في حال قابلت نيكولا بو، مدير القسم العالمي للساعات بدار «شانيل» احذر أن ترتكب خطأ مكاشفته أنك تعتقد أن ساعة «بوي» (Boy) الجديدة يمكن أن تكون للجنسين، لأنه سيرد عليك بحزم أنها «ساعة نسائية بكل المقاييس.. فهي ليست تصميما رجاليا تم تصغيره ليناسب المرأة.. هذه النقطة مهمة جدا بالنسبة لنا وهذا ما راعيناه عندما فكرنا في طرح ساعة جديدة هذا الموسم».
يتابع مدافعا عن أنوثتها أن السوق متخمة بالساعات الرجالية في الوقت الحالي، بينما «شانيل»، ومنذ تأسيسها إلى اليوم، تحتفل بالأنوثة والجمال الراقي، وهو ما تقدره المرأة بإقبالها على كل ما تطرحه من أزياء وإكسسوارات وجواهر وساعات يد. «هذا لا يعني أن الرجل غير مهم بالنسبة لنا، لا تفهميني خطأ» يستطرد مدافعا «فنحن ندرك أنه مؤثر في صناعة الساعات عموما، لكن لكي نقنعه بأننا دار ساعات متخصصة، علينا أن نتسلح بعمر يقارب الـ150 عاما تقريبا، لأن هذا ما ترسخ في ذهنه، ومن دون ذلك يصعب إقناعه. صحيح أن لدينا زبائننا الأوفياء من الجنس الخشن، إلا أنهم نسبة قليلة مقارنة بالجنس الناعم، لهذا ليس غريبا أن نكثف جهودنا الإبداعية ونوجهها للمرأة، وإذا احتاج الأمر إلى جرعات ذكورية لكسب ودها، فلا بأس من ذلك على شرط أن تكون بجرعات محسوبة كما هو الحال في هذه الساعة».
والحقيقة أن «شانيل» سباقة في إعطاء الأولوية للمرأة مقارنة بغيرها من بيوت الجواهر والساعات التي كثفت لغتها النسائية في السنوات الأخيرة فقط، بعد أن كانت تركز على الرجل، لأنه كان يُقبل على الساعات أكثر منها في العقود الماضية.
أكبر دليل على هذا ساعاتها «بروميير» (PREMIERE) التي شغلت الكل في عام 1987 بتحطيمها المتعارف عليه. فقد كانت أول ساعة مفعمة بالأنوثة، بسوارها وعلبتها، حتى من دون أن تكون مرصعة بالماس. كان تصميمها يحاكي قارورة عطر N°5 وساحة فاندوم في الوقت ذاته، تطبعه نفحة عصريّة وكلاسيكية، بزواياه المصقولة وسوارها الأنيق. وكان من البديهي أن تلمس وترا حساسا بداخل المرأة التي لا تحتاج إلى الكثير من الإقناع أساسا لتقع في حب كل ما تقدمه لها الدار. ولحد الآن تعتبر ساعة «بروميير» واحدة من بين أنجح الساعات النسائية.
بيد أنها ليست الوحيدة التي تفخر بها «شانيل»، فهناك ساعتها «جي12» (J12 ) التي أطلقتها منذ أكثر من عقد ونصف، وخصت بها الرجل، حجما وشكلا ومواد وحققت بدورها النجاح. غير أن ما لم يتوقعه الكثيرون، بمن فيهم الدار نفسها، أن المرأة استخسرتها في الرجل وسرقتها منه بمجرد أن وقعت عليها عيناها، لتصبح ملكها هي أيضا.
طبعا، لم يكن من الممكن أن تتجاهل الدار هذا الغزو الكاسح، أو بالأحرى هذا الحب غير المشروط الذي يكنه لها الجنس اللطيف، فاستغلته أحسن استغلال. فليس هناك أدنى شك في أن سوقها الأول نسائي، لا يشكل فيه الرجل سوى نسبة قليلة، وهذا ما أكده نيكولا بو، في لقاء خاص بمقر «شانيل» الرئيسي بـ«بلاس فاندوم». يشرح لي وكأنه يذكرني، أن مؤسسة الدار امرأة، كان همها خدمة المرأة وتحريرها من قيود أساليب قديمة كبلها بها مصممون رجال. من هذا المنطلق فإن الساعة الجديدة، «Première BOY» موجهة للمرأة رغم ما يكسوها من لمسات ذكورية واضحة، تتجسد في الوظائف والحركات وشكل العلبة المستطيل، كما في استعمال جلد التماسيح. «فحتى هذا الجلد لا يخلو من مسحة أنثوية لأنه جاء ناعما ورقيقا من الجوانب، إضافة إلى أنه غير محاك بالطريقة التقليدية المتبعة في حياكة أسورة الساعات الرجالية». يقول هذا وهو يلتقط واحدة من بين مجموعة من الساعات التي كانت متراصة على طاولة أمامنا، وهو يتلمس زواياها ثم يشير إلى الميناء قائلا إن عدم وجود أرقام يجعلها مريحة للعين «كأنها تريد أن تقول لنا إن وظيفتها الأساسية ليست قراءة الوقت بقدر ما هي تحريك الرغبة فيها. فالساعات النسائية تُحركها العواطف أكثر من الحاجة إلى قراءة الوقت»، حسب تأكيده.
المتابع لمسيرة الدار منذ بداية القرن الماضي إلى اليوم، يعرف أن هذا ما تتقنه جيدا وبات يدخل ضمن جيناتنا الوراثية، أي تلك الأنوثة الكلاسيكية العصرية، التي تخفي بين ثناياها لمسات ذكورية خفيفة. فكوكو شانيل كانت أول مصممة تستعمل قماش الجيرسيه في تصاميمها، علما أنه كان قماشا يستعمل في الملابس الرجالية فحسب، وهي التي أخذت أيضا سترة التويد الرجالية وأنثتها على شكل جاكيت محتفظة بإيحاءاتها الرجالية حتى تزيدها سحرا وقوة. وهكذا أصبح الجاكيت المصنوع من التويد اليوم من أساسيات خزانة كل امرأة أنيقة.
من هذا المنطلق، ليس غريبا أن يلتقط قسم الساعات هذه النقطة ويركز عليها في «بروميير بوي» الجديدة، التي يُشير اسمها إلى ارتباط جيناتها بمجموعة «بروميير» التي أطلقتها الدار في عام 1987 رغم اختلافهما الظاهري. فبينما تتمتع «بروميير» بسوار يلتف على المعصم وكأنه قطعة جواهر، فإن ساعة «بوي» تتميز بحزام من الجلد يُعزز تلاعبها على مفهوم الأنوثة والذكورة.
كلما نظرت إليها، تشعر بأنه على الرغم من رفض نيكولا بو لفكرة أنها تتوجه إلى الرجل بتصميمها، وتأكيده بأن النية كانت غير ذلك تماما، يمكن أن تروق، وبسهولة، لزبون الأسواق الآسيوية. فحجمها متوسط وتصميمها كلاسيكي، ورغم أنوثتها وكونها تنتمي إلى سلالة «بروميير» إلا أنها تبدو أكثر نضجا وهدوءا. هذا النضج والتصميم الكلاسيكي المطعم بنفحة رجالية، بالنسبة لنيكولا بو، يمكن أن يغري الرجل لشرائها كهدية لامرأة عزيزة على نفسه، وليس بالضرورة له شخصيا، لأن المتعارف عليه أن المرأة تشتري ساعتها من منطلق عاطفي وخاص، على العكس من الرجل الذي يفكر بالعملية بطريقة منطقية.
مجرد فكرة أن يشتري الرجل هذه الساعة للمرأة تُعجب نيكولا بو. فأي شيء يشجع الرجل على دخول محلات «شانيل» مُرحب به حتى يتعرف على منتجاتها وعالمها عن قرب. فالرجل، لا يزال لحد الآن الحلقة الأضعف، ليس لأنه لا يقدر الدار بل لأنه يجهل الكثير عنها. فهو يعرف «شانيل» بالاسم، كدار أزياء فرنسية راقية، ولا يعرف، للأسف، الكثير عن جانبها الخاص بالساعات المعقدة، مثلا، وربما لا يخطر بباله أن تكون رائدة بإمكانها أن تنافس شركات عريقة من حيث وظائفها وتعقيداتها. هذا الحاجز القائم بين الرجل وبين الدار يتطلب استراتيجيات قوية لإغوائه وزيادة وعيه بها حسب نيكولا «علينا أن نكثف جهودنا لنشرح له تطورنا، حتى يفهم أننا بالفعل من صناع الساعات الجادين. وإذا تطلب الأمر إصدار ساعات رجالية بين الفينة والأخرى، فلم لا؟ فقد قمنا بذلك من خلال ساعة (J12 ) التي تتمتع بتعقيدات ووظائف مهمة. كل ما نحتاج بعض الوقت لربط التواصل معه، وإتقان لغة خاصة لمخاطبته وإقناعه. فمقولة الوقت من ذهب من الكليشيهات، لكنها صحيحة، لأني قرأت مؤخرا مقالا يفيد بأن عملية شراء ساعة يمكن أن تستغرق 5 سنوات من الرجل. طبعا هذا يستثني الطبقات الثرية، التي يمكنها شراء ساعة كل يوم، لكن حتى هذه الطبقة باتت متطلبة وتحتاج إلى الكثير لكي تقع في حب ساعة بعينها».
السبب برأيه لا يتعلق بالسعر وحده، بل أيضا بالتصميم والتعقيدات فضلا عن القصة التي تحكيها، ومدى عكسها للمكانة الاجتماعية. «فشراؤها يختلف عن شراء حقيبة مثلا.. فبينما يمكن تغيير هذه الأخيرة حسب المواسم، يجب أن ترافق ساعة يد صاحبها لسنوات، إن لم نقل العمر كله، لهذا تتطلب مواصفات معينة حسب أسلوب حياة صاحبها». ويستشهد بساعة خاصة بالغطس مثلا فهي يجب أن تتميز بمواصفات جد خاصة، بدءا من حجم مؤشرات الوقت إلى الضوء وتحمل الصدمات وغيرها. لهذا أعود وأقول إن مخاطبة الرجل تحتاج إلى لغة خاصة. ثم يضيف مبتسما «طبعا نعول على زوجاتهم وبناتهم بتعبيد الطريق لنا لأنهن يعرفننا جيدا».
عندما أشرت إلى أن المشكلة قد تكمن في أن البعض لا يزال يرى أن ساعات «شانيل» موضة أكثر منها ساعات متخصصة، لم ينتفض أو يعرب عن انزعاجه كما كنت أتوقع، بل حافظ على هدوئه، كما لو أنه كان يتوقع هذا السؤال، وأجاب: «منذ عشر سنوات، كان هذا السؤال يطرح أكثر من الآن، وآخر مرة سُئلت كانت في لقاء مع مجموعة من الزبونات السعوديات، قلن لي إن (شانيل) ليست دار ساعات متخصصة مثل (كارتييه). عندما شرحن لي وجهة نظرهن، تفاجأت وفهمت أن مسألة التخصص ترتبط في أذهانهن بالتاريخ، بمعنى المدة الزمنية. فتاريخ (كارتييه) يمتد لقرون مقارنة بنا. أنا لا أشك إطلاقا بأن تصاميم (كارتييه) وإصداراتها رائعة، إلا أن (شانيل) لا تقل عنها قوة وجمالا ولا ابتكارا، لهذا يبقى الفرق مسألة ذوق شخصي، والمهم أن تعشق المرأة الساعة التي تستعملها أيا كانت ماركتها».
عندما ينطق نيكولا بو كلمة ابتكار يركز عليها ببطء، وكأنه يذكرني بأن الابتكار عنصر مهم في الدار ويعتبر أحد مقوماتها وأعمدتها، ويستطرد قائلا: إن «ابتكار شيء بمعنى المطلق ومن الصفر سواء في مجال الساعات أو مجالات أخرى صعب للغاية فكل شيء ابتكر من قبل، لهذا ما نحرص عليه هو أخذ بعض العناصر أو الرموز الموجودة والبناء عليها بأسلوبنا، وهذا ما قمنا به في ساعة (جي12)، مثلا حين خففنا من اللون النحاسي، وقمنا باختبارات طويلة إلى أن توفقنا إلى اللون الذهبي المطلوب فيها. نفس الأمر يمكن أن يُقال عن ساعة (بروميير توربيون)، فتقنيتها كانت موجودة من قبل، لكننا أضفنا إليها رشة جمال وصبغة عاطفية وهذا مهم». الحديث مع نيكولا بو، ورغم نكهته الخاصة، لا يختلف عن الحديث مع غيره من المسؤولين في أقسام الدار الأخرى من إذ إنه متشبع بثقافة «شانيل» واستراتيجياتها بعيدة المدى. وهذا مفهوما بحكم أن الدار مثل شجرة باسقة ووارفة تحتضن كل أنواع الابتكار بلغتها الباريسية الأنيقة، ولا تتوقف عن التفرع والتفتح في كل موسم. بالنسبة لنيكولا، لا تقتصر علاقة الدار بالابتكار على المواد الجديدة أو التقنيات والتصاميم المبتكرة وحدها، بل كل هذه العناصر مجتمعة فضلا عن تفاصيل أخرى لا ينتبه إليها آخرون، وتركز عليها الدار لتحولها إلى سحر. والأهم من هذا حسب قول نيكولا بو «نحن لا نقلد أبدا، لكننا نتابع ما في السوق، فمثلا عندما أصدرنا ساعة (بروميير) لأول مرة، كانت هناك الكثير من الساعات النسائية من بيوت جواهر وشركات ساعات متخصصة، لكنها كانت مأخوذة من التصاميم الرجالية مع تصغير أحجامها فقط، بينما قمنا نحن بالتفكير بها من البداية إلى النهاية وبكل تفاصيلها كساعة نسائية محضة. كذلك الأمر بالنسبة لساعة (جي 12) فعندما قدمنا بالسيراميك باللونين الأبيض والأسود لم يكن الأمر مألوفا، بل واعتبر الأمر حينها ثوريا. بعدها رأينا الكل يتبعنا ويصنع ساعات من السيراميك أو باللون الأبيض».
والحقيقة أن هذا ليس غريبا على دار «شانيل» التي تُلهم الآخرين. فاستراتيجياتها التسويقية يُحتذى بها، وكل ما تطرحه يصبح توجها جديدا يتم تقليده من قبل مصممين آخرين. هذا لا يعني أن ما تطرحه موضة موسمية بل العكس تمام، وهنا يكمن نجاحها.
** الساعة
* يذكّر شكلها بتصميم ساعة PREMIERE الأيقوني كما يشيد بقارورة عطر N°5 وساحة فاندوم.
* قرص أوباليني مع زخرفة بنمط guilloche دقيقة، يبرزه شكل مستطيلي خال من الأرقام.
* تغلب على التصميم نفحة عصريّة وكلاسيكية في آن معًا مع زوايا مصقولة أو ملمّعة.
* علبة الساعة مقوّسة بأطراف مقطوعة بشكل مائل، ملمّعة ومصقولة، بالذهب البيج عيار 18 قيراطًا مع أو دون حبّات ألماس، أو بالذهب الأبيض عيار 18 قيراطا المرصّع بحبّات الألماس.
* تأتي بحجمين. حجم بقطر 37 x 28.60 مم مزوّد بحركة ميكانيكية يدويّة التدوير وعدّاد ثوان صغير عند مؤشّر الساعة 6 وحجم بقطر 34.60 x 26.70 مم مزوّد بحركة كوارتز ونافذة صغيرة لعرض التاريخ عند مؤشّر الساعة 6.
* حزام من جلد التمساح الشبه لمّاع مع مشبك أو إبزيم ثلاثي الطيات.