كانت مؤسسة الحكم السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في بداية أعمالها حيث لم تكمل سوى ما يقرب من ستين يوما، تخللتها تغييرات كبرى في أروقة الحكومة ومؤسساتها. وكانت الرؤى الإعلامية والتحليلية تعتبر أن الفترة الأولية تحتاج لأكثر من 100 يوم لمعرفة أوجه الخطوات التي تخطط لها القيادة.
لكن كل تلك الرؤى تغيرت؛ بعد أن بدأ الملك فترة حكمه بخطوات عميقة تمثلت بقيادة السعودية لتحالف من عشر دول، لإعادة الشرعية في اليمن، على أثر طلب مشروع من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وجهه إلى الملك سلمان والدول الخليجية، طالبا النجدة بوقف عدوان جماعة الحوثي، وهي رسالة لم يستغرق الرد عليها كثيرا، حيث تم إعداد العدة الخليجية بمساندة من خمس دول أخرى للمشاركة في تحالف يدعم الشرعية، ويوقف العدوان الحوثي على أراضي اليمن.
ولم تكن تلك الرسالة اليمنية إلى الأسرة الخليجية من فراغ قبل بدء عملية «عاصفة الحزم»، حيث جاءت بسبب العدوان الحوثي على داخل اليمن واحتلال مؤسسات الدولة، وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس اليمني عبد ربه هادي في العاصمة صنعاء خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، قبل أن يفر إلى عدن، ومعه مارست عشرات السفارات أعمالها من عدن التي كانت عاصمة بديلة، بعد سيطرة الحوثي على صنعاء في 21 سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.
وسبق تلك العاصفة إعلان جماعة الحوثي، بدعم من قبل الرئيس المخلوع شعبيا، علي عبد الله صالح، إصدار ما سموه «الإعلان الدستوري»، والذي تضمن تشكيل مجلس رئاسي مكون من خمسة أعضاء، وكذلك تفويض اللجان الثورية بإدارة شؤون الجمهورية، وحل مجلس النواب وتشكيل مجلس انتقالي مكون من أكثر من 500 عضو.
ذلك الأمر دعا السعودية والدول الخليجية إلى إصدار بيان لمجلس الأمن في منتصف فبراير، دعت فيه إلى إصدار قرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يجيز استخدام القوة في اليمن، بعد سيطرة الحوثيين على السلطة في العاصمة اليمنية.
وحينها، في ذلك الشهر أيضا، حشدت الميليشيا الحوثية أفرادا ومعدات على الحدود مع السعودية، وتم إعلان تمرين عسكري على الحدود، في استفزاز متجدد على وقع محاولات سابقة للتسلل إلى السعودية في عام 2009، قبل أن توقع بها القوات المسلحة السعودية خسائر كبرى في معركة الأشهر الخمسة.
بدأت الحملة الجوية في ساعة متأخرة من ليل 25 مارس (آذار) من قبل قوات التحالف، ودخلت راية عملية «عاصفة الحزم» إلى الواجهة بضرب مفاصل القوة التي تمتلكها الميليشيا بعد أشهر من تنامي الإمداد الإيراني للحوثيين، محدثة انكسارات عدة في صفوفهم وسلاحهم، وقواعد صواريخهم الباليستية، وإعلان قوات التحالف السيطرة على أجواء اليمن بعد ساعتين من بدء العملية القوية.
في ضوء ذلك، إضافة إلى الحرب العسكرية التي تقودها السعودية ضد الحوثيين وموالي علي عبد الله صالح، كانت مهمة دبلوماسية تقودها غالبية الدول العربية على المتن الدبلوماسي ذات وهج آخر، وتمخضت عن موافقة مجلس الأمن الدولي على المشروع العربي المقدم، وإصدار القرار 2216، وهو ما يعد غطاء قانونيا أمام المجتمع الدولي. وأيّد المجلس جهود دول الخليج، ودعم الرئيس اليمني هادي. وتنص أهم بنود القرار على سحب الحوثي قواته من جميع المناطق التي سيطرت عليها، والكف عن أعمال تعتبر من الصلاحيات الحصرية للحكومة اليمنية الشرعية، إضافة إلى الامتناع عن أي استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة، بما في ذلك الاستيلاء على صواريخ أرض - أرض ومخازن أسلحة تقع في مناطق محاذية للحدود أو داخل أراض دولة مجاورة.
توالت الضربات الجوية، مع تحرك للمقاومة اليمنية على الأرض في عدد من المدن، خاصة في عدن حتى غدت مهيأة للحكومة اليمنية، وبدأت ممارسة أعمالها فيها برئاسة نائب الرئيس اليمني رئيس الوزراء خالد بحاح، واستمرت القوة الجوية في دك المعاقل الحوثية، وإزالة معظم مناطق التهديدات التي كانت تحاول معها الميليشيا توجيهها إلى السعودية، وبعد أكثر من أربعين يوما على بدء «عاصفة الحزم» بدأت المهمة التالية من خطة دعم الشرعية بـ«إعادة الأمل»، بعدما أصبح ميزان القوة غالبا مع بدء حملات الإغاثة وفتح باب المساعدات الإنسانية المباشرة.
وقال الأكاديمي اليمني الدكتور عبد الرزاق الشوكاني، خلال اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، إنه وبعد عام من احتلال الحوثي للعاصمة صنعاء كانت الأمور تتجه إلى احتلال إيراني للجمهورية، لكن الكرامة العربية وفق وصفه انتصرت لها السعودية بقيادة الملك سلمان، وأعادت الاعتبار إلى وحدة اليمن، وقامت بنصرة الشعب اليمني بكل أطيافه الراغب في تحرير مؤسساته من العدوان الحوثي.
وأضاف الشوكاني أنه وبعد تصريحات زعيم المتمردين عبد الملك الحوثي أول من أمس يمكن فهم حالة الارتباك والخذلان في صفوف قواته، حين عرض قبوله لاستئناف الحوار الذي لم يبدأ، وأن خطابه يوحي بالكثير من الخذلان من مواقف الدول التي تدعمه وعلى رأسها إيران. وعن تزامن التصريحات مع قرب تحرير صنعاء قال الشوكاني إن ذلك أحد أهدافه كنوع من الدعم المعنوي لصفوفه المتفككة، متوقعا أن يلجأ الحوثي إلى محاولة إشعال الفتنة الطائفية على غرار «حزب الله» في لبنان.
ورأى الشوكاني أن موقف السعودية أعطى مؤشرات كثيرة لزعامات الدول في المجتمع الدولي، بعد تخاذل الأمم المتحدة وعدم جدية تعاطيها في الشأن اليمني من قبل مبعوثها السابق جمال بنعمر، منتقدا إياه لتركيزه على الأرض، بجانب أن نفوذ علي عبد الله صالح في بعض ألوية الجيش اليمني مهد له القوة لفتح التحالفات، إضافة إلى تمهيد «اتفاق السلم والشراكة» الذي صاغه الحوثيون وأُرغم المشاركون في الحوار على التوقيع عليه.
ورأى الدكتور وفيق عيد، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة اللبنانية، أن الدول العظمى كانت ذات نهج بعيد عن التعامل الفعلي بشأن تلك الأزمة، وأن التطور الفعلي بدأ قبل عام مع احتلال صنعاء، لأن ذلك وفق حديثه مهدد للأمن القومي الخليجي والعربي، حيث يهدد الأمن السعودي، ويحاول السيطرة على مضيق باب المندب وامتداده حتى قناة السويس، واللذين تمر على امتدادهما التجارة الدولية، وهو ما يفسر أيضا بعض التفاصيل بشأن نجاح السعودية في ضم تحالف سريع والحصول على دعم دولي له.
وعن إمكانية وصول ونجاح وسطاء لعودة الحوار في اليمن، قال عيد إنه «لا يمكن الثقة بأي مفاوض، في ظل تمسك الحوثيين بخيار الحرب»، وإن ذلك الخيار هو أحد الخيارات التي تجعل خسائرهم قريبة دون انخراطهم في العمل الحقيقي المؤسساتي إن كانوا فعلا حريصين على وجودهم ضمن مكوناته. ورأى أن ذلك سيكلفهم سياسيا واجتماعيا خسائر كبرى لم يتوقعوا أن يحصدوها. وأضاف في ختام حديثه أن «التحالف العربي في اليمن شكل أساسا لتحالف راسخ بين الدول العربية واستعادة بعض القوة التي هزت أركان كثير من دوله، وأعطى تأكيدا على نجاح العمل العربي إذا ما ترافق مع رؤية استراتيجية شاملة».
ومن صفحة أخرى طوال الستة أشهر التي تتابع بالقوة العسكرية، احتضنت العاصمة السعودية الرياض خلال 17 و18 مايو (أيار) الماضي مؤتمرا للحوار اليمني تحت شعار «إنقاذ اليمن وبناء الدول الاتحادية»، بمشاركة أكثر من 300 شخصية يمنية من مختلف القوى والأحزاب، خلص إلى إعلان «وثيقة الرياض» برفض الانقلاب الحوثي، والعمل على استعادة الأسلحة المنهوبة، وبسط سلطة الدولة على كل الأراضي اليمنية، واستئناف العملية السياسية وبناء الدولة الاتحادية وفق بنود المبادرة الخليجية، والعمل على تجنب اليمن أن يكون مقرا لجماعات العنف أو يشكل تهديدا لدول الجوار.
كذلك إنقاذ اليمن عبر «دعم وتنظيم المقاومة الرسمية والشعبية تحت القيادة الشرعية في كل المناطق التي توجد فيها ميليشيات الانقلاب والتمرد»، والإسراع بإعادة المهجرين وتصحيح أوضاعهم و«تعويض المتضررين من جرائم الميليشيات في عموم مناطق اليمن وبالأخص محافظة صعدة وحرف سفيان تعويضا عادلا، والتعجيل بعودة الأمور في محافظة صعدة إلى ما كانت عليه قبل حرب 2004». فيما اتجهت قيادة التحالف لتعليق العمل العسكري أكثر من ثلاث مرات تلبية للهدنة الإنسانية، في ظل عدم التزام من قبل الميليشيا الحوثية. تضاف إلى ذلك مبادرات السعودية والإمارات وقطر والسودان في منبع الدعم الإنساني والإغاثي للشعب اليمني، عبر حملات وقوافل إغاثة بحرا وجوا وبرا.
ومع إعلان المؤشرات العسكرية تحقيق أهداف عدة على الأرض نحو تحقيق هدف قوات التحالف، تظهر بوادر الأمل مع تقدم القوات المشتركة في التحالف نحو تحرير صنعاء بعد نصر مأرب، وتفكك شعرة الربط بين الحوثي وصالح، واقتراب نهوض مشروع «سلمان التطويري لليمن» الذي أعلنه وزير الخارجية اليمني رياض ياسين وتدرسه الحكومة اليمنية مع دول الخليج.
180 يومًا على بدء مهمة تحالف إعادة الشرعية في اليمن
ما بين «الحزم» و«الأمل».. انكسارات الحوثي تتزايد ومرحلة إعادة الإعمار تقترب
180 يومًا على بدء مهمة تحالف إعادة الشرعية في اليمن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة