كانت رؤية الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز واضحة منذ توليه الحكم رسميا سواء على الصعيد الخارجي أو التنمية الداخلية، فقد كان همه الأول التحديث عن طريق التعليم وبرامج الابتعاث فيما يتعلق بالشأن السعودي، وفي الإطار العربي والإسلامي كانت تؤرقه هموم أمته ويدعو إلى دعم قضاياها. وحتى على صعيد السياسة النفطية لم تتغير الرؤية، فسياسة المملكة هي الاعتدال في الأسعار.
وهذا ما عكسه حواران أجرتهما {الشرق الأوسط} مع الملك عبد الله بعد توليه رسميا مقاليد الحكم بخلاف الحوارات التي أجرتها معه عندما كان وليا للعهد. وتعيد {الشرق الأوسط} اليوم نشر الحوار الذي أجرته معه في أغسطس (آب) 2006، حيث قال إن دعم لبنان واجب علينا، وتحدث فيه عن رؤيته في مضاعفة عدد الجامعات لإحداث نقلة نوعية في التعليم، فالتعليم هو الأساس لكل تقدم حسب ما قال في الحوار, كما تحدث عن حلمه منذ 25 عاما وهو الصرح التعليمي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.
خص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، «الشرق الأوسط» بحديث شامل كشف فيه عن توجهات المملكة الاستراتيجية في سياق عالمي في حالة تغير مستمر، وصف فيه الملك عبد الله اللحظة العالمية التي تدور فيها الأحداث بأنها «لحظة ضبابية»، إذ قال: «إن المملكة تتحرك بحذر في مثل هذه الأجواء». وتعرض خادم الحرمين في حديثه إلى حرب إسرائيل على لبنان، فدعا الجميع إلى دعم لبنان حتى يخرج من محنته، قائلا: «إن دعم لبنان واجب علينا جميعا، ومن يقصر في دعم لبنان فهو مقصر في حق نفسه وعروبته وإنسانيته».
وبدا الملك السعودي متأثرا في حديثه عن المحنة اللبنانية وما تعرض له لبنان من دمار. وشرح الملك عبد الله أسباب قلقه على غياب تصور إقليمي أو عالمي لأمن المنطقة، خصوصا غياب الاهتمام بعملية السلام في الشرق الأوسط، وقال: «لقد قدمنا مبادرة السلام، التي تبناها العالم العربي بالإجماع، ووجدت قبولا عالميا حتى في بعض الأوساط في إسرائيل».
ولكن الملك السعودي بدا عاتبا على غياب الاهتمام وعلى عجز آليات التنفيذ لتطبيق مثل هذه المبادرات على أرض الواقع.
وتحدث الملك عبد الله عن خيبة أمله في ما يخص تعثر القضية الفلسطينية وعملية السلام، وبدا أن الملك عبد الله يبحث عن تصور جديد ومتماسك قابل للتنفيذ في ما يخص السلام في الشرق الأوسط، إذ أكد مرة أخرى على أن «الظروف تغيرت اليوم، فالعالم اليوم دخل في حالة ضبابية، وفي منطقتنا اختلطت الأوراق، وبدت الرؤية غير واضحة».
سياسة المملكة كما يصفها الملك عبد الله هي «الانتظار حتى تتضح الرؤية، لكننا نعمل مع كل الأصدقاء والمعنيين لوضع حلول جذرية وجوهرية لهذه المشكلات التي تهدد استقرار المنطقة واستقرار العالم بأسره». وقال: «نحن حقيقة نشعر بعميق الأسف والحزن لما يتعرض له الشعب العراقي الشقيق من مآسٍ نرجو من الله جلّت قدرته أن يمكنه من تجاوزها ليحتل موقعه الصحيح في صفوف أمته العربية والإسلامية، متمتعا بالاستقرار والأمن والرخاء».
ودعا الملك عبد الله بن عبد العزيز القوى الكبرى في العالم إلى تفهم مشكلات العالم العربي والإسلامي، وبدا قلقا من أن «بعض القوى لا تفهم طبيعة المشكلات العربية والإسلامية»، ثم عاد وأكد على أن «سياسة المملكة هي حل الأزمات بالطرق السلمية».
ورغم تعقيدات الملفات الدولية والإقليمية وحتى الداخلية، ورغم تلك الرياح العاتية التي تعصف بالمنطقة، بدا العاهل السعودي واثقا وقويا، والقارئ المتمعن لعباراته، لا تفوته نزعة الملك عبد الله المتسامحة وسياسته «طويلة النفس» في تعامله مع الأمور حتى في مواجهة المملكة لخلايا الإرهابيين الذين سماهم الملك بـ«الأشقياء». وأكد خادم الحرمين الشريفين أن «ثقتي بربي تجعلني متفائلا دائما ولا يدخل اليأس إلى نفسي أبدا».
وفي رد على بعض القراءات لزياراته الدولية إلى آسيا وإلى تركيا مؤخرا، أكد الملك على خطأ من يقرأون هذه الزيارات على أنها «رسائل لدول على حساب دول أخرى»، إذ أكد الملك عبد الله أن الهدف من زياراته هو «خدمة مصالح المملكة العربية السعودية»، كما أكد أن علاقات المملكة الدولية «تنطلق من قيمنا، فنحن نصادق الجميع ونتمنى السلام للجميع».
وفي الإطار العربي والإسلامي أكد الملك عبد الله على أنه يحترم الجميع ويقدر الاختلاف ما دام الهدف من وراء هذا الاختلاف هو مصلحة الأمة، قائلا: «أنا أحترم من يحترمني، وحتى من يختلف معي أحترمه ما دام هذا الاختلاف ينطلق من مصلحة الأمة وليس مدفوعا بمصالح شخصية ضيقة».
وفي السياسة النفطية للمملكة أكد الملك عبد الله بن عبد العزيز على «أن سياسة المملكة البترولية هي الاعتدال في الأسعار، رغم المنافع التي تجلبها علينا زيادة الأسعار، إلا أننا ندعو إلى الاعتدال في أسعار النفط». وأكد الملك عبد الله على أن السوق تؤدي دورا، «فالإنتاج البترولي وفير، لذا أستغرب تقلبات السوق، والارتفاع غير المبرر للأسعار».
وشرح الملك عبد الله لـ«الشرق الأوسط» كثيرا من الوضع الداخلي في المملكة، وأكد أن «اقتصاد المملكة متين». وركز على انفتاح السوق السعودية للاستثمار، وقال: «أبوابنا وأسواقنا مفتوحة للمستثمرين، فأهلا بهم».
ورغم الفورة الاقتصادية في المملكة فإن الملك عبد الله كان مشغولا بما سماه «الثورة التعليمية التي تشهدها المملكة، وخصوصا في العلوم الحديثة والتقنية». وتحدث بإسهاب عن مشروعه الذي كان يمثل له «حلما منذ 25 عاما، وهو قيام صرح تعليمي بتكلفة 11 مليار ريال، وهو جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية»، والتي قال عنها: «إن هذه الجامعة ليست مفتوحة للسعوديين فقط ولكن لكل العلماء والموهوبين في العالمين العربي والإسلامي».
وأكد الملك عبد الله بن عبد العزيز على مضاعفة عدد الجامعات في المملكة من أجل ما سماه بـ«نقلة نوعية في التعليم: التعليم هو الأساس لكل تقدم»، هكذا قال الملك.
هذا النفَس الطويل الذي يتضح من رمزية مشروع حلم كان في ذهن الملك عبد الله منذ 25 عاما، وها هو يتحقق عندما توافرت فوائض الموارد. نفس سياسة الصبر والنفَس الطويل كانت واضحة في توجيهات الملك عبد الله في التعامل مع ملف الإرهاب، ففي اليوم الذي التقت «الشرق الأوسط» بخادم الحرمين الشريفين كانت النهاية السلمية للمواجهة التي جرت بين رجال الأمن السعودي وخلية للمتطرفين التي اتخذت من شقة في عمارة سكنية بجدة في غرب المملكة مقرا لها، وقال الملك عبد الله: «العملية تمت بنجاح ولم نخسر فيها أيا من رجال الأمن البواسل.. أرواح المواطنين غالية لدينا بمن فيهم أرواح مجموعة الأشقياء».
وشرح الملك عبد الله استراتيجية المملكة في مكافحة الإرهاب، هذه الاستراتيجية تعتمد على «جمع المعلومات أولا، فقد تتبعنا هذه الخلية لبعض الوقت، وتكونت لدينا الأدلة، ثم تحركنا». وقال: «كانت الأوامر هي الانتظار حتى يخرج جميع الأهالي بسلام، ورغم حماس رجال الأمن طلبت منهم الانتظار وضبط الأعصاب، فلا عجلة لدينا»، وأضاف الملك: «حياة المواطنين عندنا غالية جدا، وحتى هؤلاء من الفئة الضالة تهمنا أرواحهم».
وأكد خادم الحرمين على أن استراتيجية النفَس الطويل هي التي «أدت إلى حل الأزمة دون إراقة دماء. عندما طلب هؤلاء الأمان من الأمير محمد بن نايف منحناهم الأمان.. أرواح المسلمين وأنفسهم غالية علينا، حتى هؤلاء الأشقياء أتمنى أن يهديهم الله إلى طريق الرشاد».
اهتمام الملك بالمواطن السعودي وأمنه كان واضحا عندما سألته عن مواطنيه، فرد قائلا: «ومن نحن من دون المواطن السعودي؟! نحن نستمد قوتنا من الله ثم من مواطنينا»، وأكد خادم الحرمين أن «المواطن السعودي راضٍ عن حكومته وحكومته فخورة به وراضية عنه».
ورغم طول المقابلة بدا الملك عبد الله حتى في نهايتها مفعما بالحيوية وعلى وجهه ابتسامة فخر وهو ينهي حديثه بعبارات الحب والثناء على المواطن السعودي.
* حربنا ضد الإرهاب لا تتوقف.. لكننا نثمن الحياة وأرواح المواطنين في كل عملياتنا
* استراتيجيتنا في مكافحة الإرهاب هي التأني في جمع المعلومات والحزم في المواجهة والحفاظ على الأرواح
* المملكة تتجه لنقلة نوعية في التعليم
* جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية مفتوحة للموهوبين والعلماء في العالمين العربي والإسلامي
* يقلقنا أن العالم يعيش لحظة ضبابية.. ونتمنى أن يخرج منها كي تتضح الرؤية
* بعض القوى لا تفهم طبيعة المشكلات في العالم الإسلامي
* سياسة المملكة النفطية هي الاعتدال
* الإنتاج البترولي وفير.. لذا نستغرب تقلبات السوق والارتفاع غير المبرر أحيانا للأسعار
* نشعر بعميق الأسف والحزن لما يتعرض له الشعب العراقي الشقيق من مآسٍ
* زياراتي الدولية من أجل المملكة وليست رسائل لدول على حساب دول أخرى
* أحترم من يحترمني.. وحتى من يختلف معي أحترمه ما دام ذلك ينطلق من مصلحة الأمة وليس من منطلق مصالح ضيقة
* ثقتي بربي تجعلني دائما متفائلا ولا يدخل اليأس إلى نفسي