«داعش» تنسحب من مناطق بريف حلب لتثبيت مواقعها في الرقة قرب الحدود العراقية

بعد حشد كتائب المعارضة مقاتليها.. وانتهاء مهلة حددها زعيم «النصرة»

«داعش» تنسحب من مناطق بريف حلب لتثبيت مواقعها في الرقة قرب الحدود العراقية
TT

«داعش» تنسحب من مناطق بريف حلب لتثبيت مواقعها في الرقة قرب الحدود العراقية

«داعش» تنسحب من مناطق بريف حلب لتثبيت مواقعها في الرقة قرب الحدود العراقية

انسحب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أمس، من بلدة إعزاز في الريف الشرقي لمدينة حلب بعد حشد كتائب إسلامية معارضة قواتها، تمهيدا لاقتحام البلدة القريبة من الحدود التركية، باتجاه مدينة الرقة الخاضعة لسيطرته بشكل كامل.
وجاء هذا الانسحاب عشية انتهاء مهلة حددتها جبهة النصرة للتنظيم من أجل «الاحتكام إلى شرع الله»، مهددة بـ«قتالها في سوريا والعراق إذا ما رفضت». لكن الناشط المعارض في ريف حلب منذر الصلال يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «تهديد (النصرة) ليس الدافع الوحيد لخروج (داعش) من إعزاز، بل إن السبب الأهم هو حشد القوات المعارضة لعناصرها في مدرسة المشاة منذ أيام بهدف اقتحام إعزاز وتحريرها من وجود (الدولة الإسلامية)».
ويوضح أن «تعداد هذه القوات يصل إلى 1500 مقاتل يتوزعون بين الجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين ولواء التوحيد، إضافة إلى 200 عنصر من (النصرة)». وبحسب صلال، فإن «الهجوم الذي شنّته هذه القوات أدى إلى سقوط عدد من القرى على طريق إعزاز، مما دفع (داعش) إلى الانسحاب من المدينة قبل وصول عناصر المعارضة إليها».
وتزامن الانسحاب من إعزاز مع انسحاب عناصر التنظيم الجهادي «من مطار منغ العسكري ومن بلدة ماير وقريتي دير جمال وكفين»، وفق ما أفاد به «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، مشيرا إلى أن «عناصر التنظيم اتجهوا شرقا، نحو بلدات قريبة من ريف الرقة وتحصنوا في بلدتي جرابلس ومنبج» الواقعتين في أقصى ريف حلب الشرقي على تخوم محافظة الرقة التي تسيطر عليها «الدولة الإسلامية» في شكل شبه كامل. وهو ما أكده الناشط منذر صلال في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، مشددا على أن «(داعش) يمكنها مواجهة كتائب المعارضة لو أرادت البقاء في إعزاز، لكن خطتها حاليا تتمثل بالتمركز في المناطق الشرقية لا سيما في الرقة بهدف التواصل مع عمقها اللوجيستي في العراق».
وأكد مركز إعزاز الإعلامي انسحاب التنظيم من المدينة. وكتب على صفحته على موقع «فيس بوك»: «تم تحرير المدينة من رجال البغدادي»، في إشارة إلى زعيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي» على «يد مقاتلي الجيش الحر».
وكانت «الدولة الإسلامية» سيطرت على المدينة في 18 سبتمبر (أيلول) الماضي إثر معارك مع «لواء عاصفة الشمال» المرتبط بالجيش السوري الحر. وتدور منذ شهرين معارك عنيفة بين الدولة الإسلامية وتشكيلات أخرى من المعارضة السورية، أدت إلى مقتل نحو 3300 شخص، بحسب المرصد. وحقق المقاتلون تقدما في حلب وريفها، بينما تفردت «الدولة الإسلامية» بالسيطرة على مدينة الرقة، مركز المحافظة الوحيد الخارج عن سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد.
ودخلت جبهة النصرة التي تعد ذراع «القاعدة» في سوريا، على خط المعارك ضد «الدولة الإسلامية»، حيث أمهل أبو محمد الجولاني زعيم الجبهة «الدولة الإسلامية» خمسة أيام للاحتكام إلى «شرع الله» من خلال هيئة شرعية تضع حدا للخلافات بين الطرفين والاشتباكات بين الدولة ومقاتلي المعارضة، الذين ساندتهم النصرة في بعض المعارك. وحذر في حال عدم تجاوبها مع ذلك، بـ«نفيها» من سوريا وحتى العراق.
ومنحت «النصرة» المهلة لـ«الدولة الإسلامية» إثر مقتل أبو خالد السوري، وهو قيادي في «الجبهة الإسلامية» التي تقاتل منذ شهرين «الدولة الإسلامية»، نهاية الأسبوع الماضي بتفجير سيارة مفخخة في حلب، اتهمت «الدولة الإسلامية» بالوقوف خلفه. ويعد أبو خالد السوري من أبرز القادة الجهاديين، وقال عنه الجولاني إنه «صاحب الشيخ أسامة بن لادن والدكتور الشيخ أيمن الظواهري».
وأعلن تنظيم القاعدة بلسان زعيمه الظواهري أن جبهة النصرة هي ممثله الرسمي في سوريا، وتبرأ من «الدولة الإسلامية» التي كانت أعلنت مبايعتها لـ«القاعدة»، ومن القتال الذي تشنه ضد الكتائب المعارضة.
في سياق متصل، تداولت صفحات جهادية على مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن تطبيق عناصر «الدولة الإسلامية في العراق والشام» تفسيرا متشددا للشريعة الإسلامية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في سوريا؛ فبعد فرضها سلسلة من الأحكام المتشددة على مسيحيي الرقة، من بينها فرض «الجزية» ومنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية، قطع عدد من عناصرها يد شخص زعموا أنه لص في محافظة حلب. ونشر موقع «الجهاد نيوز» صور البتر الذي جرى علنا، مشيرا إلى أن «اللص في بلدة مسكنة اعترف بالسرقة وهو أيضا طلب أن تقطع يده تطهيرا لذنبه». وأظهرت صور أخرى رجلا معصوب العينين ويده مثبتة على طاولة فيما حمل أحد الموجودين المتشددين سكينا كبيرا.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.