روحاني يفشل في احتواء باكستان اقتصاديًا

مخاوف إسلام آباد من التعاون الهندي - الإيراني

الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال لقائه قائد الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف في إسلام أباد أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال لقائه قائد الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف في إسلام أباد أمس (أ.ف.ب)
TT

روحاني يفشل في احتواء باكستان اقتصاديًا

الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال لقائه قائد الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف في إسلام أباد أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال لقائه قائد الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف في إسلام أباد أمس (أ.ف.ب)

فشل الرئيس الإيراني حسن روحاني في انتزاع موافقة رسمية من باكستان على إكمال خط أنابيب الغاز الإيراني الباكستاني والبدء بضخ الغاز.
وكانت الدولتان وقعتا اتفاقية مد خط أنابيب غاز من حقول بارس جنوب غربي إيران إلى مدينة نواب شاه في إقليم السند الباكستاني، على أن تتعهد كل دولة بمد خط الأنابيب داخل حدودها.
وأعلنت إيران قبل أكثر من عام تمكنها من إنهاء مد الخط مسافة تسعمائة كيلومتر داخل أراضيها بما يبقي مائتين وخمسين كيلومترًا للوصول إلى الحدود الباكستانية، في حين لم تبدأ الحكومة الباكستانية العمل لمد خط الأنابيب داخل أراضيها بسبب العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على شركات النفط والغاز الإيرانيتين قبل التوقيع على اتفاق إيران النووي مع القوى الغربية.
وفيما وقع الرئيس روحاني والوفد المرافق له على ست اتفاقيات تجارية واقتصادية مع باكستان فقد أحجمت الحكومة الباكستانية عن الإدلاء بأي تصريح رسمي حول إمكانية البدء بمد خط أنابيب الغاز الإيراني عبر الأراضي الباكستانية. وتشمل الاتفاقيات التجارية وغيرها الموقعة بين باكستان وإيران المجالات الطبية والعلمية والتكنولوجيا، واتفاقية تعرب عن رغبة البلدين في زيادة حجم التبادل التجاري بينهما خلال 5 سنوات إلى 5 مليارات دولار. لكن لم توضح الاتفاقية بنود التبادل التجاري التي سترفع حجم التجارة بين البلدين حتى الآن.
في هذا الصدد، قال الرئيس الإيراني في مؤتمره الصحافي إن العقوبات الاقتصادية رفعت عن إيران، وإن إيران أكملت (حسب قوله) بناء الخط في أراضيها، والآن الكرة في الملعب الباكستاني، حاثًا الحكومة الباكستانية على الالتزام بما وقعت عليه من اتفاقية. إلى ذلك، طالبت لجنة فرعية في مجلس الشيوخ الباكستاني الحكومة بتوضيح موقفها من خط أنابيب الغاز الإيراني - الباكستاني، وتقدم أعضاء اللجنة بطلب إلى وزير البترول شاهد خاقان عباسي المقرب من رئيس الوزراء نواز شريف بتقديم شرح تفصيلي للجنة حول المشروع..
وفي معرض رده الأولي على طلب اللجنة فقد قال وزير البترول الباكستاني شاهد خاقان عباسي إن المشروع لم يبدأ العمل به حتى الآن، وإن العقوبات الدولية على إيران بالكاد رفعت أخيرًا، وتقييم الأوضاع على الأرض سيأخذ وقتًا، وأضاف عباسي أن باكستان أزالت كل ما كان يحظر عليها المضي في مشروع خط أنابيب الغاز من إيران الذي سيكلف الحكومة الباكستانية أكثر من ملياري دولار لمده مسافة 781 كلم داخل الأراضي الباكستانية.
وتعول الحكومة الإيرانية على خط أنابيب الغاز لباكستان بحيث يمكن مده إلى الأراضي الهندية، وحسب الاتفاقية بين البلدين، فإن الخط يمتد مسافة 1160 كيلومترًا داخل إيران ليصل إلى الحدود الباكستانية قريبًا من ميناء جوادور الباكستاني على بحر العرب، فيما يمتد خط الأنابيب داخل الأراضي الباكستانية ليصل إلى مدينة نواب شاه شمال كراتشي في إقليم السند.
وعرضت الحكومة الإيرانية على باكستان أن تقوم شركة الغاز الإيرانية ببناء خط أنابيب الغاز في الأراضي الباكستانية، لكن باكستان رفضت العرض الإيراني كونه يطالب بضعف السعر الذي حصلت عليه باكستان من شركات عالمية، كما طالبت الحكومة الإيرانية باكستان بدفع غرامة مالية حسب اتفاقية مد خط أنابيب الغاز، في حال فشل باكستان في مد خط الأنابيب داخل أراضيها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2014م، وهو ما رفضته باكستان بحجة العقوبات المفروضة على شركات الغاز والنفط الإيرانيتين، وهددت إيران برفع القضية إلى المحكمة التجارية الدولية للفصل فيها وإجبار باكستان على دفع غرامة مالية تقدر بأكثر من مليار دولار، وهو ما تسبب في استياء عام في باكستان من الموقف الإيراني.
في سياق متصل، واجه الرئيس الإيراني أزمة أخرى في زيارته إلى إسلام آباد وهي الهواجس الأمنية الباكستانية، بعدما اعتقلت السلطات الباكستانية ضابط استخبارات هنديًا في إقليم بلوشستان قادمًا من إيران وضبطه بالجرم المشهود في تواصل مع عناصر انفصالية وإرهابية باكستانية، وأطلع قائد الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف الرئيس الإيراني على عمليات تسلل الانفصاليين البلوش من الأراضي الإيرانية أو إليها قبل أو بعد القيام بتفجيرات واغتيالات في إقليم بلوشستان، وأثار قائد الجيش الباكستاني المخاوف الباكستانية من الاتفاق الأمني الهندي الإيراني، الذي يسمح للقوات البحرية والجوية الهندية باستخدام الموانئ والقواعد الجوية الإيرانية، في حال تعرض الهند لأي مخاطر أو هجوم من أي جهة، وهو ما اعتبرته باكستان محاولة من الهند لوضع باكستان بين فكي كماشة من الشرق والغرب. كما أطلع وزير الداخلية الباكستانية تشودري نثار علي خان نظيره الإيراني عبد الرضا فضلي، على ما يقوم به الانفصاليون البلوش في باكستان، وتسللهم من إيران، وقد اتفقت الدولتان على زيادة المراقبة على طول الحدود بينهما، إضافة إلى فتح معبرين جديدين لمرور المسافرين بين البلدين.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»