يُعاني اقتصاد العراق خطرًا مُزدوجًا وسط انخفاض أسعار النفط العالمية وانعدام الدعم الموجّه للقطاع الخاص والمشروعات الاستثمارية، ما يزيد من صعوبة الحصول على قروض خارجية في ظل انعدام الثقة في الاقتصاد العراقي. وتتوقع المؤسسات الدولية أن يواجه العراق أزمة اقتصادية حادة، ما اضطرته إلى تقليل حجم الموازنة المالية نتيجة انخفاض أسعار النفط إلى دون 45 دولارًا للبرميل.
وحذر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من «اضطراب كبير في تدفقات رؤوس الأموال إلى العراق بما يضر النمو الاقتصادي والاستقرار المالي في البلاد». في حين قيم البنك الدولي العراق على أنه من أسوأ بلدان العالم التي يُمكن إقامة أعمال تجارية بها خلال عام 2015.
وفي هذا الإطار، من المرتقب أن تبدأ الحكومة العراقية بتطبيق سياسة التقشف، مع رفع الضرائب على بعض الخدمات المقدمة من الحكومة، وبخاصة على شبكات الاتصال والإنترنت، وذلك في وقت تواجه فيه الحكومة خللاً في قطاع العمالة، فمعظم موظفي الخدمة المدنية في العراق لا يعملون سوى بضع دقائق في اليوم، لكن يحصلون في المقابل على الأجور بدوام كامل.
يقول مسؤولون عراقيون، إن هناك ما يقرب من 100 ألف موظف بالقطاع العام العراقي يحصلون على أجر كامل دون أن يقدموا أي قيمة مضافة للاقتصاد، وهو ما يمثل عبئًا كبيرًا على النمو الاقتصادي للبلاد.
وقال مظهر صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي: «معظم موظفي القطاع العام يعملون نحو 10 إلى 17 دقيقة يوميًا. ومع ذلك، يقتطعون الجزء الأكبر من موازنة البلاد».
وبلغ العجز في الميزانية العراقية التي تقدر بـ102.5 مليار دولار نحو 21.4 مليار دولار بنهاية أغسطس (آب) الماضي. وأضاف صالح، أن 75 في المائة من موظفي الخدمة المدنية القائمة، الذين يبلغ عددهم نحو أربعة ملايين، تعتبر أكثر من الحاجة الفعلية.
ونظرًا لانخفاض أسعار النفط، تجد الحكومة المركزية في بغداد صعوبة في تلبية رواتب موظفي القطاع العام.
وأوضح صالح، أنه من المتوقع تراجع الإيرادات الإجمالية للدولة في عام 2016 إلى نحو 69 مليار دولار، في حين أن الحكومة تحتاج 50 مليار دولار سنويًا لرواتب موظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين.
انتهت اللجنة المالية في البرلمان العراقي من إعداد مشروع موازنة عام 2016، بقيمة تقترب من 60 مليار دولار، وذلك مقابل ميزانية بحدود 102 مليار دولار للعام الحالي.
وخفضت الحكومة العراقية النفقات العامة في مشروع الموازنة التقديرية لعام 2016، بنحو 41 في المائة عن النفقات المقدرة للعام الحالي، بضغوط من أزمة النفط التي أطاحت بأكثر من نصف إيرادات الدولة.
ويمثل النفط نحو 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعراق الذي يقبع فوق خامس أكبر احتياطيات من الخام في العالم، كما يشكل 95 في المائة من العائدات المالية والخارجية الحالية.
ورغم أن البلاد زادت إنتاجها من النفط من متوسط 3.3 مليون برميل يوميًا في عام 2014 إلى أكثر من 4 ملايين برميل يوميًا في العام الحالي، لا يزال العراق يواجه أزمة مالية طاحنة بسبب أسعار النفط، التي انخفضت 60 في المائة منذ منتصف 2014، فضلاً عن الحرب ضد تنظيم داعش.
وقال حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، يوم 14 سبتمبر (أيلول) الماضي، إن إدارته تحاول إبقاء النفقات تحت السيطرة، وإيجاد حل لرواتب موظفي الخدمة المدنية.
وقال العبادي، إن الإصلاحات الأخيرة تستهدف التخلص من الإنفاق الباذخ داخل الإدارة، مثل تقليم نصف رواتب الحكومة والبرلمان ومسؤولي الرئاسة من أجل خفض الفجوة في الدخل مع موظفي الخدمة المدنية الأخرى، وهي الخطوة التي واجهت معارضة قوية من المسؤولين العراقيين.
وقالت مسودة الموازنة، إن سد الفجوة التمويلية سيكون عن طريق الاستدانة من مؤسسات دولية بينها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فضلاً عن إصدارين من السندات المحلية والدولية تزيد قيمة كل منهما عن ستة مليارات دولار.
وتقول مؤسسة التصنيف الدولية «ستاندرد أند بورز»، إن العراق يحتاج إلى سعر نفط 100.6 دولارًا للبرميل كي يُحقق التوازن في موازنة العام الحالي.
ووفقًا لتقرير وكالة التصنيف العالمية «موديز»، صدر بداية أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، تشكل شركات النفط الأجنبية 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العراق، في حين أن البلاد تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط لدفع ثمن وارداتها.
ويُضيف التقرير دفع استحقاقات الشركات الأجنبية مع انخفاض أسعار النفط، فضلاً عن احتياجات تمويلية مُقدرة بنحو 30 مليون دولار في اليوم الواحد لتمويل معركة البلاد ضد «داعش»، يتطلب من الحكومة الاتحادية توفير أكثر من 65 مليار دولار لتمويل نفقات التشغيل.
ووسط انهيار أسعار النفط العالمية، يواجه العراق صعوبة في زيادة الإنتاج، وسط عزوف بعض الشركات العالمة عن مواصلة الاستثمار في ضوء تأخر مستحقاتها المالية.
وترى شركات النفط الأجنبية، أن فرصة زيادة الإنتاج في العراق ضعيفة في العامين الحالي والمقبل، وذلك بعد أن طلبت بغداد خفض الإنفاق على عمليات التطوير، بالإضافة إلى عدم توافر سيولة كافية للحكومة نتيجة تراجع إيرادات النفط.
وتأتي ضعف إنتاجية النفط في وقت تعتمد فيه وتيرة نمو الصادرات خلال عام 2016 على زيادة الإنتاج في الحقول التي تديرها تلك الشركات الأجنبية، فضلاً عن الشركات المملوكة للدولة.
وتقول شركات النفط الأجنبية التي تشكو بالفعل من قيود تتعلق بالبنية التحتية في العراق، إنه لا يمكن لأحد الاستثمار إذا لم يحصل على مستحقاته.
وبالتالي تتوقع الشركات العالمية، وبخاصة شركة «بي بي» البريطانية، انخفاضًا طفيفًا في الإنتاج العراقي بين عامي 2016 و2020 مقارنة مع توقعات سابقة بنمو يزيد على 500 ألف برميل يوميًا.
وخفض العراق أهدافه الطموحة لنمو إنتاجه من النفط، مُعلنًا أنه سيرفع الإنتاج إلى ما بين 5.5 مليون و6 ملايين برميل يوميًا بحلول 2020 بعد أن كان الهدف هو إنتاج 12 مليون برميل يوميًا.
* الوحدة الاقتصادية
بـ«الشرق الأوسط»
تحديات اقتصادية مزدوجة في العراق تدفعه لبدء سياسات تقشفية
توقعات بتراجع الإيرادات لنحو 69 مليار دولار في 2016
تحديات اقتصادية مزدوجة في العراق تدفعه لبدء سياسات تقشفية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة