رغم أن شيرين توما تسير على خطى والدها المصمم المعروف حنا توما، الذي ما زال يشرف على كل مجموعة تخرج من داره، فإنها نجحت في أن تخلق بصمة خاصة بها تترجمها في تصاميم مفعمة بالرومانسية البعيدة عن التقليدي. فهي مثلا تستخدم مواد غريبة وغير شائعة الاستعمال مثل الخيوط المعدنية أو قصّات مبتكرة تمنح المرأة جمالا إضافيا في أجزاء معينة تعرف تماما أهميتها، كأنثى.
تقول شيرين توما: «أعمل دائما مع والدي، أختار معه فكرة كل مجموعة ننوي تقديمها من الألف إلى الياء، أي من شكل التصاميم إلى جلسات التصوير». وتتابع: «لا أحاول أن أستعرض قدراتي على حساب قدرات والدي ولمسته الخاصة، فهو الكل في الكل».
لا تنكر شيرين أن والدها هو النبع الذي تعود إليه دائما، مضيفة: «والدي ليس بالشخص السهل، والتعامل معه صعب لأنه حريص أشد الحرص على أن يحافظ على اسمه متألقا ويحيطه بهالة من الاحترام والثقة والجمال. لهذا لك أن تتصوري كم أن هذا الأمر مهم بالنسبة لي أيضا، إلى حد القول إنه هاجسي الأكبر». ولا شك أن ثقل المسؤولية ومتطلبات الوالد شكلا بالنسبة إلى المصممة الشابة تحديا كانت أهلا له، فهي لا تتوقف عن البحث عن الجديد وقوة محمومة تدفعها لتقديم الأفضل.
درست شيرين توما الهندسة الداخلية في جامعة «البا» في لبنان، قبل أن تبدأ العمل مع والدها. عندما التحقت به اكتفت بمراقبته ومتابعته لتتعلم منه كل صغيرة وكبيرة. كان أكثر ما يثيرها في عمله رغبته في الإتقان وقدرته على التطريز والرسم، خصوصا أنها كانت شغوفة بالاثنين، أي التطريز والرسم. وتتذكّر أن أول تصميم قامت به كان عبارة عن فستان زفاف لسيدة سعودية، أعجب والدها وأكد له أن جيناته الوراثية تجري في عروقها. كان عمرها آنذاك لا يتجاوز السادسة عشرة، لكنها عرفت منذ ذلك الحين أن تصميم الأزياء سيكون قدرها.
عندما شعرت شيرين بكل هذا الحبّ والشغف اللذين تكنّهما لمهنة التصميم، قررت أن تتابع دراستها في عالم الأزياء من خلال دخولها جامعة «إسمود»، بعدها تابعت لمدة سنتين ونصف السنة اختصاصها في فن التصميم، للاطلاع على تفاصيله وأسراره من الرسم إلى الإنجاز والتنفيذ.
وتُرجع شيرين توما البداية الفعلية في مجال تصميم الأزياء إلى عام 1993، حين قدمت أول عرض لها تحت مظلة دار حنا توما. كان العرض خطوة مهمة وناجحة، مهدت لها أن تنطلق بثقة أكبر في العروض التالية، التي أقامتها في فرنسا وفي دول عربية كثيرة. لهذا فهي تأخذ بعين الاعتبار عند تصميم أي تشكيلة جديدة أن تخاطب المرأة الأوروبية والعربية على حد سواء. تشرح: «المرأة العربية اليوم تميل أكثر إلى الموضة الأوروبية في ما يخص الألوان وبعض القصات وحتى التطريز، لهذا يمكنني القول إن تصاميمي ليست لإرضاء المرأة الغربية فحسب، بل لأن المرأة العربية لها نفس الذوق هي الأخرى». وتستدل على هذا بالتطريز والنقشات والألوان التي تغيرت وتطورت لتصبح أكثر أناقة، فهي تخدم التصميم وليس الهدف منها فقط البريق. ومع ذلك، تشير إلى أن هناك بعض الفروقات بين الذوق الغربي والعربي، فالأوروبية مثلا لا تولي اهتماما كبيرا لمنطقة الصدر، بينما العربية تحبّ تزيين هذه المنطقة بالجواهر، ما يجعلها تفكر في الأمر عندما تبدأ في تصميم أي فستان. من ناحية الأقمشة التي تميل إليها فهي «الدانتيل والغيبور والأورغانزا والموسلين والتافتا» لما تتمتع به من ترف تتطلبه فساتين «الهوت كوتير» المفصلة على المقاس والتي تقدر بآلاف الدولارات.
مجموعة «الهوت كوتير» الأخيرة لموسمي ربيع وصيف 2016 حملت عنوان «ميستيك»، وتتميز بقصّات طويلة وأخرى تعانق الجسم فتبرز أنوثته ورقته في الوقت ذاته، خصوصا أنها تضمنت كثيرا من النقشات والتطريزات، التي اتخذت أشكال فراشات تارة وورودا وأزهارا تارة أخرى. حتى الألوان التي ركّزت فيها على الأبيض والأسود، إلى جانب الوردي والذهبي والأزرق، جاءت مفعمة بالرومانسية الكلاسيكية. وتشرح شيرين: «هي مزيج من شخصية امرأة غامضة ورومانسية في آن واحد، لعبت فيها على الورود وعلى الحرفية اليدوية التي جاءت في عدة تصاميم ثلاثية الأبعاد. وتوضح شيرين: «إنها حديقة غناء تجمع كل أنواع الورود والألوان، لكنّ هناك خيطا رفيعا بين الفوضى النافرة المزعجة للعين والتطريز الراقي والأنيق، وهذا ما اعتبرته يدخل في صميم دورنا، أنا ووالدي ووالدتي. فهذه الأخيرة أيضًا لها رأيها في الموضوع لا سيما أنها رافقت والدي في مشواره منذ بداياته، وبالتالي إذا قالت لي مثلا انظري هنا عرق الوردة لا يليق بالفستان، آخذ بنصيحتها دون تردد، فهي محترفة وتملك خبرة كبيرة ونظرة ثاقبة».
وعن خطواتها المقبلة تقول: «أعمل على إدخال لون جديد ونقشات مبتكرة مستلهمة من فن الهندسة بمواد جديدة مثل الرخام». وتعترف شيرين أنها مهتمة بالهندسة المعمارية إلى جانب فنون أخرى تستقي منها أفكارها في كل موسم. ولا تتوقف اهتماماتها عند هذا الحد، فهي أيضًا تهتم بالتصوير الفوتوغرافي وكل ما يتعلق بالإعلانات، لأنها تعتبرها جزءا لا يتجزأ من عملها، ويمكن أن توظفها بشكل إيجابي فيه، خصوصا أن عيونها على العالمية. فالوالد بنى الأساس، وجاء وقتها لتبني عليه وتحلق به.
شيرين توما: والدي هو النبع الذي أغرف منه والأساس الذي أبني عليه
شيرين توما: والدي هو النبع الذي أغرف منه والأساس الذي أبني عليه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة