اتفاق الأقصى مهدد بالانهيار والسلطة تحذر من «فخ»

الفصائل الفلسطينية ترفض مقترحات كيري.. والمتطرفون اليهود يصرون على الصلاة في باحته

القدس القديمة وتظهر منطقة الأقصى يتوسطها مسجد قبة الصخرة المرشحة للمراقبة بكاميرات على مدار الساعة (أ.ف.ب)
القدس القديمة وتظهر منطقة الأقصى يتوسطها مسجد قبة الصخرة المرشحة للمراقبة بكاميرات على مدار الساعة (أ.ف.ب)
TT

اتفاق الأقصى مهدد بالانهيار والسلطة تحذر من «فخ»

القدس القديمة وتظهر منطقة الأقصى يتوسطها مسجد قبة الصخرة المرشحة للمراقبة بكاميرات على مدار الساعة (أ.ف.ب)
القدس القديمة وتظهر منطقة الأقصى يتوسطها مسجد قبة الصخرة المرشحة للمراقبة بكاميرات على مدار الساعة (أ.ف.ب)

أجمع السياسيون والمراقبون الإسرائيليون والفلسطينيون، على أن الاتفاق حول المسجد الأقصى، الذي توصلت إليه الأردن وفلسطين وإسرائيل، وأعلنه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لن يقود إلى تهدئة الأوضاع.
فقد أبدت السلطة الفلسطينية شكها في الاتفاق، ووصفته بفخ إضافي، ورفضته الفصائل الفلسطينية وعدته «محاولة لإجهاض الانتفاضة». فيما رأى الإسرائيليون أن الموقف الفلسطيني يكشف أن الهبة الأخيرة كانت نتيجة لتحريض لا يمت إلى الأقصى بصلة.
وقد وصف وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، في حديث مع إذاعة فلسطين اقتراح كيري، بأنه «فخ إضافي»، واتهم إسرائيل بالتخطيط لاستغلال اللقطات التي ستصورها الكاميرات داخل المسجد، للقبض على المصلين المسلمين الذين تعتقد أنهم يحرضون ضدها.
وطلب المالكي بتثبيت أي اتفاق حول الأقصى ضمن قرار في مجلس الأمن الدولي، متهما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنيناهو بالتنصل من كل تعهداته، حتى فيما يخص الاتفاقات السابقة حول الأقصى.
ورفضت حركتا حماس والجهاد والجبهتان الشعبية والديمقراطية، وفصائل أخرى تصريحات كيري حول الصلاة في المسجد الأقصى، وقالت إنها «محاولة أميركية لإنقاذ نتنياهو وحكومة الاحتلال من أزمتها في مواجهة انتفاضة شعبنا».
وجاء في بيان لحركة حماس، أن «في هذا الإعلان محاولة خبيثة من نتنياهو، بتواطؤ أميركي، تهدف إلى تثبيت السيطرة الصهيونية على المسجد الأقصى، من خلال منح الاحتلال الحق بالسماح والمنع للمسلمين بالصلاة». وأضافت أن «هذا الإعلان يساوي بين حق المسلمين في الصلاة وحق غير المسلمين في الزيارة، علاوة على أنه لا يعرف الهدف من هذه الزيارات التي يمكن تفسيرها على أنها حق لزيارة دينية للمتطرفين اليهود الصهاينة».
وأكد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، على ضرورة دعم الانتفاضة الفلسطينية في الضفة المحتلة، وضمان استمرارها حتى تحقيق أهدافها. وقال هنية في كلمة له في مهرجان للحركة في لبنان، إنه يجب حماية الانتفاضة واستمرارها، وضمان تصاعدها حتى تحقق هدفها في العودة والحرية والاستقلال. وأضاف في إشارة إلى كيري: «لن تتمكن أي قوة على وجه الأرض من إيقاف الانتفاضة مهما كانت قوتها». وطالب الفصائل العمل على تعميق الوحدة الفلسطينية، مؤكدا جهوزية حركته لكل جهد من أجل تحقيق هذه الوحدة مع الفصائل، سواء أكانت على المستوى السياسي أو الميداني، من أجل حماية الانتفاضة.
أما في الجانب الإسرائيلي، فقد عدّت جهات في معسكر اليمين المتطرف الاتفاق حول الأقصى، تنازلات إسرائيلية أمام الأميركيين والعرب. وقال النائب عن حزب «البيت اليهودي» المشارك في الحكومة، أوري يوغيف، إن وزير الخارجية الأميركية عدد هذه التنازلات بوضوح شديد على النحو التالي:
أ- أعلن نتنياهو أمام كيري أن إسرائيل تحترم الدور الخاص للأردن في القدس كما تم تعريفه في اتفاق السلام بين البلدين، والدور التاريخي للملك عبد الله كحارس للمقدسات الإسلامية في القدس.
ب- يلتزم نتنياهو أمام كيري بأن تواصل إسرائيل تطبيق سياسة العبادة الدينية التي تطبقها منذ سنوات طويلة في الحرم، والتي تقول إنه يمكن للمسلمين الصلاة في الحرم القدسي بينما يمكن لغير المسلمين زيارته ولا يمكنهم الصلاة فيه.
ج- صرح نتنياهو بأن إسرائيل لا تنوي تقسيم الحرم القدسي وترفض بشكل مطلق أي ادعاء بأنها تنوي عمل ذلك.
د- يرحب نتنياهو بزيادة التنسيق بين إسرائيل والأردن بشأن الحرم القدسي، بهدف التأكد من أن الزوار والمصلين في المكان يظهرون ضبط النفس والكبح واحترام المكان المقدس.
وقال الكاتب اليميني، نير حسون: «من يتعقب عن كثب ما يحدث في الحرم القدسي، يشعر قليلا بأنه يسمع أشياء قديمة.. فكما في العام الماضي، دفعت موجة العنف والإرهاب التي امتدت طوال الصيف والخريف، إسرائيل إلى مفاوضة الأردنيين، بوساطة الأميركيين، حول الترتيبات في الحرم القدسي. وكما في العام الماضي، يمكن الافتراض أنه باستثناء التفاهمات مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التي تم التبليغ عنها، هناك تفاهمات أخرى لم يتم نشرها. ومقارنة بالعام الماضي، يبدو أن نتنياهو قطع هذه المرة، خطوة بعيدة المدى بكونه وافق على صدور بيان رسمي توافق فيه إسرائيل على «الحقيقة الأساسية بأن المسلمين يصلون في الحرم القدسي وغير المسلمين يزورونه» - أي أنه لن يسمح لليهود بالصلاة في الحرم القدسي. لكن هناك دلائل عدة مثيرة للقلق، ولذلك فإن هذا التصريح لن يكفي لتهدئة الأوضاع».
وقال النائب يانون مغال (البيت اليهودي) إنه «في نهاية المطاف لن يمنع أي شيء اليهود من الصلاة في الحرم القدسي»، وقال يهودا غليك، الذي نجا من محاولة اغتيال وهو يشارك في صلاة على أرض الأقصى قبل سنة، إن «الصلاة هي عمل داخلي روحاني، لا يمكن منعه من قبل الجيش أو الشرطة». ورحب الطاقم المشترك لتنظيمات الهيكل بقرار نصب كاميرات في الحرم «لأنها ستعرض للعالم العنف الإسلامي وعجز الشرطة».
يذكر أن فكرة تفعيل كاميرات على مدار الساعة يوميا، وطوال الأسبوع، ليست جديدة. ففي عام 2007، حفرت إسرائيل تحت الحرم في منطقة جسر المغاربة، وفي حينه أيضًا، اعتبرها العرب اعتداء على الحرم. ولتفنيد تلك الادعاءات، قامت إسرائيل بنصب كاميرات كانت تبث عبر موقع إنترنت، ودعت وفدا من علماء الآثار الأتراك الذين أكدوا عدم وجود خطر على المساجد.
من جهة ثانية، قال المحامي داني زايدمان، الخبير في شؤون القدس، الذي كان قد توقع قبل شهور موجة العنف الحالية: «الكاميرات هي خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها خطوة صغيرة جدا. يمكنني تصور وضع ينظر فيه نتنياهو إلى الكاميرات خلال زيارة لليهود، ويقول إنه تم الحفاظ على الوضع الراهن لأن الزيارة تمت خلال الساعات المسموح بها، وفي الوقت نفسه ينظر الملك عبد الله أو أبو مازن إلى الكاميرات ويشاهدان اليهود يقومون باستفزاز ويدنسون قدسية الأقصى ويخرقون الوضع الراهن. يجب أن يتوفر قدر كبير من البراءة كي نصدق أن الكاميرات ستجسر فجوات هذه المفاهيم».
أما الفلسطينيون، فيقولون إن الحرم مسألة حيوية فعلاً، لكن غضبهم لا يتعلق بهذا فقط، وإنما باستمرار الاحتلال وعدوان المستوطنين وغياب الأفق السياسي. وقال ناشط من رام الله: «إذا كان السيد كيري يعتقد أن البث عبر الكاميرات من الأقصى سيقود إلى التهدئة، فإنه يرتكب خطأ كبيرًا. لقد خرجنا إلى الشوارع كي نقول: كفى. ويئسنا من الاحتلال». وأدلى عضو اللجنة التنفيذية في المنظمة ورئيس المبادرة الوطنية الفلسطيني مصطفى البرغوثي، بتصريح مماثل، وقال إن غالبية الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، لا يسمح لها بالوصول بتاتًا إلى القدس. «وإذا تم تحقيق الهدوء فسيكون مؤقتًا، لأنه بالنسبة للشعب الفلسطيني يحتم الهدوء الطويل الأمد القيام بخطوات ملموسة، في مقدمتها تجميد البناء في المستوطنات، ووقف عدوان المستوطنين، وترتيبات لإنهاء الاحتلال، وإلا فإن أي هدوء سيكون مؤقتًا».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.