بارزاني: ذهبنا إلى الاجتماع السرِّي فقال الأميركيون «اتخذنا قراراً بإطاحة صدّام»

قال لـ«الشرق الأوسط» إن تركيا اشترطت إدخال قواتها إلى الموصل وكركوك فأبلغ واشنطن بأنه سيقاتلهم

مسعود بارزاني خلال الحوار مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
مسعود بارزاني خلال الحوار مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
TT

بارزاني: ذهبنا إلى الاجتماع السرِّي فقال الأميركيون «اتخذنا قراراً بإطاحة صدّام»

مسعود بارزاني خلال الحوار مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
مسعود بارزاني خلال الحوار مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط»

كلما زرت مسعود بارزاني تحوّل اللقاء ثلاثياً. يُصر ظِلُّ صدّام حسين على الحضور فاتحاً باب الذكريات. شاءت المهنة أن أواكب قصة الرجلين وهي مثيرة ومؤلمة. رجلان بإرادة حديدية على صفيح ساخن اسمه العراق. يعتقد صدّام أن روح الأمة فوّضته مهمة استعادة مجد العراق ومجدها. ويعتقد مسعود أنه اختار ما عرضه عليه القدر وهو دور حارس الحلم الكردي. كان صدّام أجرأ زعيم عراقي في التعامل مع مطالب الأكراد. ثم كان الأقسى في إلحاق نكبة استثنائية ببلداتهم وقراهم. وكان مسعود عنيداً في الحفاظ على اتجاه البوصلة الذي حدده الزعيم التاريخي للأكراد والده الملا مصطفى البارزاني.
تَعذَّر على أيٍّ من الرجلين شطب الآخر، وشهدت العلاقة الطويلة مصافحات صعبة وضربات موجعة. قبل عقدين حسم القدر النزاع. والأصح تدخلت الإمبراطورية الأميركية وغزت العراق. سلك صدّام طريقه إلى حبل المشنقة وجلس مسعود بارزاني تحت عَلَمين، هما عَلَم العراق الفيدرالي وعَلَم إقليم كردستان. نجح بارزاني في تحقيق ما تعذر على أكراد تركيا وإيران وسوريا تحقيقه. نجح في حين تعثر حلم ياسر عرفات وكانت بين الرجلين مودة تخللتها تفاصيل مثيرة.

بدأ القرن الحالي في العراق بمشهد يوحي بالاستمرار طويلاً. في الشمال يستمر الأكراد في الإفادة من «منطقة حظر الطيران». وفي بغداد يقيم نظام صدّام حسين مقلم الأظافر، يلاعب المفتشين الدوليين، ويتحايل على شروط «النفط مقابل الغذاء»، لكنّ أهوال نجاحه في قمع الانتفاضتين الكردية والشيعية بعد إرغامه على الانسحاب من الكويت بقيت ماثلة للعيان.
احتفظتْ المعارضة بحلمها القديم بإطاحة النظام لكنه بدا بعيد المنال. لا تستطيع بقواها الذاتية دحر آلة صدّام العسكرية. والقوة الجوية الأميركية ليست للإيجار كي توفر للفصائل العراقية غطاء جوياً للتقدم حسب برامجها الداخلية والإقليمية. كان لا بد من زلزال لتغيير الحسابات والمعادلات ولن يتأخر كثيراً في الوصول.

بارزاني وطالباني وبينهما الحاكم المؤقت للعراق الجنرال جاي غارنر في السليمانية في أبريل 2003 (غيتي)

طائرات وأبراج

ليوم 11 سبتمبر (أيلول) رنة في ذاكرة الأكراد. ففي هذا اليوم من العام 1961، أطلق الملا مصطفى البارزاني الانتفاضة الكردية التي سيبقى جمرها مشتعلاً حتى إطفائها في 1970 بموجب اتفاق مع حزب «البعث» الذي استعاد السلطة قبل عامين. وفي لحظة الإطلاق تلك، كان إلى جانب الملا مصطفى أنجاله، وبينهم مسعود.
إننا الآن في 11 سبتمبر 2001. كان مسعود في مدنية دهوك وإلى جانبه نجله مسرور. لمح على الشاشة طائرة تصدم برجاً شاهقاً. توهّم للوهلة الأولى أن القناة تبث فيلماً. ثم شاهد طائرة ثانية تنقضّ على برج آخر. وحين تلاحقت الأخبار العاجلة قال للمحيطين به إن شيئاً كبيراً وخطراً يحدث في أميركا. كان من المستبعد تماماً افتراض أن دولة بعنوان معروف تجرؤ على مهاجمة القوة العظمى الوحيدة في عقر دارها واستهداف رموز هيبتها ونجاحها.
أميركا قوة عظمى وتملك آلة عسكرية هائلة قادرة على الوصول إلى أبعد نقطة في الأرض. وحتى حين تَكشَّف أن تنظيم «القاعدة» كان وراء الهجوم، كان من الصعب توقُّع أن يدفع نظام صدّام الثمن الباهظ. كان افتراض وجود علاقة بين نظام صدّام و«القاعدة» صعباً، فكل منهما يغرف من قاموس يناقض الآخر حتى ولو تشابها في كره أميركا أو إطلاق التصريحات ضدها. ثم إن زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن كان يعد نظام «البعث» نظاماً «كافراً».
شعر زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» أن مرحلة جديدة قد بدأت وإن لم تتضح أبعاد مخاطرها بعد. قرر ترميم العلاقات مع «الاتحاد الوطني الكردستاني» بزعامة جلال طالباني وأوفد مبعوثين إلى تركيا وسوريا وإيران لاستطلاع قراءة هذه الدول للانعكاسات المحتملة لـ«هجمات نيويورك وواشنطن». كانت الدول الثلاث تتساءل وتحاول فهم ردة الفعل الأميركية المحتملة لكنها لم تكن تملك إجابات.

بارزاني مع بريمر في صلاح الدين صيف 2003 (غيتي)

طلبت إيران وفداً آخر فذهب إليها. في فندق «استقلال» (هيلتون) استضافت طهران الوفد الكردي لكنها تعمدت أن تستضيف في المكان عينه والوقت نفسه وفداً من نظام صدّام برئاسة مدير الاستخبارات طاهر جليل حبوش. وشهد بهو الفندق مصافحة بين أعضاء الوفدين. كانت بغداد قلقة ومرتبكة تحاول بدورها فهم المرحلة الجديدة واتقاء أخطارها. أرسلت إلى مسعود تعرب عن استعدادها لفعل «أي شيء يرغب به». لكن الزعيم الكردي رأى أن الوقت متأخر جداً ويأتي «بعد خراب العراق وليس البصرة وحدها»، وأن أي اتفاق مع النظام لن يصمد وسيتحول «عبئاً كبيراً على شعب كردستان».
كانت أميركا مجروحة تغلي. وكان العالم يتكهن حول المسارح المقبلة لغضبها. ستحمل سنة 2002 إشارات متلاحقة عدّها مسعود علامات تساعد على الفهم. في 30 يناير (كانون الثاني) حمل الرئيس جورج بوش بشدة على النظام العراقي وأدرجه في «محور شر» يضمّه مع إيران وكوريا الشمالية. وفي الشهر التالي تحدث وزير الخارجية كولن باول، عن ضرورة تغيير النظام العراقي وأن أميركا قد تقوم بالمهمة وحدها إذا لزم الأمر. ولم يتأخر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في الانضمام إلى الأوركسترا.
يواصل مسعود بارزاني استجواب ذاكرته المثقلة بالأحداث والعناوين متعاطياً برحابة مع رغبة «الشرق الأوسط» في الحصول على التفاصيل.

اجتماعٌ سرِّيٌّ حاسم

في 17 فبراير (شباط) 2002 استقبل مسعود وفداً من وكالة الاستخبارات الأميركية. استخدم الوفد عبارات لافتة من نوع أن «أميركا قررت إزاحة نظام صدّام» وأن «الهجوم سيكون من محاور عدة» وأن «لدور الإقليم أهمية كبيرة في حساباتنا وأنتم مدعوون لزيارة واشنطن». ورد مسعود بأن الأكراد سيؤيدون «أي عملية ترمي إلى قيام عراق ديمقراطي فيدرالي تعددي» وأنهم يطالبون بضمانة من أميركا «أن يكون مستقبل شعبنا محمياً ومصوناً»، وأن واشنطن تستطيع إبلاغ دول الجوار «أننا لا ولن نشكل أي تهديد لأي شخص أو جهة» وأكد موافقته على تلبية دعوة واشنطن.
في الأول من أبريل (نيسان) استقبل مسعود، وبحضور قياديين من حزبه، وفداً من الخارجية الأميركية برئاسة مساعد الوزير رايان كروكر. جدد الوفد موقف أميركا من نظام صدّام واقترح على مسعود زيارة واشنطن في 14 من الشهر نفسه وبالتزامن مع زيارة لجلال طالباني. نصح الوفد بأهمية ترتيب العلاقات داخل البيت الكردي، مبدياً ارتياحه إلى ما تحقق وداعياً إلى معالجة أي توترات مع تركيا.

جنديان أميركيان يزيلان صورة صدام بمدينة الناصرية في 3 أبريل 2003 (إ.ب.أ)

كانت الإشارات واضحة. لكن بارزاني المكتوي بنار مواقف الدول الكبرى والإقليمية كان ينتظر سماع كلام أوضح ومن أعلى مراكز القرار.
في 15 أبريل، صعد إلى طائرة خاصة كانت تنتظر في مطار فرنكفورت، مسعود بارزاني، يرافقه نجله مسرور والقيادي في الحزب هوشيار زيباري، وزير الخارجية لاحقاً. وسيلتئم شمل الوفد الكردي إلى أميركا بوجود جلال طالباني ونجله بافل والقيادي في حزبه برهم صالح، رئيس الجمهورية العراقية لاحقاً. في دار ضيافة اختارتها الأجهزة الأميركية في فرجينيا، سينعقد هذا الاجتماع الحاسم. حضر من الجانب الأميركي ماك لوخلين نائب رئيس «سي آي إيه»، والجنرال وين داونينك من الأمن القومي، ورايان كروكر من «الخارجية». وهذا يعني أن الاجتماع كان بمشاركة وتنسيق بين البيت الأبيض والاستخبارات والخارجية.
تحدث الجانب الأميركي بلهجة تفيد بأن قراراً بإطاحة صدّام اتُّخذ ولا عودة عنه. استخدموا عبارات صريحة من نوع «أميركا قررت وجوب إزاحة صدّام من السلطة»، وأن الأكراد «يجب أن يحصلوا على حقوقهم كاملة»، و«أميركا موافقة على اعتماد النظام الفيدرالي في العراق»، وأن «أميركا لن تسمح بوجود أي تدخل خارجي»، وأن «أميركا يحدوها أمل كبير بدور الكرد في جمع وإعداد المعارضة العراقية».
كانت لهجة الجانب الأميركي واضحة وقاطعة. وجاء الرد الكردي من القماشة نفسها؛ «ما دامت أميركا قد اتخذت قرارها النهائي بإسقاط نظام صدّام، فإننا سنبذل كل ما في وسعنا للمساعدة في تحقيق ذلك. وما دام بديل النظام العراقي سيكون بديلاً ديمقراطياً وستُعتمد الفيدرالية لكردستان فإننا سنبذل كل ما نستطيع وتعهّدنا بالتحرك للمّ شمل المعارضة».
في تلك الليلة تذكَّر مسعود محطات مؤلمة في التعامل مع الدول الكبرى وبعض دول الإقليم. لا يغيب عن باله الدور الذي لعبه وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في إقناع الشاه محمد رضا بهلوي بتوقيع اتفاق الجزائر في 1975 مع «السيد النائب» صدّام حسين. وبموجب الاتفاق أوقفت إيران كل دعم للثورة الكردية التي أُصيبت بانهيار مروِّع. لا ينسى أيضاً أن الاتحاد السوفياتي والذي كان يقدم مساعدة متواضعة لأكراد العراق ابتعد عنهم بعد توقيع بغداد في 1972 «معاهدة الصداقة والتعاون» مع موسكو. أما الدول المجاورة فهي تُبدي أحياناً تفهماً لأكراد الخرائط الأخرى لكنها لا تتسامح مطلقاً مع أكرادها. تتعامل مع الأكراد من باب تحريك «الورقة الكردية» وتخشى عدوى حصولهم على حقوقهم في الخرائط الأخرى.

بارزاني خلال مؤتمر المعارضة العراقية بلندن في أبريل 2002 (غيتي)

في 18 أبريل أعادت الطائرة الخاصة الوفدَ الكردي إلى فرنكفورت. وفي تلك المدينة «اتفقنا أنا ومام جلال على أن نبذل كل مساعينا وجهودنا ونتخذ كل الاستعدادات اللازمة للتلاؤم والانسجام مع المستجدات والمتغيرات المتوقعة».
من فرنكفورت، توجّه مسعود والوفد المرافق له إلى باريس. كانت قناعة المسؤولين الفرنسيين أن أميركا اتخذت قراراً نهائياً بإسقاط صدّام حسين. لهذا تركزت أسئلتهم على البديل. كرر مسعود أن البديل سيتم التوصل إليه بالتشاور مع أطياف المعارضة العراقية وأن النظام المقبل يجب أن يكون ديمقراطياً وفيدرالياً يضمن حقوق مختلف المكونات.
بعد باريس توجه الوفد إلى دمشق. رأى مسعود أن العلاقة القائمة مع سوريا منذ أيام الرئيس حافظ الأسد تُلزم الأكراد بالتشاور مع الرئيس بشار الأسد وأركان حكمه. «بعد الحديث عن الوضع العام في المنطقة سألنا عن إمكانية إزاحة النظام العراقي، فأبلغتهم أن القرار النهائي قد اتُّخذ بالفعل، وشعرتُ أن ذلك قد سرَّهم وأفرحهم كثيراً. وبخصوص مستقبل العراق أكدتُ لهم أن ليس هناك أي مخطط لتقسيم العراق وأنه لن يُسمح بوجود أي تدخل خارجي. وبخصوص موعد تنفيذ قرار إزالة النظام العراقي قلت لهم إن الأميركيين وحدهم مَن يعرف ذلك. كان نائب الرئيس السوري على قناعة تامة أن أميركا لن تتدخل عسكرياً في العراق وكان مستعداً للمراهنة على ذلك».

واشنطن تنتقد «الابتزاز التركي»

في بدايات الصيف تواترت إشارات تفيد بأن أميركا قد تكون تراجعت عن قرارها إطاحة النظام أو تراخت في التحضير له. وترافق ذلك مع مناقشات مستفيضة أجراها هوشيار زيباري ونيجرفان بارزاني في أميركا. في 21 يوليو (تموز) وصل إلى أربيل وفد من المتخصصين والخبراء الأميركيين برئاسة تشارلز فتيس المعروف بـ«سام».
كشفت المداولات مع هذا الفريق أن تركيا تتخوف من أن يؤدي التغيير في العراق إلى قيام دولة كردية. قال المسؤول الأميركي إن «تركيا تقوم كثيراً بابتزاز أميركا وتطلب أموالاً كثيرة. نحن جئنا لتقييم الأوضاع ولن يُسمح لتركيا بأي شكل من الأشكال بأن تتدخل في شؤون الإقليم». وسيزداد ظهور العقدة التركية مع اقتراب موعد التدخل العسكري الأميركي.
في يوليو، دعت وزارتا الخارجية والدفاع الأميركيتين عدداً من قادة المعارضة إلى اجتماع. اقترح جلال طالباني المناورة لرفع مستوى اللقاءات مع الجانب الأميركي. لم يشارك مسعود في الاجتماع لأن سوريا لم توافق على أن تستقبل طائرة خاصة ترسلها أميركا لنقله من قامشلو. ناب هوشيار زيباري عن مسعود في الاجتماع الذي حضره أيضاً جلال طالباني وإياد علاوي وأحمد الجلبي وعبد العزيز الحكيم والشريف علي بن الحسين. التقى الوفد وزير الدفاع الأميركي رامسفيلد ورئيس الأركان مايرز. وكان رامسفيلد قاطعاً، إذ قال إن «سياسة احتواء العراق ليست سياسة ناجحة. يجب أن ينطلق الهجوم على العراق من الجنوب والشمال في آن».

بارزاني متوسطاً أعضاء مجلس الحكم بعد اجتماع ببغداد في يوليو 2003 (غيتي)

كانت إيران تراقب نُذُر العاصفة الأميركية التي تهدد بالهبوب على نظام صدّام. بينها وبين حاكم العراق سنوات من الحرب وبحر من الكراهية. كان من الصعب عليها أن تؤكد علناً أنها تؤيد الغزو الأميركي الذي يصعب عليها التكهن بانعكاساته وحدوده. كانت تشعر في الوقت نفسه بأن اقتلاع نظام صدّام يزيل من أمامها جداراً يعوق حركتها في العراق والمنطقة. خير تعبير عن قيام إيران بتسهيل المهمة الأميركية كانت مشاركة الفصائل العراقية المؤيدة لها في مداولات المعارضة التي سبقت الحرب، والرامية إلى توفير أرضية عراقية لاقتلاع النظام على يد الأميركيين. وأظهرت التطورات لاحقاً أن إيران التي اتخذت قراراً بتسهيل عملية إطاحة نظام صدّام اتخذت في الوقت نفسه قراراً موازياً جوهره زعزعة الوجود العسكري الأميركي في العراق، ومنع قيام نظام عراقي مستقر وموالٍ للغرب في بغداد. وبدا أيضاً أن دمشق اتخذت بالتفاهم مع إيران قراراً مشابهاً. وسيُكلَّف الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» بترتيب عملية استنزاف الجيش الأميركي الذي رابط على جانبي إيران الأفغاني والعراقي.
اتخذت أميركا قرار الحرب وانهمكت أجهزتها بالبحث عن ذرائع لإقناع الرأي العام الأميركي والدولي؛ اتهامات للنظام البعثي بإقامة علاقات مع «القاعدة» بزعامة أسامة بن لادن، واتهامات بالاحتفاظ بأسلحة للدمار الشامل. وجرى الحديث عن مختبرات بيولوجية جوالة. يجزم مسعود بارزاني أن حزبه لم يسهم من قريب أو بعيد في توفير مثل هذه الذرائع التي استُخدمت في الإعلام وكذلك في مجلس الأمن نفسه.

العُقدة التركية

اقتربت الحرب وتصاعدت مخاوف تركيا. جاء من يبلغ البارزاني بمضمون لقاء بين المسؤولين الأتراك والجنرال الأميركي تومي فرانك قائد القيادة الوسطى. قدم الوفد التركي في الاجتماع أربعة مطالب هي:
- لا يجب أن تقوم أو تشكَّل أي دولة كردية.
- لا يجب السماح للأكراد بالسيطرة على مدينتي الموصل وكركوك.
- يجب أن يكون لتركيا رأي في النظام العراقي الجديد.
- لا يجب أن يشارك الأكراد في عملية إسقاط النظام العراقي الحالي.
أبلغ ممثل الرئيس الأميركي لدى المعارضة السفير زلماي خليل زاد، الأكراد بأن مشاركة تركيا في التحالف الذي سيطيح صدّام مهمة وضرورية. وكان واضحاً في الأسابيع الأخيرة أن الخطة الأميركية تقضي بالإطباق على نظام صدّام من الجنوب والشمال. وهذا يعني الانطلاق من الأراضي التركية والتقدم عبر معبر زاخو الحدودي. وكان موقف الأكراد واضحاً ويقضي برفض أي مشاركة عسكرية إقليمية سواء كانت إيرانية أو تركية. وكانت المناقشات صاخبة خصوصاً بعدما تبين أن تركيا تشترط إرسال وحدات من قواتها إلى الموصل وكركوك للمشاركة في إسقاط صدّام والسماح للقوات الأميركية باستخدام أراضيها. وخلال أحد الاجتماعات أُدخلت لمسعود ورقة تتضمن تصريحاً لرئيس البرلمان التركي يقول فيه إن القوات التركية ستدخل شمال العراق وستجرّد عناصر البيشماركة من أسلحتهم.
كان رد مسعود قاطعاً وعنيفاً وخاطب الجانب الأميركي قائلاً: «نحن سنقاتلهم (الجنود الأتراك) سواء جاؤوا معكم أو بمفردهم. في الحالة الأولى سنُتهم بالإرهاب وفي الثانية ستكون المواجهة ثنائية وفي إطار آخر. وقال إنه يعرف أن تركيا دولة ولديها جيش قوي لكن البيشماركة يفضلون المرور على جثثهم على تسليم سلاحهم. وذهب أبعد بالقول إنني سأقاتلهم حتى ولو بقيتُ وحيداً وسأنتظرهم عند زاخو».
لم تحصل المواجهة مع تركيا. لم يسلّم الجانب الأميركي بشروطها، ولم يسمح البرلمان التركي للقوات الأميركية بالمرور عبر أراضي بلاده، فاضطرت القوات الأميركية المرابطة في السفن قبالة السواحل التركية إلى تغيير وجهتها.
الحرب آتية لكنّ الإدارة الأميركية لم تبلغ حلفاءها بموعد الضربة الأولى. وفي ليل 19 إلى 20 مارس (آذار) 2003، اندلعت الحرب ليتغير وجه العراق ومعه توازنات المنطقة.

جرح أميركي... وفراغ دولي

خلّفت هجمات 11 سبتمبر جرحاً عميقاً في روح «القوة العظمى الوحيدة». واعتقد بعض الصقور في إدارة جورج بوش الابن أن الهجمات فرصة لإظهار أن الولايات المتحدة تستحق اللقب الذي فازت به يوم انهار جدار برلين وانتحر الاتحاد السوفياتي. وكان بينهم من يعتقد أن «العالم المنجب للتطرف والإرهاب» تمكن معالجته بجراحات عسكرية تؤدي إلى زرع بذور الديمقراطية في جسده.
لم تكن هناك جبهة دولية ذات ثقل كافٍ لثني أميركا عن القيام بمغامرتها. كان الرئيس فلاديمير بوتين منهمكاً بإعادة صيانة الاتحاد الروسي نفسه بعدما كادت تهب عليه في عهد سلفه بوريس يلتسين رياح التفكك التي ضربت الاتحاد السوفياتي. كان يحتاج أيضاً إلى إعادة ترميم قدرات الجيش الروسي وروحه ووقف عملية النهب التي تعرضت لها البلاد على أيدي بعض أبنائها. كان من المبكر جداً أن يكشف الرئيس الوافد من دهاليز «كي جي بي» أنه يحمل مشروعاً كبيراً للثأر من الغرب ونموذجه. ولم تكن الصين في بداية القرن مهتمة بتقديم نفسها في صورة ملاكم كبير ينازع أميركا نفوذها على مستوى العالم. كانت تحتاج إلى مزيد من الوقت لتتبوأ مركز الاقتصاد الثاني في العالم وتحقيق مزيد من الإنجازات في مكافحة الفقر والانخراط في السباق التكنولوجي.
كان مسعود بارزاني يراقب المشهد الدولي. الاعتراض الكبير جاء على لسان الرئيس الفرنسي جاك شيراك. على هامش قمة لحلف «الناتو» عُقدت في براغ قال شيراك لبوش إن «وقوع حرب سيضرب الاستقرار في المنطقة، وسيكون من نتائجه إيصال الموالين لإيران إلى السلطة في بغداد، وتعزيز نفوذ طهران في دمشق وكذلك في لبنان عبر (حزب الله)، ثم إن هذه الحرب لن تكون شرعية». لم تتوقف إدارة بوش طويلاً عند موقف بعض أطراف «القارة العجوز» خصوصاً أن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير اختار المشاركة في الرحلة الأميركية.
الحرب آتية. كان لا بد من الالتفات إلى الدول المتاخمة للعراق وفي طليعتها إيران. وانشغل كثيرون بسؤال معقد: «هل يمكن أن تسهل إيران الخمينية مهمة الشيطان الأكبر الأميركي في اقتلاع عدوها الأول صدّام حسين؟».

ترقُّب إيراني لـ«الانتصار الكبير»

في ضوء ما سمعه الوفد الكردي خلال زيارته السرِّية إلى أميركا في أبريل 2002، انعقد مؤتمر المعارضة العراقية في لندن في الشهر الأخير من السنة. غاب عن المؤتمر حزب «الدعوة» والحزب الشيوعي وغاب «البعثيون» المؤيدون لسوريا. كان مسعود مهتماً باستجلاء حقيقة الموقف الإيراني خصوصاً أن طهران تملك قدرة حاسمة في التأثير على بعض القوى العراقية.
يقول مسعود: «التناقضات التي ظهرت خلال مؤتمر المعارضة في لندن دفعتني إلى زيارة طهران. التقيت هناك الرئيس (السابق آنذاك) هاشمي رفسنجاني. كنت مهتماً بمعرفة موقفهم ليس فقط من موضوع الحرب الأميركية بل أيضاً من الصيغة التي اتُّفق عليها لقيام عراق فيدرالي، ما يعني صيغة دستورية لإقليم كردستان. كان رفسنجاني مرناً كعادته ويتحدث بواقعية تأخذ في الاعتبار موازين القوى ومصلحة بلاده. قال إنهم سيعدّون إسقاط صدّام نصراً كبيراً ولكنهم لا يستطيعون إصدار تأييد علني للعملية التي ستؤدي إلى إطاحته. أيَّد رفسنجاني أيضاً قيام عراق فيدرالي وكان هذا الجزء من الحوار مهماً جداً لنا».
وأضاف: «التقيت أيضاً خلال الرحلة الجنرال قاسم سليماني. لم يكن في تلك المرحلة معروفاً على غرار ما حصل في السنوات اللاحقة لكنه كان مسؤولاً عن ملف العراق». التقى مسعود أيضاً محمد باقر الحكيم وطلب منه أن ينصح وفد «المجلس الأعلى» الشيعي بأن يكون «أكثر واقعية في المناقشات المتعلقة بمرحلة ما بعد إسقاط النظام». وحين انعقد لاحقاً مؤتمر المعارضة العراقية في صلاح الدين في كردستان العراق، بدا واضحاً أن طهران أعطت لحلفائها الضوء الأخضر للمشاركة في عملية إطاحة النظام.
اختارت إيران تسهيل عملية إطاحة صدّام. أوكلت في الوقت نفسه إلى الجنرال سليماني الإعداد لزعزعة الوجود العسكري الأميركي في العراق ومنع قيام نظام مستقر موالٍ للغرب. سألت مسعود إن كانت إيران هي الطرف الأول الذي قام باستنزاف الوجود العسكري الأميركي في العراق، فردّ بالإيجاب. وسألته إن كان الأميركيون عَدُّوا إيران هدفاً ثانياً محتملاً بعد العراق، فقال: «راجت في تلك الفترة روايات تقول إن العراق هو الحلقة الأولى من برنامج أميركي للمنطقة يتضمن لاحقاً عملاً عسكرياً ضد إيران وسوريا. الحقيقة أنني خلال لقاءاتي مع المسؤولين الأميركيين من مدنيين أو عسكريين لم أسمع يوماً بتوجه من هذا النوع. لم يصدر عن الأميركيين أي تلميح في هذا الاتجاه. ربما كان مثل هذا الكلام مجرد تحليلات أو أطلقته جهات أخرى لإشاعة التوتر أكثر في المنطقة. شكا الأميركيون أمامي من دور إيران. شَكَوا لاحقاً من الدور الذي يلعبه سليماني في دعم مجموعات تستهدفهم، لكنهم لم يتحدثوا مطلقاً عن استهداف إيران نفسها أو سوريا التي اتهموها بفتح حدودها لتسريب متشددين ومتطرفين لمقاتلة القوات الأميركية في العراق».

أحمدي نجاد يزور العراق المحتل

ستبعث طهران لاحقاً بمزيد من الرسائل. حين تم تشكيل مجلس الحكم الأميركي توزَّع أقطاب المعارضة الموالية لإيران على مقاعده أسوةً بآخرين. رسالة أخرى جاءت في 2007. هبطت في مطار بغداد طائرة تحمل زائراً غير عادي. جاء الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى العراق المحتل، كأنه أراد التذكير بأن إيران جزء من القدر الجغرافي للعراق وأنها ستبقى جارته بعد أن يتعب الأميركيون ويقرروا الانسحاب.
شاهد أحمدي نجاد بأُمِّ العين حجم الانتشار العسكري الأميركي الهائل والذي كان يقدَّر بـ170 ألف جندي. كان وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، قريب مسعود وعضو القيادة في حزبه، رئيس بعثة الشرف المرافقة لأحمدي نجاد. جرت اتصالات أقنعت نقاط التفتيش الأميركية بعدم توقيف الموكب. لكن نقطة واحدة خالفت ما اتُّفق عليه، وتبين أن أفرادها كانوا يأملون بالتقاط صورة مع الرئيس الزائر. لم يمانع الرئيس الإيراني لكنّ البعثة المرافقة نصحته بعدم الخروج من سيارته. ترك الغياب العربي عن بغداد آثاره على المشهد المقبل الذي حمل في بعض ملامحه بصمات الحضور الإيراني.

رفض الشماتة في صدّام

رافق حلم إطاحة صدّام مسعود البارزاني على مدار عقود رغم الهدنات والاتفاقات. وكان يُشترط للضلوع في أي خطة ضد سيد بغداد أن يكون البديل ديمقراطياً وفيدرالياً. لم يحاول مسعود زيارة صدّام في سجنه. ولم يذهب إلى جلسات محاكمته. ويختصر موقفه بالقول: «الشماتة ليست من شيم الرجال». ورغم ما أصاب الأكراد على يد صدّام، يعترف مسعود للرجل بأنه كان الأجرأ في البداية في مقاربة حق الأكراد في الحكم الذاتي.

تابع العالم سقوط تمثال صدّام وعدّه ختام مرحلة. وهو كان كذلك. مسعود بارزاني كان مرتاحاً لسقوط عدوه لكنه كان خائفاً أن يغرق العراق في تصفية الحسابات الدموية، وهي كثيرة. كان يخشى من الفراغ الذي سيخلِّفه إخراج صدّام من المعادلة بعدما كان على مدى عقود العمود الفقري للنظام. كان يخشى صداماً بين الشيعة والسنة، وبين العرب والأكراد. وأن تتقدم القوى الإقليمية لتكريس العراق ساحة لأحلامها القديمة والجديدة. وأظهرت الأيام أن مخاوف مسعود كانت في محلها، فقد تصبَّب الدم غزيراً في بغداد وخارجها قبل أن يلتقط العراق أنفاسه.
أطبقت الآلة العسكرية الأميركية على العراق وكانت النتيجة معروفة سلفاً. الجيش العراقي الذي خرج منهكاً من الحرب المريرة مع إيران ومن ذيول غزو الكويت عانى أيضاً من قيود الحصار. بين الجيشين المتجابهين هوّة واسعة في الجهوزية والتكنولوجيا والإمكانات. ثم إن عقلية صدّام نفسه هي عقلية محارب من زمن الحرب العالمية الثانية. خلال الحرب مع إيران جاء إلى اجتماع لكبار العسكريين مصطحباً معه كراساً للزعيم السوفياتي جوزيف ستالين.
خشي مسعود أن يتعرض العسكريون العراقيون في المناطق الكردية لأعمال ثأر رداً على عمليات الأنفال وتدمير آلاف القرى. أصدر أوامره الصارمة وحققت أغراضها. استسلم نحو 15 ألف ضابط وجندي فتم جمعهم في معسكرات وتأمين الغذاء والعناية لهم قبل مغادرتهم عائدين إلى مناطقهم. لم تشهد مناطق كردستان العراق عمليات قتالية، ولم يكن الجيش قادراً على التصدي للغارات الجوية الأميركية.
حين سقط نظام صدّام، يقول مسعود، «تذكرت الآية الكريمة: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير». تذكر أيضاً يوم توجه وهو صبي إلى قصر الرحاب بعد المجزرة التي شهدها في 1958 وقرأ في مكان هناك عبارة تؤكد أن «الظلم لا يدوم».

ذهول وضياع في بغداد

سادت في بغداد حالة من الذهول والضياع. الأنظمة التي تعاقبت بعد ثورة 1958 لم تدرِّب القوى العراقية على التحلق حول طاولة والوصول إلى قواسم مشتركة، فكيف حين يتعلق الأمر بأسلوب حكم البلاد؟ لم تكن الأحزاب المعارضة لصدّام تمتلك مقرّات في بغداد. توجهت إلى العاصمة على عجلٍ ونزل مسعود وفريقه في فندق «برج الحياة» الذي تحول مقراً للمداولات والاجتماعات. لم تكن القوى التي عادت إلى بغداد جاهزة للاتفاق وأضاعت فرصة. يقول مسعود إن أميركا أوفدت الجنرال جاي غارنر حاكماً مؤقتاً للعراق وطلبت من القوى العراقية الاتفاق على تشكيل حكومة مؤقتة لتنتقل إليها الصلاحيات. لم تعتد القوى الموجودة على فكرة التسوية وتبادل التنازلات، وتصرف معظمها كأن الفرصة تاريخية لانتزاع أكبر قدر من المكاسب. أسابيع ولم يتمكن العراقيون من الاتفاق على صيغة حكومة كان يمكن أن تُجنِّب العراق المزيد من الآلام.
كان أحمد الجلبي «متنبهاً لضرورة تشكيل حكومة. كان يلحّ على ضرورة الاتفاق قائلاً إن علينا أن ننجز ذلك قبل أن نُفاجأ بقرار ما يخلط الأوراق ويعقِّد المسألة. شدد مرات عدة على ضرورة حسم الموضوع لكننا لم ننجح. بعد كل اجتماع كنّا نعود إلى نقطة الصفر. هذه الحقيبة للحزب الفلاني وتلك لحزب آخر. أظهرت المداولات الكثير من الخلافات وصحّ ما توقعه الجلبي. لن يقيم الجنرال غارنر طويلاً وسيأتي بعده بول بريمر وسيحدث تطور كبير وهو تحول الولايات المتحدة وبرغبتها إلى قوة احتلال».

«حكم بالإعدام على رجل ميت»

يشبّه مسعود قرار بريمر حل الجيش العراقي «بإصدار حكم بالإعدام على شخص ميت». ويوضح قائلاً: «أدى الهجوم الأميركي إلى تفكك الجيش العراقي وتحلله. لم تعد هناك معسكرات أو تشكيلات أو قيادة أو رتب. لم يكن لقرار الحل من مبرر. كان الأجدى اتخاذ قرار سريع بإعادة تشكيل الجيش على أسس وطنية وديمقراطية سليمة». ونفى علمه بوجود خطة آنذاك تقضي بأن يلعب ضباط وجنود عراقيون دوراً في حفظ الأمن في المدن تفادياً لحصول احتكاكات بين الجيش الأميركي والأهالي. كما نفى أن يكون حزبه لعب سابقاً دوراً في إخراج رئيس الأركان السابق الفريق الركن نزار الخزرجي من بغداد، مؤكداً أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «هي التي أخرجته ونحن سمحنا بمروره في مناطقنا». ويلاحظ أن «الظلم الذي ألحقه النظام بالشعب العراقي بمختلف مكوناته جعل الكثيرين في الشمال والجنوب يستقبلون الجيش الأميركي بالورود في أيام دخوله».

حبل المشنقة لا شرفة التاريخ

أغلب الظن أن صدّام لم يكن يتوقع مغادرة القصر إلا إلى التاريخ. وأن يجلس على الشرفة إلى جانب صلاح الدين وأبو جعفر المنصور الذي بنى بغداد. لكنّ العراق وليمة مسمومة لحكامه. لم يتوقع أن يدفع ثمن ما فعله أسامة بن لادن في نيويورك وواشنطن. ولا خيط بين الرجلين غير الكره المتبادل. لم يتوقع أيضاً أن تقوم مدرعة أميركية باقتلاع تمثاله من ساحة الفردوس. وأن تبث الشاشات مشهد إخراجه من حفرة. وأن يُدفع وراء القضبان. وأن يلتفّ الحبل حول عنقه أسوةً بما فعل بكثيرين. وأن تُطرح جثته في «المنطقة الخضراء» على مقربة من منزل مَن وقَّع قرار إعدامه.
تذكرتُ ما قاله لي زعيم عربي. «كان مشهد صدّام بين أيدي الجنود الأميركيين صعباً. رسالة قاسية وبغضّ النظر عن أخطائه. لكن في النهاية يعد محظوظاً لأنه لو وقع في أيدي الميليشيات التي جاءت من وراء الحدود لقامت بسحله في شوارع بغداد أسوةً بنوري السعيد. في أي حال لقد حرم سجانيه من فرصة إذلاله وبشهادتهم».
حاكمان عربيان أُصيبا بقلق شديد من رؤية صدّام في أيدي الجنود الأميركيين ثم من رؤيته يُعدم وسط صيحات ابتهاج وفي توقيت انتقدته أطراف عراقية عدة؛ الأول معمر القذافي، والآخر علي عبد الله صالح، ولم يتردد الاثنان في المجاهرة بقلقهما. والحقيقة أن القذافي كان قد أُصيب بمرض الخوف من الأميركيين منذ مهاجمة الطائرات الأميركية مقر إقامته في ثكنة باب العزيزية في 1986. وفي تلك الليلة كان بارزاني في طرابلس بناءً على إلحاح العقيد وتدخلتْ الصدفة لإنقاذه.
يفضّل حاكم العراق استقبال الموت بلا انحناء. ذات يوم روى لي الضابط المتوتر عبد الغني الراوي كيف أمر بإطلاق النار على الزعيم عبد الكريم قاسم في دار الإذاعة. لم ينحنِ قاسم ورفض وضع العصبة على عينيه رغم مراراته من رفيقه اللدود عبد السلام عارف. ليس من عادة حاكم العراق استقبال الموت هادئاً في سريره.


مقالات ذات صلة

انفجار في السليمانية... وأنباء عن استهداف قائد «قسد»

المشرق العربي انفجار في السليمانية... وأنباء عن استهداف قائد «قسد»

انفجار في السليمانية... وأنباء عن استهداف قائد «قسد»

راجت أنباء عن وقوع محاولة لقتل مسؤول كردي سوري بارز في السليمانية بشمال العراق مساء اليوم الجمعة. فقد أورد موقع «صابرين نيوز» القريب من الحرس الثوري الإيراني، نقلاً عن «مصادر كردية»، أن قصفاً استهدف قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) مظلوم عبدي «في محاولة اغتيال فاشلة بواسطة طائرة مسيّرة». من جهتها، أعلنت مديرية قوات الأمن (آسايش) في مطار السليمانية أنها تحقق في انفجار وقع قرب سياج مطار السليمانية دون أن يسفر عن خسائر بشرية أو مادية، مشيرة إلى أن فرق الإطفاء تمكنت من السيطرة على الحريق الناجم عنه سريعاً، بحسب موقع «رووداو» الكردي.

المشرق العربي مسيحيات فررن من العراق يتعلمن مهارت الخياطة لكسب لقمة العيش

مسيحيات فررن من العراق يتعلمن مهارت الخياطة لكسب لقمة العيش

في إحدى الكنائس في الأردن، تخيط العشرينية سارة نائل قميصاً ضمن مشروع أتاح لعشرات النساء اللواتي فررن من العنف في العراق المجاور، مهارات لكسب لقمة العيش. نجت نساء عديدات بصعوبة من العنف المفرط الذي مارسته «دولة الخلافة» التي أعلنها تنظيم «داعش» على مساحات واسعة من العراق وسوريا، قبل أن ينتهي بهن المطاف في الأردن يعانين للحصول على عمل. تنكب سارة نائل (25 عاماً)، وهي لاجئة مسيحية عراقية من بلدة قرقوش تعلمت مهنة الخياطة في الطابق الثالث في كنيسة مار يوسف في عمان، على ماكينة الخياطة في طرف المكان لتخيط قطعة قماش مشرقة زرقاء اللون تمهيداً لصنع قميص. وتقول سارة التي وصلت إلى الأردن عام 2019 وبدأت تعم

«الشرق الأوسط» (عمّان)
المشرق العربي «الشيوخ الأميركي» يقترب من إلغاء تفويضي حربي العراق

«الشيوخ الأميركي» يقترب من إلغاء تفويضي حربي العراق

صوت مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية ساحقة، أمس (الاثنين)، لصالح الدفع قدماً بتشريع لإلغاء تفويضين يعودان لعقود مضت لشن حربين في العراق مع سعي الكونغرس لإعادة تأكيد دوره بخصوص اتخاذ قرار إرسال القوات للقتال. وانتهى التصويت بنتيجة 65 إلى 28 صوتاً، أي تجاوز الستين صوتاً اللازمة في مجلس الشيوخ المؤلف من مائة عضو، مما يمهد الطريق أمام تصويت على إقراره في وقت لاحق هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ خطوة جديدة في «الشيوخ» الأميركي نحو إلغاء تفويضي حربي العراق

خطوة جديدة في «الشيوخ» الأميركي نحو إلغاء تفويضي حربي العراق

صوت مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية ساحقة أمس (الاثنين) لصالح الدفع قدما بتشريع لإلغاء تفويضين يعودان لعقود مضت لشن حربين في العراق مع سعي الكونغرس لإعادة التأكيد على دوره بخصوص اتخاذ قرار إرسال القوات للقتال، وفقاً لوكالة «رويترز». وانتهى التصويت بنتيجة 65 إلى 28 صوتا أي تجاوز الستين صوتا اللازمة في مجلس الشيوخ المؤلف من مائة عضو مما يمهد الطريق أمام تصويت على إقراره في وقت لاحق هذا الأسبوع. وجميع الأصوات الرافضة كانت لأعضاء في الحزب الجمهوري.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي 20 عاماً على الزلزال العراقي

20 عاماً على الزلزال العراقي

تحلُّ اليومَ، الأحد، الذكرى العشرون للغزو الأميركي للعراق، وهو حدثٌ كان بمثابة زلزال ما زالت المنطقة تعيش تداعياتِه حتى اليوم. لم يستمع الرئيسُ الأميركي آنذاك، جورج دبليو بوش، لتحذيراتٍ كثيرة، غربيةٍ وعربية، سبقت إطلاقَه حرب إطاحة نظام الرئيس السابق صدام حسين عام 2003، وحذرته من أنَّ خطوتَه ستفتح «باب جهنم» بإدخال العراق في فوضى واقتتال داخلي وستسمح بانتشار التطرفِ والإرهاب. أطلق بوش حملةَ إطاحة صدام التي أطلق عليها «الصدمة والترويع» ليلة 19 مارس (آذار) بقصفٍ عنيف استهدف بغداد، في محاولة لقتل الرئيس العراقي، قبل إطلاق الغزو البري.


ماكرون يؤكد السعي «لتجنب تصاعد العنف بين لبنان وإسرائيل»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال استقباله رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي في باريس (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال استقباله رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي في باريس (إ.ب.أ)
TT

ماكرون يؤكد السعي «لتجنب تصاعد العنف بين لبنان وإسرائيل»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال استقباله رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي في باريس (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال استقباله رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي في باريس (إ.ب.أ)

أكد إيمانويل ماكرون، الجمعة، لرئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي خلال استقباله في باريس، «التزام فرنسا بذل كل ما في وسعها لتجنب تصاعد أعمال العنف بين لبنان وإسرائيل»، بحسب ما نقل الإليزيه.

وأضافت الرئاسة، في بيان، أن الرئيس الفرنسي، الذي التقى أيضاً قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون، «أكد عزمه على مواصلة تقديم الدعم الضروري للقوات المسلحة اللبنانية»، وفقاً لوكالة «الصحافة الفرنسية».

ويتبادل «حزب الله» اللبناني وفصائل فلسطينية أخرى الضربات مع الجيش الإسرائيلي عبر الحدود، وترد القوات الإسرائيلية بقصف جوي ومدفعي ضد أهداف في قرى جنوب لبنان، وذلك منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) على خلفية اندلاع الحرب في غزة.


«أسطول الحرية» مستعد للإبحار من تركيا لغزة... وتحذير لإسرائيل من أي هجوم

سفينة «أكدينيز رورو» إحدى سفن أسطول الحرية (أ.ف.ب)
سفينة «أكدينيز رورو» إحدى سفن أسطول الحرية (أ.ف.ب)
TT

«أسطول الحرية» مستعد للإبحار من تركيا لغزة... وتحذير لإسرائيل من أي هجوم

سفينة «أكدينيز رورو» إحدى سفن أسطول الحرية (أ.ف.ب)
سفينة «أكدينيز رورو» إحدى سفن أسطول الحرية (أ.ف.ب)

يستعد «أسطول الحرية» للإبحار إلى غزة من ميناء توزلا التركي (غرب) لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع وتقديم المساعدات للسكان الفلسطينيين، حسبما نشرت «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتنتظر 3 سفن على الأقل محملة بـ5 آلاف طن من المواد الغذائية ومياه الشرب والمساعدات الطبية، الضوء الأخضر من السلطات التركية لمغادرة الميناء الواقع على بحر مرمرة جنوب إسطنبول، الأسبوع المقبل، إن أمكن، بحسب ما قال المنظمون، الجمعة.

وأعرب 280 ناشطاً ومدافعاً عن حقوق الإنسان ومحامياً وطبيباً عن استعدادهم للصعود على متن السفينة، آتين من أكثر من 30 دولة؛ بينها الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا والنرويج وألمانيا وإسبانيا وماليزيا.

وطلبوا أمام الصحافة ضمان حرية عبورهم ووقفاً فورياً لإطلاق النار في قطاع غزة الخاضع للحصار ويتعرض لقصف إسرائيلي منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول).

وحذرت آن رايت، ناشطة السلام والضابطة السابقة في الجيش الأميركي، التي قالت إنها «استقالت عام 2003 احتجاجاً على الحرب في العراق»، السلطات الإسرائيلية من أن «أي محاولة للصعود على متن سفننا أو مهاجمتها ستكون غير قانونية».

ما لا يقل عن 3 سفن تحمل 5000 طن من الغذاء ومياه الشرب والمساعدات الطبية (أ.ف.ب)

وأضافت رايت: «نمثل المجتمع المدني المطالب بالسلام والعدالة. ونطلب من العالم ضمان أمننا لتوفير السلع الأساسية لإخواننا وأخواتنا في غزة».

وتابعت: «كما تعلمون هذا الأسطول ليس الأول»، في إشارة إلى محاولة سابقة لكسر الحصار أدت إلى توترات كبيرة بين إسرائيل وتركيا.

سابقة عام 2010

وعام 2010، أبحر «أسطول الحرية» الذي ضم 8 سفن شحن وعلى متنه 700 راكب ومساعدات إنسانية ومواد بناء من أنطاليا (جنوب) في محاولة لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة وإمداد السكان بحاجاتهم.

وبعد 9 أيام من إبحاره في 31 مايو (أيار)، أدت عملية عسكرية إسرائيلية والصعود على متن إحدى السفن «مافي مرمرة» إلى مقتل 10 أشخاص وإصابة 28 من الناشطين و10 في الجانب الإسرائيلي.

وعقب هذه الحادثة، شهدت العلاقات بين إسرائيل وتركيا أزمات إلى حين استئناف علاقاتهما الدبلوماسية بشكل كامل في أغسطس (آب) 2022، مع عودة السفيرين والقنصلين إلى البلدين.

وشددت رايت على أن «ما يعانيه الشعب الفلسطيني حالياً أمر لا يمكن تصوره»، مؤكدة أن «حصار غزة غير قانوني، وهو شكل من أشكال العقاب الجماعي ويشكل جريمة حرب».

من جهتها، قالت المحامية الأميركية هويدا عراف، وهي تضع الكوفية الفلسطينية: «هاجمت إسرائيل أسطولنا عام 2010، وقتلت 10 من متطوعينا من دون أن تحاسب يوماً».

وأكدت أنه «مثلما يعد حصار غزة غير قانوني، فإن أي محاولة من جانب إسرائيل لمهاجمتنا أو محاولة اعتراض سفننا ستكون مخالفة للقانون».

عمال يقومون بإعداد أسطول الحرية الراسي في ميناء توزلا البحري بالقرب من إسطنبول (أ.ف.ب)

كذلك، أشارت طبيبة التوليد وأمراض النساء الماليزية فوزية محمد حسن إلى أنه بينما يستمر تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، فإن «عمليات القتل مستمرة في غزة».

وأضافت: «لا يمكننا أن نسمح لإسرائيل بأن تحول انتباه العالم عما يتسبب في حصد مزيد من القتلى وانتشار الأمراض والدمار في غزة»، مشيرة إلى وجود «أكثر من 50 ألفاً من الحوامل» في القطاع المحاصر.

وأوضحت أننا «نعلم أن النساء يخضعن لعمليات قيصرية من دون تخدير، ويلدن أطفالاً خدجاً غير مكتملين ولا يستطعن إرضاعهم بسبب الإجهاد».

وتركيا من الدول الرئيسية التي تقدم المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الفلسطينيين. ووصلت، الجمعة، إلى ميناء العريش المصري «سفينة الخير» التاسعة التي بعثت بها الحكومة التركية، وهي محملة بـ3774 طناً من المساعدات الإنسانية.


ماكرون يمسك مجدداً بالملف اللبناني وعازم على مساعدته

ماكرون مستقبلاً ميقاتي (دالاتي ونهرا)
ماكرون مستقبلاً ميقاتي (دالاتي ونهرا)
TT

ماكرون يمسك مجدداً بالملف اللبناني وعازم على مساعدته

ماكرون مستقبلاً ميقاتي (دالاتي ونهرا)
ماكرون مستقبلاً ميقاتي (دالاتي ونهرا)

عاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليهتم شخصياً ومباشرة بالملف اللبناني، رغم الخيبات الكثيرة التي واجهتها جهوده في لبنان منذ عام 2020، مع تفجيري المرفأ والزيارتين المتلاحقتين اللتين قاما بهما إلى لبنان، لمحاولة وضعه على سكة التعافي السياسي والاقتصادي. وبعدها، ترك الملف في عهدة وزير خارجيته، وقتها، جان إيف لودريان، لينتقل بعدها إلى كاترين كولونا التي سلمها حقيبة الخارجية في بداية ولايته الثانية، قبل أن تنتقل الحقيبة المذكورة إلى ستيفان سيجورنيه الذي كان مستشاره السياسي ورئيس مجموعة حزبه «النهضة» في البرلمان الأوروبي. وبين هذا وذاك، كانت خلية الإليزيه الدبلوماسية المؤلفة من مستشاره السفير إيمانويل بون، ومن مستشاره لشؤون الشرق الأوسط والعالم العربي باتريك دوريل، وبالتشارك مع برنار إيميه، السفير الأسبق لدى لبنان ومدير المخابرات الخارجية حتى أشهر خلت، الجهة المولجة بالملف اللبناني، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية.

نهاية الإخفاقات الفرنسية

عندما أخفقت الجهود الفرنسية في إنجاز المهمة الصعبة الموكلة إليها، عمدت إلى الاستدارة بداية نحو اللجنة الثلاثية (فرنسا والولايات المتحدة والمملكة السعودية)، لتتحول لاحقاً إلى لجنة خماسية (بانضمام مصر وقطر إليها). وآخر ما قام به ماكرون تكليف الوزير السابق لودريان بمهمة «تنسيقية» لمساعدتها. والحال أن الأخير، بعد زيارتين غير مثمرتين إلى لبنان، دأب على العودة إلى الواجهة ليومين أو 3، ليختفي لأشهر بعدها. وآخر ما قام به زيارة واشنطن لتنسيق المواقف بين فرنسا والولايات المتحدة بشأن ملفين رئيسيين: حرب «المشاغلة» القائمة في جنوب لبنان بين «حزب الله» وإسرائيل. ولهذا الغرض، قدم سيجورنيه خطة مع محطات زمنية لإعادة الهدوء لهذه الجبهة، وجاءت موازية (ومنهم من يصفها بالمنافسة) لخطة أميركية قدمها مبعوث الرئيس بايدن لشؤون أمن الطاقة أموس هوكشتاين مهندس الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل. والملف الثاني عنوانه الانتخابات الرئاسية التي فشلت باريس، بداية، في تنفيذ رؤيتها القائمة وقتها على وصول النائب والوزير السابق سليمان فرنجية، مرشح الثنائي الشيعي إلى قصر بعبدا، لتتخلى عنها مع لودريان الذي أخذ يدافع عن خيار المرشح الثالث الذي رفضه، حتى اليوم، الثنائي المذكور.

وسط هذه الإخفاقات وعلى خلفية التصعيد الذي يشهده الشرق الأوسط والمخاوف الفرنسية التي نقلها المسؤولون في باريس مراراً إلى السياسيين اللبنانيين، داعين إياهم لأخذ التهديدات الإسرائيلية بتوسيع نطاق الحرب مع لبنان على محمل الجد، ولكن دون طائل، يبدو أن الرئيس ماكرون قرر استعادة الملف اللبناني الذي حمله مع آخرين إلى القمة الاستثنائية التي حصلت في بروكسل يومي الأربعاء والخميس الماضيين. واللافت فيها أن ماكرون اغتنم فرصة المؤتمر الصحافي الذي عقده بنهايتها ليوجه مجموعة رسائل وليرسم «خريطة طريق» تحركه الجديد لصالح لبنان.

وجاءت الاجتماعات التي شهدها قصر الإليزيه الجمعة، مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومع قائد الجيش العماد جوزيف عون، ثم الاجتماع الموسع على مأدبة الغداء الذي ضم المستشارين من الطرفين، لاستكمال النقاش ومن أجل التفاهم على الملفات الأربعة التي أثارها ماكرون من بروكسل؛ وأبرزها السبل الآيلة لتوفير وضمان الأمن والاستقرار في لبنان، ما يعني عملياً إيجاد تسوية لملف «حرب المناوشات» بين لبنان وإسرائيل واستباق تحولها إلى حرب موسعة بالارتباط مع التصعيد الأخير الحاصل بين إيران وإسرائيل والمخاوف الفرنسية بأن يكون لبنان أحد مسارحه. والملف الثاني يتناول دعم الجيش اللبناني. وقال ماكرون من بروكسل إن «المجلس الأوروبي قرر توفير مساعدة معززة للجيش اللبناني» الذي يراد له أن يلعب دوراً محورياً، بالتعاون مع قوات «اليونيفيل»، في تبريد جبهة الجنوب والعودة إلى تطبيق مضمون القرار الدولي رقم 1701 لعام 2006 الذي ينص على منطقة خالية من السلاح والمسلحين ما بين نهر الليطاني والحدود الدولية.

وكان يفترض أن تستضيف باريس الشهر الماضي، مؤتمراً دولياً لدعم الجيش اللبناني. إلا أنه لم يحصل، بل عُقد مؤتمر مشابه في إيطاليا بحضور العماد عون. ويصر الغربيون على الحاجة للمحافظة على الجيش باعتباره دعامة المحافظة على لبنان واستقراره. والثالث يركز على الالتفات إلى الاقتصاد اللبناني وكيفية مد يد المساعدة له. وسبق لماكرون أن قدم خريطة طريق اقتصادية عام 2020، لإنقاذ لبنان والحؤول دون انزلاقه إلى قعر الهاوية وربطها بالإصلاحات المطلوبة التي هي وسيلة الوصول إلى المساعدات الدولية التي وعد بها لبنان في مؤتمر «سيدر» في عام 2018. وكانت الوعود ضربت وقتها رقماً قياسياً، إذ وصلت إلى 11 مليار دولار بين هبات وقروض واستثمارات.

الأولوية لمساعدة الجيش اللبناني

وفي السياق العسكري، أشارت مصادر مواكبة للاجتماع بين ماكرون وعون إلى أنه كان إيجابياً، وقدم فيه عون دراسة متكاملة عن حاجات الجيش ووضعه والتحديات التي يواجهها عسكرياً ومادياً. ودرسها الجانب الفرنسي، وكانت لديه بعض الأسئلة حول مندرجاتها. وتم البحث في كيفية القيام بمساعدة الجيش، كما تم البحث بالوضع في الجنوب وإمكانية تعزيز وجوده وفق خطة معينة وتأمين حاجاته. ومن أجل ذلك تم تشكيل لجنة مشتركة للبحث بهذه الخطة والحاجات وكيفية تمويلها. وقد يحتاج ذلك بالطبع إلى قرار سياسي لبناني ووقف لإطلاق النار في الجنوب.

أما بالنسبة للملف الاقتصادي، فإن باريس تذكر بأنها مع الاتحاد الأوروبي ومجموعة دعم لبنان كانت دائماً جاهزة لتقديم المساعدات الاقتصادية والمالية، شرط القيام بالإصلاحات البنيوية لوقف النزيف المالي الذي يتعرض له لبنان من جراء الفساد. والطريق إليها تمر عبر الإصلاحات الهيكلية.

كذلك تم بحث موضوع اللاجئين السوريين من جميع جوانبه. وكان الرئيس ماكرون قد أشار إلى «تولي الاتحاد الأوروبي مسؤولية اللاجئين السوريين». ومن السيناريوهات المحتملة أن يقوم الاتحاد الأوروبي بتقديم المساعدات لسد المصاريف التي تتكبدها الدول المضيفة؛ ومنها لبنان.

أما الملف الأخير فيتناول الشغور الرئاسي الذي لم يغِب عن المحادثات. إلا أن مصدراً في قصر الإليزيه قال إنه «ليس الهدف الأساسي» من المناقشات التي أُجريت الجمعة، رغم أهمية القيام في أسرع وقت ممكن بانتخاب رئيس للجمهورية من أجل إعادة بناء مقومات الدولة، وباريس تحذر السلطات اللبنانية من المخاطر التي يتعرض لها البلد.


«الأمم المتحدة» تستنكر التحطيم «المتعمد والغاشم» للأجهزة الطبية بمستشفيات غزة

يتم وضع الأطفال حديثي الولادة في السرير بعد إخراجهم من الحاضنات في مستشفى الشفاء بغزة (رويترز)
يتم وضع الأطفال حديثي الولادة في السرير بعد إخراجهم من الحاضنات في مستشفى الشفاء بغزة (رويترز)
TT

«الأمم المتحدة» تستنكر التحطيم «المتعمد والغاشم» للأجهزة الطبية بمستشفيات غزة

يتم وضع الأطفال حديثي الولادة في السرير بعد إخراجهم من الحاضنات في مستشفى الشفاء بغزة (رويترز)
يتم وضع الأطفال حديثي الولادة في السرير بعد إخراجهم من الحاضنات في مستشفى الشفاء بغزة (رويترز)

ندّدت «الأمم المتحدة»، اليوم (الجمعة)، بالتدمير المتعمد للمعدات الطبية المعقدة التي يصعب الحصول عليها في المستشفيات وأقسام الولادة التي ترزح تحت ضغوط هائلة في غزة، ما يزيد المخاطر التي تواجهها النساء اللواتي يلدن في «ظروف غير إنسانية ولا يمكن تصورها»، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال دومينيك ألين، ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في دولة فلسطين، إن البعثات الأخيرة التي قادتها «الأمم المتحدة» إلى 10 مستشفيات في غزة وجدت أن كثيراً منها «في حالة خراب» ولم يعد سوى عدد قليل منها قادراً على تقديم أي مستوى من الرعاية الصحية للأمهات.

وقال إن ما عثرت عليه الفرق في مجمع مستشفى ناصر الطبي، الذي حاصرته القوات الإسرائيلية لفترة طويلة خلال عملياتها في مدينة خان يونس الجنوبية، «يفطر قلبي».

وفي حديثه للصحافيين، في جنيف عبر الفيديو من القدس، أشار إلى أنه رأى «معدات طبية تم تحطيمها عمداً، وكابلات أجهزة التصوير بالموجات فوق الصوتية وقد تم قصُّها، وأنتم تعرفون مدى أهميتها للمساعدة في ضمان ولادة آمنة».

وأضاف: «لقد تم تحطيم شاشات المعدات الطبية المعقدة، مثل أجهزة التصوير بالموجات فوق الصوتية وغيرها من الشاشات».

وشرحت منظمة الصحة العالمية مدى صعوبة إدخال مثل هذه المعدات إلى غزة قبل اندلاع الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) بين حركة «حماس» وإسرائيل.

«تدمير مقصود وغاشم»

وشدد ألين على أن هذا «التدمير المتعمد والغاشم لقسم الولادة»، إلى جانب الأضرار الأخرى، وقطع الماء والكهرباء وتدمير شبكة الصرف الصحي، يعقد الجهود الرامية إلى إعادة تشغيل ما كان في السابق ثاني أهم مستشفى في القطاع المحاصر «لتوفير شريان حياة».

وفي الوقت نفسه، قال إنه في مستشفى الخير التخصصي للولادة في خان يونس «لا يبدو أن هناك أي معدات طبية تعمل».

وأعرب عن أسفه أمام الصمت المخيم على غرف الولادة، وفي حين أنها «يجب أن تكون مكاناً يهب الحياة فإنها توحي بشعور غريب بالموت».

ولا يعمل حالياً سوى 10 مستشفيات من أصل 36 في غزة، وبشكل جزئي.

وقال ألين إن 3 فقط منها يمكنها تقديم المساعدة لنحو 180 امرأة يلدن في مختلف أنحاء غزة كل يوم، ويعاني نحو 15 في المائة منهن مضاعفات تتطلب رعاية متخصصة.

ومن ثم، فإن المستشفيات التي يمكنها تقديم مثل هذه الرعاية عاجزة عن ذلك.

وأضاف أن المستشفى الإماراتي في الجنوب، وهو مستشفى الولادة الرئيسي في غزة حالياً، ييسر على سبيل المثال نحو 60 ولادة يومياً، بما في ذلك 12 عملية قيصرية.

ونظراً للضغط الكبير الذي يواجهه، يُضطر إلى إخراج النساء بعد ساعات فقط من الولادة، «وبعد الولادة القيصرية، يخرجن بعد أقل من يوم واحد»، وفقاً لألين، الذي شدد على أن «هذا يزيد من المخاطر» على صحتهن وصحة مواليدهن.

«شلل تام»

وقال إنه من الواضح أن هناك مخاطر في الإجراءات المعقدة، على صلة «بسوء التغذية والجفاف والخوف، ما يؤثر على قدرة المرأة الحامل على الولادة بأمان وحمل طفلها إلى فترة الحمل الكاملة بأمان».

وأبلغ طبيب في المستشفى الإماراتي ألين بأنه «لم يعد يرى أطفالاً يولدون بحجم طبيعي».

وأضاف ألين أنه في ظل النظام الصحي «المصاب بشلل تام» في غزة، فإن صندوق الأمم المتحدة للسكان «يشعر بقلق عميق بشأن القدرة على توفير الرعاية بعد الولادة».

وقال إن الوكالة تنشر القابلات ومعدات القبالة في المراكز المؤقتة التي يتم إنشاؤها في المدارس للمساعدة في سدّ النقص.

اندلعت الحرب الحالية بعد أن شنّت «حماس» هجوماً غير مسبوق في 7 أكتوبر احتجز المهاجمون خلاله نحو 250 رهينة، تقدر إسرائيل أن 129 منهم ما زالوا في غزة، من بينهم 34 يُعتقد أنهم لقوا حتفهم.

وأدى الهجوم الانتقامي الإسرائيلي المدمر إلى مقتل أكثر من 34 ألف شخص في غزة، معظمهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة في القطاع، الذي كانت تديره «حماس».


لبنان: الجهود الرئاسية تراوح مكانها... ومبادرة «الاعتدال» أمام الفرصة الأخيرة

سفراء «اللجنة الخماسية» في اجتماع سابق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي (الشرق الأوسط)
سفراء «اللجنة الخماسية» في اجتماع سابق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي (الشرق الأوسط)
TT

لبنان: الجهود الرئاسية تراوح مكانها... ومبادرة «الاعتدال» أمام الفرصة الأخيرة

سفراء «اللجنة الخماسية» في اجتماع سابق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي (الشرق الأوسط)
سفراء «اللجنة الخماسية» في اجتماع سابق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي (الشرق الأوسط)

لا تزال المبادرات الرامية إلى حل الأزمة الرئاسية في لبنان تدور في حلقة مفرغة مع الشروط والشروط المضادة التي يتمسك بها الفرقاء، إضافة إلى ارتباطها بالأوضاع الإقليمية والجبهات المفتوحة، التي تفرمل أي اتفاق أو صيغة حل تؤدي إلى انتخاب رئيس للبلاد بعد نحو سنة ونصف السنة من الفراغ الرئاسي.

وإذا كان سفراء «اللجنة الخماسية» متمسكين بتفاؤلهم ومستمرين في جهودهم في محاولة منهم لإنهاء هذه الأزمة رغم المعطيات السلبية التي تحيط بالاستحقاق، فإن مبادرة تكتل «الاعتدال الوطني» الذي كان يعمل أيضاً على مبادرة رئاسية، تصطدم بدورها بتصلب المواقف، وآخرها الانتقاد الذي وجّهه لها رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، مرشّح «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري إلى الرئاسة، الذي أعلن أيضاً تمسكه بترشيحه.

وهذا التمسك يواجه بشكل أساسي مطلب المعارضة التي، إضافة إلى رفضها تكريس عرف الحوار قبل الانتخابات الرئاسية، ترى أن تراجع «الثنائي الشيعي» (حزب الله وحركة أمل) عن ترشيح فرنجية هو الخطوة الأولى باتجاه التوافق والذهاب نحو خيار ثالث، وترفض أن يترأس رئيس البرلمان نبيه بري الحوار وتطالب بعقد جلسات مفتوحة لانتخاب رئيس، مقابل إصرار «الثنائي» على أن يترأس بري أي حوار والتوافق للدعوة إلى جلسات نيابية لانتخاب رئيس.

وبعدما كان فرنجية قد أكّد لسفراء «اللجنة» الذين التقاهم، الأربعاء، الاستمرار بترشحه، عاد وجدد التأكيد على هذا الأمر إثر لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي، مقللاً من أهمية مبادرة «الاعتدال» وواصفاً إياها بـ«الأفلاطونية»، معتبراً في الوقت عينه أن «معظم نواب التكتل سيصوّتون له»، وهو ما نفاه النائب في «الاعتدال» محمد سليمان الذي شنّ بدوره هجوماً على ترشيح رئيس «المردة»، بالقول: «بعض الترشيحات التي تُعرقل كل المبادرات هي التي يصح وصفها بالهمايونية»، مؤكداً أن «أصوات الاعتدال هي مسؤولية تقع على عاتق نوّاب الكتلة بحسب تلمسهم للمصلحة الوطنية والثقة التي أولاها لهم الناخبون، ولا يعود لأحد التصرّف بها بخطابات أو بأوهام أو بأحلام».

وعلى الرغم من قناعته بصعوبة الوضع نتيجة ما سمعه من قبل الأفرقاء اللبنانيين والانقسام العمودي فيما بينهم، يعطي تكتل «الاعتدال الوطني» الفرصة الأخيرة لنفسه لاستئناف حراكه بناء على تعديلات على مبادرته، قبل أن ينعيها نهائياً، إذا انتهت جولته المقبلة كما انتهت عليه الجولات السابقة، وفق ما تقول مصادر نيابية في التكتل لـ«الشرق الأوسط». وسيستند التكتل في جولته الجديدة إلى تعديل يرتبط بالجهة التي ستدعو للحوار وستترأسه، وهو أن يتداعى النواب للحوار الذي يعود بري ويترأسه قبل الدعوة لجلسات لانتخاب رئيس للجمهورية.

وكان قد رفض كل من «القوات» و«الكتائب اللبنانية» أن يترأس بري الحوار للبحث في الاستحقاق الرئاسي، معتبرين أنه طرف في الخلاف، بينما أعلنت كتلة «حزب الله» النيابية موافقتها على مبادرة «الاعتدال» شرط أن يترأس بري الحوار، وهو الموقف الذي ينسجم أيضاً مع كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها بري.

وبانتظار ما ستكون عليه نتيجة جولة «الاعتدال» المقبلة مع الأفرقاء التي يفترض أن تظهر خلال أسبوعين، تشير المصادر إلى قناعة لديها بناء على ما سمعته من الأفرقاء بأن الجميع لا يريد إنجاز الاستحقاق قبل اتضاح الصورة في التطورات الإقليمية التي زادت حدّتها أكثر في الأيام الأخيرة.

ومع إقرارها بـ«الوضع الصعب داخلياً وخارجياً لا سيما مع تفاقم المواجهة بين إيران وإسرائيل»، تدعو مصادر نيابية في كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها بري إلى انتظار ما سيقوم به سفراء «اللجنة الخماسية» الذين من المتوقع أن يلتقوا رئيس البرلمان الأسبوع المقبل، لوضعه في آخر المعطيات التي تكوّنت لديهم نتيجة اللقاءات التي عقدوها مع الأفرقاء اللبنانيين. وفيما يبدو شبه قناعة باستحالة التوصل إلى حل في الفترة الحالية، تقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «ليس علينا إلا أن نتأمل ونراهن على أي إيجابية قد تظهر رغم كل الأوضاع الصعبة»، رامية في الوقت عينه المسؤولية على الطرف الآخر الذي يرفض الحوار، متّهمة إياهم بأنهم لا يريدون إنجاز الاستحقاق في الوقت الحالي.

التشاؤم نفسه، تعبّر عنه مصادر في حزب «القوات اللبنانية» بالقول لـ«الشرق الأوسط»: «لم تخرج الأمور يوماً من مرحلة المراوحة ولم تتجاوز عتبة الصفر لأسباب معروفة هي تمسك الفريق الآخر بنفس الخيار الرئاسي ورفض الذهاب إلى خيار ثالث، إضافة إلى أنهم لا يريدون عقد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية وإذا دعوا يعمدون إلى إفقاد الجلسة نصابها، ويصرون في المقابل على حوار برئاسة رئيس البرلمان».

وبينما ينتظر «القوات» ما سيحمله تكتل «الاعتدال» من «طرح منقّح» في مبادرته لدرسه وإبداء الموقف بشأنه، ترى المصادر أن المشكلة لا تكمن بتمسك فرنجية بترشيحه، إنما بالفريق السياسي الذي لا يطبق الدستور ويريد تغيير طبيعة الجمهورية من خلال ممارسات مختلفة عن الممارسات المعهودة، ويمسك بالتالي بالاستحقاق تحت مبدأ أن تكونوا معي أو لا رئاسة.


تراجع نسبي لحدة المواجهات بين إسرائيل و«حزب الله»

مواطنون لبنانيون يمرّون أمام مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في بلدة كفركلا بجنوب لبنان (أ.ب)
مواطنون لبنانيون يمرّون أمام مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في بلدة كفركلا بجنوب لبنان (أ.ب)
TT

تراجع نسبي لحدة المواجهات بين إسرائيل و«حزب الله»

مواطنون لبنانيون يمرّون أمام مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في بلدة كفركلا بجنوب لبنان (أ.ب)
مواطنون لبنانيون يمرّون أمام مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في بلدة كفركلا بجنوب لبنان (أ.ب)

تراجعت حدة المواجهات بين إسرائيل و«حزب الله» في الساعات القليلة الماضية، مقارنة بما كانت عليه في الأيام الأخيرة، في وقت قال فيه نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم، إن الحزب لم يتوقع أن تستمر الحرب بينه وبين إسرائيل لنحو 7 أشهر.

وأعلن «حزب الله» تنفيذ عدد من العمليات التي استهدفت تجمعات لعسكريين إسرائيليين، ونعى أحد مقاتليه ويدعى محمد حسن السيد عبد المحسن فضل الله من بلدة عيناثا.

وقال في بيانات متفرقة إن مقاتليه استهدفوا الجمعة، «تجمعاً لجنود العدو الإسرائيلي في محيط موقع الراهب بقذائف المدفعية»، بعدما كانوا قد استهدفوا مساء الخميس «فريقاً فنياً للعدو الإسرائيلي أثناء قيامه بصيانة التجهيزات التجسسية في ثكنة راميم بقذائف ‏المدفعية، وأوقعوا فيه إصابات مؤكدة».‏

في المقابل، أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان، عن استهدافه منشأة عسكرية لـ«حزب الله» في منطقة عيتا الشعب بجنوب لبنان. وكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، عبر منصة «إكس»: «رصدت جنديات استطلاع تابعات للكتيبة 869 مخربين وُجدوا داخل مبنى عسكري تابع لمنظمة (حزب الله) الإرهابية في منطقة عيتا الشعب بجنوب لبنان. فأغارت قطعة جوية تابعة لسلاح الجو على المبنى والمخربين الذين تمركزوا فيه».

وكانت «الوكالة الوطنية للإعلام» قد أفادت بأن المدفعية الإسرائيلية استهدفت أطراف بلدة رميش، كما شن الطيران الإسرائيلي غارة، مستهدفاً منزلاً في حي النقيز في بلدة عيتا الشعب بصاروخين من نوع «جو - أرض».

ولفتت «الوطنية» إلى أن الجيش الإسرائيلي قام بعملية تمشيط بالأسلحة الرشاشة باتجاه منطقة الميسات في الوزاني.

وكان نعيم قاسم قال لشبكة «إن بي سي نيوز» الإخبارية إن «الحزب لم يتوقع أن تستمر الحرب بينه وبين إسرائيل لنحو 7 أشهر».

وأوضح: «لم نتوقع أن تطول الحرب كل هذه المدة لأننا لم نعتقد أن (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو بهذا الغباء، وكذلك (الرئيس الأميركي جو) بايدن والدول الأخرى».

وأضاف أن الحزب «لا يرغب في توسيع نطاق المعارك التي يخوضها مقاتلوه ضد إسرائيل على الحدود الجنوبية»، لكنه قال أيضاً إن الحزب سيرد «بطريقة نوعية» على أي تصعيد إسرائيلي.


مقتل فلسطيني وإصابة 4 جنود إسرائيليين في اشتباكات بالضفة

آليات إسرائيلية خلال اقتحام مخيم نور شمس بطولكرم الجمعة (أ.ف.ب)
آليات إسرائيلية خلال اقتحام مخيم نور شمس بطولكرم الجمعة (أ.ف.ب)
TT

مقتل فلسطيني وإصابة 4 جنود إسرائيليين في اشتباكات بالضفة

آليات إسرائيلية خلال اقتحام مخيم نور شمس بطولكرم الجمعة (أ.ف.ب)
آليات إسرائيلية خلال اقتحام مخيم نور شمس بطولكرم الجمعة (أ.ف.ب)

أعلن ناطق عسكري إسرائيلي، اليوم (الجمعة)، عن وقوع اشتباكات بين الجيش الإسرائيلي وقوة مقاومة محلية في مخيم نور شمس للاجئين الفلسطينيين، في مدينة طولكرم بالضفة الغربية؛ ما تسبب في إصابة أربعة جنود بجروح ومقتل شاب فلسطيني.

وقال شهود عيان إن الشاب سليم فيصل عبد اللطيف غنام (30 عاماً) قُتل جراء إصابته برصاص الاحتلال في حارة الدمج في المخيم، وإن اثنين آخرين أُصيبا بجروح. وأكدوا أن جثمان الضحية ما زال داخل المخيم؛ إذ تمنع قوات الاحتلال مركبات الإسعاف من الوصول إليه أو إلى المصابين. وأوضحوا أن سليم هو شقيق عامر وأحمد غنام، اللذين ارتقيا خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي الواسع على المخيم في التاسع عشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

بالمقابل، قال الناطق بلسان الجيش إن أربعة جنود إسرائيليين أُصيبوا خلال تبادل إطلاق نار مع مقاومين فلسطينيين في مخيم نور شمس، حيث يواصل الجيش لليوم الثاني اقتحاماته عدداً من المنازل وتنفيذ عمليات اعتقال. وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي، إن «جنديين أُصيبا بجروح طفيفة نتيجة شظايا خلال تبادل إطلاق النار مع مسلحين خلال عملية للجيش في مخيم نور الشمس للاجئين».

جندي إسرائيلي يستخدم طائرة مسيّرة خلال العملية العسكرية في مخيم نور شمس الجمعة (أ.ف.ب)

وكان الجيش الإسرائيلي قد بدأ، مساء الخميس، تنفيذ «عملية عسكرية واسعة النطاق» في مخيم نور الشمس للاجئين، دون ذكر أي تفاصيل بشأن هدف العملية أو مدتها. وقد ألحقت القوات دماراً واسعاً في بنيته التحتية وممتلكات المواطنين. وشمل التدمير الشوارع الرئيسية والأزقة وشبكات المياه والصرف الصحي، وأسوار المنازل والمحال والمنشآت التجارية.

وفي القدس، أدى عشرات آلاف المواطنين صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك. وقدّرت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس عدد المصلين بنحو 50 ألف مواطن. وفرضت القوات الإسرائيلية إجراءات عسكرية مشددة على أبواب المسجد الأقصى ومداخل البلدة القديمة من القدس، وأعاقت بذلك وصول المئات من المصلين.


خطوات عملية لـ«الداخلية» اللبنانية و«الأمن العام» لحل أزمة النازحين السوريين

سمیر جعجع: لترحيل مخالفي قوانين الإقامة من النازحين السوريين (لبنانی فورسز - میدیا)
سمیر جعجع: لترحيل مخالفي قوانين الإقامة من النازحين السوريين (لبنانی فورسز - میدیا)
TT

خطوات عملية لـ«الداخلية» اللبنانية و«الأمن العام» لحل أزمة النازحين السوريين

سمیر جعجع: لترحيل مخالفي قوانين الإقامة من النازحين السوريين (لبنانی فورسز - میدیا)
سمیر جعجع: لترحيل مخالفي قوانين الإقامة من النازحين السوريين (لبنانی فورسز - میدیا)

لم يعد لبنان الرسمي يستطيع التعامل بخفة مع ملف النزوح السوري في ظل الضغوط الشعبية والسياسية المتصاعدة لحل هذه الأزمة؛ ما دفع وزارة الداخلية، وكذلك الأمن العام اللبناني، إلى اتخاذ خطوات عملية فورية للدفع باتجاه حل أزمة النزوح المتواصلة منذ عام 2011.

وعاد هذا الملف إلى الواجهة مع اتهام عصابة سورية بخطف وقتل منسّق حزب «القوات اللبنانية» في منطقة جبيل باسكال سليمان، إضافة إلى ارتفاع عدد الجرائم التي يرتكبها سوريون. ولجأت بعض المجموعات المناطقية والحزبية إلى اتخاذ إجراءات مباشرة بحق النازحين، كطردهم من عدد من القرى والبلدات، وإخراج التلامذة السوريين من المدارس اللبنانية.

43 % من سكان لبنان

وبحسب مدير عام الأمن العام بالوكالة، اللواء إلياس البيسري، يبلغ العدد التقديري للنازحين السوريين في لبنان مليونين و100 ألف، أي ما يعادل 43 في المائة من عدد المقيمين في البلاد. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسلم «الأمن العام» قاعدة بيانات من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تشمل أسماء مليون و486 ألف نازح، دون تصنيفٍ أو تحديد لتاريخ التسجيل أو الدخول إلى لبنان؛ ما يُعقّد تحديد الوضع القانوني لهؤلاء.

وتقول مصادر «الأمن العام» اللبناني لـ«الشرق الأوسط» إنه «تم الطلب من المفوضية إعطاء الجهاز (داتا) جديدة مرتبطة بتاريخ الدخول، أي إذا كان بعد عام 2015، حين قررت الحكومة اللبنانية عدم تسجيل المزيد من النازحين، أو قبل ذلك؛ كي يتحدد وضعهم القانوني».

تدابير جديدة

وتشير المصادر إلى أن جهاز الأمن العام «مستعد لترحيل ما بين 2000 و3000 نازح غير نظامي يومياً في حال كان هناك قرار سياسي بذلك»، لافتة إلى «تدابير جديدة اتُخذت منذ بضعة أسابيع في إطار السعي لتنظيم هذا الملف والدفع باتجاه عودة النازحين إلى بلدهم، وأبرزها عدم القبول بإفادات مصرفية وعقود إيجار لتجديد الإقامات، واستبدال فرض إيداع مبلغ يتراوح بين مليار ونصف مليار ليرة لبنانية (نحو 16 ألف دولار أميركي) و3 مليارات ليرة (33 ألف دولار) بها في وزارة المال، كما بتنا نلجأ لإقفال المحال التجارية التي تؤدي إلى منافسة غير مشروعة مع اللبنانيين».

جعجع لترحيل المخالفين

وفي مؤتمر صحافي عقده يوم الجمعة، قال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع: «لدينا في لبنان بين 40 و45 في المائة من السوريين يقيمون بشكل غير شرعي، كما أن الأزمة السورية تحتاج إلى 13 سنة إضافية. وبعد هذه السنوات، يكون قد بات للنازحين السوريين حق مكتسب في الأرض، ومن المتوقع أن يصبح عددهم 4 ملايين، أي بقدر عدد اللبنانيين».

وحمّل جعجع ‏«المسؤولية الأولى المركزية في مسألة اللجوء السوري للأمن العام اللبناني، ومعه بالدرجة الثانية قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني»، عادّاً أن «المسألة يجب معالجتها وفق القانون 1962، وهو قانون واضح ينص على ترحيل من لا إقامة له، وقرار الترحيل هو قرار إداري يتخذه الأمن العام ولا يحتاج إلى قرار قضائي، وبالتالي هنا تسقط حجة من يطالب بقرار سياسي لتنفيذ القانون».

رد على جعجع

ورد مصدر رسمي على جعجع، لافتاً إلى أن «قانون الدخول إلى لبنان والإقامة فيه لا يتضمن المادة القانونية التي استند إليها الدكتور جعجع، كما أن مضمونها لم يرد في أيٍ من النصوص القانونية اللبنانية لجهة الترحيل المباشر لأي عربي أو أجنبي مخالف لنظام الإقامة في لبنان في حال عدم حيازته إقامة شرعية، بل أن إجراءات مخالفة نظام الإقامة المشار إليها في القانون أعلاه وفي قانون العقوبات اللبناني، تستدعي ملاحقة المخالف قضائياً لحين صدور قرار جزائي بإخراجه من البلاد، إضافة إلى العمل بإشراف النيابات العامة»، موضحاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الأمن العام طلب من المفوضية تحديد مَن دخلوا قبل 2015 وبعده ليحدد بدوره من هم في حاجة إلى حماية ومن يمكن إعادتهم إلى سوريا».

وزارة الداخلية للتشديد في تطبيق التعاميم

وتضيف المصادر: «لا ينفع في مرحلة مفصلية كالتي نمرّ فيها تبسيط الأمور والدفع باتجاه حرب لبنانية - سورية قد تتحول حرباً لبنانية - لبنانية»، مشددة على وجوب أن «يقوم النواب بواجباتهم باقتراح قوانين وتعديل قوانين أخرى تسمح بتسريع العمل بملف إعادة النازحين بدل تحميل الأجهزة الأمنية مسؤوليات سياسية».

وفي إطار سعيها لتنظيم الوجود السوري في لبنان، أصدرت وزارة الداخلية في سبتمبر (أيلول) الماضي مجموعة تعاميم لتنظيم الوجود السوري في القرى والبلدات والمدن، وكلفت المحافظات والبلديات إحصاء النازحين السوريين الموجودين ضمن نطاقها، والتشدد في موضوع مواقع إقامتهم وعمالتهم، ورفع تقارير دورية كل 15 يوماً بالإجراءات التي قامت بها على صعيد قمع المخالفات وإزالة التعديات.

وبحسب المعلومات، طلب وزير الداخلية بسام مولوي مؤخراً من المحافظين ورؤساء البلديات التشدد بتطبيق التعاميم التي كانت قد صدرت.

وأشارت مصادر أمنية إلى أن «ما يُعمل عليه راهناً هو تنظيم الوجود السوري وإعداد قاعدة واضحة وكاملة للبيانات»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «ما يهم وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية حماية أمن البلد وتجنب الفتنة، وألا نترك مجالاً لدخول طابور خامس لضرب أمن البلد والمواطنين».

ودخل النازحون السوريون إلى لبنان منذ عام 2011 بشكل عشوائي، عبر معابر شرعية وأخرى غير شرعية، وانتشروا في مخيمات وشقق مستأجرة في معظم المناطق اللبنانية؛ ما جعل من الصعب جداً على السلطات الرسمية جمع «داتا» واقعية عنهم.

ومع اندلاع الأزمة المالية في البلد عام 2019، وتدهور الأحوال الاقتصادية والمعيشية، بات السوريون يزاحمون اللبنانيين على المواد الغذائية التي كانت مدعومة، كما على المحروقات والخبز، والأهم على فرص العمل؛ ما أدى إلى احتقان اجتماعي كبير، بلغ حدوده القصوى مؤخراً بعد أكثر من حادثة سرقة وقتل وخطف تبين أن مرتكبيها سوريون.


اعتقال محاضرة عربية في الجامعة العبرية بالقدس... وإطلاقها

أطفال فلسطينيون في رفح بجنوب قطاع غزة اليوم الجمعة (أ.ف.ب)
أطفال فلسطينيون في رفح بجنوب قطاع غزة اليوم الجمعة (أ.ف.ب)
TT

اعتقال محاضرة عربية في الجامعة العبرية بالقدس... وإطلاقها

أطفال فلسطينيون في رفح بجنوب قطاع غزة اليوم الجمعة (أ.ف.ب)
أطفال فلسطينيون في رفح بجنوب قطاع غزة اليوم الجمعة (أ.ف.ب)

بعد اعتقال استمر يوماً كاملاً، قرّرت المحكمة المركزية في القدس، اليوم (الجمعة)، إطلاق سراح المحاضرة في الجامعة العبرية في القدس، البروفسورة نادرة شلهوب - كيفوركيان، التي كانت قد اعتُقلت، الخميس، للتحقيق معها في شبهة «التحريض على العنصرية والإرهاب». لكن المحكمة وضعت شروطاً على إطلاق سراحها، منها كفالة شخصية بقيمة 10 آلاف شيقل (2800 دولار) وكفالة طرف ثالث بالقيمة تفسها والالتزام بالمثول للتحقيق في كل مرة تطلبها الشرطة.

وقد جاء الاعتقال عقب التصريحات التي كانت البروفسورة نادرة قد أدلت بها حول الحرب في غزة، مرات عدة منذ نشوبها في 7 أكتوبر (تشرين الأول) وآخرها في مطلع شهر مارس (آذار)، وفيها شككت في الادعاءات الإسرائيلية بأن رجال «حماس» ومَن رافقهم في هجوم 7 أكتوبر الماضي نفذوا جرائم اغتصاب، وقالت: «قالوا لنا في البداية إن هناك قطع رؤوس وإلقاء أطفال في الأفران وتبين أنه كذب والآن يقولون (اغتصاب). لم نعد نصدق أكاذيبهم. وعلى العالم ألا يصدق هذه الأكاذيب. ما ينفذه الاحتلال الإسرائيلي غزة هو إبادة شعب».

وعلى أثر هذه التصريحات تعرضت المحاضرة الجامعية العربية، ابنة مدينة حيفا التي تعيش حالياً في القدس الشرقية، إلى موجة تحريض دامية من قوى اليمين العنصري. وتم تنظيم مظاهرات ضدها وضد الجامعة. ورضخت إدارة الجامعة العبرية للضغوط وأقدمت في حينه على تجميد وظيفتها حتى نهاية الفصل. وعادت إلى وظيفتها بعدما أثار القرار موجة انتقادات في المؤسسات الأكاديمية في العالم. ولكن الشرطة والمخابرات والقيادة السياسية صعقت من إعادتها إلى التعليم الجامعي فقررت استخدام قبضتها السلطوية.

يوم الخميس، اعتقلت الشرطة الإسرائيلية البروفسورة شلهوب - كيفوركيان، من بيتها في القدس القديمة، ونقلتها للتحقيق في مركز «مفسيرت تصيون». وقررت الشرطة تمديد اعتقالها، حتى يوم الجمعة، لعرضها أمام محكمة الصلح في القدس. وفي المحكمة طلبت تمديد اعتقالها لغرض التحقيق. لكن محاميها علاء محاجنة أوضح أن اعتقالها «غير قانوني، ونابع من سياسة الشرطة التي تنتهجها ضد المواطنين العرب بهدف تخويفهم». وأضاف: «واضح أن مَن يقف وراء قرار الشرطة هو وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، الذي يطبق سياساته العنصرية من خلال الشرطة، التي أصبحت ذراعاً لتنفيذ وتطبيق سياساته»، علماً بأن الوزير بن غفير رحّب بالاعتقال وهنأ الشرطة، وقال إن «الاعتقال يوجه رسالة مفادها أن أولئك الذين يحرضون ضد دولة إسرائيل لن يتمكنوا من الاختباء تحت منصب أو وظيفة».

واستهجن المحامي محاجنة «قرار النائب العام في النيابة الإسرائيلية الذي صادق على هذا التحقيق والاعتقال المشين»، علماً بأن الشرطة كانت قد أوصت النيابة العامة بالسماح لها بفتح تحقيق ضد شلهوب - كيفوركيان بشبهة «التحريض» على خلفية مواقفها المعارضة للحرب.

وأوضح الدكتور حسن جبارين، رئيس مركز «عدالة القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل»، الذي يقود الدفاع عنها، أن «اعتقال البروفسورة شلهوب كيفوركيان يندرج في إطار التحريض على العرب وممارسة الاضطهاد والقمع السياسيين ضدهم».

وعدّ مندوب الشرطة الاعتقال ضرورياً لوقف التحريض على الإرهاب. وادعى أن أقوال شخصية أكاديمية رفيعة مثلها يؤثر على شبان فلسطينيين للقيام بعمليات إرهاب.

لكن قاضي محكمة الصلح لم يقتنع برواية الشرطة. وتلقى رسالة من إدارة الجامعة تقول إن تصريحات المحاضرة خطيرة والجامعة لا توافق عليها ولكنها لا تتعدى حدود الشرعية وحرية الرأي. وعندما قررت المحكمة إطلاق سراحها، طلبت الشرطة منحها بضع ساعات كي تستأنف إلى المحكمة المركزية. وفي المركزية، رفض القاضي دوف فولك موقف الشرطة ووبخها قائلاً: «إذا كانت أقوالها بهذه الخطورة الشديدة، لماذا انتظرتم شهراً كاملاً حتى اعتقلتموها؟ وأي خطر يمكن أن ينجم عنها؟ لقد أمعنت النظر في الملف ووجدت أنكم فتشتم بيتها ولم تعثروا على شيء. ولم أجد أي خطر كهذا».


دولة فلسطين نحو اعترافات إضافية غداة الحجب الأميركي لعضويتها الأممية

حشد من الدبلوماسيين في قاعة مجلس الأمن خلال التصويت على قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة (إ.ب.أ)
حشد من الدبلوماسيين في قاعة مجلس الأمن خلال التصويت على قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة (إ.ب.أ)
TT

دولة فلسطين نحو اعترافات إضافية غداة الحجب الأميركي لعضويتها الأممية

حشد من الدبلوماسيين في قاعة مجلس الأمن خلال التصويت على قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة (إ.ب.أ)
حشد من الدبلوماسيين في قاعة مجلس الأمن خلال التصويت على قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة (إ.ب.أ)

غداة استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار جزائري حظي بدعم واسع عربياً ودولياً لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، اتجهت الأنظار إلى الجمعية العامة لمناقشة الرفض الأميركي، والسعي إلى زيادة نوعية في عدد البلدان التي تعترف ثنائياً أو جماعياً بالدولة الفلسطينية.

ورغم «الفيتو» الأميركي، ظهرت الولايات المتحدة معزولة عن إرادة المجتمع الدولي، إذ كانت الوحيدة التي رفضت القرار الذي حصل على 12 صوتاً مؤيداً من كل من الصين وروسيا وفرنسا وسلوفينيا ومالطا والإكوادور وغويانا واليابان وكوريا الجنوبية وموزمبيق وسيراليون والجزائر. أما بريطانيا وسويسرا فامتنعتا عن التصويت.

وجاء ذلك بعدما ضغطت إدارة الرئيس جو بايدن قبل التصويت على عدد من الدول المتحالفة معها، لا سيما فرنسا وسويسرا واليابان وكوريا الجنوبية وغويانا، إما للتصويت ضد القرار، أو الامتناع عن التصويت، في محاولة لتجنب استخدام حق النقض.

وتعكس النتيجة التعاطف العالمي المتنامي مع الفلسطينيين، ليس فقط بسبب استمرار حرمانهم من حقهم في تقرير مصيرهم، بل أيضاً بسبب الهجوم الإسرائيلي التدميري المتواصل على غزة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رداً على هجوم شنته حركة «حماس» على مستوطنات وكيبوتزات إسرائيلية في غلاف القطاع.

جهود متواصلة

وهذه هي المرة الأولى التي تلجأ فيها واشنطن إلى حق النقض لتعطيل الجهود للاعتراف أممياً بدولة فلسطين، علماً أن المحاولة الأولى بدأت عام 2012، حين لم يحصل الطلب الذي قدمه الرئيس الفلسطيني محمود عباس عام 2011 على الأصوات التسعة المطلوبة من الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن.

ولم تضطر واشنطن إلى استخدام الفيتو لتعطيل الخطوة. ورغم ذلك، وصل عدد من يعترف بفلسطين إلى 138 من الدول الـ193 الأعضاء في الجمعية العامة للمنظمة الدولية.

ولكن تلك المحاولة أدت إلى رفع الوضع التمثيلي للفلسطينيين في الأمم المتحدة إلى دولة مراقبة غير عضو، وإلى فتح الباب أمام انضمام السلطة الفلسطينية إلى كثير من المنظمات الدولية الأخرى، ومنها المحكمة الجنائية الدولية.

وحيال التعطيل في مجلس الأمن، ستتوجه المجموعة العربية إلى الجمعية العامة لنيل مزيد من الاعترافات، لا سيما بعدما أيدت دول أوروبية كثيرة، وفي مقدمتها فرنسا وإسبانيا وآيرلندا وسلوفينيا والسويد وغيرها أنها مستعدة الآن للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وهذا ما سيضع الولايات المتحدة في عزلة أكبر على الساحة الدولية.

التبرير الأميركي

وأكد المندوب البديل للبعثة الأميركية روبرت وود أن «هذا التصويت (باستخدام حق النقض) لا يعكس معارضة للدولة الفلسطينيّة، بل هو اعتراف بأنه لا يمكن لها أن تنشأ إلا عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين».

وفي شرحه للفيتو، قال إن هناك «مسائل لم تحل» حول ما إذا كانت فلسطين تستوفي معايير عدّها دولة، مشيراً إلى أن «حماس» لا تزال تمارس السلطة والنفوذ في غزة، الذي يعد جزءاً رئيسياً من الدولة التي يسعى إليها الفلسطينيون.

وشدد على أن التزام الولايات المتحدة حل الدولتين، حيث تعيش إسرائيل وفلسطين جنباً إلى جنب في سلام، هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن لكلا الجانبين ولإسرائيل لإقامة علاقات مع كل جيرانها العرب، بما في ذلك السعودية.

وأكد أن «الولايات المتحدة ملتزمة بتكثيف مشاركتها مع الفلسطينيين وبقية المنطقة، ليس فقط لمعالجة الأزمة الحالية في غزة، ولكن للدفع بتسوية سياسية من شأنها أن تمهد الطريق إلى إقامة الدولة الفلسطينية وعضوية الأمم المتحدة».

ورأى المندوب الجزائري عمار بن جامع أنه على رغم «الفيتو» الأميركي، فإن الدعم «الساحق» من أعضاء المجلس «يوجه رسالة واضحة جداً: دولة فلسطين تستحق مكانتها» بين الأمم.

ووصف التصويت بأنه «خطوة حاسمة نحو تصحيح الظلم الذي طال أمده»، مضيفاً أن «السلام سيأتي من ضم فلسطين، وليس من استبعادها». ووعد باسم المجموعة العربية بأن تتقدّم بلاده مجدداً بهذا الطلب لاحقاً، من دون أن يكشف أي تفاصيل.

«يوم حزين»

المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا خلال جلسة لمجلس الأمن الخميس (رويترز)

وأشار المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا إلى أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض «للمرة الخامسة» منذ بداية حرب غزة، معتبراً أن ذلك «يظهر الأميركيين مرة أخرى ما يؤمنون به حقاً تجاه الفلسطينيين. وبالنسبة لواشنطن، لا يستحقون أن تكون لهم دولة خاصة بهم، فهم مجرد عائق في طريق تحقيق مصالح إسرائيل».

وقال إن «واشنطن نفسها ستخرج نهائياً من قائمة الدول المحبة للسلام والمحترمة، بعدما تقاسمت المسؤولية الكاملة مع حلفائها الإسرائيليين عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين».

ورأى نظيره الصيني فو كونغ أن «اليوم يوم حزين»، معبراً عن «الخيبة» من الموقف الأميركي لأنه «يحطم حلم الشعب الفلسطيني».

وقالت نائبة المندوب الفرنسي ناتالي برودهيرست إن «الوقت حان لتحقيق تسوية سياسية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس حل الدولتين»، موضحة أن بلادها «تؤيد مبادرة الجزائر برفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة وقبولها عضواً كاملاً».

وشددت على ضرورة أن «يسمح هذا الاعتراف باستئناف عملية حاسمة ولا رجعة فيها لتنفيذ حل الدولتين، وتعزيز السلطة الفلسطينية كي تكون قادرة على ممارسة مسؤولياتها بفاعلية وكفاءة في كل أنحاء أرض الدولة الفلسطينية المستقبلية».

خطاب مؤثر

المندوب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور يهم بالجلوس في قاعة مجلس الأمن قبيل التصويت على مشروع قرار منح العضوية الكاملة لفلسطين في المنظمة الدولية (إ.ب.أ)

وندّد المندوب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور باستخدام «الفيتو»، عادّاً ذلك «عدواناً صارخاً» يدفع المنطقة إلى «شفا الهاوية». وأكد في خطاب مؤثر أن هذا الرفض «لن يكسر إرادتنا، ولن يوقف إصرارنا. لن نوقف جهودنا. دولة فلسطين حتمية، إنها حقيقية».

وفي المقابل، ندد المندوب الإسرائيلي جلعاد أردان بالدول التي دعمت المشروع، مؤكداً أن «التحدث إلى هذا المجلس أشبه بالتحدث إلى حائط». وشكر للولايات المتحدة خصوصاً الرئيس جو بايدن «وقوفه إلى جانب الحقيقة والأخلاق في مواجهة النفاق والسياسة».

وجرى قبول إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة عام 1949.

وفي الرياض، أعربت وزارة الخارجية السعودية عن أسف المملكة لفشل مجلس الأمن في اعتماد مشروع قرار قبول العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة.

وأكدت الوزارة أن «إعاقة قبول العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة تسهم في تكريس تعنّت الاحتلال الإسرائيلي واستمرار انتهاكاته قواعد القانون الدولي دون رادع، ولن يقرّب من السلام المنشود».

وجددت الخارجية السعودية مطالبة المملكة باضطلاع المجتمع الدولي بمسؤوليته تجاه «وقف اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على المدنيّين في قطاع غزة، ودعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته الفلسطينية على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لمبادرة السلام العربية والقرارات الدولية ذات الصلة».