كان جورج كليمنصو، رئيس الوزراء الفرنسي في أوائل القرن الماضي، يقول عن الرسام الانطباعي الكبير كلود مونيه: «ليس مهمًا كيف كان ينسق حديقته، بل من المؤكد أنه كان يفعل ذلك بحسب ما توحيه له عيناه بالتتابع، حسب أنوار كل يوم، وإشباعًا لشهيته الكبيرة للألوان». وانطلاقًا من هذه النظرة، يمكن فهم المعرض الذي نظمه متحف الانطباعية في بلدة «جيفرني»، بالقرب من البيت الواقع في مقاطعة نورماندي والذي عاش فيه الرسام المولود أواسط القرن التاسع عشر والمتوفى سنة 1926.
لم تكن حديقة مونيه واقعية تمامًا مثل غيرها من الحدائق، بل ثمرة مخيلته المبدعة. وكذلك هي صور هذا المعرض التي تفتقت عنها مخيلة 5 فوتوغرافيين من ذوي الشهرة العالمية، هم إلغر إيسر، وستيفن شور، وبرنار بلوسو، ودارين آلموند، وهنري فوكو. وبهذا فإن المعرض جاء بمثابة حقل للتنافس الفني والإبداعي لتجسيد إرث فنان كان يشتغل بضربات الريشة والألوان الزيتية، لا بالكاميرا. وقد أُتيحت الفرصة لهؤلاء المصورين أن يلتقطوا، قبل سنوات قلائل، مناظر لحديقة مونيه، ذلك المكان ذي الخصوصية الفريدة. ثم جاءت الفكرة بتجميع عدد من لقطاتهم في معرض يستضيفه المتحف الفرنسي المخصص لفناني المدرسة الانطباعية في الرسم.
وبحسب جان فوشيه ناس، المشرفة على المعرض، فإن كلا من المشاركين في المعرض حافظ على لغته الفنية الخاصة دون الوقوع في فخ تقليد أو نقل المناظر التي تشبه ما رسمه الانطباعيون وتركوه في لوحاتهم. فالصور ليست «انطباعية»، بل تحتفظ بلمسات متنوعة وحديثة. وهي لا ترمي إلى أن تكون لقطات جميلة أو تزيينية، بل استفاد أصحابها من تصوير الحديقة باعتبارها ميدانا يسمح بأعمال تجريبية مفتوحة على ما تأمر به المخيلة وثقافة كل واحد من المصورين وأسلوبه الخاص به. فالمصور برنار بلوسو، مثلا، أنجز صورة للحديقة في فصل الشتاء وعرى النباتات من أوراقها. وليست في الصورة زهرة ملونة واحدة، وهو يقول إن ذلك هو ما كان يسعى إليه، أي تصوير المكان بطبيعته الخام، من دون تألقاته اللونية. ويمكن لمن يشاهد الصورة أن يرى ممرات الحديقة العارية وأوراق النبات الميتة المكنوسة جانبًا، وزهرة متيبسة قاومت الريح والبرد.
المصور ستيفن شور كان قد اكتشف حديقة مونيه في فترة مبكرة تعود لعام 1977. ثم عاد لزيارتها في الثمانينات، بطلب من القائمين على متحف «متروبوليتان» في نيويورك، حين كانوا يستعدون لإقامة معرض للوحات كلود مونيه التي أنجزها في بيته في «جيفرني»، وأرادوا إعطاء فكرة عن الأجواء الحقيقية التي نقلها الرسام في لوحاته. لذلك فإن صور شور تحاول استعادة أجواء القرن التاسع عشر. أما المصور إلغر إيسر فقد أنجز مجموعتين من الصور، التي عرضت تحت عنوان «ساعة متأخرة في جيفرني»، وكما يدل العنوان فإنها تعكس أجواء المساء وغموضه، لا سيما أنه لم يستخدم «الفلاش» أثناء التصوير بل بعدسة ثابتة مفتوحة لبضع دقائق، للحصول على لقطات ذات لمسات شاعرية في أنوارها القاتمة. كما حاول أن يتخلص من هيمنة مونيه وسعى لتسجيل غيابه عن المكان.
وباستثناء بضع لقطات ليلية تعتمد على سطوع نور القمر، فإن المصور الإنجليزي دارين آلموند عرض تصاوير تسجل لحظات الفجر، قبل شروق الشمس على الحديقة. أما هنري فوكو فقد أمعن في التوقف عند تفاصيل الحديقة ونباتاتها وأغصانها وأوراق أشجارها وأزهارها، مستفيدًا من التقنيات الخطية التي تتيحها الكاميرات الحديثة، ومشتغلاً على أشكال هندسية بالأسود والأبيض. كما قدم صورًا ذات مساحات كبيرة مؤلفة من عدة لوحات مصورة، تقف في منتصف الطريق بين التصوير والنحت. ولم يتورع عن استخدام قطع من الكريستال لإضفاء مزيد من الألق على الصور التي تعكس لوحات الطحالب الطافية على انعكاسات مياه الحديقة والتي اشتهر بها مونيه.
يستمر المعرض حتى الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
حديقة الرسام الفرنسي مونيه بعيون 5 مصورين
معرض في متحف الانطباعيين قرب البيت الذي عاش فيه
حديقة الرسام الفرنسي مونيه بعيون 5 مصورين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة