لماذا يترك كل هؤلاء الزوار متحف بيكاسو ويتزاحمون على الدخول إلى المبنى المقابل له في هذه الساحة العتيقة وسط باريس؟ إنه معرض جديد يضم المئات من مقتنيات وتصاوير أشهر أميركية في القرن العشرين، وزوجة الرئيس الأسبق جون كيندي، والمرأة التي أضفت على لقب «السيدة الأولى» ألوانا مشرقة وعصرية.
عنوان المعرض «كان اسمها جاكي». وليس غريبا أن تحتفي باريس بها في الذكرى العشرين لرحيلها، إذ من المعروف أن سيدة أميركا الأولى كانت فرنسية الأصل، وحملت قبل الزواج اسم عائلتها «بوفييه». وقد عشقها الفرنسيون واهتموا بأخبارها وصورها بحيث إن الرئيس كيندي، أثناء زيارة رسمية لباريس بدعوة من الجنرال ديغول، قال للصحافيين والمصورين المتدافعين حول زوجته: «أنا المرافق الذي جاء مع جاكي».
قد لا يسعى زوار المعرض لمشاهدة صورها التي زادت على المائة، لأنهم يحفظون ملامحها وأناقتها ووقفاتها أمام الكاميرا. لكن الكل يريد أن يرى فستان عرس جاكي الذي كان نموذجا رفيعا في الذوق والشفافية والبذخ المتواري غير المنظور. ورغم تعلقها بالموضة الباريسية البسيطة والأنيقة، فإن العروس كانت مجبرة على الانصياع لرأي عائلة العريس التي اختارت خياطا أسود، في نوع من دحض الأجواء العنصرية التي كانت محتدمة أواسط القرن الماضي ولاسترضاء ملايين الأميركيين من أصول أفريقية. وجاء تفصيل الثوب تقليديا يعيد إلى الأذهان فساتين سكارليت أوهارا، بطلة فيلم «ذهب مع الريح».
استخدم الخياط 40 مترا من الحرير الخام، غير المُعامل، وصمم تنورة ذات طبقات ثقيلة مزينة بزهرات كبيرة مع أذيال ذات طيات بارزة تتطاير من خفتها عندما تتحرك العروس. وبما أن كمي الفستان كانا قصيرين فقد ارتدت قفازا يزيد من رشاقة ساعديها وهي تمد كفها لتزيح الطرحة المطرزة والممتدة وراءها بطول 4 أمتار. لقد أرادت عائلة كيندي أن يكون حفل العرس مثل جوقة من الأبواق التي تعزف للتبشير بطموح السيناتور الشاب وتمهد لمساعيه نحو الرئاسة.
جرى العرس نهار 12 سبتمبر (أيلول) 1953 في حفل أشرفت عليه والدة العروس في صالات وحديقة منزل زوجها الثاني الثري، بعد طلاقها من والد جاكي، وبحضور ألف مدعو وحشد من المصورين. أما الأب المسيو بوفييه فقد وصل ثملا إلى المراسم الكنسية ومنعته طليقته من الدخول.
كانت جاكلين بوفييه قد تعلمت الفرنسية والألمانية والجيولوجيا في معهد «مس بورتر». ثم غادرت الولايات المتحدة لتمضي سنة في باريس، عام 1949، حيث سجلت في «السوربون» وتابعت محاضرات في «اللوفر». وبعد عودتها أتمت دراستها في جامعة «جورج تاون». وفي تلك الفترة شاركت في مسابقة أدبية نظمتها مجلة «فوغ» وحازت المرتبة الأولى بين ألف مشاركة، الأمر الذي سهل لها العمل كصحافية ومصورة لمجلة أسبوعية في واشنطن، وبفضل عملها التقت بالرجل الذي سيصبح زوجها ورئيسا للولايات المتحدة.
منذ ولادتها وحتى لفظت أنفاسها الأخيرة، كان للرجال دور مهم في حياة جاكلين كيندي التي حملت لقبا إضافيا، بعد مصرع زوجها، هو أوناسيس. إنهم السند الذي تعتمد عليه، أو مصدر الشكوك والعذاب. لقد تعذبت لكي تدخل في قالب عائلة كيندي التي هي أشبه بقبيلة كثيرة الأفراد، وتحملت الكثير لكي تحافظ على تماسك أسرتها الصغيرة وتنقذ المظاهر، حتى حين كانت تعاني من نزوات الزوج وغياباته وتدخل حماتها في كل الشؤون. كما تعرضت لصدمتين متتاليتين بسبب اغتيال الرئيس ثم شقيقه بوبي بعد سنوات قلائل. وقد تحولت إلى أشهر أرملة في العالم، قبل أن تقترن بالملياردير اليوناني أوناسيس الذي سمح لها بأن تحافظ على مستواها الراقي في العيش والإنفاق. وكان تيد كيندي، شقيق زوجها الراحل، هو الذي تفاوض بالنيابة عنها في تحرير عقد الزواج الثاني وما يتضمنه من امتيازات مالية للعروس.
تزوجت الثري اليوناني لأنه، حسب قولها، كان يضحكها. لكنها لم تعرف السعادة معه. وبعد وفاته صاحبت ثريا آخر هو موريس تمبلسمان، تاجر الألماس البلجيكي. وكان سندها وهي تواجه المرض الخبيث الذي أودى بها. لقد تواصلت الأحداث الحزينة بعد ذلك، مثل لعنة أصابت آل كيندي، فلقي ولدها الوحيد مصرعه في حادث طائرة مع زوجته، ولم يبق من ذرية الرئيس الراحل سوى الابنة كارولين التي صارت سفيرة للولايات المتحدة في اليابان.
في جنازتها، أبنها الرئيس بيل كلينتون قائلا: «لقد وهبها الله هبات كبيرة، لكنه فرض عليها أيضا الكثير من المعاناة». أما زوار معرضها المقام في باريس بمناسبة مرور 20 عاما على انطفائها فقد يصابون بالخيبة حين يكتشفون أن فستان العرس الذي أمامهم ليس سوى نسخة طبق الأصل.
فستان عرس جاكلين كيندي يعرض في باريس
صورها ورسائلها ومقتنياتها تخرج إلى الضوء بعد 20 عامًا من رحيلها
فستان عرس جاكلين كيندي يعرض في باريس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة