حسب وثائق وزارة الخارجية الأميركية، فقد اعترفت الولايات المتحدة بالمملكة العربية السعودية في عام 1931. وبعد عامين، وقعت الدولتان على اتفاق عن التمثيل الدبلوماسي والقنصلي. وفي عام 1940، تأسست أول علاقات دبلوماسية بوجود بعثة دبلوماسية دائمة وكاملة لدى كل من البلدين. وكان بيرت فيش أول دبلوماسي أميركي يمثل الولايات المتحدة. وفي عام 1942، توسعت البعثة الأميركية في جدة، وفي عام 1949 تأسست السفارة هناك. وبعد قرابة خمسين عاما، وفي عام 1984، أصبحت السفارة في جدة قنصلية، عندما نقلت السفارة إلى الرياض.
ومن وقت لآخر، تكشف دار الوثائق الأميركية في واشنطن معلومات عن العلاقات الخارجية الأميركية؛ ومنها العلاقة مع السعودية. وفي ما يلي مقتطفات من وثائق عن الملوك السعوديين؛ بداية بالملك المؤسس، تتناول أدوارهم في توثيق العلاقة مع الولايات المتحدة وتأكيد المواقف السعودية في القضايا الإقليمية:
الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود
في عام 1950، أرسل ريفز شايلدز، السفير الأميركي لدى السعودية، خطابا إلى وزارة الخارجية، جاء فيه التالي: «يتوقع جلالته (المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود) مساعدتنا في الحصول على خدمات فورية لإخصائي بارز لفحصه وعلاجه من التهاب المفاصل المزمن الذي يعاني من آلامه على نحو متزايد...».
وفي وقت لاحق، أرسلت وزارة الدفاع الأميركية اختصاصيين عسكريين، بالإضافة إلى فنيي أجهزة طبية.. ثم أضاف الرئيس هاري ترومان طبيبه الشخصي والاس غراهام ليكون رئيسا للوفد الطبي. وأبلغ وزير الخارجية، دين اتشيسون، السفير شايلدز بأن الرئيس ترومان يريد من الجنرال غراهام «رعاية صديقه العظيم والرائع»، لهذا، قرر أن يرأس طبيبه الخاص الفريق الطبي لوزارة الدفاع.
رد السفير شايلدز بأن الملك عبد العزيز «سيتأثر كثيرا» بمبادرة الرئيس ترومان وأن ذلك «سيساهم، بشكل كبير، في إقناعه بصدق مشاعرنا الودية نحوه».
وفي حضور الملك، قال الجنرال غراهام مبتسما إن الرئيس ترومان أرسله هو «هدية للملك». وضحك الملك، وقال: «أنت هدية ثمينة».
وأشاد غراهام بفريق الأطباء السعوديين الخاص بالملك ووصفهم بأنهم «رجال ممتازون»، وأن الفريق الأميركي يمكن أن يفيد أكثر، وذلك «بنقل أحدث التطورات في الأدوية وفي المعدات الطبية» إلى السعودية.
وقال غراهام: «كان الملك يعاني من تخلخل في عظام مفاصل الركبة»، واقترح على الملك السفر للولايات المتحدة لإجراء عملية جراحية، لكن، الملك لم يوافق.
وحسب الوثائق، تحسنت صحة الملك تدريجيا، وبدأ يتخلى عن الكرسي المتحرك، الذي «كان يستخدمه باستمرار»، وبدأ «التجول براحة، وبركبتين مستقيمتين تماما».
الملك سعود
في عهد الملك سعود، وقع العدوان البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر (1956)، حيث غزت الدول الثلاث مصر، ردا على تأميم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قناة السويس (كانت ملكا لشركة غربية). وبعد عام، زار الملك سعود الولايات المتحدة (أول ملك سعودي يزورها)، وقابل الرئيس دوايت آيزنهاور، وأثنى على دوره في معارضة العدوان الثلاثي، وفي الضغط على الدول الثلاث لتنسحب.
هذه مقتطفات من رسالة من آيزنهاور إلى الملك سعود توضح حرص الملك على الدفاع عن المصالح السعودية، والمصالح العربية:
البيت الأبيض
التاريخ: 12 - 9 - 1957
من: الرئيس
إلى: الملك سعود بن عبد العزيز
«..وصلتني رسالتان أرسلتموهما مؤخرا، وتحدثتم فيهما مثلما يجب أن يتحدث الصديق المخلص إلى صديقه المخلص.. بكل صراحة وإخلاص.. أنا أقدر الشروحات التي قدمتموها لأفكار وأحاسيس الشعب العربي، كما ترونها من وجهة نظركم. وأنا لا يمكنني إلا أن أحس بالقلق بسبب وجود، وزيادة، واستمرار هذه المفاهيم التي ذكرتموها عن الولايات المتحدة.. أود أن أقول إن هذه المفاهيم:
أولا: لا أساس لها من الصحة.
ثانيا: تعرقل رغبتنا القوية في تأييد استقلال وحرية شعوب المنطقة.
الحقيقة هي أن الولايات المتحدة لم ترفض طلب كل من مصر وسوريا لشراء أسلحة أميركية. لكن، أود أن أنقل لكم أن هاتين الدولتين رفضتا الالتزام بالقوانين الأميركية بشأن بيع وشراء الأسلحة. وهذه قوانين تعرفونها أنتم، وتقبلون بها (كان الملك سعود يريد إثناء مصر وسوريا عن شراء أسلحة من روسيا).
ذكرتم في خطابكم أن الشعوب العربية تخشى إسرائيل (بسبب نياتها العدوانية وترسانتها العسكرية). وأود أن أطمئنكم بأن الولايات المتحدة لن تسكت عن أي عدوان على أي دولة عربية من جانب إسرائيل. ويعرف جلالتكم أننا، في العام الماضي، تدخلنا لوقف العدوان على مصر (عدوان بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل). ونحن مستعدون لوقف أي عدوان مماثل في المستقبل..».
الملك فيصل
في عهد الملك فيصل، وقعت حرب يونيو (حزيران) عام 1967، ثم حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973. في هذه الأخيرة، هاجمت مصر وسوريا إسرائيل لاسترجاع أراضيهما المحتلة، وتضامنت الدول العربية، وأوقفت إرسال النفط إلى أميركا وأوروبا (سنة 1973). ووقعت مصر وسوريا في جانب، وإسرائيل في الجانب الآخر، اتفاقات فك الاشتباك، ثم استأنفت الدول العربية إرسال النفط (سنة 1974)، ووقع على اتفاق التعاون الاستراتيجي بين السعودية وأميركا (سنة 1974).
في ذلك الوقت، أكد الملك فيصل، وكرر، في خطاباته إلى الرئيس نيكسون، وفي اجتماعه مع وزير خارجيته، هنري كيسنجر، الموقف السعودي بوجوب انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب سنة 1967. وربط الملك فيصل بين ذلك واستئناف إرسال النفط، وربط بين ذلك وانسحاب إسرائيل من الأراضي الإضافية التي احتلتها في حرب أكتوبر (مفاوضات فك الاشتباك).
هذا جزء من نقاش مع كيسنجر (كما كشفت عنه وثائق أميركية):
الملك فيصل: «لا بد من انسحاب إسرائيل إلى حدود سنة 1967، وعودة الفلسطينيين إلى ديارهم.. نحن لا نفهم لماذا تربطون مصلحة أميركا بمصلحة إسرائيل؟ كان اليهود يعيشون في سلام بيننا، وكنا نسميهم (اليهود العرب).. كيف يدين مواطن في دولة (أميركا) بالولاء لدولة أخرى (إسرائيل)؟».
كيسنجر: «نعم، يجب أن نضغط على إسرائيل، ولكن كيف؟ تؤثر جماعات داخلية معينة (اليهود وأصدقاء إسرائيل) على سياستنا الخارجية. كنتم جلالتكم على حق عندما تنبأتم بانفجار في المنطقة (حرب أكتوبر)».
الملك خالد
حسب الوثائق الأميركية، سار المغفور له الملك خالد على خطى أخيه المغفور له الملك فيصل. واستمر يثير موضوع إسرائيل.
في عام 1975، نشرت أخبار عن تهديدات أميركية، على لسان وزير الدفاع، جيمس شلسنغر، باحتلال آبار النفط السعودية، وذلك على ضوء زيادة أسعار النفط، واستمرار التوتر في المنطقة بعد حرب عام 1973. وهذا جزء من خطاب من كيسنجر إلى السفير الأميركي لدى السعودية:
التاريخ: 23 - 5 - 1975
من: الوزير كيسنجر
إلى: السفير - جدة
الموضوع: تصريحات شلسنغر:
«يجب أن تنقل، شفهيا، إلى الملك خالد والأمير فهد، التالي عن تصريحات شلسنغر، وزير الدفاع، وردود الفعل السعودية. ويجب أن تؤكد لهما أن الرسالة مني أنا شخصيا. ويجب أن يكون ذلك في أسرع فرصة ممكنة:
أولا: في الحال وفي أهمية بالغة، نقل لي نائبي روبنسون تعليق جلالة الملك وولي العهد على تصريحات وزير الدفاع شلسنغر إلى مجلة أميركية حول استعمال القوة لضمان تدفق النفط.
ثانيا: في الماضي، نوقش هذا الموضوع في الولايات المتحدة. وأنا آسف لأن النقاش عنه عاد مرة أخرى.
ثالثا: ليست سياستنا هي أن نهدد أصدقاءنا العرب، ولكن أن نتعاون معهم، رغم وجود خلافات.
رابعا: نتوقع أن تكون هذه هي، أيضا، سياسات أصدقائنا العرب نحونا. ونتوقع ألا يريدوا اتخاذ خطوات ضدنا.
خامسا: عندما كنت في السعودية، قلت، يوم 19 - 3: (أؤكد أن علاقتنا مع السعودية تعتمد على الصداقة والتعاون، لا على التهديدات والعمليات العسكرية).
سادسا: سأستغل أي فرصة مناسبة قادمة لتأكيد هذه السياسة.
سابعا: أرجو إبلاغ ولي العهد الأمير فهد التالي، ردا على رسالة سابقة منكم عن قوله لكم بأن طائرات إسرائيلية خرقت الفضاء السعودي، وبأن مسؤولين إسرائيليين هددوا بغزو السعودية:
- نقلنا الموضوع إلى الإسرائيليين، لكننا لم نتسلم منهم ردا حتى الآن.
- لا نملك أي معلومات بأن إسرائيل تنوي غزو السعودية.
- إذا علمنا بأنها فكرت في غزو من دون تحرش، فسنوضح لهم توضيحا كاملا أن ذلك ستكون له نتائج هامة.
- تأييدنا للسعودية لن يقل، وهو أقوى من أي وقت مضى..».
الملك فهد
التاريخ: 20 - 8 – 1975.
من: القائم بالأعمال – جدة.
إلى: وزير الخارجية.
الموضوع: رد على رسالتكم.
«صباح اليوم، نقلت رسالتكم إلى الملك خالد بأن سلمتها إلى ولي العهد الأمير فهد..
كان مقررا أن أقابل الأمير ظهر أمس 19 - 8، بعد يوم من تسلم رسالتكم، لكنه كان صائما، وكان ودع الرئيس السوداني نميري في المطار. ولهذا أجل الاجتماع حتى صباح اليوم..
قال الأمير إنه سيسلم الرسالة إلى الملك، وإن الملك وهو يرحبان بزيارتكم..
وعن مواضيع البحث، قال الأمير إن جهود السعودية خلال السنة الماضية ساعدت على، وأثبتت، إمكانية ظهور سياسات معتدلة وسط الدول العربية. وإن الملك، خلال الأسابيع القليلة الماضية، أجرى اتصالات مع قادة كل من: السودان، ومصر، وسوريا، ودول عربية أخرى، بهدف دعم سياسات الاعتدال والاستقرار التي صارت واضحة أكثر من أي وقت خلال السنوات القليلة الماضية..
وقال الأمير إن السعودية، لهذا، تحرص على نجاح جولتكم، لأن عدم نجاحها سيخلق مشكلات لقادة مصر، وسوريا، والسعودية، وسيسعد الشيوعيين والمتطرفين، مثل الرئيس الليبي القذافي. وعنه قال الأمير: (ليس سهلا أن تعرف إذا كان في اليمين أو في اليسار، إلى أعلى أو إلى أسفل).
وكرر الأمير أهمية تحقيق اتفاقية بين سوريا وإسرائيل في نفس وقت تحقيق اتفاقية بين مصر وإسرائيل:
أولا: حتى لا تحس سوريا أنها أهملت.
ثانيا: حتى لا تنفرد مصر بسلام مع إسرائيل، وتنفض يديها من الموضوع، وتوافق على التعايش السلمي مع إسرائيل..
وعن العلاقات بين بلدينا، أشار الأمير إلى رغبة السعوديين في شراء مزيد من الأسلحة منا، وتدريب عسكريين سعوديين عليها، وأن السعودية لا تريد الاعتداء على أي دولة، لكنها تريد أن تحمي نفسها. وأن دولا أوروبية كثيرة عرضت بيع أسلحة للسعوديين، لكنهم يفضلون استمرار شراء أسلحة منا..».
الملك عبد الله
لم تكشف دار الوثائق الأميركية وثائق عن السياسة الخارجية الأميركية بعد عام 1975.
ربما أهم لقاء بين الملك (كان حينها ولي العهد) عبد الله ورئيس أميركي، كان في «قمة كروفورد» (مزرعة الرئيس جورج بوش الابن في ولاية تكساس) في بداية عام 2002، ذلك لأنه كان أول لقاء بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية.
هذه مقتطفات من خبر عن «قمة كروفورد» نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» تحت عنوان: «أمير سعودي يطلب من بوش - في جرأة - أن يقلل تأييده لإسرائيل»:
«قال ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بجرأة للرئيس بوش إن الولايات المتحدة يجب أن تخفف دعمها لإسرائيل، أو تواجه عواقب وخيمة في جميع أنحاء العالم العربي.
وفي لقاء استمر ساعتين مع الرئيس بوش، قال ولي العهد إنه إذا لم تفعل الولايات المتحدة المزيد لوقف الحملة العسكرية التي يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون ضد الفلسطينيين، فستفقد الولايات المتحدة مزيدا من المصداقية في الشرق الأوسط، وستخلق مزيدا من عدم الاستقرار في المنطقة..
وقال عادل الجبير، مستشار السياسة الخارجية لولي العهد (وزير الخارجية الحالي)، بعد اجتماع ولي العهد والرئيس: (لا يخدم هذا (العمليات الإسرائيلية) مصالح أميركا، ولا يخدم مصالح السعودية).
وأكد الجبير أن ولي العهد لا يهدد بأي شكل من الأشكال بتغيير سياساته النفطية تجاه الولايات المتحدة..
في وقت متأخر بعد ظهر هذا اليوم، قال الرئيس بوش للصحافيين إن محادثاته مع الأمير أسست (روابط شخصية قوية) و(عززت الصداقة بين الولايات المتحدة والسعودية).
وفي يوم الأربعاء، التقى ولي العهد مع نائب الرئيس ديك تشيني في هيوستن. وكان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، والجنرال ريتشارد مايرز رئيس هيئة الأركان المشتركة، وصلا أيضا إلى هيوستن للمشاركة في المناقشات قبل اجتماع الأمير مع الرئيس بوش. وقال مسؤول كبير في واشنطن إن رامسفيلد ومايرز جاءا بهدف إطلاع ولي العهد شخصيا على الإنجازات الأميركية في أفغانستان وفي الحرب الشاملة على الإرهاب..».
الملك سلمان
في الشهر الماضي، اجتمع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في الدوحة، «لمناقشة التقدم الذي تحقق، ولرسم الخطوات المقبلة في الشراكة الاستراتيجية بين دول المجلس والولايات المتحدة» التي كانت نوقشت في قمة كامب ديفيد في شهر مايو (أيار) الماضي.
وجاء في البيان الختامي: «التأكيد على الموقف الذي أعرب عنه في كامب ديفيد بأن أي اتفاق قابل للتحقق، وشامل، ويعالج تماما المخاوف الإقليمية والدولية بشأن البرنامج النووي الإيراني، هو في مصلحة أمن دول مجلس التعاون الخليجي، ومصلحة الولايات المتحدة، ومصلحة المجتمع الدولي».
واتفق الوزراء على أن «تنفيذه (الاتفاق النووي) بالكامل، يساهم في إرساء قواعد الأمن على المدى الطويل في المنطقة، بما في ذلك منع إيران من تطوير، أو الحصول على، قدرة نووية عسكرية».
ودعا الوزراء إيران إلى «الوفاء التام بالتزاماتها بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة».
وأخيرا، على ضوء هذا اللقاء الأخير على المستوى الوزاري، تأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للولايات المتحدة.