جاء في دراسة حديثة أن الإقبال على النوادي الرياضية في بريطانيا وحدها ارتفع ليصل إلى 8 ملايين اشتراك في عام 2014 والعدد في ازدياد، الأمر الذي يشير إلى أن ثقافة صقل العضلات بهدف استعراضها أيضا في ازدياد فيما يخص الرجل تحديدا. فجسم رياضي بعضلات مصقولة أو مفتولة أصبح شبه ضرورة للرجل الشاب، وحتى من هم في منتصف العمر يحاولون التمسك بالشباب لأسباب شخصية أو لمتطلبات العمل. وليس أدل على هذا من الممثل دانيال كريغ، بطل أفلام جيمس بوند الذي يبلغ 47 عاما، لكنه يتمتع بجسم يحسده عليه شاب في العشرين من العمر، فضلا عن ممثلين آخرين مثل رايان غوزلين.
لكن رغم تشجيع الثقافة العصرية على ارتياد النوادي الرياضية، تارة من منطلق نرجسي لاستعراض جماليات الجسم، وتارة من منطلق صحي على أساس أن الأطباء ينصحون بذلك، فإن الأمر أثر على الأزياء بشكل واضح ومباشر. والسبب أن مصممي الأزياء، حتى الذين يمارسون الرياضة بشكل مهووس، وجدوا أنفسهم في مأزق يتطلب منهم تغيير نظرتهم الفنية لمخاطبة هذه الشريحة. من بينهم هادي سليمان، مصمم دار «سان لوران» حاليا و«ديور أوم» سابقا الذي لا يزال يسوق لنا إطلالة نحيفة، أو بالأحرى صبيانية، إلى راف سيمونز وغيرهما. بالنسبة لهؤلاء، فإنهم يمارسون الرياضة لكي يتخلصوا من الوزن ويكتسبوا رشاقة أقرب إلى النحافة، أكثر مما يمارسونها لفتل عضلاتهم، وهو ما تجسده تصاميمهم، التي قد يتحول تسويقها إلى كابوس إذا لم يغيروا أسلوبهم، أو استمر الرجال في ممارسات تجعل جسدهم مدورا بشكل لم يتعودوا عليه أو لا يحبذونه أساسا. فالتدوير يُخرب الصورة التي يرسمونها لنا، لأن تجعل الأزياء تبدو «مجعدة» في بعض الأجزاء أو مشدودة في أجزاء أخرى، وهو ما لا يروق للعين وهي تتابع عروض الأزياء. هذا الواقع يفرض خلق توازن بين نظرتهم الفنية وبين ما تطلبه شريحة كبيرة من الزبائن لا يمكن تجاهلها تماما، وهم أذكى من أن يصروا على رؤيتهم ورأيهم. هذا عدا أن بعضهم مضطر لهذا التغيير بسبب التزاماته مع الدار التي يعمل فيها، ويهمها في نهاية السنة أن ترى أرباحا. وهذا ما يفسر تخفيفهم من غلوائهم في هذا الموسم، حيث قدم أغلبهم اقتراحات معقولة تحمل لمساتهم وتحترم التغيرات الأخيرة في الوقت ذاته. فالتيشرتات والقمصان لم تعد تشد الصدر، بقدر ما تعانقه بخفة، والبنطلونات لم تعد ضيقة إلى حد يجعلك تشعر بالألم بمجرد النظر إليها، بل أصبحت مستقيمة أكثر، تتتبع تضاريس الجسم من دون أن تبالغ في شده، بفضل طيات أمامية خفيفة. فالفكرة هنا ليست استعراض عضلات الصدر والذراعين، ولا إخفاءهما، بل فقط إبراز جمالية الجسم والأزياء. وهذه نقطة يتفق عليها المصممون والزبائن. صحيح أن بعض هؤلاء الشباب يعشقون إرسال صور عضلاتهم المفتولة والعرق يتصبب من جبينهم بعد حصة مكثفة في النادي على «إنستغرام»، لكن عندما يتعلق الأمر بحضورهم مناسبة مهمة أو توجههم للعمل، فهم يريدون أزياء تموه على هذه العضلات وتركز على الأناقة أولا وأخيرا. مفهوم الأناقة بالنسبة لهؤلاء يرتبط في الغالب، بنجوم الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، عندما كان أمثال كاري غرانت وغاري كوبر وغيرهما يظهران في بدلات أنيقة تُبرز قواما رشيقا من دون اكتناز في منطقة معينة من الجسم. فهؤلاء النجوم لم يكتسبوا رشاقتهم من ممارسات رياضية مكثفة وتناول مشروبات البروتينات وغيرها، بل من خلال أكل متوازن وحركة طوال النهار. بيد أن هذا لا يعني أن بعض الرجال، لا سيما من صغار السن، لا يريدون استعراض ما يُجهدون أنفسهم، وقد يستعينون بمدرب شخصي، للحصول عليه، بل العكس، فهم يفضلون أزياء جد ضيقة، لانتزاع إعجاب أقرانهم وربما غيرتهم. ويعود لهؤلاء الفضل في إنعاش سوق التيشرتات من دون أكمام، التي يطرحها المصممون المفضلون، وأغلبهم شباب مثلهم، يمكن عدهم أعضاء دائمين في النادي الرياضي، مثل أوليفييه روستينغ، مصمم دار «بالمان» وريكاردو تيشي، مصمم دار «جيفنشي» وريك أوينز.
وبينما هناك مصممون لا يزالون يجدون صعوبة في التأقلم مع التغييرات الجديدة، مثل هادي سليمان الذي لم يخرج بعد من تصاميمه الضيقة جدا رغم أنه خفف منها قليلا هذا الموسم، فإن البعض الآخر عانقها بسهولة مثل توم براون، الذي يستوحي كثيرا من تصاميمه من حقبة الخمسينات ويطورها بشكل عصري يتميز بعدم السخاء في استعمال الأقمشة كما كان عليه الأمر في ذلك العهد. ما يحسب له في المقابل، أنه يجعلها مريحة ومتناسقة من دون مبالغات، باستثناء الطول الذي يختاره أحيانا ويكون قصيرا بشكل لا يناسب كل الرجال.
ولأن للموضة دائما وجوها متنوعة، وتحاول أن تكون ديمقراطية بأن لا تتجاهل أحدا، ما دام يستطيع أن يشتري ما يناسبه منها، فإن هناك عددا من المصممين الذين أبدعوا أزياء تخاطب الرجل الرشيق والمفتول العضلات في الوقت ذاته من دون التنازل عن ما تتطلبه التغيرات والعصر من تفاصيل. فالتصاميم التي يطرحونها رحيمة وأنيقة في الوقت ذاته، تحتاج فقط إلى القليل من الذكاء لتنسيقها بالشكل الذي يبرز جماليات الجسم ويموه على بعض عيوبه. من هؤلاء نذكر ماركة «جون سميدلي» البريطانية المتخصصة في الصوف التي تطرح حاليا كنزات محددة على الجسم بشكل أنيق، والمصمم المخضرم جيورجيو أرماني، الذي يرسل منذ عدة مواسم العارضين ببنطلونات مريحة تميل إلى الاتساع بطياتها المتعددة عند الخصر. دار «بال زيليري» الإيطالية، التي دخلت مجال الموضة من أوسع الأبواب مؤخرا، وقدمت أول عرض أزياء رسمي لها خلال أسبوع ميلانو الرجالي، هي الأخرى أتحفتنا بتشكيلة قد تكون مضمونة إلى حد ما، لكنها، وبكل تفاصيلها، تخاطب رجلا عصريا يريد أن يلعب بالموضة ويضع عليها بصمته الخاصة. فقد قدمت له قطعا منفصلة متنوعة إلى جانب بدلات ومعاطف مفصلة بألوان شهية تعكس رغبتها في الخروج من الكلاسيكية الرسمية إلى الكلاسيكية العصرية.
دار «سالفاتوري فيراغامو» بدورها قدمت تشكيلة تستهدف الرجل نفسه، وإن كانت بلمسة شبابية أكثر بحكم أنها دخلت مجال عروض الأزياء منذ سنوات، وتعرف أن مخاطبة الرجل الشاب أصبحت ضرورية وتتطلب جرأة أكبر لإغرائه، بالنظر إلى إمكانياته الشرائية التي لا يضاهيها سوى تعطشه للموضة ورغبته في معانقتها وتطويعها لصالحه. دار إيطالية أخرى أبدعت وطرحت مجموعة أكثر من مضمونة من ناحية الأناقة التي لا تعترف بزمن أو بأسلوب، وهي «تودز» التي كانت إلى عهد قريب متخصصة في الإكسسوارات أساسا، لكنها دخلت مجال الأزياء الرجالية والنسائية بقوة محققة أهدافا كبيرة، تحلت فيها بروح رياضية لا تتطلب بالضرورة عضلات مفتولة أو مصقولة.
إقبال الرجل على صقل عضلاته وتناول البروتينات يغير شكل الموضة
بيوت الأزياء الإيطالية تتحلى بروح رياضية لمخاطبته
إقبال الرجل على صقل عضلاته وتناول البروتينات يغير شكل الموضة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة