جو برزا: أستوحي الأصالة وصورا من طفولتي في أطباقي

اختير بين الـ50 شيف مطبخ الأكثر تأثيرا في العالم

طبق «المفتولة» على طريقة  الشيف جو برزا
طبق «المفتولة» على طريقة الشيف جو برزا
TT

جو برزا: أستوحي الأصالة وصورا من طفولتي في أطباقي

طبق «المفتولة» على طريقة  الشيف جو برزا
طبق «المفتولة» على طريقة الشيف جو برزا

يشكل خلطة بحد ذاته لا يمكن أن تصادفها في أي شيف مطبخ آخر. فاسم جو برزا لمع في أكثر من بلد ووسيلة إعلامية عالمية، كما حصل على جوائز عدة، وحقق أكثر من إنجاز أحدثها اختياره بين الـ50 شيف مطبخ الأكثر تأثيرا في العالم.
«لا يمكنني أن أكون مجرد عابر سبيل في هذه الحياة، فأثري أتركه أينما حللت، وهذا هو الفرق بيني وبين غيري في مهنتي»، بهذه الكلمات يصف الشيف جو برزا شغفه بالطبخ هو الذي استطاع أن يخترق العالمية ويوصل المطبخ اللبناني الأصيل والتقليدي والمستحدث في الوقت نفسه إلى مختلف بقاع العالم. «لا أعلم كيف أبتكر وصفاتي، وأحيانا كثيرة أنسى مم تتألف، فهي تولد معي في اللحظة ذاتها التي أخوض فيها أي تحدٍ، ولكن ما يمكنني أن أؤكده أن صورا أحتفظ بها في ذاكرتي للتجاعيد المرسومة على وجه جدتي، وللشلحة التي تلف جسدها الرقيق وهي تسير بخطى ثقيلة، هي التي تلهمني وتجعلني أتعلق أكثر فأكثر بأصالتنا الحقيقية في مجال الطهي».
تطول لائحة الإنجازات التي حققها ابن مدينة صور الجنوبية جو برزا في مسيرته المهنية، إضافة إلى التسميات الكثيرة التي خولته ترأس أكثر من وفد لبناني في مسابقات عالمية. فكان المسؤول عن مطبخ مهرجان الألعاب الفرنكوفونية عام 2009، حيث كان يقوم بتحضير 25000 طبق طعام يوميا، كما ترأس عام 2008 الوفد اللبناني للطباخين المشاركين في مسابقة «بوكوز دور» في مدينة ليون الفرنسية، وفي مهرجان «لو ميجور دي لا غاسترونوميا» في مدينة أليكانتي الإسبانية، كما مثّل المطبخ اللبناني في «مهرجان سيدني للطبخ» عام 2010، كل ذلك شكل الفارق الكبير بينه وبين زملائه في هذه المهنة.
في عام 2006 نال جائزة صاحب «أفضل فكرة ساندويتش لسمك التونة» في مهرجان «جيروتونو»، الذي أقيم في مدينة كارلو فورتيه في مقاطعة سردينيا الإيطالية، والخاص بهذا النوع من السمك. «الفكرة كانت بسيطة رغم أن التحدي كان ضخما»، يقول جو برزا في سياق حديثه لـ«مذاقات». ويتابع: «تخيلي أن أهم الطباخين العالميين الذين جاءوا من اليابان وإسبانيا وفرنسا وغيرها كانوا هناك، وعندما شاهدت أحدهم يتفحص سمكة التونة التي ينوي اختيار قطعة منها لاستعمالها في طبقه، وجدته يضع المجهر ليتأكد من عمرها ومن سماكة لحمها. أما أنا فطلبت من المسؤول عن السمكة أن يعطيني قطعة تونة من أول سمكة وقع نظري عليها». وعن الفكرة التي استخدمها وحققت له هذا اللقب؟ يرد قائلا: «لقد أخذت معي من لبنان البهارات الخاصة بالشاورما وخلطتها مع سمكة التونة بعد أن طهيتها، وقدمتها في الساندويتش كما هو مطلوب مني في المسابقة، فانبهر أعضاء اللجنة بطعمها الغريب ونلت بطولة العالم في صنع ساندويتش التونة».
ليست الصدفة هي التي لعبت دورها في مشوار الشيف جو برزا الطويل، بل الإصرار على النجاح من ناحية، والحس المرهف الذي يتملكه أثناء قيامه في عمله من ناحية ثانية.
«لا أستطيع أن أصف لك شعوري وأنا أقوم بمهمة الطبخ، فحواسي جميعها تعمل كالمحرك بدءا من عيني، مرورا بأنفي ووصولا إلى أناملي، فعندما أمسك بالسمكة مثلا أتعامل معها برقة تماما، كما أتصرف عندما أمسك بيد امرأة أحبها، فشغفي بهذه المهنة هو سبب نجاحي فيها»، يقول جو برزا الذي تزين أصابعه خواتم نحاسية وأخرى فضية. فهو يعطي اهتماما كبيرا لشكله الخارجي، فيتميز بلحيته البيضاء الصغيرة التي لا تفارق ذقنه، وقبعاته غير الاعتيادية التي يعتمرها في إطلالاته، ليس بداعي لفت النظر كما يقول، بل لإجراء الفرق بينه وبين الآخرين ولتثبيت هويته التي لا تشبه هوية أحد غيره. فالشيف برأيه هو سلة متكاملة لا يمكن التفريط بأي عنصر من عناصرها.
لا بد أن يترك الشيف جو برزا عندما تلتقيه انطباعا لديك بأنه فنان من رأسه حتى أخمص قدميه. فمن يبتكر ساندويتش مؤلف من «البسطرما» الممزوج باللبنة، أو طبق «المغربية» بالسمك بدل اللحمة، أو «الكبة أرنبية» بثمار البحر، أو الـ«مش متبل» لطبق الباذنجان والمتبل بالثوم من دون استخدام الطحينة، يعلمك تلقائيا أنك أمام حالة لن تتكرر.
كيف استطاع أن يدخل لائحة الـ50 شيفا الأكثر تأثيرا في العالم؟ يقول: «من خلال الشهرة التي حققتها تباعا والتي دخلت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل لافت، فالقيمون على هذا اللقب يقومون بالبحث والتدقيق حول نسبة المتابعة التي يحققها هذا الشيف أو ذاك عبر هذه الوسائل وغيرها، وعلى هذا الأساس يتم اختياره».
بدأ الشيف جو برزا مشواره مع المطبخ عام 1982 عندما تخرج في المدرسة الفندقية في لبنان. بعدها سافر مباشرة إلى جنوب أفريقيا، حيث عمل لمدة 5 سنوات إلى جانب طهاة ينتمون إلى 14 بلدا أجنبيا. «هذه التجربة علمتني أن أفكر قبل أن أنفذ وأن نجاح الشيف يكمن في حسه وفي ثقافته المطبخية أيضا. وعندما عدت إلى لبنان قررت أن يكون لشيف المطبخ كيانه الخاص وأن أفرض احترامه بشكل أو بآخر من قبل الناس الذين يتعاملون معه، فلا يعود مجرد (عشي/ تسمية الطباخ قديما في لبنان)، يخجل من ذكر المهنة التي يمارسها لأنها بالنسبة للآخرين ليست ذات قيمة».
نجح جو برزا في هذا التحدي أيضا وصار لـ«العشي» كيانه، وبات نجما يحكى عنه في الصالونات ووسائل الإعلام، أما هو فكان لإطلالته على الشاشة الصغيرة في برنامج «توب شيف» العالمي في نسخته العربية، صدى كبير في العالم العربي، وخصوصا أن هناك أكثر من 5 ملايين مشاهد تابعوا البرنامج عبر محطة (إل بي سي) اللبنانية والفضائية وغيرها من المحطات العربية التي اشترت حقوق عرضه. كما حقق تجارب أخرى في الإطار نفسه على شاشاتي «روتانا» و«إم بي سي». «كانت تجربة جميلة جدا استمتعت فيها وهدفي كان إبراز مواهب خارقة في مجالنا لم يتح أمامها الفرصة المناسبة. كما جعلت بعض هؤلاء يبادلون بالاحترام من قبل رب العمل لديهم، فهم أصبحوا نجوما وشهرتهم غطت على مرؤوسيهم بشكل أو بآخر».
هكذا هو الشيف جو برزا في حركة دائمة جسديا وفكريا، فهو لا يتعب ولا يتوقف عن التنقل بين لبنان وبلدان أخرى، فهو يمثل شخصية «سندباد لبنان» دون منازع، فبالكاد تحط قدماه في إسبانيا لينتقل منها إلى موجان وأستراليا وبلاد المالديف والكويت وقطر ودولة الإمارات العربية وإسطنبول وهولندا، فينشر تجربته ويعلمها لطلاب الجامعات في هذا المجال، وأحيانا يطلب بالاسم لتحضير عشاء ملكي في بلد عربي أو آخر للطبقة الأرستقراطية في بلد غربي.
«سأجعلك تتذوقين الآن طبق المفتولة أحدث ابتكاراتي وأرغب في أن تعطيني رأيك فيه»، هكذا بادرني الشيف جو وهو يقدم لي هذا الطبق ذا المكونات الصحية والطبيعية التي يجنيها من مزرعته الخاصة، والتي يستثمرها على مساحة 40000 متر مربع في بلدة صغار في منطقة البترون. وقبل أن أبدي رأيي في هذا الطبق اللذيذ والخفيف معا سألته: هل ما زلت تهتم برأي الآخرين بك رغم كل هذه الشهرة التي حققتها؟. يرد مبتسما: «طبعا، فلمن أطبخ إذن؟ وكيف أعلم أنني ما زلت أسير على الخط المستقيم، أو أن هناك نكهة أفضل من غيرها؟ اسمعي، هناك الشيف مصطفى الذي يرافقني أحيانا كثيرة في عروضي المباشرة أو في بعض المطابخ التي تستقبلني، عمره لا يتجاوز 22 عاما، ومع ذلك فأنا آخذ برأيه وأهتم به لأنني أعرف أنه ذواقة في هذا المجال، فالانطباع الذي يأخذه الآخرون عني يهمني».
بماذا يحلم الشيف جو برزا الذي يملك، حاليا، مطعم «بيولاند» للأطباق البيولوجية في منطقة الأشرفية في بيروت؟ يرد بحماس: «أحلامي كثيرة، وستسمعون عنها قريبا. ولكن هدفي الأول والأخير هو اختراق المطابخ العالمية بمكونات الطعام اللبناني، بالبرغل والسماق واللبنة والبهارات السبع وما إلى هنالك من نكهات لبنانية عريقة. فنحن نملك أطيب مكونات طعام في العالم، وحاليا يحقق مطبخنا اللبناني النجاح تلو الآخر، ولكنني أرغب في المزيد وأريده أن يتفوق أو أن يضاهي بمستواه المطابخ العالمية الأخرى».

* وصفة طبق «المفتولة» من الشيف جو برزا لـ4 أشخاص
المكونات:

250 غرام مفتولة (معجنات تشبه حبوب المغربية)
2 كوب ماء
1 كوب من نبتة القصعين المغلية في المياه
1 كوب زيت زيتون
20 غراما بصل مفروم
20 غراما ثوم مطحون
17غراما عصير البندورة
10غرامات رب البندورة
5 غرامات رب الحر
5 غرامات من دبس الرمان
200 غرام من شرائح قطع صدر الدجاج الرقيقة المشوية
رشة ملح + رشة بهار + رشة كزبرة مطحون + رشة كمون + رشة بقدونس مفروم + رشة نعناع يابس + كمشة حبوب من ثمرة الرمان

* طريقة التحضير:
أخلطي كمية المياه مع كميات رب وعصير البندورة ورب الحر والملح وباقي البهارات واتركيها تغلي. في وعاء آخر اقلي البصل ليصبح شفافا من ثم أضيفي كمية الثوم وبعدها حبوب المفتولة. ضعي كميات صغيرة من المزيج المغلي فوق المفتولة على عدة مراحل أي في كل مرة تجدينها تشربتها بشكل جيد، واتركيها تنضج على نار خفيفة نحو الـ15 دقيقة حسب نضجها.
ارفعيها عن النار وأضيفي فوقها كمية مياه نبتة القصعين المغلية وبعدها اسكبي كمية زيت الزيتون فوقها وقدميها في الطبق بعد أن تضعي فوقها شرائح الدجاج المشوية المخلوطة بكمية البقدونس المفروم وزينيها بحبوب ثمرة الرمان.



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.