أخرى. إنهم ليسوا بحاجة لشهادة تصادق على وطنيتهم من أي حزب».
من ناحية أخرى، وبعد أسابيع من الجدل المحتدم، أصدر حزب «بهاراتيا جاناتا» الذي يتزعمه رئيس الوزراء، بيانًا أكد خلاله أن «رفض ترديد النصر للهند يرقى لمستوى الخيانة». ورد حزب «المؤتمر» المعارض على البيان باتهام «بهاراتيا جاناتا» باستثارة جدال زائف وتحويل الشعار لاختبار لمدى وطنية الهنود. والواضح أن «بهاراتيا جاناتا» يرى أن استقطاب الآراء حول القضية، خاصة لفظ بهارات، سيساعده في الفوز بالأصوات في انتخابات المجالس المقررة الشهر المقبل، تعقبها انتخابات بالغة الأهمية في ولاية أوتار براديش العام المقبل، تليها الانتخابات العامة عام 2019.
وفي تلك الأثناء، حاول وزير الشؤون البرلمانية فينكياه نايدو، تصفية الأجواء عبر التأكيد على أن الشعار لا يحمل أية دلالات دينية وأنه مجرد أسلوب لتقديم التحية للوطن. وقال: «أستغرب هذا الجدال الدائر حول (بهارات ماتا كي جاي). إنه إعلان التزام تجاه الوطن، فمن خلاله يحيي المرء وطنه».



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».