تونس تعيش على إيقاع الصمت الانتخابي اليوم.. وغدا اختيار الرئيس

المتحدث باسم «النهضة»: امتناعنا عن دعم أي مرشح ليس مراوغة

أنصار المرشح الرئاسي الباجي قائد السبسي يحملون اللافتات في شارع بورقيبة بالعاصمة خلال الحملة الانتخابية الرئاسية (أ.ف.ب)
أنصار المرشح الرئاسي الباجي قائد السبسي يحملون اللافتات في شارع بورقيبة بالعاصمة خلال الحملة الانتخابية الرئاسية (أ.ف.ب)
TT

تونس تعيش على إيقاع الصمت الانتخابي اليوم.. وغدا اختيار الرئيس

أنصار المرشح الرئاسي الباجي قائد السبسي يحملون اللافتات في شارع بورقيبة بالعاصمة خلال الحملة الانتخابية الرئاسية (أ.ف.ب)
أنصار المرشح الرئاسي الباجي قائد السبسي يحملون اللافتات في شارع بورقيبة بالعاصمة خلال الحملة الانتخابية الرئاسية (أ.ف.ب)

يتوجه التونسيون غدا إلى صناديق الاقتراع في أول عملية انتخاب لرئيس تونسي عبر الاقتراع المباشر منذ الاستقلال، لكن لا يبدو أن معظم التونسيين حسموا - بعد - اختيارهم للمرشح المفضل، ومن هو المرشح المفضل لديهم من بين 22 مرشحا للتصويت.
ورغم حملات الدعاية الانتخابية التي ملأت وسائل الإعلام وجابت الشوارع والأسواق في حركة غير مسبوقة في التاريخ السياسي التونسي، فإن الغموض لا يزال يلف المشهد السياسي مع تتالي الانسحابات من منافسات الرئاسة (5 مرشحين حتى الآن).
ولا يبدي التونسيون ارتياحا بسبب انحصار المنافسات الرئاسية بين طرفين فحسب، في تغييب يكاد يكون مقصودا لبديل ثالث قد لا يحمل المواصفات نفسها للمرشحين الأوفر حظا؛ الباجي قائد السبسي، والمنصف المرزوقي.
منيرة، أستاذة علم اجتماع، تقيم في تونس العاصمة، عبرت عن حيرتها تجاه من ستختار غدا الأحد، وأكدت أنها قد تضطر للتصويت للسبسي بسبب عدم اقتناعها بطريقة إدارة المرزوقي لمؤسسة الرئاسة، وتستشهد بمجموعة من الزلات والأخطاء التي أثرت كثيرا، حسب رأيها، على أدائه وانجراره إلى حلبة منافسيه، من دون أن يقنع التونسيين بصورة مختلفة عن الرئاسة التقليدية، على حد تعبيرها.
وتؤكد منيرة غلبة الكفة للباجي المدعوم من عدة مراكز قوى، سواء بشكل مباشر أو من خلال خيار الصمت، مثلما تفعل حركة النهضة من خلال عدم مساندتها الصريحة لأي مرشح.
وتذهب معظم التوقعات نحو تضييق مجال المنافسة بين السبسي، رئيس حركة نداء تونس، والرئيس التونسي الحالي المنصف المرزوقي المرشح المستقل، وهو ما لا ترتضيه الأغلبية الصامتة من المواطنين، ولكنها باتت مجبرة على الاختيار أو التخوف من ضياع أصواتها، إذا أعطتها لمرشحين تبدو حظوظهم في الفوز ضئيلة للغاية.
وترى صابرين الهمامي، وهي مهندسة معمارية عاطلة عن العمل، أن الخيار الثالث مفقود في الانتخابات البرلمانية الماضية والانتخابات الرئاسية الحالية، وتقول إن «كثرة الترشيحات لا تعكس كثرة الاختيارات، بل هي محدودة للغاية».
ورغم وقوف المرزوقي جنبا إلى جنب مع قائد السبسي في استطلاعات الرأي، التي تؤكد أنهما بعيدان بأشواط كثيرة عن بقية المنافسين، فإن المرزوقي قد يكون منافسا سهلا بالنسبة لحركة نداء تونس، التي أقنعت فئات كثيرة من التونسيين بأن الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي لا يمكن أن يقوم به سوى السبسي، وذلك من خلال الوعود الكثيرة بعودة الاستثمارات الخارجية، ومنح القروض من مصادر التمويل الدولية والإقليمية.
وفي ظل هذا الوضع السياسي الضبابي، أشار المنجي بن جلول، وهو مدير مؤسسة تربوية، إلى أن اللجوء إلى «التصويت المفيد» هو ما يبحث عنه حزب حركة نداء تونس، وذلك من خلال اختيار المرشح الذي يمكن مهاجمته بسهولة، والتذكير بأخطائه السياسية الكثيرة. أما مرشحو العائلة الديمقراطية، على غرار مصطفى بن جعفر، وأحمد نجيب الشابي، فهم «القادرون فعلا على إحداث توازن صحيح مع مرشح حركة نداء تونس، ولكنهم لم يستطيعوا الظهور في الصورة نتيجة نتائجهم الضعيفة في الانتخابات البرلمانية، وقوة آلة الدعاية التي حيدت أكثرهم منذ بداية الحملة الانتخابية»، على حد تقديره.
وتنصب كل العيون خلال أول انتخابات رئاسية بعد ثورة 2011، على الاسمين اللذين سيحظيان بالمرتبتين الأولى والثانية في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، باعتبار أنها ستمكنهما من دخول المنافسات في الدور الثاني، بالنظر إلى صعوبة حسم الأمر منذ الدور الأول بحصول أحد المرشحين على نسبة 50 زائد واحد من أصوات الناخبين.
وبدا غياب حركة «النهضة» عن هذه الانتخابات واضحا، وأثار جدلا كبيرا؛ حيث اعتبره البعض خطة للاتفاق مع الرئيس المنتصر، أو مراوغة سياسية، بينما عده مناصرو الحزب إضاعة لفرصة تدارك الانتخابات التشريعية، وقد تعيد لـ«النهضة» مكانا قويا، وفي هذا السياق قال زياد العذاري، المتحدث باسم حركة النهضة، لـ«الشرق الأوسط»، إن حزبه اتخذ موقفا واضحا من الانتخابات الرئاسية، وقرر منذ البداية عدم التقدم بمرشح من داخل الحركة، أو تقديم الدعم لأي مرشح رئاسي من خارجها، وذلك بعد سلسلة طويلة من المشاورات السياسية والحوارات المستفيضة داخل هياكلها المنتخبة، بهدف عدم التسبب في تقسيم التونسيين، وبالتالي تفادي الاستقطاب الثنائي بين حركة النهضة وحركة نداء تونس.
وأبدى العذاري رضا قيادات حزبه عن خيارها السياسي، بعد أن قدمت مبادرة في السابق بشأن «رئيس توافقي للتونسيين»، ولكن المبادرة رفضت. وفي المقابل حاولت بعض الأطراف السياسية إحياء المبادرة نفسها تحت مسمى «مبادرة العائلة الديمقراطية والاجتماعية»، إلا أن السياق الزمني تغير ولم يعد من الممكن تنفيذ تلك المبادرة، خصوصا بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية التي مثلت صدمة بالنسبة للكثير من مرشحي الأحزاب السياسية.
ونفى العذاري أن تكون حركة النهضة قد فوتت الفرصة على نفسها بعدم التقدم إلى الانتخابات الرئاسية أو تضررت من غيابها عن الساحة السياسية، بل على العكس تماما، فإن موقفها قد جنب البلاد المزيد من التقسيم، وأبعد عن التونسيين الاستقطاب الحاد الذي برزت معالمه، حتى وإن كانت «النهضة» بعيدة عن المشهد وتتبرأ من دعم أي مرشح للرئاسة.
وبشأن اتهام حركة النهضة بالمناورة من خلال عدم مساندة أي مرشح في الظاهر وإسداء تعليمات في الخفاء لأنصارها بترجيح كفة أحد المرشحين أو الاتفاق الخفي على تقاسم السلطة من خلال فسح المجال أمام أحد المرشحين للفوز برئاسة البلاد، أوضح العذاري أن «هذا لم يحصل ولن يحصل»، على حد تعبيره، مضيفا أن «كل القيادات السياسية وجميع المنخرطين في حركة النهضة يحترمون القرار الديمقراطي الذي اتخذه مجلس شورى حركة النهضة ويعملون على تنفيذه».
ووضعت، أمس، نقطة نهاية الحملة الانتخابية المتعلقة بالانتخابات الرئاسية لتفسح المجال لحكم صناديق الاقتراع، وأعلن معظم المرشحين عن تنظيم اجتماعات اختتام حملاتهم قبل يوم من انتهاء المدة القانونية.
وبدأت الحملة في 1 نوفمبر (تشرين الثاني)، واستمرت إلى غاية يوم 21 من الشهر الحالي، وتعيش تونس اليوم ما يعرف بـ«يوم الصمت الانتخابي»، الذي يمنع فيه أي نوع من أنواع الدعاية للمرشحين.
وقد اختلفت أساليب الدعاية بين المتنافسين، البالغ عددهم 22 مرشحا بعد إعلان 5 منهم عدم استكمال المنافسات؛ حيث اعتمد بعضهم على الجولات في المناطق الشعبية والفضاءات العامة، وفضل آخرون أسلوب حشد الأنصار في قاعات كبرى للتأكيد على جماهيرية المرشح، بينما اكتفى آخرون بعقد مؤتمرات صحافية بعد أن أدركوا صعوبة مجاراة نسق بقية المتنافسين على قصر قرطاج.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».