شهد العام الماضي فوز المعارضة اليمينية في عدد من الانتخابات البارزة في الأرجنتين وفنزويلا، فضلا عن اتخاذ إجراءات الاتهام بالتقصير ضد رئيسة البرازيل ديلما روسيف، وعلى خلفية كل ذلك تكمن موجة من السخط العام ترتبط بالمصاعب الاقتصادية، مما يرجح صعوبة تجاوز أميركا اللاتينية هذا الوضع، في الوقت الذي تنحت فيه بعض حكوماتها اليسارية جانبا.
وشهد عام 2015 تراجعا واضحا لليسار في أميركا اللاتينية، فقد أجريت في فنزويلا انتخابات تشريعية مؤلمة، اتسمت بهزيمة نيكولاس مادورو، الذي اختاره هوجو شافيز لخلافته في المنصب، وفي الأرجنتين خرج البيرونيون ذوو الميول اليسارية من السلطة تحت وطأة اقتصاد تسوده حالة من الفوضى، فيما تواجه ديلما روسيف، خليفة لولا دا سيلفا، اتهامات بالتقصير في البرازيل.
لكن هل يحمل الوضع الحالي إشارة على تحول نحو اليمين؟
كجواب على هذا السؤال يعتقد جل الخبراء أن أي ربط في هذا الشأن قد يكون عرضيا، وفي هذا الصدد يقول مايكل شيفتر، من معهد «حوار الأميركيتين» الذي يتخذ من واشنطن مقرا له لوكالة الأنباء الألمانية إنه «لا يوجد هناك تحول آيديولوجي، وانتهاء فترة الازدهار الاقتصادي السلعي، وظهور فضائح الفساد تسببا في تآكل شعبية الحكومات من مختلف الأطياف الآيديولوجية، من الحزب الثوري المؤسسي في المكسيك، إلى حزب العمال في البرازيل». وهنا يطرح تساؤل آخر: هل هناك صلة لهذا الوضع بغياب القيادة القوية؟
للإجابة على هذا السؤال يقول شيفتر إن «غياب القيادة القوية لا يمثل كثيرا السبب وراء هذا التحول، بل يعود ذلك إلى عواقب المشكلات الاقتصادية والسياسية.. على الأقل يرجع جزء من السبب وراء شعبية رؤساء، مثل لولا في البرازيل، وشافيز في فنزويلا، إلى أنهم تولوا الحكم في أوقات شهدت نموا اقتصاديا مطردا، غذاه ارتفاع أسعار السلع وتزايد الطلب، وهو ما أتاح الفرصة للتوسع في البرامج الاجتماعية، لقد قاد هؤلاء الرؤساء موجات مواتية وحققوا منافع سياسية».
لكن الاتجاه الحالي ليس مواتيا حاليا، حسب بعض المحللين، حيث توقع صندوق النقد الدولي تراجع النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي لأميركا اللاتينية «للعام الخامس على التوالي، ليتحول إلى نمو سلبي بشكل طفيف عام 2015، قبل أن ينتعش بصورة متواضعة عام 2016».
وحسب مراقبين، فقد أدت الأزمات السياسية الحالية في دول مثل البرازيل وفنزويلا، والمصاعب الاقتصادية المزمنة، مع الأخذ في الاعتبار معدلات التضخم العالية في فنزويلا والأرجنتين، إلى زيادة الأمور سوءا، حيث تسببت في تقويض الثقة في اقتصادات هذه الدول. ومع ذلك، فإنه في الوقت الذي تتسم فيه كثير من مشكلات دول أميركا اللاتينية بسهولة تحديدها، إلا أنه يظل من الصعوبة بمكان إيجاد الحلول لها بيسر. ومع توقعات بقاء أسعار السلع عند مستواها المتدني لعدة سنوات، فإنه ليس من المحتمل أن يؤدي تحول سياسي إلى اليمين، إلى نوع من النمو الذي يتطلع إليه الناخبون في المنطقة.
لقد دعا صندوق النقد الدولي إلى إجراء تغيير في السياسات، بما في ذلك السيطرة على أسعار صرف العملات في الأرجنتين وفنزويلا، وطلب من البرازيل تعزيز سياستها المالية وتطبيق سياسة التقشف النقدي، ضمن أمور أخرى. لكن لا يزال يتعين معرفة ما إذا كانت الوصفات المحافظة قابلة للبقاء والصمود في أميركا اللاتينية اليوم، حتى في ظل حكومات تنتمي إلى يمين الوسط، مثل حكومة رئيس الأرجنتين الجديد ماوريشيو ماكري.
وفي هذا السياق، نشرت مجلة «الإيكونومست» البريطانية تقريرا جاء فيه «ليس من المحتمل أن تعود أميركا اللاتينية إلى الماضي، فقد وضع اليسار قضية عدم المساواة على الأجندة الإقليمية، وهو موجود هناك ليبقى»، مشددة على أن هناك أيضا قضايا أخرى ملحة بالقدر نفسه حاليا، أبرزها العودة إلى تحقيق النمو الاقتصادي، والحكم النظيف ومعالجة جريمة العنف.. ولدى يمين الوسط فرصة للعودة إلى سدة الحكم من خلال الاعتماد على إخفاق اليسار في إنجاز هذه القضايا.
وحسب محللين، فإن قادة أميركا اللاتينية، بما فيهم أولئك الذين يقفون على يمين الطيف الآيديولوجي، سوف يحتاجون إلى السير على خيط رفيع بين توقعات الناخبين التي تسببت فيها سنوات من النمو الاقتصادي المطرد، وإعادة توزيع الدخل النسبية، وحقيقة أن مثل هذا النمو ولى منذ فترة طويلة، وليس من المحتمل أن يعود في وقت قريب.
وفي الوقت الذي يمكن أن تحدث انتخابات هذا العام وفي المستقبل حقا تغييرا سياسيا، مع تعبير الناخبين عن سخطهم، إلا أنه ليس من المحتمل أن يشهد السيناريو الاقتصادي في أميركا اللاتينية تغيرات ملحوظة، وربما لا تكون تلك أخبارا سارة بالنسبة لكثيرين في المنطقة.
تراجع اليسار في أميركا اللاتينية يزكي تحول الناخبين نحو اليمين
بعد نجاح المعارضة اليمينية في انتخابات الأرجنتين وفنزويلا
تراجع اليسار في أميركا اللاتينية يزكي تحول الناخبين نحو اليمين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة