* أين يقف الناقد السينمائي (أو الأدبي أو المسرحي والفني إلخ..) من قضايا ثقافية ماسّة تحيط بالمجتمع الذي يتوجه إليه؟ هل عليه – مثلا - أن يضرب على الطبل المثقوب محذّرًا دومًا من آثار عدوان الإنترنت على العقول، مدركًا أن أحدًا لن يأبه بتحذيره؟ أم أنه سيكف متراجعًا على نحو من قال كلمته ومشى، أو سيقرر الانضمام إلى، كما يقولون بالإنجليزية، «النادي الرابح»؟
* في حين أن بعض النقاد السينمائيين كانوا قرروا الالتزام بأدواتهم الكتابية والتعبيرية السابقة والابتعاد عن التكنولوجيا كما لو كانت إثمًا خالصًا، وهو موقف خاطئ، أقبل عليه بعض آخر بكل ما لديهم من عنفوان ونشاط، وباتوا يستخدمون الـ«فيسبوك» و«تويتر» والوسائل المتاحة (وهناك جديد فيها على الدوام) كل يوم، وهذا أيضا خطأ.
* الخطأ الأول يكمن في أننا مدعوون إلى مواكبة العصر بلا ريب إلا في حالة واحدة: ألا يكون الناقد عضوًا فاعلاً في الإعلام اليومي. إذا كان مستقلاً ماديًا ويستطيع أن يتوقف عن الكتابة لقاء أجر، فإنه يستطيع أن يقطع تذكرة ذهاب فقط إلى حيث يريد. يؤلّف الكتب أو يتفق مع صحيفة على النشر له مجانًا لقاء عدم مطالبتها له بأن ينتمي إلى الجيل الحديث من وسائط التواصل. أما إذا كان عليه البقاء فاعلا في الصحافة فلا مهرب له إذن من الاشتراك في الوسائط التقنية العصرية. هذا لم يعد اختياره.
* الخطأ الثاني أفدح: إلى جانب نشوء مجموعة كبيرة من «كتبة الرأي» الذين لم يشعروا بأي حرج من جراء استخدام كلمات مثل «ناقد» و«محلل» و«باحث»، هناك اقتناع لدى البعض بأن أحدًا لم يعد يقرأ الصحف والمواد الثقافية بالتحديد، وبالتالي فإن عليه أن يقفز إلى عرين الأسد ويطرح نفسه كناقد ومحلل وباحث وصاحب نكتة.
* أمضيت الأسبوع الماضي أيامًا أستشرف فيها الـ«فيسبوك» وما يجول فيه وعليه. أردت معرفة ما إذا كنت على خطأ في تجنّب التعامل معه لأكثر من عشرة في المائة حجمًا. ذلك فتح عينيّ على حقيقة أن معظم ما قرأته بقلم بعض الزملاء (وهم جيدون في ما يكتبونه في الصحف) لا يزيد عن الهذر. والهذر يجلب الهذر المقابل، ذلك الآتي من القراء.
* فجأة انتقل التفاعل مع الكلمة من عملية النقد السينمائي، التي هي عملية ثرية ثقافية - فنية بالمعرفة، إلى منوال «كلمة منك وكلمة مني». سؤال حول كيفية ترجمة عبارة «Pulp Fiction» تتحوّل إلى حملة إعجاب. كل ما هو مطلوب أن تنقر صورة الإبهام المرتفع صوب أعلى فوق كلمة «Like».
* بالمناسبة، الرد لم يشرح لكنه اكتفى بطلب استخدام الكلمة الإنجليزية بأحرف عربية، وهو طلب في مكانه، لكنّ قليلا من الشرح حول أصل العبارة كان مطلوبًا. هذا الجزء من عملية التثقيف هو الذي يمنح الناقد سببًا لوجوده ناقدًا.
• في نهاية مقالة حول النقد ونقاد اليوم كتبها ناقد مجلة «تايم» الراحل، قبل أسبوع، ريتشارد كورليس، قال واصفًا مبدأ «Like»: «هناك القليل من المخ والكثير من الإبهام»، وهذا هو بعض ما يحدث لنقاد اليوم.
المشهد: كلمة منك كلمة مني
المشهد: كلمة منك كلمة مني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة