فيليب جمعة.. يترجم حبه لبلده العراق في أطباقه

من عالم الاقتصاد إلى المطبخ

TT

فيليب جمعة.. يترجم حبه لبلده العراق في أطباقه

فيليب جمعة، اسم يلمع حاليا في أوساط ذواقة الأكل في لندن، وهو ليس طاهيا عاديا لأنه الطاهي العراقي الأول الذي يسعى إلى وضع المطبخ العراقي على خريطة المأكولات التي تستحق التقدير في بريطانيا، مسيرته المهنية بدأت في البورصة والمصارف وانتهت في المكان الذي طالما عشقه، المطبخ.
التقت «الشرق الأوسط» الطاهي فيليب جمعة في لندن، وبما أن الطاهي جمعة ليس طاهيا تقليديا كما ذكرنا، فالمقابلة لم تكن عادية أيضا، لأن عنصر التلقائية كان طاغيا عليها.
وصل جمعة في الوقت المحدد من دون أي تأخير، فهو في مطلع الثلاثينات من العمر، وسيم، ملامحه شرقية وبنفس الوقت تشير تفاصيل وجهه إلى وجود دم أوروبي في عروقه، فشرح جمعة ذلك بالقول إنه ابن عراقي مهاجر وأم آيرلندية، واستهل كلامه بالتعبير عن العراق الذي زاره عندما كان صغيرا لتبقى أجمل الذكريات في باله في بلاد تمزقها الحروب والماسي.
جمعة لا يتكلم العربية بطلاقة ولكن عربيته الفصيحة يترجمها في أطباقه، وهذا خير دليل على تعلقه بأصوله العراقية.
تخرج جمعة في جامعة الاقتصاد في لندن وعمل في مصرف «يو بي إس» لنحو سبع سنوات، وفي كل يوم أمضاه وراء مكتبه كان يتمزق من الداخل لأنه طالما أحب المطبخ والطهي ولكنه التزم بعالم المال والأعمال إرضاء لأهله، وبعد رحلة دامت شهرا كاملا في فيتنام، تعرف خلالها إلى المطبخ وأسراره وإلى مختلف الأطباق قرر جمعة ترك عمله في المصرف ليتبع حلمه الأول والأخير وأن يكون طاهيا متمرسا، يحمل علم العراق من خلال الأكل.
ويشرح جمعة بأن قراه لم يكن بالسهل، خاصة أنه شعر وكأنه كسر قلب والديه ولكنهما وبعد عملية إقناع مكثفة رضخا أمام قرار الطاهي الشاب ليصبحا اليوم من أكثر مشجعيه بعدما استطاع تحقيق نجاحات متتالية في مجال الطهي.
وقال جمعة إنه في البداية كان يعمل في مطاعم لندن الحاصلة على نجوم ميشلان مثل «مايز» للطاهي غوردن رامسي، من دون أي مقابل مادي، تعلم واكتسب الكثير، وفي يوم من الأيام تعرف إلى شخص يملك مطعما قريبا من منزله، فطلب منه بأن يعيره مطبخه ليقوم بالطهي فيه فترة المساء بعد إقفال المطعم أمام الزبائن، وبعد فترة قام بعشاء خاص ضم 35 شخصا، من العائلة والأصدقاء، وبعد هذه التجربة تشجع جمعة إلى أخذ حلمه إلى مستوى آخر، فاتصل بموقع Grubclub المتخصص بالإعلان عن جديد الطهاة، وقرر أن يكون سفيرا للأطباق العراقية في بريطانيا، وبما أنه لا يملك مطعمه الخاص، تبنى فكرة المطاعم «المؤقتة» Pop up Restaurant التي تغزو أوروبا والعالم حاليا، وهي عبارة عن تحويل مطعم قائم إلى مطعم مؤقت من خلال إعطاء المطبخ لطاه من الخارج ليحوله إلى مطبخه الخاص لليلة واحدة، ويقول جمعة إن أول عشاء أقامه كان ناجحا جدا وكانت هناك نسبة كبيرة من المشاركين بالعشاء من الأوروبيين، ويكلف العشاء (35 جنيها إسترلينيا) نحو 50 دولارا للشخص الواحد، واستطاع جمعة تعريف عدد كبير من الذواقة إلى نوع جديد بالنسبة إليهم من المأكولات العراقية التي لا تزال مجهولة بالنسبة لكثيرين، ومن يعرف المطبخ العراقي يظن، بحسب جمعة، بأنه يقتصر على طبق الدولما فقط، ويقول جمعه إنه يريد إضافة بصمة عصرية على الأطباق العراقية من خلال النكهة وطريقة التقديم.
وخلال عشاء أقامه الشهر الماضي في مطعم The Jam Tree في منطقة كلابهام، أثبت جمعة شغفه بالطهي من خلال تقديم عدة أطباق شرق أوسطية وعراقية بحته مثل المحاشي بطريقة غير معهودة، وكان رد فعل الحضور لافتا ويملأه الإعجاب والتقدير، وحرص جمعة على الخروج في نهاية العشاء لإلقاء التحية على شخص حاضر واستمع إلى كل الملاحظات.
تربى جمعة على المأكولات العراقية وتعلم جميع الوصفات من أبيه الذي يعتبره مثله الأعلى في مجال الطهي، ويساعده حاليا في الكثير من الأطباق والوصفات بعدما آمن بقدرات ابنه في الطهي.
وبانتظار الطاهي الشاب تاريخين مهمين في روزنامة الأكل، التاريخ الأول في الرابع والعشرين من الشهر الحالي وفي الثامن من يوليو (تموز) المقبل حيث يعيد الكرة ويقوم بالطهي من جديد في مطعم The Jam tree.
وبالإضافة إلى الطهي في المطاعم على طريقة «البوب أب» يقوم جمعة بمهمة الطهي الخاص، أي في بيوت العائلات التي تحب هذا النوع من الطعام، وهذا ما يعرف في أوروبا بـPrivate Dining، وهذا الفكرة رائدة جدا في لندن، ويتولى فيها الطاهي جمعة مهمة الطهي لمجموعة من الذواقة في منزل خاص، كما يوجد طلب عال على تحضير الأطباق العراقية على طريقة «مطبخ جمعة» أو Juma Kitchen في الأعراس.
وفسر جمعة أسلوبه العصري في الطهي من خلال إضافة مكونات مختلفة في الأطباق التقليدية، فعلى سبيل المثال يضيف الهال إلى طبق «الكليجة» والكريمة لطبق «الكنافة»، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن جمعة يقدم أفضل كنافة يمكن تذوقها لأنها لا تشبه غيرها من أصناف الكنافة المعروفة، ويقول جمعة إنها من أطباقه الرئيسية التي تحمل توقيعه الخاص.
ويشدد جمعة على طريقة التقديم وهذا برأيه ما يجعل المطبخ الشرق أوسطي متأخرا بعض الشيء من ناحية الحصول على نجمة ميشلان، ولو أن المطبخ اللبناني برأيه ناجح جدا ومنتشر على مستوى كبير حول العالم إلا أن طريقة التقديم تخذل المطبخ العربي في عدة أحيان.
يعمل مع جمعة في المطبخ عدد محدود من المساعدين والمتطوعين من الأصدقاء والأقارب الذين يشجعون موهبته التي نماها بنفسه حيث طور ذاته ليصبح اليوم من الأسماء المعروفة لدى الذواقة الذين يتوقون لتجربة كل ما هو جديد بالنسبة لهم، ولو أن المطبخ العراقي ليس بجديد بالنسبة للشرق أوسطيين، غير أن جمعة استطاع تقديم أناقة الغرب في المطبخ بنكهات المطبخ الشرقي وكانت النتيجة أطباقا عراقية تقليدية بطابع عصري وبطريقة تقديم مختلفة تماما.
لمعرفة المزيد عن مطبخ «البوب أب» ومعرفة التواريخ التي يقوم الطاهي فيليب جمعة بالطهي يمكنك زيارة الموقع التالي:
www.billetto.co.uk-iraqisupperclub أو www.grubclub.com-juma - kitchen.
[email protected]



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».