رحلة الرئيس اليمني من قبضة الحوثيين في صنعاء إلى قمة شرم الشيخ

هادي توقف في مسقط للفحص الطبي.. وانطلق من الرياض للقاء القادة العرب

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مستقبلا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في شرم الشيخ مساء أمس (أ.ف.ب)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مستقبلا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في شرم الشيخ مساء أمس (أ.ف.ب)
TT

رحلة الرئيس اليمني من قبضة الحوثيين في صنعاء إلى قمة شرم الشيخ

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مستقبلا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في شرم الشيخ مساء أمس (أ.ف.ب)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مستقبلا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في شرم الشيخ مساء أمس (أ.ف.ب)

في رحلة تمثل رهانا على المصير، صادفتها محطات وملابسات محفوفة بالمخاطر، وصل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أمس إلى مطار شرم الشيخ لحضور أعمال القمة العربية الـ26 التي تنطلق أعمالها اليوم قاطعا الرحلة الأطول في تاريخ مشاركة الزعماء العرب في القمم العربية.
ونقل التلفزيون الرسمي المصري استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لنظيره اليمني والوفد المرافق له، كأبرز الرؤساء المشاركين في القمة بعد أن فرضت التطورات الدراماتيكية في اليمن نفسها بقوة على رأس القضايا التي تناقشها اليوم، فيما تتواصل عمليات التحالف العربي - الإسلامي الذي تقوده المملكة العربية السعودية تلبية لنداء الرئيس هادي لحماية بلاده من المتمردين الحوثيين.
ويمثل حضور هادي، المولود في سبتمبر (أيلول) عام 1945 بمحافظة أبين، إلى القمة العربية «إعلانا بجدارة الشرعية في الدفاع عنها»، بحسب الدكتور محمد السعيد إدريس مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. وأضاف إدريس، الرئيس السابق للجنة الشؤون العربية في البرلمان المصري، لـ«الشرق الأوسط» أن «الحوثيين وضعوا خطتهم للقضاء على هادي لقطع الطريق على الدول العربية للتدخل بغطاء شرعي وإنقاذ اليمن، لكن الضربة المباغتة للقوات العربية المشتركة أفشلت مخططات المتمردين».
وبدأ التحالف الذي تقوده السعودية الهجمات الجوية الخميس الماضي لتعزيز سلطة الرئيس اليمني، وقصفت طائرات التحالف الذي يضم 10 دول، أهدافا للحوثيين ووحدات عسكرية متحالفة معها، بعد أن سيطر الحوثيون على معظم أنحاء البلاد.
وأخضع هادي للإقامة الجبرية بعد اجتياح المتمردين الحوثيين للعاصمة صنعاء أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، لكنه استطاع بـ«ترتيبات سرية» الإفلات من قبضتهم والتوجه إلى عدن (جنوب اليمن).
وفي عدن، أعلن الرئيس هادي صنعاء عاصمة محتلة، متهما الحوثيين بالانقلاب على الحوار السياسي. وقال الرئيس اليمني إن «ما جرى في صنعاء عملية انقلابية مكتملة الأركان»، معلنا عدن عاصمة مؤقتة للبلاد.
وفور وصوله إلى عدن التي تعد معقلا لأنصاره، بدأ هادي ممارسة نشاطاته السياسية، واعتبر أن كل القرارات التي اتخذها الحوثيون منذ احتلالهم صنعاء في 21 سبتمبر (أيلول) «باطلة ولا شرعية لها». وكتب هادي في رسالة إلى البرلمان حينها «نود أن نطلعكم أننا نسحب استقالتنا التي تقدمنا بها إلى مجلسكم الموقر»، مضيفا: «نأمل منكم أيها الإخوة النواب أن تتعاونوا معنا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة تطبيع الأوضاع الأمنية والاقتصادية في جميع محافظات الجمهورية، وإنجاز ما جاءت به مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وتطبيقها على الأرض».
وتولى هادي منصب القائم بأعمال الرئيس السابق علي عبد الله صالح، في أعقاب سفر الأخير للعلاج في المملكة العربية السعودية، بعد استهداف مسجد قصر الرئاسة في يونيو (حزيران) 2011، خلال أحداث الثورة اليمنية، قبل أن يخوض الانتخابات الرئاسية اليمنية 2012 مرشحا للتوافق الوطني.
وتمكن الرئيس اليمني من إحباط محاولة تمرد ضده في عدن، في 24 فبراير (شباط) الماضي، خطط لها موالون لنجل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بالتعاون مع عدد من ضباط القوات الخاصة (الحرس الجمهوري سابقا) الموالي لقائده السابق.
وتواصلت محاولات المتمردين الحوثيين لإسقاط الشرعية في اليمن وتقدمت ميليشياتهم وأطبقت حصارها على عدن، وباتت على بعد 60 كيلومترا من العاصمة الجديدة، قبل أن تبدأ عملية «عاصفة الحزم» التي بدلت المشهد السياسي في البلاد دعما للشرعية.
ومن عدن إلى جهة غير معلومة، نجح هادي الذي تخرج عام 1964 في مدرسة جيش محمية عدن العسكرية، مجددا في إنقاذ الشرعية في اليمن، وغادر بلاده متوقفا في العاصمة العمانية مسقط. وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية العمانية إن الرئيس اليمني، توقف في السلطنة أول من أمس، قبل توجهه للمملكة العربية السعودية، بحسب وكالة الأنباء العمانية الرسمية.
ونقلت الوكالة اليمنية الرسمية عن مصدر في وزارة الخارجية، لم تسمه، قوله إن «الرئيس اليمني توقف في السلطنة لإجراء فحوصات طبية، ثم توجه بعدها إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة».
ووصل الرئيس اليمني إلى العاصمة السعودية الرياض، مساء أول من أمس، حسب ما أعلنت وكالة الأنباء السعودية الرسمية، وكان في استقباله بمطار قاعدة الرياض الجوية وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ورئيس الاستخبارات العامة خالد بن علي الحميدان.



«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
TT

«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)

لم تغب «موائد الرحمن» عن الشارع المصري في رمضان، رغم تأثرها بارتفاع الأسعار؛ لتقل الوجبات في البعض، وتُقتصد مكونات بعضها، لكنها تظل صامدة ملبية حاجة الآلاف من قاصديها، ممن ينتظرون الشهر الكريم، لتخفيف الأعباء عنهم مع ارتفاع مستويات التضخم.

وتسجل مصر نسبة عالية من التضخم على أساس سنوي، بلغت في يناير (كانون الثاني) الماضي 22.6 في المائة، في وقت يتجاوز الفقراء نسبة الـ30 في المائة، وفق البنك الدولي في مايو (أيار) الماضي.

ورغم المخاوف التي سبقت شهر رمضان هذا العام من أن تؤثر ارتفاعات الأسعار أو جهود الإغاثة الموجهة إلى غزة، على حجم «موائد الرحمن» بشكلها التقليدي، أو في تطوراتها بأشكال أخرى مثل مبادرات «الإطعام المغلف»، فإن الأيام الأولى من الشهر أثبتت العكس، مع انتشار الموائد؛ جوار المساجد حيناً، وداخل سرادقات على جنبات الطرق أحياناً أخرى، أو حتى أمام المحال التجارية.

نائب محافظ القاهرة يتفقد أعمال إقامة مائدة رحمن بحي مصر القديمة (محافظة القاهرة)

لا يتعجب النائب في مجلس النواب (البرلمان)، نادر مصطفى صادق، من استمرار مظاهر التكافل والدعم في مصر رغم الضغوط الاقتصادية التي طالت الجميع، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «النزعة التكافلية تتزايد لدى المصريين وقت الأزمات، فضلاً عن أن الشعب المصري قادر على التكيف مع أصعب الظروف».

وتعاني مصر أزمة اقتصادية ممتدة منذ سنوات مع نقص العملة الصعبة، ما أجبر الحكومة على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض عامي 2016 و2023.

وتتنوع أشكال «موائد الرحمن»، فخلاف التقليدية التي يجلس مرتادوها في حلقات على مائدة، يوجد ما هو أبسط، مثل المائدة التي يقيمها رفاعي رمضان (40 عاماً) القادم من الأقصر (جنوب مصر) لإقامة المائدة، وفيها يجلس مرتادوها القرفصاء على «حصيرة»، يتناولون إفطارهم، وأمامهم مسجد الحسين وسط القاهرة.

يقول رمضان لـ«الشرق الأوسط» إن عائلته اعتادت إقامة هذه المائدة منذ كان طفلاً، ورغم أن الأسعار ترتفع طوال الوقت، وأصبحت «التكلفة مرهقة»، لكنهم أصروا على مواصلة العادة، ولو بالقليل، وتكاتفت الأسرة وأبناء قريته وكل من يرغب في المساعدة لإقامتها.

استطاع رمضان، وهو يعمل معلماً، في أول أيام الشهر من تقديم «لحم وخضروات وأرز»، مشيراً إلى أن الوجبة تختلف وفق الميزانية المتاحة لديهم كل يوم.

«مائدة رحمن» يجري تجهيزها في محافظة قنا (أخبار قفط المنيا - فيسبوك)

وعلى خلاف المرونة التي يبديها رمضان في شكل الوجبة المقدمة، تكيفاً منه مع الأسعار وإمكانياتهم، تتمسك عائلة «الدخاخني» في منطقة الأميرية (تبعد نحو 15 كيلومتراً عن ميدان التحرير) بتقديم نوعية الطعام نفسها، والتي لا بد أن تضم «لحماً أو فراخاً أو كفتة» مشوية، ويعدها طباخون محترفون، حسب محمد الدخاخني (30 عاماً) وهو صاحب شركة استيراد، ويتشارك مع أشقائه في التكفل بالمائدة، التي «أصبحت تتكلف أضعاف ما كانت تتكلفه سابقاً».

يلاحظ رجل الأعمال الشاب أن «أسراً كاملة تقصد مائدتهم مؤخراً» قائلاً: «بدأ هذا الإقبال منذ العام الماضي، وظلت هذه الأسر تقصد المائدة يومياً طوال شهر رمضان».

توقع أن يستمر الأمر على المنوال ذاته هذا العام، حسب مؤشر «الإقبال الكبير» الذي لاحظه في الأيام الأولى من الشهر. و«تمتد مائدتهم الرمضانية لنحو 300 متر، وتسع نحو ألف شخص، بتكلفة تتجاوز الـ100 ألف جنيه في اليوم الواحد» على حد قوله.

ويُشترط لإقامة «مائدة رحمن» في القاهرة «تقديم طلب إلى الحي التابع لموقع المائدة، ليقوم بدراسة الموقع ومدى ملاءمته لإقامة المائدة، على أن يتم البت في الطلب خلال 72 ساعة، ودون أي رسوم» حسب بيان لمحافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر، في 19 فبراير (شباط) الماضي. ويشيد النائب نادر مصطفى بالتيسيرات الرسمية لإقامة الموائد، مشيراً إلى أنه «لم يرصد أي شكوى عن وجود عراقيل، بل على العكس».

وجبة إفطار مغلفة يجري توزيعها على المحتاجين في أول يوم من رمضان (الشرق الأوسط)

وترى أستاذة علم الاجتماع الدكتورة هالة منصور، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الموائد الرمضانية تعكس خصوصية للمجتمع المصري القائم على «التكافل»، لافتة إلى تطورها لأشكال أخرى سواء في «وجبات إطعام تذهب إلى المحتاج، ويستطيع استخدام الفائض منها مرة أخرى عكس المائدة، أو من خلال شنط رمضان التي تضم مواد تموينية يستطيع إعداد أكثر من وجبة منها خلال الشهر».

ولم تنجُ الأشكال المتطورة من المائدة هي الأخرى من تأثير الأسعار. كانت الأربعينية مي موسى، تعد نحو 50 وجبة إفطار يومياً في رمضان الأعوام الماضية وتوزعها على محتاجين في المناطق القريبة من سكنها في منطقة المرج (شرق العاصمة)، لكن «هذا العام ومع ارتفاع الأسعار لا أستطيع إعداد أكثر من 10 وجبات» وفق قولها.

تعتمد مي التي تعمل في مجال «المونتاج»، على أصدقاء وجيران وأقارب في المساهمة معها بتكلفة الوجبات، مشيرة إلى الصعوبة التي تواجهها في تدبير الوجبات مع «ارتفاع أسعار كل شيء تقريباً» ومع هذا «تمسكنا بالحفاظ على العادة نفسها حتى لو بعدد أقل للوجبات، أو استخدام الفراخ بدل اللحوم».

ويبلغ متوسط سعر الوجبة التي تعدها 80 جنيهاً (الدولار 50.58 جنيه). ويتراوح سعر كيلو اللحم في مصر بين 300 جنيه إلى 470 جنيهاً وفقاً لنوعها، فيما يبلغ متوسط كيلو الفراخ 100 جنيه.

وأشاد النائب في البرلمان نادر مصطفى بأساليب الإطعام المختلفة الموجودة في مصر، وأحدثها «كوبون يستطيع من يملكه أن يستبدل قيمته من محال معينة، ليشتري به ما يشاء».

ومع الإعجاب بالتطوير، ترى أستاذة علم الاجتماع أهمية الموائد التقليدية التي قد تكون الأنسب لعابري السبيل، أو من يقيم وحيداً دون أسرة، خصوصاً فيما تظهره من مظهر اجتماعي، وما تعكسه من أجواء رمضانية خاصة، مستبعدة فكرة «الوصم» بالفقر عند التناول من الموائد، التي تظهر بأشكال عديدة.

وتفرض الموائد نفسها منذ سنوات كمظهر احتفائي إلى جانب مظهرها التكافلي، مع ترسيخ تقليد لإقامة موائد طويلة ممتدة لأهالي مناطق بعينها مثل «مائدة المطرية» الشهيرة، والتي يشارك في الإفطار فيها سياسيون ومسؤولون حكوميون.