*البكاء من مطلع العناوين الممهدة لحلقات مسلسل «مولانا العاشق». ناي حزين وأغنية أحزن، من كلماتها:
«كل شيء في ضباب…
يا عجبًا للروح هل تقوى على كل هذا العباب؟»! لم أستطع التوقف طويلاً عند المغزى العميق لهذه الكلمات حتى لا تفوتني تحف أخرى من هذا النوع، لكن عندما كتبتها وحاولت فهمها لم أستطع. المعنى عند الشاعر وحده.
تستمر العناوين تتوالى وتلاحظ أن اسم المنتج (تامر مرسي) يرد ثلاث مرّات فيها، هذا من باب ألا يفوتك أو حتى لا تنسى على أساس أن في الإعادة إفادة. اسم الكاتب (أحمد عبد الفتاح) يرد مرّتين، كذلك اسم المخرج (عثمان أبو اللبن). وتقديم الفنانين بما يلزم من عبارات التطنيب. يفاجئني مثلاً وجود «نجمة لبنان» (باميلا كيك). لم أكن سمعت بها لكن لنعتبر ذلك تقصيرا مني - لا بأس. رغم ذلك أن تكون نجمة لبنان «حتة واحدة» أمر يستوجب إعادة النظر.
*يتناول «مولانا العاشق» حكايات تنطلق شعبيًا حول الشاب سلطان الذي يعمل سائق أوتوبيس وحلال ما قد يتعرّض إليه الركاب من مشكلات. عندما يقوم شاب ثري بالتعرض لابن عمّه وصديقته فرح ينبري سلطان للدفاع، ويلي ذلك مطاردة بالسيارات لا تنتهي بانقلاب سيارة زياد، الذي يتبيّن أنه ابن أحد كبار الأثرياء، بل تمتد للحلقة التالية فإذا بأزلام زياد تهاجم حيًا بأكلمه انتقامًا للسيارة المحطّمة. الأحداث منذ ذلك الحين تنمو وتتزايد بطبيعة الحال وتشهد مطاردات ومعارك أخرى وتهما إرهابية وقصص حب جانبية. حتى إذا ما وصلت الأحداث إلى الحلقة 27 تطالعنا بسلطان وقد أصبح تاجر سلاح، يحط بطائرته المروحية في موقع مفتوح حيث تنتظره سيارة سبورت. يهبط من الطائرة… لا - لا يهبط من الطائرة فقط، بل يهبط منها بالسلوموشن.
التفسير بسيط: لقد قام الإنتاج باستئجار طائرة مروحية، فهل سيرضى صرفها بعد لحظات؟ لا. بل سيستغلها وسيطلب من بطله أن ينزل منها وسيتدبر أمره خلال عمليات ما بعد التصوير لكي يبدو كما لو كان يسير على الريح. ثم تأتي المفارقة الثانية: بطله سلطان ينزل من الطائرة وحيدًا ويمشي إلى سيارته وحيدًا ويركبها وحيدًا. حين يصل إلى المكان الذي يقصده لم يعد وحيدًا بل معه حارسان شخصيان. يقول له تاجر السلاح الآخر الذي سيعقد معه «بزنس»: «أراك أتيت بلا حراسة» ما يدفعك للتساؤل إذا ما كان نظر الرجل انتقائيًا أو أن شدّة تركيزه على سلطان جعلته لا يرى إلا إياه.
*كل شيء في ضباب… أو هكذا يفترض به أن يكون وفي تطويل أيضًا. لكني أحببت تلك المشاهد التي استخدم فيها المسلسل اللون البني كالصورة الباهتة في المشهد الذي يموت فيه رجل عجوز وهو جالس على الكرسي. لم تنتبه لموته زوجته التي تجلس بقربه بل تطلب ابنتها لتساعدها على فهم سبب تمنّع أبيها من تناول الطعام والشرب لثلاثة أيام. وهناك مشاهد في سجن النساء ومؤامرات وخطط كلها عليها أن تُنفذ بعد أن يتم الحديث فيها باللكنة البلدية، موديل أفلام الواقعية والشعبية في الستينات وردحًا من الثمانينات.
*هناك موّال آخر، بالعامية هذه المرّة، في مسلسل «تشيللو». مثل باقي المواويل، هو ضريبة يجب أن يدفعها المشاهد إذا ما تابع الحلقات والدفع مقدّم. تجلس وتشنّف آذانك بكلمات من نوع «بتغيرو هالناس… بيتغير شكل الحب. لكن عند الإحساس بيضل من بدد الآمال ومشاعر الحنان… لعبة بنتعب و…» لم أفهم الكلمة الأخيرة لكن يمكن ملء الفراغ بكلمة «وبنّام» مثلاً لأن هذا ما ينجح المسلسل في إنجازه وباطراد. كنت نسيت أمر هذا المسلسل العاطفي اللبناني إلى أن وصلتني رسالة من القارئ والناقد ميسر المسكي الذي يعيش في ألمانيا. كتب:
«ثلاث سنوات انقطعت فيها عن متابعة أي دراما تلفزيونية عربية. اليوم اخترت أن أتابع (تشيللو) المستند إلى (فيلم) Indecent Proposal لأدريان لين». فيلم من ساعة و47 دقيقة تحوّل إلى 30 حلقة!! وجوه وسيمة وجميلة: اللبنانيان نادين نسيب نجيم ويوسف الخال والسوري تيم حسن بإدارة (أو بالأصح بلا إدارة) سامر البرقاوي، والرسالة تمضي بعدد مماثل من الكلمات منتقدة: «سباق ماراثوني من سماجة وهدر للوقت بارعة».
*لا أستطيع أن أزيد. هناك مشاهد معمولة لمن يقبل بالسطحي من المشاعر، لكن هذه ليست مشكلة «تشيللو» وحده. وعندما شاهدت حلقاته الأولى كتبت عن التركيبة الخطأ التي قام عليها: رجل فيما يشبه مصحًا للعجزة يجلس على مقعد خشبي في حديقة المصح ويحكي للممرضة حكاية المسلسل. في كل حلقة هناك عودة إليهما وهما ما زالا على هذا الوضع. هو يتحدّث وهي تنظر إليه وتبتسم. على عكس حكايات شهرزاد لا يدّعي «تشيللو» أن حكاية هذا الرجل تسلسلت على «ألف ليلة وليلة»، بل يقترح أنها وقعت في نحو ساعة أو ساعتين قبل الغروب.
إذا كانت كل حلقة من أربعين دقيقة فمعنى ذلك أنه أمضى حتى الحلقة 27 نحو اثنتي عشرة ساعة يحكي فيها قصّة وهو على ذات الوضع. هو جالس في مكانه يتذكر ويحكي ويعرض ويسرد وهي (الممرضة) تستمع وتبتسم وأحيانا ما تطرح سؤالاً. الوقت من اليوم ما زال نهارًا. كل شيء على حاله من مسلسل لآخر.
*كلمات «تشيللو» الضبابية (بدورها) تأتي على كلمات نغص (وليس «مغص» كما اعتقدت في المرّة الأولى) وعلى أشياء مثل «منشتري ومنبيع لحظات سعادة وفرح». هذا في حين أن مطلع «بين السرايات» يبدأ بشيء مثل الأوبرا… هل يرغب المسلسل في الاقتران بنوع موسيقي غربي من باب الارتقاء؟ قبل أن يردك الجواب، تنقلب الأوبرا إلى موّال بلدي. هذه المرّة لم أكتب بعض الكلمات، لكن المرء يستطيع أن يؤلف كتابًا يورد فيه كل تلك المواويل والأناشيد الحزينة التي تم بثّها في مطلع معظم مسلسلات رمضان على مدى السنوات العشر الأخيرة.
شاشات: السقف يمطر دموعًا
شاشات: السقف يمطر دموعًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة