فتحت السعودية عهدًا جديدًا من الانفتاح الاقتصادي والمالي، جاء ذلك حينما قررت البلاد اعتبارًا من منتصف شهر يونيو الماضي، فتح الاستثمار المباشر أمام المؤسسات المالية الأجنبية، في خطوة تعكس مدى توجه السعودية نحو مزيد من الانفتاح الاقتصادي العالمي.
وعلى الرغم من أن قرار فتح سوق الأسهم السعودية مباشرة أمام المؤسسات المالية الأجنبية جاء في وقت صعب للغاية تمر به أسواق النفط، فإن معدلات التفاؤل بهذا القرار سيطرت على نفوس محللي السوق المالية في البلاد، في وقت من المتوقع أن يكون فيه ضخ السيولة النقدية الأجنبية في تعاملات السوق المالية السعودية «تدريجيًا».
كما لا يوجد قرار أخذ حيزًا كبيرًا من الصدى وردة الفعل مثل ما فعله إقرار رسوم الأراضي البيضاء، حيث أحدث ضجة كبيرة في الأوساط العقارية السعودية، وتسبب في تناقص الطلب إلى مستويات كبيرة منذ التلويح بالرسوم وحتى إقرارها من مجلس الوزراء السعودي الذي وافق عليها بعد التوصية من مجلس الشورى، كما تسبب في ضخ كميات كبيرة من العرض تخوفًا من دفع الرسوم فور تطبيقها على أرض الواقع، إذ أحدث القرار التاريخي صدى كبيرا في المجتمع السعودي بشكل عام رغم عدم تطبيقه حتى الآن.
وفي قراءة لمجريات العام المنصرم 2015 وخطوات إقرار رسوم الأراضي، يشار إلى أن القرار أخذ حيزًا كبيرًا في صفحات الصحف المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي التي دعمت إقرار الرسوم بشكل إجمالي قبل تحديد تفاصيله بل وقبل إقراره، مما شكل ضغطًا على السوق عبر استجابة الحكومة لرغبة المواطنين في توفير قرارات تحد من ارتفاعات السوق، وتشكل قرار رسوم الأراضي الذي كان بين شد وجذب منذ عام 2011، إلا أن صناع القرار السعوديين عادوا بالقرار إلى الواجهة من جديد عبر تحويله إلى مجلس الشورى الذي وافق عليه وحوله إلى مجلس الوزراء الذي أقره وعرج بالملف لوزارة الإسكان لوضع التفاصيل الكاملة للقرار من أجل تطبيقه قبيل منتصف عام 2016.
كما تسبب القرار في تحريك الأسعار نحو الانخفاض في سابقة لم تحدث منذ أكثر من 7 سنوات وهي المدة المقدرة في تصاعد أسعار العقار لتصل إلى مستويات كبيرة لم تبلغها في تاريخها، حيث وصل الارتفاع خلال أقل من عقد 3 أضعاف ما كانت عليه بحسب تأكيد المؤشرات العقارية التي أشارت إلى تضخم كبير في الأسعار، أهل العقار إلى زعامة مصادر التضخم العقاري بحسب تأكيد مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، مما أجبر الحكومة على اتخاذ تدابير مستعجلة للسيطرة على أسعار العقار، وكان أهمها فرض الرسوم على الأراضي البيضاء، القرار الذي أخمد موجة الارتفاع وأسس لانخفاضات جديدة محتملة الوقوع.
ومن المزمع أن تكون سوق الأسهم السعودية أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية خلال العام الجديد 2016، مقارنة بما كانت عليه في 2015، حيث باتت النتائج المالية للشركات تستوعب كثيرًا تغيرات أسواق النفط، مقارنةً بانخفاض قيمتها السوقية، إذ يشكل انخفاض القيمة السوقية مع تحسن النتائج المالية مؤشرًا مهمًا لانخفاض مكررات الربحية، وهي المكررات التي تعتبر أحد أهم أدوات الجذب الاستثمارية.
وفي هذا الشأن، أبدت هيئة السوق المالية السعودية في تصريحات رسمية، تفاؤلاً كبيرًا بخطوة فتح سوق الأسهم المحلية في البلاد أمام المؤسسات المالية الأجنبية للاستثمار المباشر، مؤكدةً في الوقت ذاته أن المستثمرين الأجانب المتخصصين سيسهمون في الحد من التذبذب الكبير في الأسعار.
وتعليقًا على هذه الخطوة، أكد محمد الجدعان رئيس مجلس هيئة السوق المالية السعودية حينها، أن هناك أهدافا عدة ترمي السعودية لتحقيقها عبر السماح للمؤسسات المالية الأجنبية المؤهلة بالاستثمار في الأسهم المدرجة بالسوق المالية السعودية، أهمها استقطاب مستثمرين متخصصين لتعزيز الاستثمار المؤسسي، ورفع مستوى البحوث والدراسات عن السوق المالية السعودية.
وأضاف الجدعان قائلا: «هيئة السوق تسعى منذ إنشائها إلى تطوير السوق المالية السعودية، وقرار السماح للمستثمرين الأجانب سيسهم في تحقيق ذلك من خلال أهداف عدة على المدى القريب والبعيد، تشمل إضافة خبرات المستثمرين الدوليين المتخصصين للسوق المحلية، وتعزيز مساعي الهيئة نحو زيادة الاستثمار المؤسسي في السوق»، لافتًا النظر إلى أن المستثمرين الأجانب المتخصصين يتوقع أن يسهموا في الحد من التذبذب الكبير في الأسعار، كما سيعملون على تعزيز كفاءة السوق وتحفيز الشركات المدرجة نحو تحسين مستوى الشفافية والإفصاح وممارسات الحوكمة.
وحول الأشخاص المرخص لهم «المؤسسات المالية المرخصة من الهيئة» أكد الجدعان أن هذه الخطوة ستسهم في نمو أعمالهم من خلال خدمة هذه الشريحة الجديدة من العملاء، وسيصاحب ذلك زيادة الفعاليات التوعوية والمؤتمرات المختلفة المخصصة للاستثمار المالي ورفع الوعي بشكل عام حول السوق المالية والاستثمار فيها، وقال: «فتح السوق للاستثمار الأجنبي لا يركز على جلب رساميل أو ضخ سيولة؛ لأن السوق المحلية لا تعاني من شحها، خصوصا أن متوسط قيمة التداول فيها تعد ضمن المعدلات العالمية المقبولة».
وتعليقًا على هذه التطورات، أكد فهد المشاري الخبير الاقتصادي والمالي لـ«الشرق الأوسط» أمس، أن السوق المالية السعودية في 2015 عانت كثيرًا من تراجعات أسعار النفط، وقال: «المستقبل يبدو أكثر إيجابية، على الرغم من أن مؤشر السوق لم يحالفه الحظ في الصعود بعد قرار فتح السوق رسميًا أمام المؤسسات المالية الأجنبية، وذلك كان نتيجًة لتطورات أسعار النفط».
ولفت المشاري خلال حديثة إلى أن المؤسسات المالية الأجنبية ما زالت تدرس وتراقب فرص الاستثمار في سوق الأسهم المحلية، مشيرًا إلى أهمية وجود شركات محلية ذات إدارات كفؤة، ونتائج مالية محفزة، مقرونًا بتداولات منطقية، مضيفًا «المؤسسات المالية الأجنبية لن تغامر في شركات ليس لديها أي استراتيجية واضحة، أو نتائج مالية محفزة».
وفي خطوة أخرى، من شأنها رفع معدلات جاذبية الاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم السعودية، شددت هيئة سوق المال في البلاد، على أحقية المستثمر الأجنبي المؤهل بالترشح لمجالس إدارات الشركات المدرجة، مشيرةً إلى أنه يحق للمستثمر الأجنبي المؤهل التصويت وممارسة جميع الحقوق التابعة لتملك الأسهم.
وتأتي هذه التأكيدات، بعد جولة تسويقية قامت بها السوق المالية السعودية «تداول» الشهرين الماضيين، بدءًا بسنغافورة، ووصولاً إلى لندن، ومن ثم نيويورك، وذلك للتعريف بالفرص الاستثمارية المتاحة في سوق الأسهم المحلية، بعد أن اتخذت السعودية خطوة تاريخية تتعلق بفتح الاستثمار المباشر أمام المستثمرين الأجانب المؤهلين.
وتعتبر السعودية في وقتنا الحاضر، من أكثر دول العالم ثباتًا في تحقيق معدلات النمو الاقتصادي، على الرغم من صعوبة الظروف المحيطة بالمنطقة من جهة، وتراجع أسعار النفط بنسبة تتجاوز الـ60 في المائة، مقارنة بأعلى مستوى جرى تحقيقه خلال 18 شهرًا، من جهة أخرى.
وفي هذا الصدد، أكدت هيئة السوق المالية السعودية، أحقية المستثمر الأجنبي المؤهل بالترشح لمجالس إدارات الشركات المدرجة، وفقًا للأوضاع المقررة في نظام الشركات، وقالت: «يحق للمستثمر الأجنبي المؤهل التصويت، وممارسة جميع الحقوق التابعة لتملك الأسهم، بما في ذلك حقوق الأولوية المتداولة».
وتوقعت هيئة السوق المالية السعودية في الوقت ذاته، زيادة حجم الأبحاث وتقييم الشركات المدرجة من المختصين محليًا ودوليًا، مع فتح السوق للاستثمار الأجنبي، وهي الخطوة التي ستحقق معدلات موثوقية أعلى بفرص الاستثمار في السوق المحلية.
وفي هذا الصدد، أعقب خطوة فتح سوق الأسهم السعودية للاستثمار المباشر أمام المؤسسات المالية الأجنبية، خطوة أخرى ترسم بقية ملامح جديدة من الانفتاح الاقتصادي أمام دول العالم أجمع، يأتي ذلك بعد أن وضع مؤشر «فوتسي» البريطاني مؤشر السوق ضمن دائرة اهتماماته، مما يعني أن مؤشر سوق الأسهم في السعودية قد يصبح خلال العام المقبل على رأس قائمة مؤشرات الأسواق الناشئة في المؤشرات العالمية.
ويعتبر مؤشر «فوتسي» اللندني، خطوة أولى نحو ترقية سوق الأسهم السعودية إلى مصاف المؤشرات العالمية، حيث من المتوقع أن تكون الخطوة التالية عبر إضافة مؤشر السوق ضمن مؤشرات «مورغان ستانلي» بشكل كامل، بعد أن أطلق مؤشرين جديدين لقياس أداء الشركات بسوق الأسهم السعودي، حيث يضم المؤشر الأول 19 شركة قيادية في السوق فيما يضم المؤشر الثاني 39 شركة ذات رأسمال صغير.
ومن المتوقع أن تكون سوق الأسهم السعودية خلال السنوات الثلاث المقبلة محط أنظار المؤسسات المالية الأجنبية، والمستثمرين الأفراد الأجانب، وخصوصًا أن الشركات المدرجة في سوق الأسهم المحلية تمثل جزءًا مهمًا من القطاعات الحيوية في البلاد، والتي تجني فوائد كبيرة من معدلات الإنفاق الحكومي المتزايدة.
وقالت شركة السوق المالية السعودية «تداول» تعليقًا على هذه التطورات حينها، إن مؤشر FTSE، ومقره لندن، أعلن في تقريره للمراجعة السنوية لتصنيف أسواق الأسهم الدولية أنه سيتم وضع سوق الأسهم السعودية على قائمة المراقبة للمؤشر من أجل النظر في ترقيته إلى مرتبة الأسواق الناشئة الثانوية، يأتي ذلك بعد فتح السوق أمام المؤسسات الاستثمارية الدولية أو ما يسمى بـ«المستثمرين الأجانب» المؤهلين تحديدًا.
وأوضحت شركة السوق المالية السعودية «تداول»، أنه بهدف ضمان الموضوعية، تتم مساندة العملية من خلال اللجان الاستشارية الخارجية لمؤشر FTSE، بما في ذلك لجنة التصنيف الدولي، التي تستقطب في عضويتها خبراء في التداول، والحفظ وإدارة الاستثمار، ومجموعة FTSE Russell Policy Group التي تمثل وجهات نظر كبريات الشركات العالمية الاستثمارية.
وأضافت «تداول»: «بناء على توصية اللجنة الاستشارية لتصنيف المؤشرات الدولية وFTSE Russell Policy Group في ما يتعلق بالمرتبة الحالية لسوق الأسهم السعودية، فقد اعتمد مجلس الحوكمة لدى FTSE Russell وضع السوق السعودية في قائمة المراقبة للمؤشر بغية النظر في إمكانية ترقية السوق إلى مرتبة الأسواق الناشئة الثانوية»، فيما سيتم اتخاذ قرار بشأن ترقية السوق السعودية إلى تلك المرتبة في إطار المراجعة السنوية لمؤشر فوتسي في شهر سبتمبر (أيلول) 2016.
وتأتي هذه التطورات، في وقت أكدت فيه هيئة السوق المالية السعودية - أخيرا - أن تطبيق مبادرة زيادة حصة الاستثمار المؤسسي في الطروحات الأولية يتسق مع مهمة تطوير السوق المالية، وهي من المهام الرئيسية التي نص عليها نظام السوق المالية، لذا تسعى الهيئة إلى خلق بيئة جاذبة للاستثمار تتسم بالعدالة والكفاءة والشفافية، وتتوافر فيها القنوات الاستثمارية المتعددة التي تخدم جميع فئات المستثمرين، وهذه البيئة ستكون مواتية للتحقيق من خلال تعزيز الاستثمار المؤسسي ورفع نسبته في السوق، مما سيؤدي بدوره إلى تعزيز كفاءة السوق وانخفاض مستوى التذبذب فيها.
السعودية.. فتح الأسهم أمام المستثمرين الأجانب وفرض رسوم على الأراضي
2015 كان الأسوأ لسوق المال من حيث الأداء خلال 6 سنوات
السعودية.. فتح الأسهم أمام المستثمرين الأجانب وفرض رسوم على الأراضي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة