أثينا تتسلم قرضًا عاجلاً بـ7 مليارات يورو.. وتسدد منه 4.2 مليار أقساط ديون

تحد كبير أمام حكومة تسيبراس لتمرير قانون جديد للتقشف في البرلمان غدًا

عشرات اليونانيين يقفون في طابور أمام فرع البنك الوطني في العاصمة أثينا لسحب بعض مدخراتهم المالية أمس (ا.ف.ب)
عشرات اليونانيين يقفون في طابور أمام فرع البنك الوطني في العاصمة أثينا لسحب بعض مدخراتهم المالية أمس (ا.ف.ب)
TT

أثينا تتسلم قرضًا عاجلاً بـ7 مليارات يورو.. وتسدد منه 4.2 مليار أقساط ديون

عشرات اليونانيين يقفون في طابور أمام فرع البنك الوطني في العاصمة أثينا لسحب بعض مدخراتهم المالية أمس (ا.ف.ب)
عشرات اليونانيين يقفون في طابور أمام فرع البنك الوطني في العاصمة أثينا لسحب بعض مدخراتهم المالية أمس (ا.ف.ب)

منذ الساعات الأولي للصباح الباكر أمس الاثنين، اصطف اليونانيون خارج المصارف التي فتحت أبوابها بعد فترة إغلاق دامت ثلاثة أسابيع لتفادي انهيار النظام المصرفي في البلاد، وازدحم أصحاب المعاشات والمتقاعدون من هؤلاء الذين لم تكن لديهم بطاقات ائتمان لسحب أموالهم عن طريق ماكينات السحب الآلي.. اصطفوا لتسلم 60 يورو فقط من قيمة معاشاتهم.
وتمثل عودة المصارف لتقديم خدماتها للعملاء والمواطنين أولى الإشارات الحذرة على عودة الحياة لطبيعتها بعد اتفاق على بدء محادثات بشأن حزمة إصلاحات جديدة للإنقاذ المالي، لكن الحدود القصوى لعمليات السحب بقيت كما هي، ولن يسمح بالمدفوعات والتحويلات البرقية للخارج، وهو الوضع الذي قالت عنه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إنه «ليس حياة طبيعية»، وتعهدت بمفاوضات سريعة حول اتفاق إنقاذ جديد من المتوقع أن تصل قيمته إلى 86 مليار يورو.
بينما بقيت سوق الأسهم مغلقة إلى حين إشعار آخر، وأيضا دخلت الزيادات على ضريبة القيمة المضافة التي تم الاتفاق عليها ضمن شروط الإنقاذ حيز التنفيذ، حيث قفزت ضريبة القيمة المضافة على الغذاء والنقل العام إلى 23 في المائة مقابل 13 في المائة في السابق، مما أدى لرفع جميع أسعار السلع الاستهلاكية في البلاد، وتحمل الأسرة اليونانية زيادة في الإنفاق بقيمة 10 في المائة تقريبا.
وأعلنت وزارة المالية اليونانية عن تخفيف القيود التي فرضت على عمليات السحب النقدي لتصبح أكثر مرونة بعض الشيء، حيث تم تحديد حد السحب الأسبوعي بقيمة 420 يورو، بدلا من الحد الأقصى اليومي السابق الذي بلغ 60 يورو، مع ملاحظة أن العميل يستطيع سحب 300 يورو يوم الجمعة المقبل، و420 يورو الجمعة بعد المقبل، إذا لم يسحب أي أموال قبل ذلك بالإشارة إلى الـ60 يورو اليومية.
وسيكون بوسع اليونانيين إيداع شيكات ولكن ليس أموالا سائلة، كما سيكون بوسعهم دفع الفواتير والوصول إلى صناديق حفظ الأمانات وسحب الأموال من دون بطاقات ماكينات الصراف الآلي. ووفقا للمسؤولين قي المصارف فإنه قد يكون هناك قدر قليل من عدم الانتظام في الخدمة بعد فترة التوقف التي استمرت لثلاثة أسابيع.
في غضون ذلك، قدم الاتحاد الأوروبي، أمس الاثنين، منحة إلى اليونان على أساس قرض عاجل قدره 7.16 مليار يورو لتسديد ديونها أمام صندوق النقد الدولي والمصرف المركزي الأوروبي. وكانت المجموعة الأوروبية أعلنت، قبل أسبوع، تخصيص مساعدات عاجلة لليونان تتراوح بين 10 و25 مليار يورو لإعادة رسملة البنوك اليونانية، من بينها ضخ فوري قدره 10 مليارات يورو «لدعم المنظومة المصرفية بما يتيح استئناف العمل وتفادي زيادة مجموع التمويل».
وكان زعماء منطقة اليورو، في اجتماع عقد الاثنين قبل الماضي، أجبروا اليونان على التنازل عن جزء كبير من سيادتها لصالح إشراف خارجي، في مقابل الموافقة على إجراء محادثات بشأن اتفاق إنقاذ، قيمته 86 مليار يورو، لإبقاء البلد شبه المفلس داخل منطقة العملة الموحدة.
وأرغمت الشروط، التي فرضها الدائنون الدوليون بقيادة ألمانيا، خلال المحادثات التي استمرت 17 ساعة، رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس على التخلي عن تعهداته بإنهاء التقشف، الأمر الذي أثار مخاوف بشأن تصدع حكومته وإثارة استياء الشعب اليوناني الذي رفض في استفتاء شعبي خطط التقشف بنسبة زادت على 61 في المائة.
وبعد التأكيد على تسلم القرض العاجل المشار إليه، قالت وزارة المالية اليونانية إن أثينا تدفع 4.2 مليار يورو من أصل الدين والفوائد المستحقة عليه للبنك المركزي الأوروبي، إضافة إلى 2.05 مليار يورو لصندوق النقد الدولي من المتأخرات المستحقة منذ يوم 30 يونيو (حزيران) الماضي. كما ستقوم اليونان برد قرض بقيمة 500 مليون يورو للبنك المركزي اليوناني.
وحصلت اليونان على القرض العاجل أو التمويل المؤقت بقيمة 7.16 مليار يورو من آلية الاستقرار المالي الأوروبية الأسبوع الماضي، وهو مبلغ كاف لتدبير أمور أثينا حتى نهاية يوليو (تموز) وبدء مفاوضات مع دائنيها حول برنامج إنقاذ مالي ثالث.
وبسبب الخناق المالي والمفاوضات مع الدائنين، طلبت حكومة رئيس الوزراء أليكسيس تسيبراس دفع كل المستحقات الواجبة عليها لشهر يونيو (حزيران) مرة واحدة في 30 من ذلك الشهر، ومع عدم سدادها لتلك المبالغ في ذلك الموعد دخلت اليونان في «تأخير» مع المؤسسات الدولية.
وتواجه الحكومة اليسارية مجددا غدا الأربعاء تحديا جديدا بخصوص مشروع القانون الثاني الذي يتضمن قانون الإجراءات المدنية، وهو إجراء إصلاح جذري من الإجراءات والترتيبات اللازمة لنظام القضاء المدني، وتسريع كبير في العملية القضائية وخفض التكاليف، وأيضا يتضمن القانون تأمين الودائع المصرفية من قبل مؤسسات الائتمان وشركات الاستثمار. ووفقا لرئاسة الوزراء اليونانية فقد تم في اللحظات الأخيرة سحب موضوع زيادة الضرائب المفروضة على المزارعين والتقاعد المبكر لهم، على أن تتم دراسته باستفاضة خلال الأيام المقبلة.
ودعت النقابات العمالية الموالية للأحزاب اليسارية (بامي) إلى تظاهرات احتجاج غدا الأربعاء تزامنا مع التصويت داخل البرلمان على قانون جديد للتقشف، وفي بيان للنقابات فإن هذه التدابير سوف تضاف إلى المذكرات السابقة للدائنين، وسوف تزيد من معاناة الطبقة العاملة والمتقاعدين والمزارعين الفقراء وأطفالهم. وأكد البيان على الاستمرار في مواجهة الاحتكارات العدائية المشتركة مع الاتحاد الأوروبي، والنظام الرأسمالي.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.