5 تحفظات فرنسية على الاتفاق النووي مع إيران

باريس تقول إنها «وفت» بما وعدت به وحصلت على اتفاق «صلب»

5 تحفظات فرنسية على الاتفاق النووي مع إيران
TT

5 تحفظات فرنسية على الاتفاق النووي مع إيران

5 تحفظات فرنسية على الاتفاق النووي مع إيران

منذ الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسية إلى طهران بداية الأسبوع الماضي، طغت الاهتمامات الاقتصادية والتجارية على تغطية الإعلام الفرنسي لتبعات الاتفاق النووي مع إيران المبرم في 14 يوليو (تموز) الماضي. والسؤال المطروح اليوم في باريس يتناول بالدرجة الأولى الموقع الذي ستحتله الشركات الفرنسية في الأشهر المقبلة في السوق الإيرانية وسرعة التطبيع الحالي بين العاصمتين، علما بأن الرئيس هولاند قد دعا رسميا نظيره الإيراني حسن روحاني للمجيء إلى باريس في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وتعكس الدعوة وهي الأولى من نوعها للرئيس الإيراني من دولة غربية كبرى، رغبة فرنسية في الإسراع في عملية التطبيع. ولا شك أن هولاند، كما تقول مصادر الإليزيه، سيلتقي روحاني في نيويورك الشهر المقبل، على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة بحيث يكون اللقاء الثالث بين المسؤولين.
لا تنحصر توقعات باريس بالعقود والشراكات وحدها، بل إنها تأمل بأن طهران ما بعد الاتفاق ستساهم إيجابيا بالعثور على حلول لأزمات المنطقة الشرق الأوسطية أكان ذلك في سوريا والعراق ولبنان أو بخصوص اليمن وأمن الخليج بشكل عام. لكن القراءة الفرنسية الرسمية، كما عبر عنها الوزير فابيوس عقب عودته من طهران، لا تبشر بتغير «سريع». قال فابيوس: «البعض يرى أن الاتفاق «النووي» سيحمل الإيرانيين على تعديل سياستهم الإقليمية بالكامل. أما أنا، فإنني أكثر حذرا ولست واثقا بأن يحصل تغيير في الوقت الحاضر». وربط الوزير الفرنسي بين التغيير المنتظر وبين «نهوض الاقتصاد الإيراني» الذي «قد يحملهم مستقبلا على التطور».
ترى الأوساط الفرنسية في ممانعة إيران «حتى الآن» في إظهار أي ليونة ملموسة إزاء البؤر المشتعلة في المنطقة «أولى الخيبات» رغم تصريحات الرئيس روحاني أول من أمس، حيث اعتبر أن الاتفاق سيفتح الباب لمناخ جديد يساعد على حلحلة الأزمات. وتتخوف الأوساط المشار إليها من أن تكون طهران قد اعتبرت أن قبولها الاتفاق النووي وما يفرضه من قيود على برنامجها يعني أنها «أدت واجبها وانتهى الأمر عند هذا الحد لتستمر في سياساتها السابقة». وما يزيد من مخاوفها خطاب المرشد الأعلى علي خامنئي، يوم عيد الفطر ومباشرة عقب التوقيع على الاتفاق، حيث أكد استمرار إيران بدعم حلفائها في لبنان وسوريا واليمن وتأكيده أن التوقيع على الاتفاق «لن يغير السياسة المبدئية» لإيران. وجاء هذا التحذير القاطع ليبرد حماسة الكثيرين الذين رأوا وبشروا بأن إيران ما بعد الاتفاق ستكون غير إيران ما قبله.
لا تتوقف التساؤلات عند تبعات الاتفاق الإقليمية وحدها، بل إنها تتناول صلبه وقدرته حقيقة على لجم الاندفاع الإيراني نحو السلاح النووي ومنع طهران من الحصول عليه في الأمد البعيد. ورغم أن باريس، باعتراف الجميع، كانت الأكثر تصلبًا من بين مجموعة خمسة زائد واحد خلال جولات المفاوضان وأنها نجحت في جعله «أكثر صلابة» بحسب التعبير المفضل لفابيوس، إلا أن ذلك لم يمنع بروز علامات استفهام وتحفظات عليه وأهمها خمسة.
تقول أوساط إعلامية وبحثية فرنسية إن التحفظ الأول يتضمنه السؤال التالي: ما الذي سيحصل لبرنامج إيران النووي بعد عشر سنوات وهي مدة فرض الرقابة المنصوص عليها في الاتفاق، خصوصا أن إيران ستحفظ بقدرتها على التخصيب المخفض وبالقيام بالدراسات والبحوث النووية على الطاردات الجديدة؟ وبكلام آخر، فإن الموضوع النووي الإيراني سيعود إلى المربع الأول، لو افترضنا جدلا أن طهران ستقوم بالتنفيذ الحرفي لبنود الاتفاق، بعد عشر سنوات وبذلك يكون الاتفاق قد «أجل» المشكلة لكنه لن يحلها.
بالطبع، الجواب الرسمي الفرنسي على ذلك هو أن القيود الموضوعة على إيران ستمنعها من تطوير قدراتها النووية وأن قبولها عمليات التفتيش الدقيقة يشكل الضمانة لذلك. فضلاً عن ذلك، يرد فابيوس على من ينتقد الاتفاق أو يطرح بشأنه أسئلة بأن الفترة التي كانت تحتاجها طهران للوصول إلى الحافة النووية لما يسمى بالإنجليزية «Break out» كانت تقدر بشهرين وهي الآن أصبحت، بفضل الاتفاق، تزيد على 12 شهرا وذلك لفترة عشر سنوات. ثم إن القيود على البرنامج الإيراني تختلف باختلاف القطاعات المعنية في الدورة النووية إذ تصل بصدد بعضها إلى عشرين سنة. والموقف الرسمي الفرنسي أن النجاح في العودة الآلية إلى العقوبات في حال أخلت طهران بالتزاماتها يعد أيضًا إنجازا مهمًا لم تكن طهران قابلة لمبدئه.
بالإضافة إلى التحفظ الأول، تتساءل الأوساط الفرنسية عن آليات الرقابة التي من شأنها التأكد من أن إيران لا تمتلك برنامجًا نوويًا موازيًا وأنها تطبق بنود الاتفاق بحذافيرها. وتقول هذه الأوساط إن طهران نجحت في إخفاء برنامجها وبحوثها ومواقعها النووية لعدة سنوات. وأبرز مثال على ذلك موقع ناطانز الذي لم يكشف عن وجوده إلا بفضل المعلومات التي نقلتها جماعة «مجاهدين خلق» من داخل إيران. فضلاً عن ذلك، لا تبدي الأوساط الفرنسية ارتياحًا كافيًا لآلية تفتيش المواقع والترخيص المعطى للوكالة الدولية للطاقة النووية لزيارة المواقع العسكرية ذات الصلة بالبرنامج النووي لأنها تتطلب مهلاً بعضها يمكن أن يكون طويلاً ما من شأنه أن يسمح لإيران بأن تخفي نشاطاتها النووية أو تنقلها إلى مواقع أخرى.
يبدو العنصر الإنساني التحفظ الثالث أحد مصادر التخوف الغربي من الاتفاق إذ ثمة إجماع على أن إيران تمتلك العنصر البشري الكافي والمعرفة التكنولوجية الضرورية لاجتياز الحافة النووية عندما ترغب بذلك. والحال، تقول الأوساط الفرنسية، إن الاتفاق لا يأتي على ذلك أبدًا لا، بل إن المفاوضين الإيرانيين عارضوا بشدة تسهيل وصول المفتشين الدوليين إليهم. وفي أي حال، تبدو الأسرة الدولية عديمة الوسائل للتعامل مع هذا الموضوع.
إذا كان المفاوضون الغربيون والجانب الفرنسي بالدرجة الأولى قد اعتبروا إقرار العمل بمبدأ إعادة فرض العقوبات «مبدأ Snap Back» في حال لم تلتزم إيران تعهداتها، إلا أن تساؤلات كثيرة تثار حول الآلية المعقدة والحاجة إلى المرور بمجلس الأمن الدولي والمهل الزمنية الطويلة التي تنص عليها «65 يومًا» والتي يراها البعض كافية للجانب الإيراني من أجل تسريع برنامجه النووي والالتفاف على الاتفاق.
أما التحفظ الخامس فيتناول ما ستفعله بإيران بعشرات المليارات «يجري الحديث على 150 مليار دولار من أموال إيران المجمدة في المصارف الغربية والآسيوية بسبب العقوبات»، عندما ستبدأ باستعادتها. والسؤال المطروح هو: هل ستعمد طهران إلى الاستثمار في اقتصادها المنهار ورفع مستوى العيش للإيرانيين أم أنها ستستخدمها كما استخدمت قبلها عشرات المليارات لتدعيم سياسات إقليمية يرى الكثير من الأطراف أنها سخرت لإثارة الصعوبات وخلق البلبلة والمساعدة على زيادة النفوذ الإيراني والتدخل في شؤون البلدان المجاورة؟
تساؤلات وتحفظات تثار من هنا وهناك، لكن لا إجابات قاطعة بشأنها طالما لم يبدأ العمل بالاتفاق الذي لن يصبح أمرًا واقعًا إلا مع بداية السنة المقبلة.



تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
TT

تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)

أشعل رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس توتراً جديداً مع تركيا، بعد أشهر من الهدوء تخللتها اجتماعات وزيارات متبادلة على مستويات رفيعة للبناء على الأجندة الإيجابية للحوار بين البلدين الجارين.

وأطلق ميتسوتاكيس، بشكل مفاجئ، تهديداً بالتدخل العسكري ضد تركيا في ظل عدم وجود إمكانية للتوصل إلى حل بشأن قضايا المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري.

تلويح بالحرب

نقلت وسائل إعلام تركية، السبت، عن ميتسوتاكيس قوله، خلال مؤتمر حول السياسة الخارجية عُقد في أثينا، إن «الجيش يمكن أن يتدخل مرة أخرى إذا لزم الأمر». وأضاف: «إذا لزم الأمر، فسيقوم جيشنا بتنشيط المنطقة الاقتصادية الخالصة. لقد شهدت أوقاتاً تدخّل فيها جيشنا في الماضي، وسنفعل ذلك مرة أخرى إذا لزم الأمر، لكنني آمل ألا يكون ذلك ضرورياً».

رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس (رويترز - أرشيفية)

ولفت رئيس الوزراء اليوناني إلى أنه يدرك أن وجهات نظر تركيا بشأن «الوطن الأزرق» (سيطرة تركيا على البحار التي تطل عليها) لم تتغير، وأن اليونان تحافظ على موقفها في هذه العملية. وقال ميتسوتاكيس: «في السنوات الأخيرة، زادت تركيا من نفوذها في شرق البحر المتوسط. قضية الخلاف الوحيدة بالنسبة لنا هي الجرف القاري في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط. إنها مسألة تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وعلينا أن نحمي جرفنا القاري».

من ناحية أخرى، قال ميتسوتاكيس إن «هدفنا الوحيد هو إقامة دولة موحّدة في قبرص... قبرص موحّدة ذات منطقتين ومجتمعين (تركي ويوناني)، حيث لن تكون هناك جيوش احتلال (الجنود الأتراك في شمال قبرص)، ولن يكون هناك ضامنون عفا عليهم الزمن (الضمانة التركية)».

ولم يصدر عن تركيا رد على تصريحات ميتسوتاكيس حتى الآن.

خلافات مزمنة

تسود خلافات مزمنة بين البلدين الجارين العضوين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) حول الجرف القاري، وتقسيم الموارد في شرق البحر المتوسط، فضلاً عن النزاعات حول جزر بحر إيجه.

وتسعى اليونان إلى توسيع مياهها الإقليمية إلى ما هو أبعد من 6 أميال، والوصول إلى 12 ميلاً، استناداً إلى «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» لعام 1982 التي ليست تركيا طرفاً فيها.

وهدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من قبل، مراراً، بالرد العسكري على اليونان إذا لم توقف «انتهاكاتها للمياه الإقليمية التركية»، وتسليح الجزر في بحر إيجه. وأجرت تركيا عمليات تنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط في عام 2020 تسبّبت في توتر شديد مع اليونان وقبرص، واستدعت تحذيراً وعقوبات رمزية من الاتحاد الأوروبي، قبل أن تتراجع تركيا وتسحب سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» في صيف العام ذاته.

سفن حربية تركية رافقت سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» خلال مهمتها في شرق المتوسط في 2020 (الدفاع التركية)

وتدخل حلف «الناتو» في الأزمة، واحتضن اجتماعات لبناء الثقة بين البلدين العضوين.

أجندة إيجابية وحوار

جاءت تصريحات رئيس الوزراء اليوناني، بعد أيام قليلة من تأكيد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في كلمة له خلال مناقشة البرلمان، الثلاثاء، موازنة الوزارة لعام 2025، أن تركيا ستواصل العمل مع اليونان في ضوء الأجندة الإيجابية للحوار.

وقال فيدان إننا «نواصل مبادراتنا لحماية حقوق الأقلية التركية في تراقيا الغربية، ونحمي بحزم حقوقنا ومصالحنا في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط، ​​سواء على الأرض أو في المفاوضات».

وعُقدت جولة جديدة من اجتماعات الحوار السياسي بين تركيا واليونان، في أثينا الأسبوع الماضي، برئاسة نائب وزير الخارجية لشؤون الاتحاد الأوروبي، محمد كمال بوزاي، ونظيرته اليونانية ألكسندرا بابادوبولو.

جولة من اجتماعات الحوار السياسي التركي - اليوناني في أثينا الأسبوع الماضي (الخارجية التركية)

وذكر بيان مشترك، صدر في ختام الاجتماع، أن الجانبين ناقشا مختلف جوانب العلاقات الثنائية، وقاما بتقييم التطورات والتوقعات الحالية؛ استعداداً للدورة السادسة لمجلس التعاون رفيع المستوى، التي ستُعقد في تركيا العام المقبل.

ولفت البيان إلى مناقشة قضايا إقليمية أيضاً خلال الاجتماع في إطار العلاقات التركية - الأوروبية والتطورات الأخيرة بالمنطقة.

وجاء الاجتماع بعد زيارة قام بها فيدان إلى أثينا في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أكد البلدان خلالها الاستمرار في تعزيز الحوار حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

لا أرضية للتوافق

وقال ميتسوتاكيس، في مؤتمر صحافي عقده بعد القمة غير الرسمية للاتحاد الأوروبي في بودابست في 9 نوفمبر، إن الحفاظ على الاستقرار في العلاقات بين بلاده وتركيا سيكون في مصلحة شعبيهما.

وأشار إلى اجتماع غير رسمي عقده مع إردوغان في بودابست، مؤكداً أن هدف «التطبيع» يجب أن يكون الأساس في العلاقات بين البلدين، وتطرق كذلك إلى المحادثات بين وزيري خارجية تركيا واليونان، هاكان فيدان وجيورجوس جيرابيتريتيس، في أثنيا، قائلاً إنه جرى في أجواء إيجابية، لكنه لفت إلى عدم توفر «أرضية للتوافق بشأن القضايا الأساسية» بين البلدين.

وزير الخارجية اليوناني يصافح نظيره التركي في أثينا خلال نوفمبر الماضي (رويترز)

وسبق أن التقى إردوغان ميتسوتاكيس، في نيويورك على هامش مشاركتهما في أعمال الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكد أن تركيا واليونان يمكنهما اتخاذ خطوات حازمة نحو المستقبل على أساس حسن الجوار.

وزار ميتسوتاكيس تركيا، في مايو (أيار) الماضي، بعد 5 أشهر من زيارة إردوغان لأثينا في 7 ديسمبر (كانون الأول) 2023 التي شهدت عودة انعقاد مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، بعدما أعلن إردوغان قبلها بأشهر إلغاء المجلس، مهدداً بالتدخل العسكري ضد اليونان بسبب تسليحها جزراً في بحر إيجه.