أكدت الخارجية المصرية لـ«الشرق الأوسط» أمس «ثبات» الموقف المصري الداعم لطلب إخضاع المنشآت النووية الإسرائيلية للتفتيش، رغم ما سعت تل أبيب لـ«تسريبه» أمس عن مناشدتها للجانب المصري من أجل وقف هذا التوجه خلال المؤتمر السنوي لوكالة الطاقة الذرية في العاصمة النمساوية فيينا، الذي سيعقد بعد نحو أسبوعين، وسط تأكيدات لدبلوماسيين ومراقبين أن هذا الطلب سيكتسب «قوة كبيرة» هذا العام تحديدا نتيجة لعدة اعتبارات ترتبط بالتطورات الدولية الأخيرة.
وشددت مصادر دبلوماسية مصرية رسمية على ثبات موقف القاهرة في هذا الصدد، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا موضوع خارج النقاش أو التفاوض، لأن المسألة تتعلق بمستقبل المنطقة كلها وليس آراء شخصية أو فردية، وإسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمارس أنشطة نووية مبهمة خارج إطار أي رقابة دولية، خاصة بعد تفعيل الاتفاق النووي من قبل مجموعة 5+1 مع إيران، وهو ما يدفع المجموعة العربية إلى التشبث بمطالبها».
وعلق الناطق الرسمي باسم الخارجية المصرية المستشار أحمد أبو زيد لـ«الشرق الأوسط» قائلا إن «هناك مشروعات مصرية تطرح في الوكالة الدولية للطاقة الذرية كل عام في المؤتمر السنوي للوكالة، من بينها هذا الملف. ولا يوجد جديد في موقفنا المعروف بصدده»، مؤكدا أن «المشروعات التي تطرحها مصر والمجموعة العربية في الوكالة هي قرارات تصدر بشكل دوري، ويتم التشاور فيها ما بين الدول العربية قبل أن يتم طرحها».
وكانت تقارير إسرائيلية أمس أشارت إلى أن تل أبيب طالبت القاهرة بالكف عن مساعيها لدعم وإعداد مشروع قرار فرض رقابة دولية على منشآتها النووية أمام المؤتمر السنوي للوكالة الدولية. ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، عمن سمتهم «المصادر الإسرائيلية رفيعة المستوى»، قولها إن وفدا إسرائيليا برئاسة إسحاق مولخو، مبعوث رئيس الحكومة، نقل هذه الرسالة خلال زيارته للقاهرة ولقائه بوزير الخارجية المصري سامح شكري قبل ثلاثة أسابيع.
وأشارت الصحيفة إلى أن المساعي المصرية، التي تقوم بها القاهرة منذ سنوات، تسببت في الشهور الأخيرة في «توتر في العلاقات بين البلدين»، ونقلت عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن «إسرائيل تشعر بالإحباط»، و«تتوقع أن تغير مصر سياستها في هذا الشأن، نتيجة التعاون الأمني والاستخباراتي الوثيق بين البلدين خلال الفترة الأخيرة».
وكانت مصر سعت إلى تقديم مشروع قرار في مؤتمر لحظر الانتشار النووي في الأمم المتحدة في نيويورك الذي عقد في مايو (أيار) الماضي، وطالبت بعقد مؤتمر لنزع الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وتقول المصادر الإسرائيلية إن «المساعي المصرية أُحبطت نتيجة الجهود الإسرائيلية والبريطانية والأميركية المشتركة».
في المقابل أكد مسؤولون كبار في الحكومة الإسرائيلية غضب رئيسها، بنيامين نتنياهو، على القيادة المصرية، وكشفوا أنها توجهت إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، طالبة منه التوقف عن محاولة دفع مشروع القرار الذي يدعو وكالة الطاقة النووية الدولية إلى فرض الرقابة على المنشآت النووية الإسرائيلية. ويأتي التوجه الإسرائيلي قبل أسبوعين من اجتماع الوكالة الدولية في فيينا، التي يفترض أنها ستبحث في الطلب المصري المدعوم من الدول العربية والكثير من دول العالم.
وقالت المصادر التي طلبت التكتم على هويتها، لكنها عممت موقفها على وسائل الإعلام، إن إسرائيل حولت هذه الرسالة إلى مصر بشكل مباشر، حيث قام وفد رفيع من مكتب نتنياهو، يضم المبعوث الخاص لرئيس الحكومة الإسرائيلية، المحامي يتسحاق مولخو، ومستشار الأمن القومي في ديوان رئيس الحكومة، المرشح لرئاسة «الموساد»، بزيارة إلى القاهرة لهذا الغرض قبل ثلاثة أسابيع. وقد التقى كوهين ومولخو مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، ومسؤولين آخرين في الحكومة المصرية وناقشا معهم هذه المسألة.
المعروف أن الخارجية المصرية تدير هذه الخطوات ضد المشروع النووي الإسرائيلي منذ سنوات، في عهد الرئيس حسني مبارك، وذلك كجزء من سياسة مصر لمكافحة المشروع النووي الإسرائيلي. وحسب المصادر الإسرائيلية، فقد أدت الخطوات المصرية أخيرا إلى ظهور توتر بين إسرائيل ومصر.
وحول ما تسعى تل أبيب لترويجه من تواصلها مع الجانب المصري من أجل التراجع، يقول السفير الدكتور السيد أمين شلبي، المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية، إن «هذه سذاجة من الجانب الإسرائيلي أن يطلب من مصر هذا الأمر، وهو يدرك أنه مطلب أساسي لمصر والمنطقة لتفادي الكوارث المحتملة من تهديدات نووية، وبشكل أساسي من البرنامج النووي الإسرائيلي المؤكد الذي تمتلك فيه تل أبيب ما بين 200 إلى 400 رأس نووي».
ورغم تأكيد الدبلوماسية المصرية أن هذا الملف يطرح بصورة دورية، فإن طرح الملف في هذا التوقيت من الإعلام الإسرائيلي، خاصة مع علم تل أبيب اليقيني بعدم تراجع مصر في هذا الملف، دفع بعض الدبلوماسيين والمراقبين إلى القول لـ«الشرق الأوسط» إنه قد يأتي في محاولة من تل أبيب لتشتيت الرأي العام الإسرائيلي الداخلي عن الهزة التي أصابت أسواق المال هناك بعد ساعات من الإعلان المصري الإيطالي عن أكبر كشف للغاز في منطقة البحر المتوسط، وهو الكشف الذي يصيب الأوساط السياسية بدورها بارتباك نتيجة تأثيره الكبير على خطط اقتصادية طموحة للجانب الإسرائيلي. ورفض المستشار أبو زيد، الناطق الرسمي للخارجية المصرية، التعليق على تحليلات الهدف الإسرائيلي من إثارة هذه النقطة في هذا التوقيت.
فيما رأى السفير أمين شلبي، أن هناك تخوفا حقيقيا هذا العام من الجانب الإسرائيلي من طرح الملف، خاصة بعد تفعيل اتفاق مجموعة 5+1 مع إيران. وقال: «بالتأكيد.. التوصل إلى اتفاق (مع إيران) من المفترض أن يفضي إلى فتح السبيل إلى إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، حيث لا يبقى في الواقع إلا إسرائيل كدولة تمتلك بشكل مؤكد أسلحة نووية». متابعًا: «نحن دعونا وخاطبنا الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهو يدافع عن الاتفاق النووي مع إيران ويعتبر أنه يضمن أمن المنطقة، فقلنا إن أمن المنطقة لن يضمن بشكل كامل إلا أن يكون الوضع الأمني شاملا في المنطقة، بما فيها السلاح النووي الإسرائيلي». ويشير المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية إلى أن الطلب المصري والعربي «يكتسب أهمية خاصة في هذا العام». كما يؤكد الدكتور شلبي أن «إسرائيل تدرك تماما أن هذا اهتمام رئيسي لمصر منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، حينما تقدمت مصر بمبادرة إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل. ومصر منذ هذا الحين لا تكف عن إثارة هذا الموضوع في المنتديات والمحافل الدولية، وآخر تلك التجارب كانت في المؤتمر الأخير الذي عقد في نيويورك في أبريل (نيسان) الماضي لمؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي. وتقدمت مصر والمجموعة العربية بمشروع إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، لكن للأسف الشديد أحبطت أميركا المشروع المصري العربي وقبلها أحبطت المؤتمر الذي دعت إليه الأمم المتحدة في هلسنكي عام 2012 لإخلاء المنطقة من تلك الأسلحة».