من المعروف أن مرض السكري يعد من أشهر الأمراض المزمنة التي يمكن أن تصيب الأطفال، وفي الأغلب تكون إصابة الأطفال من النوع الأول «type 1 diabetes» المعتمد على الإنسولين، حتى إن اسم النوع الأول في السابق كان مرض السكري الذي يصيب الأطفال «juvenile diabetes» وتم تغيير الاسم حديثا، حيث ثبت أن كلا النوعين (الأول والثاني) يمكن أن يصيبا الأطفال والبالغين على حد سواء، ولكن احتمالية الحدوث من النوع الأول تكون أكثر في الأطفال، واحتمالية الحدوث في النوع الثاني تكون أكثر في البالغين. ومن المعروف أن مرض السكري مشكلة عالمية، ويعاني من النوع الأول فقط نحو 30 مليون شخص حول العالم معظمهم من الأطفال.
* السكري عند الأطفال
تكمن مشكلة النوع الأول في نقص الإنسولين نتيجة لكثير من الأسباب الجينية أو المناعية التي تؤدي إلى تلف الخلايا المنتجة له. وكما هو معروف فإن الإنسولين هو هرمون منظم لمستوى الغلوكوز في الدم، حيث يجب أن يحتفظ الجسم بنسب معينة من السكر. وتؤدي زيادة هذه النسبة المفرطة أو نقصها الشديد إلى تعريض الجسم للخطر، خاصة في حالة ممارسة الرياضة على سبيل المثال، حيث يقوم الجسم باستهلاك كميات كبيرة من الغلوكوز نتيجة للمجهود العضلي. وفي حالة الطفل الذي يعالج بالإنسولين يمكن أن تقلل الجرعة قبل ممارسة الرياضة حتى لا يحدث هبوط لمستوى الغلوكوز بالدم.
وكان علاج السكري دائما في الأطفال هو الإنسولين. ولا يمكن حتى الآن إيجاد طريقة تمكن الجسم من إنتاج الإنسولين في حالة تلف الخلايا، ولذلك كان العلاج دائما عن طريق الحقن. وهذه الوسيلة على الرغم من فاعليتها فإنها تسبب بعض المشكلات خاصة في الأطفال، ولذلك كان هناك بحث دائم عن إيجاد بدائل للعلاج بالحقن. ولا تتوقف الأبحاث الطبية عن تطوير هذه الوسيلة والتفكير الدائم في محاولة إعادة إنتاج أو إحياء خلايا «بيتا» أو حتى استبدالها بخلايا أخرى في البنكرياس لجعلها تقوم بوظيفتها، وذلك من خلال استخدام تقنيات الهندسة الوراثية ومحاولة تغيير التركيب الجيني لخلية معينة وجعلها أكثر قربا للخلية «بيتا» التي تفرز الإنسولين
* إنتاج خلايا الإنسولين
أحدث دراسة تناولت هذه البدائل وناقشت تقنية جديدة لإنتاج خلايا من شأنها إفراز الإنسولين، وذلك في اللقاء السنوي للجمعية الأوروبية لأطباء الغدد الصماء للأطفال «European Society for Paediatric Endocrinology». وتعتمد فكرة الدراسة بشكل أساسي على إيجاد بديل لخلايا «بيتا» في البنكرياس المسؤولة عن إفراز الإنسولين. وفي العادة يحدث خلل مناعي لدى الطفل المصاب يؤدي إلى أن يتفاعل الجسم ضد هذه الخلايا، على اعتبار أنها خلايا غريبة عن الجسم، ويؤدي هذا إلى تلف تلك الخلايا، وبالتالي التوقف عن إنتاج الإنسولين وهو الهرمون المنظم لمستوى الغلوكوز بالدم.
وتوصل العلماء إلى أن بعض الخلايا المشتقة من القناة الرئيسية في البنكرياس في البالغين تعد بمثابة الخلايا الأصلية أو الخلايا الأم التي يمكن بدورها أن تنقسم إلى خلايا أخرى ومنها خلايا «بيتا» المنتجة للإنسولين، وقد قام العلماء بمعالجة تلك الخلايا من خلال تقنية معينة استخدم فيها الحمض النووي للخلية لتصبح شبيهة بخلايا «بيتا» في البنكرياس وتستجيب للغلوكوز، وهو ما يعد نصرا علميا كبيرا، خاصة وأن هذه الطريقة جنبت العلماء احتمالية حدوث الفشل نتيجة للخلل الجيني في الخلايا إذا تمت الاستعانة بخلايا من متبرع آخر على سبيل المثال، وأنه باستخدام هذه التقنية يمكن التغيير من وظائف الخلايا الأخرى إذا ما تمت معالجتها، وهو الأمر الذي يفتح بابا لعلاج كثير من الأمراض
وعلى الرغم من أن هذه الدراسة أجريت على حيوانات التجارب فإن الفكرة يمكن أن تكون قابلة للتطبيق في الإنسان، خاصة وأن فريق البحث أجرى كثيرا من التجارب على الفئران المصابة بالسكري وتم علاجها، ويمكن في المستقبل تكوين ما يشبه بنك الخلايا التي يتم معالجتها والاحتفاظ بها لكثير من المرضى، خاصة وأن العلاج بالخلايا البديلة يمكن تعميمه في المستقبل القريب، إذ إن الأمر لا يقتصر على الباحثين الأوروبيين فقط. وفي شهر سبتمبر (أيلول) من العام الجاري ظهرت دراسة أميركية تشير إلى طريقة العلاج نفسها مع اختلاف التقنية.
وفي الدراسة الأميركية لا يتم تغيير الخلايا في البنكرياس، ولكن يتم زيادة إنتاجية الخلايا تبعا لزيادة الضغوط «stress» عليها، بمعنى أن خلايا البنكرياس تكون مطالبة بزيادة إنتاج الإنسولين في حالة زيادة الغلوكوز في الدم في النوع الأول، أو في حالة زيادة الوزن في النوع الثاني، أو عند تعرض الجسم لأزمة صحية كبيرة، مثل إجراء عملية أو الحمل في النوع الثاني.
ومن المعروف أن تعرض خلايا «بيتا» للضغوط يتسبب في تلف الخلايا وفشلها في إفراز الإنسولين، وهو الأمر الذي يفسر الإصابة بمرض السكري في مثل هذه الظروف، ولكن الدراسة الجديدة، توصلت إلى أن تعرض البنكرياس لنوع (متوسط) من الضغوط يمكن أن يكون محفزا لإفراز الإنسولين وليس موت الخلية، وقد كشف العلماء عن محاولة التوصل إلى تنظيم هذه الضغوط لتتناسب مع إفراز الإنسولين. وبطبيعة الحال يحتاج الأمر إلى مزيد من الدراسات ولكنه يمنح الأمل لملايين من أطفال مرضى السكري.
* استشاري طب الأطفال