اشتعال حرب البيانات داخل حركة العدل والمساواة السودانية المتمردة

رئيس المجلس التشريعي: نظام الخرطوم يقف وراء المجموعة المنشقة

اشتعال حرب البيانات داخل حركة العدل والمساواة السودانية المتمردة
TT

اشتعال حرب البيانات داخل حركة العدل والمساواة السودانية المتمردة

اشتعال حرب البيانات داخل حركة العدل والمساواة السودانية المتمردة

اشتعلت حرب البيانات والبيانات المضادة بين قادة حركة العدل والمساواة السودانية، كبرى حركات التمرد الدارفورية، ونشطت حملة جديدة من تبادل اتهامات الخيانة والارتزاق، وذلك عقب إعلان مجموعة منشقة عن الحركة أول من أمس إعفاء رئيس الحركة وتعيين أمين شؤون الرئاسة بديلاً له، بينما نفى بيان صادر عن رئيس المجلس التشريعي انعقاد مجلسه بالمرة، متهمًا الحزب الحاكم في السودان بتدبير مؤامرة ضد حركته، وفي ذات الوقت أعلن بيان جديد عن أمين شؤون الرئاسة قبوله التكليف المؤقت برئاسة الحركة.
ونفى الطاهر الفكي آدم، رئيس المجلس التشريعي للعدل والمساواة، في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط» أمس، اتخاذ أية إجراءات من مجلسه بحق رئيس الحركة تقضي بإعفائه من مهامه، وقال إن البيان الذي صدر أول من أمس «لم يصدر عن المجلس التشريعي إطلاقا»، لأن المجلس لم ينعقد بأي شكل من الأشكال، ولم تكن هناك ضرورة لانعقاده أصلاً.
واعتبر الفكي البيان المذكور «كاذبًا ولا أساس له البتة، بل هو تزوير فاضح وبيّن باسم عضوية المجلس»، مشيرًا إلى أن مؤسسات حركته ما زالت تعمل بشكل طبيعي وفي تناغم وانسجام «دفاعا عن حياض القضية، وهم على قلب رجل واحد».
وذكرت مجموعة تضم أمين شؤون الرئاسة بالحركة منصور أرباب، ومقرر المجلس التشريعي حذيفة محيي الدين محمد في بيان أول من أمس، أن المجلس اجتمع عبر الوسائط الحديثة بأغلبية 123 من مجموع عضويته البالغة 151، وقرر إعفاء رئيس الحركة جبريل إبراهيم من مهامه، وتكليف أمين شؤون الرئاسة منصور أرباب، بمهام الرئيس مؤقتًا لحين انعقاد المؤتمر العام.
واتهم الفكي في بيانه الصادر أمس نظام المؤتمر الوطني بالوقوف وراء المجموعة التي أصدرت البيان، لأنه فشل «عسكريًا وميدانيًا»، فلجأ إلى أسلوبه القديم في إيهام الشعب والكذب عليه والتشكيك في «قواه الطليعية». واعتبر الفكي ما حدث أول من أمس خيانة وارتزاقا، وقال إن «أجهزة الحركة المختلفة في كل مستوياتها قادرة ومقتدرة على اجتثاث كل بؤر الخيانة والارتزاق في التعامل مع العدو».
من جهته، قال منصور أرباب لـ«الشرق الأوسط» هاتفيًا إنه سيعمل على إعادة القادة الذين غادروا الحركة إلى صفوفها بسبب ما سماه قيادة جبريل إبراهيم للحركة خلال فترة رئاسته المؤقتة، باعتبارها مهمته الأولية، ويليها الإعداد لعقد المؤتمر العام في غضون 60 يومًا أو أقل، والاتصال بحلفاء الحركة في الجبهة الثورية لإبلاغهم بالتغيير الذي تم، وإعلان التزامه بالمواثيق بينها وحركته، وأضاف موضحا: «هذه المواثيق نحن من أعددناها وملتزمون بها، ومعظم قيادات وعضوية الحركة تلتف حول الخطوة التي أتت به رئيسًا».
وفي بيان صادر عنه في وقت سابق من يوم أمس قال أرباب إن المجلس التشريعي للحركة عقد سلسلة اجتماعات طارئة بحثت تطور الأحداث والأوضاع التنظيمية للعدل والمساواة، كلفه خلالها برئاسة الحركة مؤقتًا. وأعلن أرباب في بيانه «قبول التكليف» واستعداده للعمل على ما سماه «تجاوز كل أخطاء الماضي»، واصفًا استمرار العمل المسلح بمنهج القيادة السابقة بمثابة «تفريط في حق إنسان الهامش السوداني، وإنسان دارفور على وجه الخصوص»، متوعدا باستمرار ما سماه «كفاحنا من أجل قضايا الشعب السوداني» بشقيه السياسي والعسكري، كما نفى أن يكون القرار الذي اتخذه «ردة فعل عابرة أو نزوة غضب»، بل وليد مراحل طويلة من النقاش لتغيير ما أطلق عليه «مجريات الأمور لكسب مزيد من الثقة في الداخل والمحيط الإقليمي والدولي».
وتعهد بالتزام منهج سياسي واضح المعالم، وإعلانه كميثاق جديد لحركة قومية تسعى لتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين، وألاّ تكون خطوته خصمًا «على مسيرة الكفاح والنضال العادل والمشروع»، بل استجابة لمتطلبات حمل السلاح.
وناشد أرباب الجيش السوداني «القوات المسلحة» لرفع سلاحها في وجه نظام حكم الرئيس البشير، وقال بهذا الخصوص: «لقد حان الوقت لترفعوا أسلحتكم في وجه هذا النظام المجرم الذي ارتكب أكبر فظائع القرن الـ21»، مشيرًا إلى دور يجب أن تلعبه في ما سماه «دعم التغيير»، وحماية المدنيين من هجمات الميليشيات القبلية المدعومة من أجهزة النظام السياسية والأمنية.
وفي الوقت نفسه، تعهد بالعمل لأجل سودان موحد فيدرالي، وبتطوير أداء «الجبهة الثورية»، وبالالتزام بمواثيقها، وبالتزام فروع حركته المدنية بالعمل مع القوى المدنية لإسقاط نظام الحكم، وبقبول مجهودات المجتمع الدولي والإقليم لوقف القتال في دارفور والسودان، وبعدم التعرض لقوافل الإغاثة والعاملين بالمنظمات الإنسانية.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.