بدل المئات من السياح الوافدين من مختلف أطراف المعمورة، بدت الساحة الأمامية الواسعة لكاتدرائية نوتردام الشهيرة في باريس، أمس، شبه مهجورة إلا من أفراد من وحدة التدخل السريع، يتجولون بأسلحتهم وخوذاتهم وأعينهم ترتقب كل شاردة وواردة. وما يقال عن هذه المنطقة التي تعتبر الأكثر زيارة من السياح في العاصمة الفرنسية، يقال عن برج إيفل الذي توقفت مصاعده الكهربائية الثقيلة عن الحركة وجرى إغلاق منافذ الأدراج المؤدية إليه. إن خطة الطوارئ التي تعلن في فرنسا للمرة الأولى منذ حرب الجزائر، في ستينات القرن الماضي، تقضي باتخاذ أقصى درجات الحذر فيما يتعلق بأماكن الحشود والتجمعات البشرية التي يمكن أن تشكل صيدًا يغري الإرهابيين.
ومنذ يوم أمس، شرعت المؤسسات الفرنسية الكبرى في البحث عن إجراءات كفيلة بحماية مواقعها والعاملين فيها. وطبعًا، فإن هذه البادرة تشكل صدمة للسياح لا سيما إذا تسببت في حرمانهم من التسوق، أحد أهم ما ينشده زائر عاصمة الموضة والعطور. وأول قرار من هذا النوع صدر عن مجموعة «كيرنغ» التي تملك في باريس متاجر للبضائع الراقية مثل «غوتشي» و«إيف سان لوران» و«بوشرون» و«بالانسياغا» و«بوما». فقد قررت إغلاق كافة متاجرها خلال عطلة اليومين الماضيين. وجاء في بيان للمجموعة أن «هدفنا حماية بائعينا وزبائننا في ظل الظرف الراهن». وتملك عائلة «بينو» النسبة الأهم من أسهم المجموعة. كما أصدرت شركة «لوريال» الخاصة بمستحضرات التجميل تعليمات خاصة لمنتسبيها حول الشروط الواجب مراعاتها أثناء التنقل والعمل في ظروف الطوارئ.
وحتى المتاجر الكبرى مثل «برنتون» في حي الأوبرا، والتي كانت قد فتحت بواباتها للزبائن صباح السبت الماضي، عادت وقررت إغلاقها مع حلول الظهيرة. والأمر ذاته حدث مع آلاف المطاعم والمقاهي والمسارح والحانات التي افتقدت الزبائن الذين التزموا بتوصية الجهات الرسمية التي طالبتهم بالمكوث في بيوتهم وعدم مغادرتها إلا في حالات الضرورة القصوى. وكانت صالات السينما أول من ألغى العروض، مكرهة وبطلة في آن، نظرًا لخلوها من المشاهدين. وقد أعلنت شركتا «غومون» و«باتيه» عبر تغريدات إلكترونية وقف العروض في عشرات الصالات التي تديرانها في باريس، حتى إشعار آخر. وحذت المتاحف حذو صالات المسرح والسينما وعبرت عن أسفها لعدم استقبال الزوار خلال الأيام العصيبة الحالية ولحين انجلاء الموقف وتأمين أماكن الترفيه في العاصمة. وأغلقت مدينة الملاهي «يوروديزني» أبوابها خلال عطلة نهاية الأسبوع. أما المستشفيات فقد ضاعفت من الحراسة وشددت المراقبة على الداخلين إليها مع تفتيش دقيق للحقائب والأكياس.
لم تخب آمال السياح الموجودين في باريس، حاليًا، فحسب بل مخططات أولئك الذين كانوا يستعدون للسفر إلى عاصمة النور والتفرج على الزينة التقليدية لأعياد الميلاد ورأس السنة فيها. وبسبب خلو العاصمة من مرابعها وأسواقها، قررت نسبة من السياح قطع رحلاتها، خصوصًا الذين قصدوا باريس بسياراتهم الخاصة من الدول الأوروبية القريبة. وهناك من غير وجهته نحو بلد آخر. وكانت شركة الطيران الأميركية «أميركان إيرلاينز» أول من أعلن تعليق رحلاته في اتجاه باريس. كما تم تأجيل 3 من رحلات شركة «يونايتد إيرلاينز» غداة الهجمات الإرهابية، في حين حافظت كل من «يونايتد» و«دلتا» على رحلاتهما. وأوقفت بعض شركات السياحة اليابانية رحلاتها، مؤقتًا، في حين لم تلغ الخطوط الفرنسية رحلاتها، سواء من أو إلى باريس، مع التحذير من احتمال حصول تأخير في المواعيد بسبب التفتيش الدقيق في المطارات.
نهار السبت بدا وكأن إضرابًا يعم شوارع العاصمة. لكن الحركة عادت بالتدريج إلى شيء من حيويتها، أمس، مع مواصلة الأهالي الحذر من التنقل غير الضروري. وعادت خطوط المترو والقطارات إلى انتظامها، مع انتشار واسع لفرق الأمن في المحطات والمطارات. مع هذا فقد كان من المتعذر النزول في نقاط معينة للمترو مثل ساحة ريبوبليك ومحطة شارون والباستيل وكل الأماكن القريبة من مواقع مجزرة ليلة الجمعة. وعمومًا، فإن الحركة ظلت تعاني شللاً في المواقع المذكورة حيث أغلقت فروع المصارف الموجودة فيها أبوابها نهار السبت واتخذت احتياطات مشددة ضد القرصنة الإلكترونية لمواقعها وحساباتها وخدمات تحويل المبالغ عن بعد.
ويترقب أصحاب المتاجر الصغيرة والمتوسطة، على أحر من الجمر، انفراج حركة السياحة واستعادة باريس لزوارها، فالموسم الحالي هو الأساس في الحصيلة السنوية ودون السياح وما يقتنونه من بضائع وتذكارات، فإن الضربة ستكون موجعة للجيوب.
فرنسا: المتاجر الكبرى وأماكن الترفيه مغلقة والسياح محاصرون في فنادقهم
هجمات باريس ضربة موجعة للتجار في موسم الأعياد
فرنسا: المتاجر الكبرى وأماكن الترفيه مغلقة والسياح محاصرون في فنادقهم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة