مفتي الكونغو الديمقراطية لـ {الشرق الأوسط}: إرهاب «داعش» جريمة حرب كاملة الأركان

قال إن خداع التنظيم لعناصره بفتاوى القتل وتفجير النفس لنيل «الشهادة» والجنة «جُرم»

فظائع «داعش» نتج عنها تشريد آلاف الأسر بين سوريا والعراق («الشرق الأوسط»)
فظائع «داعش» نتج عنها تشريد آلاف الأسر بين سوريا والعراق («الشرق الأوسط»)
TT

مفتي الكونغو الديمقراطية لـ {الشرق الأوسط}: إرهاب «داعش» جريمة حرب كاملة الأركان

فظائع «داعش» نتج عنها تشريد آلاف الأسر بين سوريا والعراق («الشرق الأوسط»)
فظائع «داعش» نتج عنها تشريد آلاف الأسر بين سوريا والعراق («الشرق الأوسط»)

قال الشيخ علي مويني مفتي الكونغو الديمقراطية، إن ما يفعله تنظيم داعش الإرهابي من قتل وترويع وتفجيرات وإرهاب وإزهاق للأرواح وسبي للنساء والفتيات وإجبارهن على البغاء يُعد جرائم حرب كاملة الأركان، مضيفا أن فتاوى «داعش» والجماعات الإرهابية لأنصارهم بوجوب تفجير أنفسهم وقتل الآخرين، وخداعهم خاصة الشباب الصغير لنيل «الشهادة» ودخول الجنة جُرم، والإسلام بريء من كلامهم هذا، ولا يعتبر مُرتكب هذه الأفعال «شهيدا» في الإسلام، مؤكدا لـ«الشرق الأوسط» أن كل الأدلة والآيات التي استند إليها أتباع هذه التنظيمات الإرهابية في تفسيراتهم وفتاويهم خاطئة، وكانت لأحداث ومواقف خاصة ولظروف مؤقتـة حدثت وقتها في عصر قديم وليست الآن، ولا يصلح تطبيقها حاليا.
وأوضح مفتي الكونغو الديمقراطية أن تنظيم داعش هم أعداء للإسلام وليسوا أتباعه أو مناصريه كما يدعون، وهم على خطأ بين ويحتاجون لتصحيح أفكارهم بشكل سريع لتعريفهم بالإسلام بشكل جيد.
وطالب مفتي الكونغو الديمقراطية بضرورة توحيد الجهود للتصدي لكل ما يسيء إلى الإسلام والمسلمين، وإحياء أخلاق الإسلام في التعامل بين الجميع وإظهار الإسلام بمظهر يليق به أمام العالم خاصة الغرب، فضلا عن ضرورة محاربة الإرهاب والفكر المتشدد من أجل تحقيق السلام والوئام بين الأمم ومواجهة أعداء الأمة ونبذ الطائفية، والعمل على نشر مفاهيم الإسلام الصحيحة، لافتا إلى أنه علينا توجيه رسالة للغرب بأن المسلمين دعاة إخاء وتعاون وحوار وأصحاب رسالة إنسانية حضارية تدعو في كل وقت إلى السلام والمحبة واحترام الآخر.
وأكد الشيخ علي مويني أنه على علماء الأمة الإسلامية ومشايخها أن ينظروا لآفة الإرهاب والتطرف باهتمام كبير لدراسته والوقوف على أسبابه، لوضع العلاج الناجع وخطة استراتيجية لوقاية الأمة منه والبدء فورا في معالجة مظاهرة المتشددة، لافتا إلى أن علماء الأمة عليهم دور كبير الآن في تفنيد آراء وفتاوى التنظيمات الإرهابية التي تتسبب في إثارة الفتن وبث الشبهات والدعايات الباطلة، التي تهدف إلى تفريق كلمة المسلمين وزعزعة الأمن، وذلك عن طريق بيان المنهج المستقيم منهج السلف الصالح من هذه الأمة والتي كانت أشد الناس تصورا للتوسط وفهما للشريعة والعقيدة على هذا الأساس الراسخ.
وأوضح الشيخ مويني، أن عدم وجود العلماء الوسطيين وترك الساحة لدعاة الفضائيات والأفكار التكفيرية والمتطرفة، جعل الكثيرين يفهمون الإسلام فهما غير صحيح.. فاجتماع علماء المسلمين بات ضروريا الآن للتفكير في معالجة القضايا الإسلامية وتصويب الأفكار الخاطئة لدى البعض وتصحيح الصورة المعكوسة التي تُصدر للداخل والخارج، مضيفا: على العلماء بيان ما التبس على المسلمين من أمور دينهم ودنياهم، لأننا ابتلينا بتصدر غير المؤهلين للإفتاء في هذا العصر، فما أحدثوه من فوضى وتخبط جعل هناك حيرة لدى عامة المسلمين، مما يتحتم علينا مسألة الوحدة الواجبة على المسلمين في هذه الأيام، لأن التفرقة في العالم الإسلامي تتم على قدم وساق من جميع القوى العدائية للعقيدة الإسلامية، ولهذا السبب تخرج فتاوى من أناس غير دارسين للعلم الشرعي.
وتابع بقوله: إن التعددية الحضارية والدينية تفتح أمام المجتمعات الإنسانية الطريق نحو نبذ الخلافات، وهذا لن يحدث إلا من خلال فتح قنوات الحوار بين الثقافات والحضارات لتنال المجتمعات الإنسانية ما ترتجيه من سلام، فالتسامح هو القدرة على التحمل والصبر على ما يعتقده الآخرون مهما كان اختلافهم في الاعتقاد.. ونحن كمسلمين نواجه تحديات كثيرة من الغرب على الرغم من فهم الآخر واحترام عقيدته وثقافته، وأعتقد أن تفعيل قيم التسامح والابتعاد عن التعصب يجعل كل إنسان يؤمن على نفسه ومعتقداته من عدوان الآخر؛ إذ لا يستطيع أي مجتمع بشري في عصر من العصور أن يستقر ويزدهر؛ إلا إذا عمت السماحة حياة أعضائه على أسس من الاحترام المتبادل والمعرفة السليمة بمعتقدات الآخرين.
وعن تعرض الإسلام لحملات شرسة من الغرب الآن خاصة بعد أحداث باريس مؤخرا، قال الشيخ مويني إن الإسلام بحقيقة تعاليمه السمحة ينبذ العنف والتطرف؛ لكن البعض في الغرب يربطون الأعمال الإرهابية بالإسلام ويجعلون دين الإسلام دينا للإرهاب والتشدد - على حد فهمهم - مما يشاهدونه على شاشات الفضائيات من أعمال إرهابية وحروب منتشرة في أراضي المسلمين، مضيفا أن «هذه الحروب والفتن هي من صنيعتهم ومن تخطيطهم في الأساس، فهم يجيدون الحدث وربط الأحداث ببعض ليكونوا الصورة الكاملة التي تعبر عن إرهاب المسلمين».
وحول تعرض المسلمين لحملات ممنهجة من قبل بعض المتشددين في الغرب مؤخرا، أوضح مفتي الكونغو الديمقراطية أن هناك بعض المسلمين يمارسون شعائرهم الدينية بحرية كاملة؛ لكن بعضهم الآخر مرهقون الآن، لأن صورة الإسلام في الغرب الآن أصبحت غير جيدة ومُحاربة بشكل علني من المتشددين الغربيين، لدرجة تصوير أفعال أشخاص مسلمين يرتكبون العنف والتطرف على أنهم هم الدين الإسلامي كله، مع أن أفعال أشخاص يحملون ديانات أخرى قد تكون أبشع من ذلك؛ لكن لا يتم تسليط الضوء عليهم مطلقا، لافتا إلى أن «الهجوم على الإسلام طريقة ممنهجة ومدروسة في الغرب، خوفا من انتشار الدين الصحيح الذي يقبلون عليه باقتناع ولذلك يحولون تدمير الإسلام من داخله».
وعن رؤيته لتجديد الخطاب الدعوي، قال مفتي الكونغو الديمقراطية، ضرورة الاهتمام بالبعد الإنساني في الخطاب الإسلامي والتصدي بقوة وحكمة للقضايا الخلافية والمثارة وتغليب منطق الإقناع والبعد عن الخطاب الإنشائي وإبراز الأبعاد الحضارية والروحية في الخطاب الإسلامي، فأي فتوى ضد الإسلام وتعاليمه وسماحته نحن نستنكرها سواء كانت تكفيرية أو من دون علم.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.