باتشينو.. الدور نفسه باسم آخر

آل باتشينو في «داني كولينز»
آل باتشينو في «داني كولينز»
TT

باتشينو.. الدور نفسه باسم آخر

آل باتشينو في «داني كولينز»
آل باتشينو في «داني كولينز»

Danny Collins
‫إخراج: دان فوغلمان Dan Fogelman‬
تمثيل: آل باتشينو، أنيت بانينغ، جنيفر غارنر، كريستوفر بلامر.

* «داني كولينز» هو ثالث فيلم من بطولة آل باتشينو يعرض في أقل من عام: «منغلهورن» ثم «الإذلال» ثم هذا الفيلم. الثلاثة تشترك في أكثر من نقطة: باتشينو في كل واحد من هذه الأفلام يؤدي سنّـه المتقدم. في كل فيلم منها يتذكّـر ماضيه ويحن إليه. في هذا الفيلم وفي «الإذلال» هو صاحب مهنة فنية يحاول إنقاذها ثم يقرر تركها. لم يعد راغبًا بها. في «الإذلال» (The Humbling) هو ممثل. في «داني كولينز» هو مغن.
«داني كولينز» هو قصّـة مغن سابق بذلك الاسم (باتشينو) نتعرّف عليه شابًا صغيرًا جالسًا قبالة رجل يتنبأ له بأنه سيصبح نجم غناء مشهورا وثريا. ننتقل إلى اليوم الحاضر. ها هو داني يخرج إلى مسرح قاعة كبيرة مكتظة ليغني لجمهور معظمهم ممن تجاوز - مثله - الخمسين من العمر. هو يدرك أنه ما عاد يستطيع الاستمرار على هذا النحو. بات أكبر سنا من مواصلة اجترار أغان عاطفية كسبت إقبالاً قبل ثلاثين سنة، ويعلن لمدير أعماله (كريستوفر بلامر) قراره بالاعتزال لاحقًا. هذا الأخير يودعه رسالة احتفظ بها منذ زمن. رسالة كتبها المغني (الفعلي) جون لينون له قبل ثلاثين سنة عندما كان داني لا يزال في مطلع الطريق. بناء عليها، يقرر داني تغيير حياته.
باكتشافه وجود هذه الرسالة التي يتمنّـى فيها لينون لداني مستقبلاً جيدًا، يقرر داني الاعتزال وتوديع حياته السابقة.
يعود إلى قصره (كذا طابق بمصعد كهربائي) يواجه صديقته بقراره الانفصال عنها (كان يعلم أنها تخونه) ثم يركب طائرته الخاصّـة إلى بلدة صغيرة في نيوجيرسي ويستقل سيارته المرسيدس الحمراء التي سبقته إلى هناك (!) وينزل في الهلتون طالبا إقامة مستديمة. سبب الزيارة التعرّف على ابنه الذي لم يره من قبل (بوبي كانافال) وإصلاح ذات البين.
هناك سيل من المواقف غير المفسّـرة. إذا ما كانت رسالة لينون استطاعت فتح عينيه على الرجل الذي كان يريد أن يصبح عليه ويجده الآن بعيدًا جدًا عنه، وإذا كان هذا الاكتشاف يدفعه لنفض ماضيه والبحث عن ابنه الذي لم يره ونبذ المخدّرات من حياته، لمَ يبدو غير واثق طوال الوقت مما يقوم به، ويتصرف كما لو أنه نصف جاد في محاولاته؟ لماذا يسعى الفيلم بأسره إلى إرضاء جميع من في الفيلم والمشاهدين أيضًا؟
للفيلم نبرة ميلودرامية ترتفع عندما يكشف الابن لأبيه بأنه مصاب بالسرطان وأنه لم يطلع زوجته الحامل (جنيفر غارنر) على حاله. ولإضافة جرعة من اللوعة لديهما ابنة صغيرة غاية في العذوبة. داني نفسه يكاد يهوي مرّة أخرى لكنه يسارع بالوقوف مجددًا فالفيلم ليس جادًا أيضًا في محاولته الحديث عن رجل متغيّـر وعن أزمة هي أهم في بُـعدها مما هو مقدّم على الشاشة مستبدلاً الكثير من التحديات بالمواقف المبسّـطة والساذجة. هناك الكثير مما كان يمكن لهذا الفيلم المستوحى من أحداث شبه واقعية سبر غوره لكن المخرج يخشى التوغل ويكتفي بالقليل مما يُـثير. النتيجة تبقى أفضل بقليل مما يتوقعه المرء من عمل كسول.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.