«ثلاثية السيتار» تجذب أنظار الغرب إلى الموسيقى الكلاسيكية الهندية

جذور الآلة الساحرة تضرب في الماضي البعيد

عبد الحليم جعفر خان مع آلة السيتار
عبد الحليم جعفر خان مع آلة السيتار
TT

«ثلاثية السيتار» تجذب أنظار الغرب إلى الموسيقى الكلاسيكية الهندية

عبد الحليم جعفر خان مع آلة السيتار
عبد الحليم جعفر خان مع آلة السيتار

في سن الـ87، كان آخر النجوم الباقين على قيد الحياة مما عرف باسم «سيتار ترينيتي» (سيتار آلة موسيقية هندية تشبه العود)، التي تعد واحدة من أنجح الفرق الموسيقية خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
بجانب عملاقين آخرين بمجال العزف على السيتار - بانديت رافيشانكار وأوستاد فيلايات خان (كلاهما توفي) - نجح عبد الحليم جعفر خان، أصغر الأعضاء بما يعرف باسم «ثلاثية السيتار» في جذب أنظار الغرب إلى روعة الموسيقى الكلاسيكية الهندية.
وبفضل هذه الفرقة، اكتسحت موضة الاستماع إلى موسيقى السيتار الغرب خلال الستينات، وبدأت بأغنية فريق «ياردبيردس» بعنوان «هارت فول أوف سول»، أعقبتها أغان لفريق «بيتلز» و«رولينغ ستونز». كما أقدم نجوم آخرون على اقتباس لمحات من موسيقى السيتار الخاصة بهم، منهم شاكيرا (غيبسي) و«تول» (4 ديغريز) وستيفي ووندر («سايند» و«سيلد» و«ديليفرد» و«آي آم يورز») والتون جون (هوليداي إن).
ورغم أن هؤلاء النجوم الثلاثة ربما كان لهم الفضل في لفت أنظار العالم إلى السيتار حديثًا، فإن جذور هذه الآلة الساحرة تضرب في الماضي البعيد.
يعتبر السيتار من أسرة العود، وحمل هذا الاسم نسبة إلى آلة موسيقية فارسية تدعى «ستار» (أي الأوتار الثلاثة). وكان الموسيقي أمير خوسرو هو من أرسى أساس تطوير الآلة في القرن الـ13 خلال فترة حكم سلطنة دلهي. وازدهرت آلة السيتار خلال القرنين الـ16 والـ17، ووصلت لصورتها الحالية داخل الهند في القرن الـ18. وتستقي لحنها المتميز من أوتارها الفريدة وتصميمها المميز والرقبة المفرغة الطويلة بها، بجانب وجود جزء مفرغ للصدى.
ونظرًا لابتكاراته في العزف على الآلة، يعتبر خان جزءا أصيلاً من تاريخ الموسيقى الهندية، وتعاون مع عمالقة بمجال الموسيقى بالغرب مثل عازف البيانو بموسيقى الجاز والملحن الكبير ديف بروبيك وعازف الغيتار الإنجليزي جوليان بريم.
أما أفضل تجاربه في العزف فجاءت مع الإنجليزي بريم. وعن هذه التجربة، قال خان: «لقد كان من المثير دومًا العزف بجانبه، وإن كان الأمر قد انطوى على بعض الصعوبة لأن صوت أوتار الغيتار الذي كان يعزف عليه بريم كان أعلى وأقوى مقارنة بصوت الأوتار الرقيقة للسيتار».
وخلال لقاء أجرته «الشرق الأوسط» معه داخل منزله، تحدث إلينا خان محاطًا بمجموعة لا حصر لها من الجوائز والصور لحفلات شارك بها ازدانت بها الجدران. وعلى أرض، كان هناك عدد كبير من قطع آلة السيتار مغطاة داخل حقائب خاصة بها، التي كان يكشفها خان لدى استقباله طلاب بمنزله لتقديم محاضرات عن الآلة.
المثير أن خان حرص خلال جميع اللقاءات الصحافية معه على التطرق إلى الشعر الفارسي.
وألقى على مسامعنا بضعة أبيات من الشعر الفارسي الرومانسية للشاعر الأسطوري سعدي، حول كيف أن الكلمات الجارحة بمجرد مرورها عبر شفتي المحبوبة تحولت إلى أنغام موسيقية في أذنيه.
ورغم الإنجازات الكبرى التي حققها، لم تغب عن خان روح التواضع، وأصر على أن كل ما حققه يعود لحسن الحظ وبركة السماء. وقال: «الفنانون يولدون، ولا يصنعون»، مضيفًا أن «بركة السماء والحظ الجيد لعبا دورًا كبيرًا في الأمر. أعتبر نفسي محظوظًا لأنني ولدت بالهند، فالمرء بحاجة لأن يخوض تجربة الحياة مرات عدة حتى يحالفه التوفيق بأن يولد هنا».
من بين التجارب المميزة الفريدة التي خاضها خان عمله بجوار عازف البيانو والملحن ديف بروبيك في حفلة نادرة. وفي مذكراته، كتب بروبيك أن هذه التجربة دفعته نحو التعامل مع فنه على نحو مختلف. وأعرب ديف عن انبهاره بالارتجال في الموسيقى الهندية، وقال عن تجربته مع خان: «نجحنا في فهم بعضنا البعض، رغم أن ما كان يعزفه كان هنديًا تمامًا».
أما الأمر الرائع حقًا في موسيقى سيتار فهي أنها لا تعتمد في عزفها على مقطوعة محددة، وإنما يشرع المرء في العزف فحسب ويختلف الناتج كل حسب تعليمه وما يعتمل بداخله.
وكتب بروبيك في مذكراته: «شعرنا جميعًا بأننا لو حصلنا مهلة بضعة أيام فسنعزف نحن السيتار أو سيتحولون هم لعزف الجاز».
يذكر أن خان ولد في ولاية مادهيا براديش بالهند عام 1929، داخل أسرة من الموسيقيين. وتلقى تعليمه على العزف على يد والده، جعفر خان، والذي كان مطربًا معروفًا وعازف للسيتار منذ السادسة من عمره.
وما يزال خان يتذكر عندما كان صغيرًا للغاية ورحل والده عن دنيانا. عندئذ، انتقلت مسؤولية إعالة الأسرة إليه. ورغم كل ما خاضه من نضال، نال أول عمل له بصناعة الأفلام مقابل 65 روبية شهريًا. وعلى مر السنوات، نجح في تقديم إسهامات قيمة في السينما الهندية، حيث تولى تلحين والعزف على السيتار في عدد من أهم أفلام السينما الهندية. وقد نجح خان في بناء تراث موسيقي لا يقدر بثمن في إطار السينما الهندية. اليوم، ورغم بلوغه الـ87، ما يزال خان يتمتع بروحه النشطة ويتحدث بنبرة تنم عن احترام وتوقير بالغين للعملاقين الآخرين بمجال السيتار، وقال: «كانا أكبر مني سنًا وكنت دومًا أتطلع نحوهما. ورغم أننا لم نشارك قط معًا في معزوفة واحدة، فإننا كنا نثني دومًا على بعضنا البعض لما يقدمه كل منا من عزف مميز».
وأوضح أنه بالنسبة للعازف، من المهم دومًا الإنصات إلى الموسيقيين الآخرين لاستلهام الوحي منهم، ولأنه ليس هناك من شخص كامل فإن باستطاعتنا دومًا تعلم الجديد من بعضنا البعض. وقال: «لكل زهرة أريجها وعطرها المميز. وبالمثل، من المستحيل مقارنة اثنين من الموسيقيين ببعضهما».
عام 1976، أسس خان «أكاديمية حليم للسيتار»، حيث تولى هو ونجله، زنين خان، تعليم عزف السيتار لطلاب من شتى جنسيات العالم. ورغم اعتزاله العزف على خشبة المسرح بسبب مشكلات في السمع، ما يزال خان يتمتع بلياقة كبيرة، بفضل حرصه على التدريب يوميًا على العزف ما بين 8 و12 ساعة.
ويرى تلاميذه، الذين تتنوع أعمارهم ما بين 9 و77 عامًا، أن خان يقدم جوهر العزف على السيتار مغلفًا بمواقف وخبرات من حياته الشخصية. وعن هذا، قال: «من السهل التدريس بالاعتماد على كتب، لكن التعلم الحقيقي يتحقق فقط من خلال الروح. إن الموسيقى أشبه ببحر عميق لا نهاية له. لهذا يستمر المرء في القراءة والكتابة عنه إلى الأبد».
ومع ذلك، نجح خان بالفعل في طرح خلاصة تجربته الموسيقية في كتاب مثير بعنوان «جعفر خان باج: الإبداع بموسيقى السيتار»، ومرفق به أسطوانة مدمجة تفاعلية، طرح في الأسواق منذ بضع سنوات.
وعن الكتاب، قال خان: «أردت أن أقدم للآخرين ما حصلت عليه من هذه الأرض. لهذا خطرت إلى فكرة إصدار هذا الكتاب».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.