الرئيس هادي: عاصفة الحزم جنبت البلاد الانهيار بعد ابتلاع الدولة من عصابات مسلحة

قال إن موقف الأشقاء في دول الخليج كان نبيلاً وشجاعًا كي لا يسقط اليمن وتنهار مؤسساته

الرئيس هادي (وسط) خلال جولة سابقة في ميناء المعلا مع قيادات أمنية وسياسية في العاصمة المؤقتة عدن (رويترز)
الرئيس هادي (وسط) خلال جولة سابقة في ميناء المعلا مع قيادات أمنية وسياسية في العاصمة المؤقتة عدن (رويترز)
TT

الرئيس هادي: عاصفة الحزم جنبت البلاد الانهيار بعد ابتلاع الدولة من عصابات مسلحة

الرئيس هادي (وسط) خلال جولة سابقة في ميناء المعلا مع قيادات أمنية وسياسية في العاصمة المؤقتة عدن (رويترز)
الرئيس هادي (وسط) خلال جولة سابقة في ميناء المعلا مع قيادات أمنية وسياسية في العاصمة المؤقتة عدن (رويترز)

أكد الرئيس عبد ربه منصور هادي أن الوطن صار أكثر أمانا اليوم بعد عام من عاصفة الحزم والعزم بعد أن تحولت قوى التمرد والانقلاب إلى عصابات تتآكل كل يوم وتتهالك مع كل معركة. جاء ذلك في مقال نشره الرئيس بصفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» في الذكرى الأولى للتحالف العربي وانطلاق عاصفة الحزم.
وقال الرئيس هادي: «اليوم يتعزز دور الجيش الوطني ويتماسك المجتمع مقاوما للانقلاب ورافضا للتمرد والفوضى، رغم التحديات التي تضعها تلك العصابات والجماعات الإرهابية المرتبطة بها والتي تتولى إرهاب المحافظات المحررة بعملياتها الإجرامية الجبانة». وأضاف الرئيس أن «التحالف العربي لدعم الشرعيّة الذي قاده بكفاءة واقتدار صاحب الحزم والعزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ومعه جميع أشقائه من قادة التحالف، أظهر مقدارا عاليا من القوة والاقتدار المقرون بالالتزام الأخلاقي والإنساني في مواجهة ذلك الخطر الذي لا يستهدف اليمن فقط ولكن المنطقة جمعاء».
ولفت إلى أن النزعة المريضة لقادة الميليشيات الانقلابية وضعت الشعب اليمني والوطن كله تحت لهيب النيران والموت والخراب من قبل عصابات امتهنت الإجرام وتآمرت على الشعب الكريم الذي منحها الفضل والعرفان والغفران. وتابع: «مر عام منذ أن استجاب أشقاؤنا لندائنا للتدخل لإنقاذ الشعب اليمني الذي ما استكان ولا هان منذ اللحظة الأولى وقاوم تلك الميليشيات في كل سهل وجبل. هذا الشعب الذي أبهرت مقاومته الباسلة العالم وهي تدافع عن شرف اليمن وعن مدنيته وحضارته التي أريد محوها واستلابها».
وتطرق إلى توق الشعب اليمني للحرية والكرامة والمواطنة المتساوية والعدالة، منوها إلى المظاهرات السلمية للحراك الجنوبي عام 2007، والثورة الشبابية الشعبية عام 2011، التي اجتاحت كل أرجاء الوطن، بأنها تمثل إعلانا رافضا لهذه الثقافة العصبوية، مشيرا بهذا السياق إلى محافظة تعز التي كان شبابها ورجالها ونساؤها وأطفالها في طليعة المناهضين، لذا يتم الانتقام منها الآن. وكشف الرئيس هادي عن أن النظام العائلي كان يقود اليمن إلى المجهول وهو ما استدعى من القوى اليمنية الحية بثقافتها وعمقها المعرفي وقف هذه المشروعات العائلية العصبوية. وأوضح «والتزاما منها بحقوق الجوار والحفاظ على الدولة اليمنية من الانهيار وقف إخواننا في دول الخليج موقفا نبيلا وشجاعا وقدموا جهودا جبارة وعظيمة ودعما سخيا وكريما لكي تحافظ الدولة على نفسها من السقوط، فاقترحت دول الخليج المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وساندتها الدول العشر وعززها المجتمع الدولي بالدعم والمساندة». وأضاف: «بعد مماطلات وصلت حد الاستهتار تم توقيع الاتفاقية التي عرفت بالمبادرة الخليجية والتي تهدف لحفظ الدم اليمني وإبقاء الدولة اليمنية ورسم خارطة طريق تحقق أهداف الشعب في ثورته وتضع مسارا مفصلا للخروج الآمن عبر انتخابات الرئيس والذهاب إلى حوار وطني يفضي إلى دستور جديد يلبي الطموحات والآمال وانتخابات تضع المجتمع في بداية الطريق الصحيح نحو الدولة الحديثة».
وأكد الرئيس هادي أن «الرئيس الأسبق صالح ذهب مكرهًا للتوقيع عليها وهو يبطن الشر لليمن والانتقام من أبنائه، فيما حليفه المتمثل في ميليشيات الحوثي أعلنت رفضها لتلك المبادرة، باعتبارها مبادرة من الأشقاء في الخليج تم التوقيع عليها في مدينة الرياض، بينما هم مرتبطون بـطهران ويدارون من قم». وأردف «خرج اليمنيون بعد أن انتخبوا رئيسهم ووضعوا لبنات الدولة الجديدة المنشودة عبر وثيقة مخرجات حوار شارك فيه كل اليمنيين، كانت تجربة احترمها العالم حتى بدأت بعض دول المنطقة في الأخذ بالنموذج اليمني كطريق آمن للخروج من تداعيات الثورات العربية».
وتابع: «كعادتهم في كل مرة حين يشعرون أن الشعب قد أوشك على تحقيق تطلعاته يقفون أمامه لاغتيال تطلعاته، فعلى الرغم من قبول جماعة الحوثي الدخول في الحوار وهي لا زالت جماعة مسلحة ورغم كل الإعاقات التي كان تحالف صالح والحوثي يفتعلها لإفشال الحوار فإن إرادة اليمنيين كانت أقوى وأمضى، فبفضل جهود المخلصين نجح مؤتمر الحوار الذي وضع معالجات شاملة لكافة قضايا اليمن منذ ما يزيد على خمسين عاما وأرسى أسس اليمن الاتحادي المدني الجديد الذي يتوق إليه أبناء اليمن قاطبة».
وأبان «حين باتت مسودة الدستور جاهزة في انتظار مراجعتها وتصويت الشعب عليها، وجد الشعب اليمني نفسه مرة أخرى أمام تلك القوى الانتقامية لتقف أمام طموحه وتنقلب عليه، مخفية اتفاقا سريا بين صالح والحوثيين لنقل التجربة الإيرانية الفاشلة إلى اليمن. وكانت تحركات تلك الميليشيات على الأرض محمومة فاقتحمت عمران وحاصرت صنعاء، بعد التنسيق الكامل مع بعض قيادات ووحدات الجيش والقيادات المحلية».
وأضاف: «وتحت ضغط وتهديد السلاح هذا وقعت الأطراف اتفاقًا للسلم والشراكة لعله يمثل مخرجًا من هذا التهور، إلا أن الشعب اليمني وجد نفسه مرة أخرى أمام تعنت ذلك التحالف الإجرامي للحوثي وصالح، فلم يجف حبر ذلك الاتفاق حتى انقضت تلك الميليشيات على العاصمة صنعاء وراحت تعبث وتنهب المعسكرات والمؤسسات في عملية انقلاب مسلح دموي، تمدد بعد ذلك لباقي المحافظات».
وأوضح: «هذا المسار الذي سلكناه كان يقلق هذه القوى المتخلفة والمتعصبة فجمعت همجيتها واستجمعت قبحها ورتبت عصائبها واجتاحت الدولة ومزقت الاتفاقات وتركت المجتمع اليمني كله في أسر قوة بلا خيال ولا مسؤولية ولا أخلاق، سخرت نفسها لقوى خارجية لم يكن لها من رصيد في المنطقة سوى الخراب والقتل والدمار وأعمالهم شاهدة عليهم في العراق وسوريا ولبنان، وليس ببعيد عنا حجم الأسلحة التي قبضنا عليها في سفن جيهان المرسلة من إيران ونوعية الخبراء الذين تم القبض عليهم والتابعين لـ(حزب الله)».
ولفت: «لعل شعبنا لم ينس كيف تعاملنا بكل حكمة وصبر وتحمل، فاستهدفت شخصيًا في منزلي وتم قتل عدد من حراساتي، وتقدمت باستقالتي حين وجدت الأبواب مع تلك العصابات قد أغلقت، وتم منع النواب من مناقشة الاستقالة وانتهت الفترة القانونية لذلك، فلم أجد بدًا من الخروج نحو عدن، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وهناك استدعيت الحكومة وبدأنا العمل في العاصمة المؤقتة عدن، واستمر طيشهم وغرورهم وعنجهيتهم ليقوموا بعد ذلك بحصار تعز وضرب واستهداف أهلها ومن ثم ضرب المعاشيق بالطائرات واجتياح عدن وباقي المحافظات الجنوبية بصورة دموية انتقامية».
وقال: «قامت القيادة السياسية – بعد أن استنفذت كل الوسائل الممكنة لتجنيب الوطن مآلات الدمار والعنف والفوضى - بدورها في الاستعانة بالإخوة في التحالف العربي للقيام بدورهم في مساندة الشرعية اليمنية».
وأضاف: «بعد عام من الحزم والعزم صارت الدولة تقترب من العودة وأصبحت الميليشيات تبحث عن طوق النجاة بعد أن أذاقت الشعب ويلات القتل والدمار والحصار وفرضت علينا الخيارات الصعبة التي ما كان لنا أن نتخذها لولا الصلف والهمجية والاستعلاء والخيانة والعمالة».
وتابع: «اليوم يمكن لنا في الذكرى الأولى لعاصفة الحزم وإعادة الأمل أن نؤكد مجددًا على السلام والوئام، يمكن لنا أن نقول بوضوح لا لَبْس فيه إننا لم ولن نكون دعاة حرب ودمار، لذلك كنّا ولا زلنا مع السلام وتفاعلنا إيجابيا مع الجهود المخلصة للمبعوث الأممي لإحلال السلام واستعادة الدولة تنفيذا للقرار الأممي 2216». وقال: «أنا مسؤول عن الشعب اليمني من أقصاه إلى أدناه، وكل قطرة دم تؤلمني، وكل نفس تزهق تؤرقني، اعلم أننا نواجه عصابات لا عهد لها ولا مسؤولية تشعر بها، ورؤوسا مهووسة بالانتقام وعقد النقص، لا يهمها سفك الدماء والدمار، ولكن ستبقى أيدينا ممدودة للسلام العادل الذي ينصف الشعب اليمني، السلام الذي لا يحمل بذور فشله في المستقبل، السلام الذي يؤسس لمستقبل آمن ومستقر لشعبنا ووطننا».
واختتم: «أما أمتنا العربية والإسلامية فبعد عام من الحزم والعزم رأينا أمتنا وهي تضع أقدامها على الطريق الصحيح عبر تحالف عربي سيظل شاهدا فريدا على وحدة الدم والمآل والمصير، وبعد عام كذلك تشكل التحالف الإسلامي وبدأت الأمة الإسلامية في مرحلة جديدة لممارسة دورها الريادي اللائق بها وبعظمتها».



ما نعرفه عن المعارك الضارية في منطقة كردفان السودانية

نازحون من شمال كردفان يجلسون في الظل بمدينة أم درمان التابعة لولاية الخرطوم يوم الاثنين (أ.ف.ب)
نازحون من شمال كردفان يجلسون في الظل بمدينة أم درمان التابعة لولاية الخرطوم يوم الاثنين (أ.ف.ب)
TT

ما نعرفه عن المعارك الضارية في منطقة كردفان السودانية

نازحون من شمال كردفان يجلسون في الظل بمدينة أم درمان التابعة لولاية الخرطوم يوم الاثنين (أ.ف.ب)
نازحون من شمال كردفان يجلسون في الظل بمدينة أم درمان التابعة لولاية الخرطوم يوم الاثنين (أ.ف.ب)

تشهد منطقة كردفان الاستراتيجية في السودان قتالاً عنيفاً بين الجيش و«قوات الدعم السريع» التي شجعها تقدّمها في إقليم دارفور، وسيطرتها الكاملة عليه.

وحشدت «قوات الدعم السريع» وحداتها في هذه المنطقة الخصبة، والغنية بالنفط، والذهب الواقعة في وسط السودان، وصعّدت هجماتها فيها مع الميليشيات المتحالفة معها بعد سيطرتها على الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، يرى المحللون أن تركيز «قوات الدعم السريع» على هذه المنطقة يرمي إلى كسر القوس الدفاعي الأخير للجيش حول وسط السودان، سعياً إلى استعادة العاصمة الخرطوم، وسواها من المدن الكبرى.

وفي ظل تَناقُض تصريحات الأطراف المتحاربة، يتعذر التحقق بدقة من المعلومات الواردة من منطقة كردفان، بسبب صعوبة الوصول إليها، وانقطاع الاتصالات.

لكنّ مسؤولين محليين وعاملين في المجال الإنساني، إضافة إلى الأمم المتحدة، يشيرون إلى تكثيف القصف، والضربات بالطائرات المسيّرة، ويتحدثون عن نزوح للسكان، وخطر وقوع فظائع.

لماذا كردفان؟

يشكّل إقليم كردفان الشاسع المقسّم إلى ثلاث ولايات، والمعروف بالزراعة، وتربية الماشية، صلة وصل استراتيجية لحركة الوحدات العسكرية، وعلى المستوى اللوجستي، إذ يقع بين المناطق التي يسيطر عليها الجيش في الشمال، والشرق، والوسط، ومنطقة دارفور في الغرب، والتي باتت «قوات الدعم السريع» تسيطر عليها.

ويشتهر كردفان اقتصادياً بإنتاج الصمغ العربي، وزراعة السمسم، والذرة الرفيعة، وحبوب أخرى، تُسهم، إلى جانب الماشية، في الثروة الزراعية للسودان.

وتضم المنطقة مناجم ذهب، ومنشآت نفطية حيوية، تُشكّل مصادر دخل مهمة للمجهود الحربي.

وسيطرت «قوات الدعم السريع» الاثنين على حقل هجليج الذي يُعَدّ المنشأة الرئيسة لمعالجة صادرات جنوب السودان النفطية، وفقاً لتأكيدات متقاطعة من «قوات الدعم السريع»، ومصدر في الجيش، ومهندس اتصلت به «وكالة الصحافة الفرنسية».

من هي الأطراف المتقاتلة؟

يمتلك الجيش السوداني الذي يقوده عبد الفتاح البرهان، دبابات صينية، وطائرات سوفياتية، ومسيّرات تركية، أو إيرانية الصنع، بحسب موقع «أفريكان سيكيورتي أناليسيس» المستقل في ستوكهولم.

أما «قوات الدعم السريع»، بقيادة حليفه السابق وخصمه الحالي محمد حمدان دقلو، فانبثقت من ميليشيات الجنجويد العربية التي استعان بها الرئيس المخلوع عمر البشير لسحق تمرّد لمجموعات عرقية غير عربية في دارفور.

وتحالفت «قوات الدعم السريع» في الآونة الأخيرة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو. ومكّنها هذا التقارب من تعزيز عددها، ومواقعها في جبال النوبة، وفي بعض مناطق ولاية النيل الأزرق الواقعة بالقرب من إثيوبيا، والتي تقع منذ مدة طويلة تحت سيطرة هذا الفصيل المتمرد.

على أية جبهات تدور المعارك؟

يتركز القتال على جبهات مدن الأبيض، وكادوقلي، والدلنج، وبابنوسة التي يتمركز فيها الجيش بكثافة.

وتقع الأبيض، المحاصرة منذ أشهر، وهي عاصمة ولاية شمال كردفان، على طريق استراتيجي يربط دارفور بالخرطوم، وتضم مطاراً استُخدم مدة طويلة لأغراض لوجستية عسكرية.

واستعاد الجيش أخيراً مدينة بارا، الواقعة على بُعد 60 كيلومتراً شمالاً على الطريق نفسه.

وأكدت «قوات الدعم السريع» الأسبوع الفائت أنها «حررت» بابنوسة، في ولاية غرب كردفان، لكنّ الجيش نفى ذلك.

وفي جنوب كردفان، يحرم الحصار المطول لكادوقلي والدلنج آلاف المدنيين من الغذاء، والدواء.

وإلى الجنوب، تتعرض جبال النوبة لضغط متزايد حول كاودا، معقل الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، إذ يسعى الجيش إلى إضعاف هذا الفصيل المتحالف مع «قوات الدعم السريع».

وضع المدنيين

أكدت الأمم المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حال المجاعة في كادوقلي، وصنفت الدلنج على أنها معرضة لخطر المجاعة. ومنذ عام 2024، أُعلِنَت أجزاء من جبال النوبة مُعرّضة للمجاعة.

ويدفع المدنيون العالقون وسط المعارك ثمناً باهظاً.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية الاثنين أنّ 114 شخصاً، بينهم 63 طفلاً، قُتلوا الخميس بضربات مسيّرات نُسبت إلى «قوات الدعم السريع» على روضة أطفال، ومستشفى في كلوقي، على بُعد نحو 70 كيلومتراً شرقي كادوقلي.

والأربعاء، قُتِل ستة أشخاص على الأقل في ناما بولاية غرب كردفان جرّاء هجوم بطائرة مُسيّرة نُسب إلى الجيش.

وفي 29 نوفمبر، أسفر هجوم بطائرة مُسيّرة أطلقها الجيش على كاودا عن مقتل 45 شخصاً، بينهم طلاب، في جنوب كردفان.

وفي 3 نوفمبر، أدى هجوم بطائرة مُسيّرة نُسب إلى «قوات الدعم السريع» عن مقتل 45 شخصاً في جنازة بمدينة الأبيض، وفقاً للأمم المتحدة.

وأشارت المنظمة الدولية إلى أن أكثر من 45 ألف شخص نزحوا من كردفان منذ نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم.


الحوثيون يحاصرون فقراء صنعاء بمنع المبادرات التطوعية

الفقر دفع آلاف الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين للعمل وترك المدارس (أ.ف.ب)
الفقر دفع آلاف الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين للعمل وترك المدارس (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يحاصرون فقراء صنعاء بمنع المبادرات التطوعية

الفقر دفع آلاف الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين للعمل وترك المدارس (أ.ف.ب)
الفقر دفع آلاف الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين للعمل وترك المدارس (أ.ف.ب)

في وقت تتصاعد فيه مخاوف دولية من انزلاق اليمن إلى مستويات كارثية من الجوع، تواصل الجماعة الحوثية فرض قيود مشددة على المبادرات الشبابية الطوعية التي شكلت خلال السنوات الماضية متنفساً رئيسياً للآلاف من أشد الأسر فقراً في العاصمة المختطفة صنعاء.

مصادر حقوقية في صنعاء أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن قيادات حوثية في ما يُسمى «المجلس الأعلى لتنسيق الأعمال الإنسانية»، رفضت خلال الأيام الماضية طلبات رسمية تقدمت بها ثلاث مبادرات تطوعية لتقديم مساعدات نقدية وعينية لأكثر الأحياء فقراً في مديريات معين وشعوب والتحرير.

وتشمل تلك المساعدات بطانيات ووجبات ساخنة وملابس شتوية وسلالاً غذائية، إضافة إلى مبالغ نقدية رمزية للإسهام في تخفيف معاناة الأسر التي تعيش أوضاعاً متردية مع بداية موجة البرد القارس. لكن الجماعة، وفق المصادر، لم تكتفِ بالمنع، بل ألزمت القائمين على المبادرات بتسليم كل ما لديهم من معونات وكشوفات المستفيدين لـ«المجلس الأعلى» و«هيئة الزكاة» التابعة لها، بزعم أنهما الجهتان المخولتان بتوزيع المساعدات.

ملايين اليمنيين فقدوا مصادر عيشهم بسبب الانقلاب والحرب الحوثية (الأمم المتحدة)

وقال أعضاء في فريق تطوعي بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» إنهم تعرضوا للتهديد بالاعتقال والغرامة بعد توجههم قبل أيام إلى جهات حوثية لطلب إذن مسبق لتوزيع مساعدات في أحياء مكتظة بالفقراء.

وقال أحدهم: «كنا كل عام نوزع بطانيات ومواد غذائية، أما اليوم فأصبح الأمر شبه مستحيل بسبب التضييق المتواصل على العمل الإنساني». وأضاف: «الجماعة تريد أن يكون كل شيء عبرها فقط، حتى لو مات الناس من البرد والجوع».

خنق الأعمال الإنسانية

تشير شهادات متطوعين سابقين إلى أن الجماعة الحوثية كثّفت في الشهور الأخيرة من استدعاء القائمين على المبادرات، لإرغامهم إما على وقف أنشطتهم أو الحصول على تراخيص «معقدة» تتطلب دفع مبالغ مالية وتقارير مفصلة.

وكشف متطوع سابق عن إيقاف مبادرتهم في منطقة سعوان بتهمة العمل دون تصريح، رغم أن تمويلها يعتمد على جهود شخصية وتبرعات بسيطة من سكان الحي.

ويشكو سكان في صنعاء من أن الحوثيين يوقفون بشكل متعمد ومع سبق الإصرار المساعدات التي تصل عبر المبادرات الشبابية أو من تجار وجمعيات خيرية، مؤكدين أن هذه المبادرات كانت «الملاذ الأخير» لهم في ظل غياب أي برامج دعم رسمية.

اتساع رقعة الجوع يجبر آلاف اليمنيين للاعتماد على المبادرات الإنسانية (الشرق الأوسط)

وتروي أم عبد الله، وهي أرملة تعيش مع طفلين في حي سعوان، جانباً من هذا الحرمان: «آخر مرة حصلنا على بطانيات وسلة غذائية كانت قبل عامين، ومنذ توقف مبادرة شباب الحي ونحن نعيش في برد وجوع. لا نستطيع شراء الحطب ولا نملك القوت الضروري».

وتحمّل أم عبد الله، إلى جانب أسر فقيرة أخرى، الجماعة مسؤولية حرمانهم من وسائل التدفئة والغذاء، وتقول إن سياسات النهب والتجويع التي تُمارسها تسببت في انهيار حياتهم المعيشية.

أما «ابتسام»، وهو اسم مستعار لمتطوعة أخرى، فتؤكد أن الحاجة في صنعاء «لم تعد تقتصر على البطانيات، بل تشمل وقود الطهي، والملابس الشتوية، والغذاء للأطفال، وحتى إيجارات المنازل».

وتتهم قيادات الجماعة بالسعي إلى احتكار كل أشكال الدعم الخيري وتحويلها إلى قنوات مرتبطة بها، ما يجعل آلاف الأسر خارج نطاق المساعدة.

خطر المجاعة

تأتي هذه الممارسات الحوثية في وقت حذرت فيه منظمتا «الأمم المتحدة للأغذية والزراعة» و«برنامج الأغذية العالمي» من أن اليمن يُعد من بين سبع دول مهددة بالانزلاق إلى المجاعة خلال الأشهر المقبلة، إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لمعالجة تفاقم انعدام الأمن الغذائي.

ملايين اليمنيين فقدوا أعمالهم وسبل العيش نتيجة الصراع (الشرق الأوسط)

وأوضح تقرير مشترك للمنظمتين حول «النقاط الساخنة للجوع» أن مزيجاً من النزاعات المسلحة والانهيارات الاقتصادية وتغير المناخ والقيود المفروضة على المساعدات الإنسانية، يدفع ملايين الأشخاص نحو مستويات خطيرة من الجوع الحاد.

وأشار التقرير إلى أن القيود المفروضة على المساعدات، وعرقلة وصولها إلى أكثر الفئات تضرراً، تُعدان من أبرز العوامل التي قد تدفع اليمن إلى وضع «كارثي»، إذا لم تُنفذ تدخلات إنسانية عاجلة وفعّالة خلال الفترة القريبة المقبلة.


دعم دولي لإشراك المرأة اليمنية في صنع القرار

القيادات النسائية في اليمن يطالبن بمشاركة منصفة في الهيئات الحكومية والحزبية (إعلام محلي)
القيادات النسائية في اليمن يطالبن بمشاركة منصفة في الهيئات الحكومية والحزبية (إعلام محلي)
TT

دعم دولي لإشراك المرأة اليمنية في صنع القرار

القيادات النسائية في اليمن يطالبن بمشاركة منصفة في الهيئات الحكومية والحزبية (إعلام محلي)
القيادات النسائية في اليمن يطالبن بمشاركة منصفة في الهيئات الحكومية والحزبية (إعلام محلي)

في وقت تتواصل فيه القيود الخانقة التي تفرضها الجماعة الحوثية على النساء، من منع الأنشطة إلى التضييق على الحركة، والعمل، والتعليم، تتعالى الأصوات النسائية اليمنية مطالبةً بشراكة كاملة في عملية السلام، واتخاذ القرار.

وتؤكد قيادات نسوية بارزة أن أي تسوية سياسية أو مستقبل آمن لليمن لا يمكن أن يتحقق دون تمثيل فاعل للنساء في المفاوضات، والمواقع القيادية، سواء على المستوى المركزي، أو المحلي، وفي هيئات الرقابة، والمساءلة.

القمة النسوية

في هذا السياق، اختتمت في مدينة عدن حيث العاصمة اليمنية المؤقتة، الاثنين، أعمال «القمة النسوية اليمنية الثامنة» التي شاركت فيها أكثر من 240 امرأة من القيادات المجتمعية، والأكاديميات، والمبادرات المحلية، إلى جانب ممثلات الأمم المتحدة، وشركاء دوليين.

وناقشت المشاركات ملفات السلام، والعدالة الانتقالية، وحماية النساء، إضافة إلى تعزيز ريادة الأعمال النسوية، والدور الاقتصادي، والاجتماعي للمرأة في مرحلة ما بعد الحرب.

بينما يواصل الحوثيون قمع اليمنيات اجتمعت القيادات النسوية في عدن (إعلام محلي)

وقدمت مها عوض، منسقة «القمة النسوية»، واحدة من أكثر المداخلات وضوحاً، وانتقاداً، إذ هاجمت السياسات الحكومية المتعلقة بالمرأة، معتبرة أنها تفتقر إلى المسؤولية اللازمة للتعامل مع واقع عدم المساواة المتجذر في البلاد.

وقالت عوض إن هذه المقاربات الرسمية تشكل عائقاً حقيقياً أمام تحقيق أجندة «المرأة، والسلام، والأمن»، مؤكدة أن استمرار تصدّر اليمن المرتبة الأخيرة في مؤشر الفجوة العالمية بين الجنسين لمدة 14 عاماً متتالية يعكس «دولة راسخة في عدم المساواة».

السلام الحقيقي

وشددت منسقة «القمة النسوية» على أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يكون على حساب حقوق النساء، ولا يمكن أن يُبنى بتجاهل أدوات التغيير المجتمعي التي تقودها النساء منذ سنوات. ودعت إلى تضافر الجهود المدنية لمعالجة التحديات العميقة في المشهد السياسي، خصوصاً ما يتعلق بإقصاء النساء، وتهميش مشاركتهن في العملية السياسية.

إصرار اليمنيات

وفي مقابل استمرار الحوثيين في قمع النساء، وانتهاك حقوقهن، أكدت ناشطات أن الحراك النسوي في عدن ومختلف المحافظات المحررة يعكس إصرار المرأة اليمنية على عدم التراجع، أو الصمت، وأن مشاركتهن في القمة هي رسالة واضحة برفض الإقصاء، والاستسلام للظروف الصعبة.

رسالة أممية

رأت دينا زوربا، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في اليمن، أن انعقاد القمة النسوية عاماً بعد عام -رغم التحديات الأمنية والاقتصادية- يمثل إعلاناً صريحاً بأن المرأة اليمنية ليست على الهامش، بل في صميم المستقبل السياسي والاجتماعي للبلاد.

وأكدت المسؤولة الأممية أن لحظة التحولات المفصلية التي يمر بها اليمن تحتم تقرير من سيجلس على طاولة صنع القرار، ومن سيعيد بناء المؤسسات، ويقود عملية التعافي الوطني، مشددة على أن النساء يجب أن يكن في صدارة هذه العملية.

حضور ودعم دولي متواصل لمشاركة اليمنيات في صنع القرار (إعلام محلي)

وقالت زوربا إن النساء اليمنيات تحملن العبء الأكبر خلال الحرب، فكنّ العصب الأساسي لتماسك المجتمعات، وأعدن تشغيل المدارس، والمراكز الصحية، وشاركن في الوساطات المجتمعية، وشكلن شبكات حماية محلية فعّالة، مما جعلهن عنصراً لا يمكن تجاوزه في عملية استعادة الدولة، وإدارة السلام القادم.

وطالبت المسؤولة الأممية بإدراج النساء بنسبة مؤثرة في جميع مفاوضات السلام المقبلة دون استثناء، معتبرة أن غيابهن المتكرر عن طاولات الحوار يمثل خطأً استراتيجياً يتكرر منذ عقود. كما دعت إلى تعيين النساء في المناصب القيادية داخل المحافظات، والوزارات، وفي المجالس المحلية، وهيئات الرقابة، والمساءلة.

وشددت زوربا على ضرورة إصدار تشريعات تضمن حماية النساء من العنف، وتسهيل وصولهن إلى العدالة، وقالت: «لا يمكن بناء يمن حديث بأدوات قديمة، ولا دولة قوية وهي تستبعد نصف طاقتها البشرية».

كما حثت المجتمع الدولي والمانحين على الاستثمار في البرامج الاقتصادية التي تقودها النساء، ليس بشكل محدود، بل عبر مشاريع كبيرة تُحدث تحولاً في الأسواق المحلية، وتوفر فرص عمل حقيقية، داعيةً كذلك إلى التعامل مع منظمات المرأة باعتبارها شركاء تنفيذيين رئيسين، وليس مجرد مستفيدين من الدعم.

وشددت المسؤولة الأممية على أن أي خطة أو استراتيجية أو تدخل إنساني أو تنموي يجب أن يُصمم بمشاركة النساء، وأن أي عملية سلام تُدار دونهن هي عملية ناقصة محكوم عليها بالفشل.