كان سيد رضوان فاروق المولود في مدينة شيكاغو الأميركية، وهو خريج جامعي، كان يعمل دائما في جنوب كاليفورنيا – رجلا هادئا وورعا، وكان يبحث عن زوجة. وفي نهاية المطاف عثر على واحدة – امرأة تدعى تاشفين مالك عاشت في أرض بعيدة، ولم تذهب أبدا إلى الولايات المتحدة.
ما حدث بعد ذلك ومسألة كيف ولماذا قرر زوجان يسكنان الضواحي ولديهما طفلة صغيرة تنفيذ حادثة قتل جماعي – هو موضع تحقيق، حيث يبحث مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) عن الديناميكية الموجودة بين فاروق ومالك، الزوجين اللذين لم يكونا حتى يعرفا بعضهما البعض قبل سنتين، لكن انتهى بهما الحال قتلى معا في أحد شوارع مدينة سان برناردينو في كاليفورنيا، حيث تخلل الرصاص جسديهما عقب قتلهما 14 شخصا وإصابة 21 آخرين إثر هجومهما على حفل أقامه مركز إنلاند للرعاية الاجتماعية.
هل قاد فاروق زوجته نحو التطرف؟ أم التي قادته؟ وهل كانا يمتلكان علاقات مباشرة مع تنظيم داعش أو الإرهابيين الدوليين الآخرين، بوصفهما جزءا من مؤامرة متقنة، أم نفذا العملية بأنفسهما مستلهمين الفكرة فقط من الخارج؟
وقال مسؤول أميركي كبير في إنفاذ القانون إن أحد الاحتمالات يتمثل في أن مالك كانت متطرفة بالفعل قبل مجيئها إلى الولايات المتحدة العام الماضي كعروس لفاروق.
وتابع المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة التحقيق الجاري: هل كانت هي السبب، أم هل هو الذي قادها لطريق التطرف؟.
تعتبر البيانات الشخصية لفاروق قوية نسبيا. فقد كان عمره 28 عاما، ومولود لأبوين هاجرا إلى الولايات المتحدة من باكستان. وحضر المدرسة الثانوية في سان برناردينو، وتخرج في جامعة الولاية هناك. وكان يحصل على وظيفة جيدة كمفتش صحة في المقاطعة، يتأكد من نظافة المطاعم، ومن غسل عمال الخدمات الغذائية أيديهم جيدا، ومن أمان الحمامات العامة للسباحة. وعلى الرغم من أنه كان وحيدا، فإن الكثير من الأشخاص كانوا يعرفونه في المكتب في المسجدين اللذين كانا يؤدي الصلاة فيهما.
ومع ذلك، لا يزال الكثير عن تاشفين مالك، البالغة من العمر 29 عاما، لغزا محيرا. وبعد أكثر من ثلاثة أيام على مجزرة يوم الأربعاء، لم يظهر أحد كصديق – أو حتى أحد المعارف – لها في سان برناردينو.
كانت ترتدي النقاب دائما. ولم تكن تقود السيارة. وكانت معروفة بانتظارها في السيارة حتى يؤدي زوجها الصلاة في المسجد.
لكن بعض التفاصيل الجديدة برزت يوم السبت خلال مقابلات أجريت في باكستان. جاءت تاشفين مالك من عائلة باكستانية مزدهرة، وترعرعت في مدينة ملتان الباكستانية - التي تبعد نحو 100 ميل من القرية التي ينتمي أجدادها إليها. وفي عام 2007، انخرطت للحصول على شهادة في الصيدلة من جامعة بهاء الدين زكريا.
وذكرت إحدى صديقاتها المقربات –عابدة راني – أن تاشفين مالك تغيرت في عام 2009 تقريبا، حيث أولت اهتماما فجأة إلى الدراسات الإسلامية أكثر من الصيدلة. وكانت مالك تسافر في جميع أنحاء المدينة، كل يوم تقريبا، للذهاب إلى مدرسة، تقضي فيها أمسياتها.
وتابعت راني، التي كانت زميلة دراسية لمالك لمدة ست سنوات: «كنا نتساءل: ما الذي حدث لمالك؟ فقد أصبحت متدينة للغاية وجادة جدا ومركزة تماما على تعاليم الدين الإسلامي، كما فقدت اهتمامها بدراستها».
وبينما كانت الطالبات في الجامعة منشغلات بتكوين علاقات اجتماعية، كانت تاشفين مالك تشاهد إحدى القنوات الإسلامية على التلفزيون الباكستاني على مدار 24 ساعة، على حد قول راني.
كانت دائما ترتدي البرقع. لم تجلس أبدا في الصف الأمامي في الفصل. ولم تكن تتفاعل مع الشباب.
وقال عاطف نيسار أحمد، أستاذ في المدرسة، عن تاشفين مالك: «كانت محافظة وهادئة».
وخلال سنتها الجامعية الأخيرة، أصبحت تاشفين مالك صارمة جدا في معتقداتها الإسلامية المحافظة لدرجة أنها رفضت أحد عناصر الحياة الجامعية: التصوير. وعندما تخرجت تاشفين مالك في كلية الصيدلة، حاولت إزالة كافة صورها من قواعد بيانات الجامعة. وجمعت كافة هوياتها الجامعية وبطاقات المكتبة وحطمتها.
وقالت تاشفين مالك، وفقا لراني: «لا أريد أي صور دون حجاب».
ورغم ذلك، لم تحتو المحافظة الدينية لمالك على أي تلميحات إلى التطرف، بحسب أشخاص كانوا يعرفونها. فلم تكن ملابسها المحافظة غير مألوفة، إذ إن نصف الطالبات في الكلية كنا محجبات تماما، وفقا لسكان محليين.
ولفت خالد جانباز، أحد أساتذة علم الصيدلة الذين درسوا لمالك، إلى أن مالك لم تناقش معتقداتها الشخصية أبدا، حتى رغم محاولة الأساتذة في كثير من الأحيان إشراك الطلاب في مناقشات حرة حول العلم والفلسفة والأخلاق الطبية.
وأضاف جانباز: «لم تقل أبدا للآخرين: ينبغي عليك فعل هذا أو ذاك. لا أرى أي دليل على كيفية تحولها إلى مطلقة نار».
وحسب أقربائها، انتقل والدا مالك من منطقة ليّه بإقليم البنجاب جنوب باكستان إلى المملكة العربية السعودية قبل 25 إلى 30 سنة مضت، وذلك بعد نزاع عائلي على الممتلكات. وقال عم تاشفين مالك – مالك أنور – إن جزءا من العائلة انفصل عن بقية العائلة التي لا تزال تعيش في منطقة ليّه.
ولم يسافر بعض أقرباء أنور إلى السعودية على مر السنين لزيارة والد تاشفين - «غولزار مالك»، وفقا لأنور. وقالوا إن غولزار أصبح متدينا على نحو متزايد على مدى السنوات التي قضاها في السعودية.
وبعد أن تخرجت تاشفين مالك في عام 2013 يبدو أنها تواصلت هناك مع سيد رضوان فاروق، الذي كان يبحث عن زوجة على مواقع الزواج على الإنترنت.
تزوجا قانونيا في الولايات المتحدة في أغسطس (آب) 2014 في مدينة ريفرسايد بولاية كاليفورنيا. وتوجد طفلتهما الآن في عهدة خدمة حماية الأطفال.
*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»