مصر تودع ضحاياها وتحتفل بيوم شم النسيم

بائع ترمس على النيل: «لازم نفرح حتى نقاوم الخوف»

فتيات مصريات يحتفلن بيوم شم النسيم في حديقة الأورمان المواجهة لجامعة القاهرة أمس (أ.ب)
فتيات مصريات يحتفلن بيوم شم النسيم في حديقة الأورمان المواجهة لجامعة القاهرة أمس (أ.ب)
TT

مصر تودع ضحاياها وتحتفل بيوم شم النسيم

فتيات مصريات يحتفلن بيوم شم النسيم في حديقة الأورمان المواجهة لجامعة القاهرة أمس (أ.ب)
فتيات مصريات يحتفلن بيوم شم النسيم في حديقة الأورمان المواجهة لجامعة القاهرة أمس (أ.ب)

بينما احتفل المصريون أمس بعيدهم التاريخي شم النسيم، شيعوا في المقابل 14 من أبنائهم سقطوا ضحية عمليات إرهابية بسيناء وقعت على مدار اليومين الماضيين، وسط مشاعر متباينة، ما بين التأقلم مع الخوف والعيش معه والحزن على دماء الضحايا التي تسقط كل يوم، والإصرار على تحدي الإرهاب.
ورغم أن ليلة شم النسيم كانت حزينة جراء الأحداث الإرهابية التي وقعت بمدينتي العريش ورفح (شمال سيناء)، وخلفت قتلى ومصابين من قوات الشرطة والجيش، فإن المصريين جففوا دموعهم ومارسوا طقوس الاحتفال بعيدهم أمس، غير مبالين بالعبوات الناسفة التي أصبحت تكتشف بمحض الصدفة، في الشوارع وصناديق القمامة، وعلى الكباري وفي الحدائق العامة.
هذا المشهد نفسه يلخصه صالح، بائع الترمس بعربته الجوالة على أحد شواطئ النيل قرب حديقة الأسماك بحي الزمالك بالقاهرة، .. يقول صالح، وهو شاب ثلاثيني: «لازم نفرح علشان نعرف نقاوم الخوف، لو الناس قعدت في بيوتها، وبطلت تحتفل بأعيادها، يبقى كده بنحقق اللي عايزه الإرهاب».
يتابع صالح وهو يتأمل صفحة النيل موجها حديثه لي: «شوف حضرتك المراكب، الناس فرحانة، بتقضي يوم جميل، أيضا في جنينة الأسماك فرحانين بيوم شم النسيم». يصمت لبرهة ويتابع: «أنا بحس بالناس، من وشوشهم بعرف إيه اللي جواهم.. ولو سألت أي حد هتعرف قناعته، بأن العمر واحد والرب واحد والوطن واحد.. صدقني إرادة الناس وأملهم في المستقبل أعلى من كل خوف.. وكل سنة وأنت طيب».
أبادل بائع الترمس تحيته الطيبة، وأمضي على النيل أتفحص وجوه الشباب والشابات، لفتني منظر صحبة لطيفة منهم: وقبل أن أسألهم يفاجئونني: «حضرتك باين عليك صحافي يا عمو.. على فكره إحنا زي الفل، مبنخفش من الإرهاب، دي أعمال خسيسة وجبانة، هنحتفل بشم النسيم زي كل سنة وأكتر شوية.. سلام يا عمو».
وعلى الضفة الأخرى من خلفية هذا المشهد تتواتر الأنباء، حيث استهدف مسلحون مجهولون أحد الجنود بمنطقة رفح شمال محافظة سيناء. وأفادت مصادر أمنية بالمحافظة بأن إطلاق النار من جانب المسلحين أدى إلى مقتل الجندي على الفور، وتم نقل جثمانه إلى المستشفى.
وشيع آلاف المواطنين من مسجد الرفاعي وسط مدينة العريش جثمان النقيب عمرو شكري الذي قتل أول من أمس في أحداث انفجار قسم ثالث العريش. تقدم الجنازة اللواء السيد عبد الفتاح حرحور محافظ شمال سيناء، وكبار المسؤولين، وعدد كبير من القيادات السياسية والشعبية، والتنفيذية بالمحافظة، وردد الأهالي الهتافات المنددة بالإرهاب.
وفى محافظة القليوبية المجاورة للقاهرة، شيع أهالي قرية القلج بمركز الخانكة في جنازة عسكرية الضابط أحمد راضي عبد الهادي الذي قتل في حادث انفجار عبوة ناسفة بمدرعة عسكرية بالعريش أول من أمس. خرج الجثمان من المسجد الكبير بالقلج يتقدمه عدد من قيادات القوات المسلحة وسط هتافات منددة بالجماعات الإرهابية. وطالب المشاركون في الجنازة بالقصاص العادل والناجز من الجناة وتقديمهم إلى محاكمة عاجلة وسط زغاريد نساء القرية التي ملأت أرجاء المقابر والجنازة. وقال والد الضحية عبد الهادي الزياتى إن نجله تخرج منذ 6 أشهر ولم ينزل إجازة حتى الآن وكانت الأسرة تستعد لزفاف شقيقته وكان الموعد مرهونا بأول إجازة يصرح له بها.
وتابع: «إنني أحتسب نجلى عند الله (شهيدا) وحسبي الله ونعم الوكيل»، مشيرا إلى أن أحمد كان طيب القلب ودائم البر بالعائلة والأسرة وكان مثالا يحتذى به في الأخلاق والقيم.
وعلى صعيد الملاحقة الأمنية، ضبطت أجهزة الأمن بشمال سيناء 4 عناصر تكفيرية محرضة على تنظيم المسيرات وأعمال العنف ضد الشرطة والقوات المسلحة والمنشآت العسكرية.
ومن جهته، طالب وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة في بيان له بمحاكمة الخونة والعملاء والإرهابيين «الذين يستهدفون المواطنين الآمنين المسالمين أو المنشآت العامة أو رجال الجيش والشرطة بالتفجير والعمليات الإرهابية بتهمة الخيانة العظمى لمواجهة الإرهاب الغاشم في سيناء، والدفاع عن أمننا القومي وأمن أمتنا العربية في باب المندب وغيره من ربوع الوطن العربي خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد».
بيان وزير الأوقاف تردد صداه بقوة في أغنية الفنان محمد نوح الشهيرة وهي تنساب من كاسيت صغير على عربة عرقسوس مزخرفة بالأعلام والرايات، تقف على مقربة من باب أحد النوادي الرياضية، حيث يصدح بصوته الجهوري: «مدد.. مدد.. شد حيلك يا بلد.. إن مات في أرضك يوم شهيد في ألف غيره بيتولد.. ومدد مدد.. شد حيلك يا بلد».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».