البرلمان اليوناني يصادق على تنظيم استفتاء يوم الأحد المقبل بخصوص اتفاق الدائنين

تسيبراس: كرامتنا ليست لعبة ولسنا ضيفًا على أحد وسنبقي اليورو والاتحاد الأوروبي

البرلمان اليوناني يصادق على تنظيم استفتاء يوم الأحد المقبل بخصوص اتفاق الدائنين
TT

البرلمان اليوناني يصادق على تنظيم استفتاء يوم الأحد المقبل بخصوص اتفاق الدائنين

البرلمان اليوناني يصادق على تنظيم استفتاء يوم الأحد المقبل بخصوص اتفاق الدائنين

صادق البرلمان اليوناني فجر أمس الأحد على مقترح استفتاء عرضته الحكومة بخصوص الاتفاق الأخير الذي قدمه دائنو البلاد (الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي) لليونان، التي قد تشهد عاصفة مالية قبل موعد الاستفتاء.
وأيد الاستفتاء المقرر تنظيمه يوم الأحد الخامس من يوليو (تموز) 178 نائبا من إجمالي 300 نائب، هم من أحزاب سيريزا - اليونانيين المستقلين - الفجر الذهبي، بينما صوت ضد تنظيم الاستفتاء 120 نائبا من بقية الأحزاب، وهي الديمقراطية الجديدة - النهر - الباسوك – الحزب الشيوعي، وتغيب نائبان عن جلسة التصويت.
وكان رئيس الحكومة ألكسيس تسيبراس قال في كلمة سبقت التصويت إنه واثق من أن «الشعب اليوناني سيقول (لا) كبيرة ضد إنذار» الدائنين خلال الاستفتاء. وسيكون على الناخبين اليونانيين التصويت بـ«نعم» أو «لا» على الإجراءات التي قدمها الدائنون الجمعة لليونان، وذلك في إحدى آخر جولات التفاوض بين الجانبين التي انطلقت في نهاية فبراير (شباط) الماضي.
كما رفضت دول منطقة اليورو السبت طلب الحكومة اليونانية تمديد برنامج الإنقاذ حتى موعد الاستفتاء، معتبرة أن اليونان قطعت المفاوضات الجارية، وهو ما ينذر بقطع البنك المركزي الأوروبي في الأيام القادمة تمويل المصارف اليونانية.
وذهبت رئيسة البرلمان بعد انتهاء عملية التصويت في الثالثة فجرا إلى رئيس الجمهورية بريكوبيس بافلوبولوس، الذي كان في انتظارها لتخبره بنتيجة التصويت وليصدق عليه ويصدر قرار جمهوري بإجراء الاستفتاء وفقا للدستور.
وشهدت قاعة البرلمان اليوناني شد وجذب وخلافات بين الأعضاء والوزراء وبين المعارضة وحزب سيريزا حتى وقت التصويت والذي تم الساعة الثالثة فجر أمس الأحد، وأبرز الخلافات كانت بين زعيم المعارضة رئيس الوزراء السابق إندونيس ساماراس ورئيسة البرلمان زوئ كونستانتوبولو مما أدى إلى انسحاب ساماراس من منصة البرلمان وقطع كلمته وانسحب معه أعضاء الحزب، ليطلب تسيبراس بعد ذلك قطع الجلسة لعشر دقائق، ليعود ساماراس بعد أن سلمت رئيسة البرلمان نائبها إدارة الجلسة.
وانتقدت المعارضة رئيس الحكومة تسيبراس واتهمته باللعب بمستقبل البلاد ووضعها على طريق الخروج من اليورو والاتحاد الأوروبي، أما تسيبراس فقال إن الوقت قد حان ليتمتع الشعب اليوناني بالكرامة والسيادة على أرضه مولد الديمقراطية، وقال إن هذا اليوم «سيبقى في التاريخ الأوروبي لأنه تم فيه التشكيك بحق شعب ذي سيادة يقرر ديمقراطيا مستقبله».
وأكد تسيبراس أن «كرامة الشعب ليست لعبة»، مشيرا إلى أن حكومة البلد الذي ولدت فيه الديمقراطية لن تطلب الأذن من يروين ديسلبلوم وفولفجانج شيوبله لحمايتها. وقال: «يجب أن يكون رد الشعب قاطعا»، مشيرا إلى أنه سيحترم صوت الشعب أيا كان، واختتم حديثة قائلا: «نحن شعب يحب السلام، ولكن إذا لمحوا لنا بالحرب نعرف كيف نحارب وكيف ننتصر».
من جانبه دعا رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس اليونان إلى العودة مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات، الخاصة بتسوية الديون، وقال إن المتضرر الوحيد من خروج اليونان من منطقة اليورو هو الشعب اليوناني فقط، مؤكدًا أنه من الممكن أن تستغني أوروبا عن اليونان اقتصاديا وسياسيا بسهولة، مشيرا إلى أنه فعل كل ما في وسعه من أجل الوصول إلى اتفاق، وأنه في حقيقة الأمر هناك خطر حقيقي ستواجهه اليونان، وقال إنها «بلد عريق وله حضارة عظيمة، لذلك يجب أن نتكاتف حتى تبقى اليونان في مكانها».
أما وزير المالية النمساوي هانز يورغ شيلينغ فقال إن خروج اليونان من منطقة اليورو لن يكون ممكنًا إلا إذا طلبت أثينا أولاً الخروج من الاتحاد الأوروبي ووافقت باقي الدول على الطلب، وتردد وسائل الإعلام أن التداعيات بالنسبة إلى منطقة اليورو لن تكون سيئة بقدر ما سيصيب اليونان، ولا يمكن لدولة واحدة تحت أي ظرف ابتزاز المفوضية الأوروبية ودول منطقة اليورو.
وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد تسك إنه يتعين أن تبقى اليونان في منطقة اليورو من أجل ضمان وحدة المنطقة المؤلفة من 19 دولة، وجاء تصريح تسك في أعقاب موافقة البرلمان اليوناني على مقترح تسيبراس بإجراء الاستفتاء، الذي يحدد قبول الشعب اليوناني أو رفضه الشروط الأخيرة التي وضعها الدائنون الدوليون لأثنيا من أجل الإفراج عن مليارات اليورو في إطار تمديد برنامج إنقاذ اليونان من أزمة ديونها، ويتعين على أثينا إعادة مبلغ 1,6 مليار يورو إلى صندوق النقد الدولي حتى مساء غد الثلاثاء، وسط توقعات بأنها لن تتمكن من ذلك مما قد يؤدي إلى خروجها من منطقة اليورو.
وتجدر الإشارة إلى أن الاستفتاء المشار إليه هو الأول من نوعه في اليونان منذ عام 1974 الذي كان حول تغير نظام الحكم في البلاد من ملكي إلى برلماني.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.