شاشة الناقد

«سان أندرياس» النجاة للنخبة
«سان أندرياس» النجاة للنخبة
TT

شاشة الناقد

«سان أندرياس» النجاة للنخبة
«سان أندرياس» النجاة للنخبة

زلزال ولا كل الزلازل
‫San Andreas
إخراج: براد بيتون.
كوارثي حول زلزال يطيح بكاليفورنيا | الولايات المتحدة - 2015

هل تعلم أنه في حال وقوع زلزال بنصف قوّة الزلزال الذي يرصده فيلم «سان أندرياس» (9 نقاط وما فوق) لن تستطع الركض (أو حتى المشي)؟ علميًا، قد يكون الركض طلبًا للنجاة هو أول ما تفكر به، لكن الأرض إذ تميد تجعل من الصعوبة بمكان أن تمشي فوقها. لكن هذه الحقيقة لا ترد في هذا الفيلم بل عكسها: مشاهد الركض في كل اتجاه فعل أساسي لرفع جرعة الإثارة. لا تلوم الساعين للنجاة من هذا الزلزال المدمّر الذي يطبق على مدينتي سان فرانسيسكو ولوس أنجليس وما بينهما. العالِم المتجهم لورنس (بول جياماتي) يحذر على الهواء من أن سكان نيويورك في الشرق سيشعرون به (وهو أمر غير صحيح في الواقع أيضًا)، بينما المطلوب منه تحذير المشاهدين من أن الفيلم هو زلزال للقناعات أكثر منه حدثًا فنيًا يستحق النجاح الذي يحققه حاليًا.
يبدأ الفيلم بفتاة شابة تقود سيارتها فوق الطرقات اللولبية في مرتفعات جبلية. لا تبدو أنها مهتمة بالسلامة كثيرًا وسريعًا ما تسقط وسيارتها في هوّة بين الصخور في واد سحيق. لا تموت، ولو أننا لا نعرف بعد ذلك ما يحدث معها، بل هي موظّفة لكي يتم تقديم بطلنا راي (دواين جونسون) عبرها، فهو طيار تابع للإغاثة الجوية ونراه يهب لنجدتها. لا ينقذها وحدها بل فريقه بكامله قبل أن يتوجه إلى منزل مطلّقته (كارلا كويغينو) التي تفاجئه بأن خطيب ابنتها (إيون غروفَد) الثري (يشتغل في العقارات) دعاها للانتقال إلى منزل الزوجية. ابنتهما بلايك (ألكسندرا داداريو) معجبة به وهو يدعوها لزيارة سان فرانسيسكو معه. في الوقت الملائم ستكتشف أنها كانت سترتكب خطأ رهيبًا بالزواج منه، إذ ما إن يقع الزلزال حتى يهرع هاربًا. ولاحقًا، بعد مشاهد تختزله من الوجود، ما نراه واحدًا من الراكضين بين المباني المتهاوية.
الآن عليه إنقاذ زوجته في لوس أنجليس ثم إنقاذ ابنته (وشاب وأخيه الصغير اللذين عملا على إنقاذها من حفرة أخرى) في سان فرانسيسكو. كم تعتقد حظه في أن يجد ابنته قبل أن ينتهي الفيلم؟ مائة في المائة. لا مانع أن المدينة تحتوي على مليون نسمة، ولا فرق أن الهدم أصابها، مما يجعل معرفة المكان المقصود مستحيلاً، ولا أن الزلزال وتبعاته ما زال واقعًا والتسونامي سيطير فوق المدينة ليغرقها. الضرورة السينمائية تقتضي بأن لا تخسر العائلة أي من أفرادها وليذهب باقي الناس إلى الجحيم.
«سان أندرياس» فيلم آخر من نوع: عودة اللحمة إلى العائلة الصغيرة وسط محنة كبيرة. لكن المحنة هنا أكبر مما يجب. في الواقع بعد ربع ساعة أولى، ومع بداية الزلزال، يطالعك إخراج همّه الأول أن ينفّذ عملية ضخمة من المؤثرات. في سبيلها لا مكان للمنطق ولا لفسحة من التمثيل الجيد ولا اهتمام فعلي بالأرواح (على عكس فيلم مارك روبسون «زلزال»، 1974). يتبدّى أن أرواح الأشخاص الخمسة (الأم والأب والابنة والشاب وأخيه) هي كل ما يهم. هناك ذلك المشهد الذي سيسكن فيه كل شيء لكي يُتاح لراي عكس بعض المتاعب الشخصية. هي دقيقة واحدة وانتهى الجزء المفكر من الفيلم.

ثلاثية كوستا - غافراس الأولى
إخراج: كوستا - غافراس
دراما سياسية | فرنسا - 1970
بنى المخرج اليوناني الأصل كوستا - غافراس مهنته، في أعتابها الأولى، على تعرضه لوقائع سياسية حقيقية. بدأ اهتمامه أولاً عبر فيلم «زد» (إنتاج جزائري - فرنسي، 1969) الذي هاجم فيه اليمين، ثم «الاعتراف» (1970) الذي هاجم فيه اليسار، قبل أن ينتقل إلى موقع الوسط في «حالة حصار» (1972). بصرف النظر عن سياساتها وموقفه الحذر، مما قد يطرحه أي من هذه الأفلام، منحته هذه الثلاثية موقعًا مهمّا في السينما السياسية آنذاك، ومن يشاهدها اليوم مجتمعة يلم بالأسباب سريعًا. هي أيضا من بطولة إيف مونتان في شخصيات متعددة.
‫ : لا يستحق | : وسط|
: جيد | : ممتاز |
: تحفة‬

4. Z. jpg من «زد»



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.